samedi 18 décembre 2010
القدير أحمد مغناجي ياسين وجمعية شعراء جنة الثقافة يكرمان بوكرش محمد يوم 10/12/2010 بسكرة
القدير التشكيلي أحمد مغناجي ياسين
Le Paradis de la culture Décerne BOUKERCH MOHAMED a Biskra ALGER
الفنان افتارجيت دانجال وبحثه عن المجاز في المطلق / الفنان علي النجار
القدير الفنان علي النجار
الفنان افتارجيت دانجال وبحثه عن المجاز في المطلق
………………………………………………
(وقال جمع التكليف شمل الكون فلا تقل هذا حجر وهذا شجر فلا أبالي.
غاية العين ان يعرفك الحجر والشجر والحيوان ولا تعرفهم إلا بعد كشف
الغطاء ولا تقبل المعاذير. )
( وقال النور واحد فيه أضاء العلو والسفل فيما يفتخر العلو على السفل.)
المتصوف العربي: محي الدين ابن العربي.
الفنان(افتارجيت دانجال) وأعماله شيء جسيمي واحد لا انفصال فيما بينهما, وفي سبيل كشف بعض مخبوءاتهما, وانأ لا أميل إلى الدلالة المشهدية فقط, إذ علينا ان ننبذ بعضا من سبل النقد مابعد الحداثي, وبالذات ما يخص ما بشر به(رولان بارت) منذ حوالي النصف قرن, بإقصاء سيرة المبدع والنظر إلى افصاحات العمل الإبداعي فقط وحتى من خارج نصه أو مشهده. وأعمال افتارجيت الفنية سواء أفصحت عن مرجعياتها الإبداعية أم لم تفصح, فما هي إلا سيرة ملغزة بفعل إضماري موصول بسيرة نشأته الثنائية. واعني بها النشأة البيئية والنشأة الثقافية السرية(الصوفية) وكلتاهما متلازمتين, من هنا لا يمكننا فصلهما عن بعض. وهو إذ يستذكر أو يستعيد سيرة أسرته أيام طفولته التي لا تنفصل عن سيرة الطبيعة ومحور كائناتها الخليقية في قرية من قرى البنجاب وممارسات أهلها اليومية العملية المندمجة وطقوسها الذاتية الإحيائية. فإنما ليستنبتها مجالا لا يود فقد رفقة مسراته في سيرة أعماله(وأعماله كلها سير), وهو المشاء الذي يتنقل ما بين شرق وشرق رغم مكوثه لزمن طويل في الغرب(انكلترا).
عند اكتمال عدة أو فكرة العمل عند افتارجيت فليس هناك حدود ما بين التأمل وبدأ التنفيذ حتى اكتمال العمل أو كما يتوهم اكتماله. وأعماله في النهاية ما هي إلا مسارات إما تتبع الضوء حتى خفاء مصدره, وإما هي أجرام تتكوكب ضمن حلقات استداراتها من والى المركز والى اللا نهاية. وان كانت التجربة تتكرر, فلكل تكرار شروط نمو بقدر ما يتواصل ينفصل. كما هو الوصل الوجودي الصوفي في تكرار دورة أسماءه أو برازخه. وأعماله إذ تبني أنساقها من الداخل مكتفية به وله. كما الذرة وتفرد اكتفائها بعالمها الأصغر الذي ينكشف اكبر بمسابر الكشف الذري, وحيث النظر الإنسي عاجزا عن إبصارها. وحتى ان بدت كصور, سواء كانت نحتا مجسما أو سطحا مصبوغا أو معفرا أو مصورا فانه دائما ما ينشئها ضمن معادلة(الضوءـ الحركة الداخلية المحورية ـ الصورة) مسترجعا صيغة الداخل ـ خارج, والخارج ـ داخل, موظفا الحدس الداخلي كفعل ورد فعل وحركة ومسار. وحتى في عمله النحتي(الحفر, رليف) الذي نفذه في منتزه(سوان لايم بوكت)* والمعنون(العاصفة والمسافر(1). فالصخرة التي حفر عليها علامة الجسد الهندي المسافر لا تشكل لديه غير وسيط لنقل فعل الحياة كسفر أزلي. وعلى الرغم من توثيقه لهذه الشخصية المشاءة وزوادتها المتقشفة كأثر مستحضر من أيام الحج عبر الجغرافيا الزمنية بأجوائها المناخية المتقلبة والمتغيرة. فانه ومن اجل ان تكون مشهدية عمله متوافقة وخزين معارفه الاتثروبولوجية الشرقية عمل على إخفاء كل ملامحه(وكما يبدو لنا الشخص في هذه المنحوتة) وأظهر هيكل الجسد كما تحده منحنياته الخارجية وحدود الصخرة حاضنه العمل, وكما هو علامة مستنسخة مثلما هي المحفورات الصخرية الأفريقية وخاصة الشمالية منها. والتي نستحضرها كآثار امتلكها الزمن قبل الجغرافيا.
منحوتته الحجرية الثانية(مقعد بجانب النهر) والتي اشتغلها في نفس المنتزه وبالرغم من الاختلاف الكبير فيما بينهما من حيث الهيئة العامة والمفردة والاسلوب, إلا ان ثم خيط سري يشدهما لبعض. فان أصبح الجسد يمثل الحركة والانطلاق في المنحوتة الأولى فان الحركة تنتظم في مسارات الخطوط الحجرية الملتوية التي تربط أحجاره المنحوتة والمشذبة حتى تفصيلها النحتي الرئيسي الذي يفتح نافذة لأبصار بقية أجزاء العمل النحتي ألمشهدي في مساراته المحيطية مثلما يدعو لوقفة أو جلسة للتأمل. وان أشار الجسد لحركة مسيرته الأزلية. فان أحجاره الأخرى لم تكتفي بثباتها لقى على طريق السفر.
إذا كان المتصوف الهندي من أتباع الطريقة(الجشتية) يلبس الثياب المصبوغة بلحاء شجر السنط.
فذلك لكي يتماها وادراكاته المفرطة بوحدة الوجود. والوحدة ـ توحدا, غوصا أو كشفا لمخبوءات الأرواح السرية لعناصر الطبيعة اندماج متصل لا منفصل. وان كانت أعمال افتارجيت وحدات منفصلة أنتجتها ازمنته المتتابعة. فإنها في نهاية الأمر لا تعدو ان تنتظم في مسار انطولوجي واضح المعالم ومتوحد في مداركه الإبداعية التي استودعت كل الأمكنة التي ارتادها (مشاء), حيث تنبسط الأمكنة أمام ناظريه, وليقوده حدسه الذي يؤمن بالهامة. و حدوسه التي اختزنتها ذاكرته تلاحقه ان لم تكن تلازمه في كل ترحالاته الفنية عبر مدن الشرق والغرب. وان لم يستطع للعديد من مشاريعه الفنية ان يحملها اقتناءات شخصية. فانه ينثرها هبة للناس والمكان تذكارات للنور المرتجى. وان كان لحاء الشجر حاضنا لنسغ الروح النباتي. فثم انساغ عديدة حاول الفنان كشف خفاياها سواء ما كان منها من يسكن الشجر أو الصخر أو المعدن. وهو الذي يمجد العمل اليدوي(نجارا أو حدادا, كما تعلم درس قريته الأولى) وحسب ما تمنحه هبة الطبيعة و وما يمنحه هو للناس. ولم تكن هباته هذه إلا بعضا من سيرة حياة ممهورة أو منذورة للهبات.
أعمال افتارجيت ظاهريا مختلفة اداءاتها, وإدراكيا متقاربة. لكنها تأخذ مساري تنفيذ, فهو كنحات معتمد يعالج المواد الصلبة سواء كانت خشبا أو معدنا أو صخرا بأدوات قابلة لترك الأثر على كل من هذه المواد وبما يناسب طبيعتها الفلزية. لكنه وكفنان مفاهيمي يعالج هيئات منحوتاته عبر ما تقترحه ذاكرته المفاهيمية من مشاهد إدراكية لا تبتعد عن مسارات ذهنية صوفية من خلال الاشتغال على محاولات لإحياء النبض السري لكائناته المقترحة سواء كانت هيئة تشخيصية واضحة, أو ملغزة: تتلبس هيئة الصخرـ ماءـ نبع ـ قمرـ زورق شاردـ ضوء, نور مستعاد من القاع أو الفضاء. أو صفائح معدن تنفلت في زوبعة أفلاك الوجود القصية تخفيفا لأثقال فيزيائيتها وفيزيائياتنا المثقلة أوهاما. فانه في كل ذلك لا يترك منحوتاته في موضع ما بدون ان يخطط لها مسارات تربطها وأواصر الطبيعة والمحيط, سواء خطوط أو بقع إنارة أو مكانا صالحا للإقامة بما يحاذيه من علاقات معمارية أو إحيائية توحده أو تربطه بها.
البحث في مادة العالم ولعه. وان تشكلت هذه المادة عبر مجالين متزامنين فيزيقي وميتافيزيقي. فان أعماله الفنية لا تبتعد في أدائها المظهري عن كلا المجالين ان لم يلتقيا أو ينتظما كلاهما في نسق أدائي واحد. وهو إذ يؤمن باختلاطات مادة العالم فان صفاء فضاءات مشهدية أعماله متأتي أيضا من صهر اختلاطات مشهدية الثقافات كما اختلاط الأجناس. فما بين الإرث الصوفي الشرقي والأداة المفاهيمية المعاصرة وهبات الطبيعة(كما يفهمها, وهي بعض من مادة العالم) يتشكل منجزه وسط حاضن إنساني يجد دوما الفته أو خلاصه وسطه ولا يبتعد عن ذلك حينما يدون على إحدى منحوتاته(أتيت إلى هنا مع حفنة من الأدوات. الناس البيض والسود أعطوني الفكرة. ماذا علي ان اخلق. أعارتني الأرض صخور عملت عليها أفكاري من خلال الحب وجهد العمل. وانأ أحببتها لا أكثر وطبعة قدم في ذلك الوقت وفي يوم ما(2). وقوله بان الناس أعطته الفكرة أجده قولا مجازيا. ربما قصد به المكان بمخلفات آثاره أو بصماته الإنسانية كمعطى قابلا للمناورة بمجاورة مقارباته المفاهيمية لدلالة المحيط والإقامة مثلما هو المضمر من دلالات نصوص النص الصوفي إذ لا يعني ظاهرها باطنها(خفيها) بقدر ما يعني استنطاقها من داخلها.
في كل عروضه الجماعية التي حضرتها في عدة مدن أوربية يأتي افترجيت برفقة فكرة تلبسته لا ادري منذ متى لكنها جاهزة للتنفيذ وبدون ان يحمل معه أية أداة لتنفيذها, ثم بعد ان يستكشف المكان يبدأ
في تجميع أدواته (مواد التنفيذ) من صحائف ورقية ومواد أولية وصبغية مختلفة ويبدو متأنيا ومستمتعا بأداء طقوس مهنته التي تحوله إلى كيان واحد مندمج وتفاصيل أداءه. ينشأ أولا مكان إقامة لـ(ثقب الأرض ـ الثقب الأسود) أو لـ(كون احدب) هو دائرة متعاظمة, أو هو الضوء في أتم لحضات خطفه وخفاء إبصاره. وان استعان في الصبغة في إظهار مشهده, فانه أحيانا ما يستعين بالمادة الفلزية(الملح أو نشارة الخشب أو العشب الجاف). فان كانت الصبغة توصله لعتمة الثقب, فان بقية المواد توفر له توهجه. ويبقى حوار (الضوء ـ عتمة ـ مدار) شاغله حتى ينتهي من أداء مهمته أو لحضات نشوته الإبداعية وليهب المكان عمله, مثلما وهبه للمشاهدين. رحلاته الاستكشافية الخاطفة هذه دائما ما تمنحنا دهشة التمتع بتفاصيلها سواء المنجز منها أو الذي في سبيله للانجاز أو المكتمل انجازا. ويبقى متفرد بيننا نحن الذين أتينا من بقاع الدنيا المختلفة, وهو الذي يحبذ الإقامة بمقامات وادراكات مختلطة.
ليس عبثا ان يستشهد افتارجيت بأبيات الصوفي الهندي بولاه شاه هذه:
ـ يا أصدقائي الشعور بالغبار مهم.
ـ أوه, الغبار مملوء زهورا.
ـ الغبار هو الحصان, لذلك هو الراكب.
ـ الغبار يقتل الغبار, لذلك هو سلاح.
ـ الغبار يمتلك الكثير من الغبار, لذلك هو متكبر.
ـ الغبار هو الحديقة, لذلك هو جميل.
ـ الغبار تعجب من الغبار وبكل إشكال هيئته.
ـ بعد دورة كاملة, رجع الغبار إلى الغبار.
ـ جواب اللغز(أوه بولا) ارجع لي سلام عقلي.
فأعماله التي أنشأها بيننا هي أيضا من ذرات غبار, لكنه غبار يقترب من طينة الخلق الأولى بنية إنشاء بذرة عوالمها التي هي أولا عماءا ثم وهجا ثم إفصاحا ثم إدراك. وهي ختاما دورة الحياة في مبتدأها ومنتهاها. وبعد كل مناورات الفنان فان أعماله لم تغادر منطقة بداية نشأتها كنصوص ملغزة بادراكات سرية ترجعها لسرة الأرض ومياه ينابيعها ولحاء أشجارها, مثلما هي مفعمة بلغز الكون الأكبر ومداراته سواء منها المضيئة أو المعتمة. وان اقتبس نصوصا صوفية أو مأثورات شعبية شرقية أو خواطر فيزيائيين معروفين في العديد من نصوصه المدونة, فإنما ليؤكد انتماء خطابه الفني لحاضنه ألاجتماعيي, خطابا تواصليا يستمد إيحاءاته من الغاز الحياة والبيئة والكون وأسرار النفس ولغز الخلق الأعظم. وان كانت نصوصه تحمل طابع سلاسة لغتها وبساطة خطابها ظاهريا. فان بساطتها مستمدة من جوهر النقاء في السلوك الإنساني وعلى الضد من كل تعقيدات الحياة المعاصرة أو الخلط تركيبيا وتمازجا(الذات ـ تكنولوجيا) في اشد حالاتها استلابا. اشتغلت أعمال افتارجيت في مجالين, المجال الأول هو الصورة ادائا مشهديا والصورة نحتا
آو انشاءا.. والمجال الثاني الصورة نصا وسيرة النص. والصلابة هي من مميزات اغلب منحوتاته, مثلما هي بادية في اداءاتها الصورية الصبغية. لكنها تبقى صلابة من نوع خاص كونها تتأسس ضمن مساحة تقليلية (منيمالت) لا تخلو من فنتازيا, رغم صرامة أو صلابة مظهرها. وهو إذ يلامس بعض سطوح أحجاره من اجل ان يخط بعض من علاماته الوجودية أو ليؤسس لمسارات طبيعية(بيئية) فإنما ليؤكد انتمائه لعالم هذه العلامات كسيرة شخصية واشجت ما بين الواقع والواقع الافتراضي, وبين البساطة كسمة للتسامي. وسوف تبقى علاماته تلاحقه ويلاحق إشعاعات مساراتها, وكما يقول هو: (وطبعة قدم في ذلك الوقت في يوم ما) أو كما نوه المتصوف العربي(ابن العربي):
( وظهر المؤثر في الأثر., فإذا أحككته في محك النظر وسبرته بالأدلة ذهب ولم يكن له وجود.)
وكلنا علامات يترك بعضنا اثر يحرس حدوده والبعض الأخر يتبخر والآخر تذروه الرياح. لكن ما يبقى اعتقده النية أو السعي بدراية لحراسة هذه العلامات. و افتارجيت ليس بحاجة لان يحرس أي شيء فسيرته الذاتية وعمله الفني كفيلة بتحقيق فضاء حراسة أعماله الثابتة والمتبخرة رغم كون زوالها مشكوك في أمره ما دامت امتلكت أذهاننا صورا عصية على الانمحاء.
أخيرا فان أعمال افترجيت امتلكت علاماتها من حافة العالم الافتراضية. من الخطوط التماسيه لتلاقي وتلاقح الثقافات. من انزياح الثغرات وزحزحة الأمكنة. من علاقة المطلق بالمحدود والضمني قبل الصريح . من تجاوز الثوابت الثقافية الأثنية, من تخاطر الذوات عبر مسابر الحدوس, بعد ان وعى أهمية التواصل ثقافيا وإبداعيا وحواضن إنسانية هو ونحن بأحوج ما نكون إليها.
..............................................................................................................................
10-04-06
Swan Lane Pocket Park(*)
The Traveller And The Stream (1998Avtarjeet Dhanjal) (*)
(1)ـمقتبس من نص في كراسه الأخير المعنون(الشيء البعيد).
(2)ـ كما أورده افترجيت في نفس الكراس.
10-04-06
Swan Lane Pocket Park(*)ـ
The Traveller And The Stream (1998Avtarjeet Dhanjal) (**)ـ
............................................................................................................................
علي النجارـ مالمو
10ـ04ـ06
………………………………………………
(وقال جمع التكليف شمل الكون فلا تقل هذا حجر وهذا شجر فلا أبالي.
غاية العين ان يعرفك الحجر والشجر والحيوان ولا تعرفهم إلا بعد كشف
الغطاء ولا تقبل المعاذير. )
( وقال النور واحد فيه أضاء العلو والسفل فيما يفتخر العلو على السفل.)
المتصوف العربي: محي الدين ابن العربي.
الفنان(افتارجيت دانجال) وأعماله شيء جسيمي واحد لا انفصال فيما بينهما, وفي سبيل كشف بعض مخبوءاتهما, وانأ لا أميل إلى الدلالة المشهدية فقط, إذ علينا ان ننبذ بعضا من سبل النقد مابعد الحداثي, وبالذات ما يخص ما بشر به(رولان بارت) منذ حوالي النصف قرن, بإقصاء سيرة المبدع والنظر إلى افصاحات العمل الإبداعي فقط وحتى من خارج نصه أو مشهده. وأعمال افتارجيت الفنية سواء أفصحت عن مرجعياتها الإبداعية أم لم تفصح, فما هي إلا سيرة ملغزة بفعل إضماري موصول بسيرة نشأته الثنائية. واعني بها النشأة البيئية والنشأة الثقافية السرية(الصوفية) وكلتاهما متلازمتين, من هنا لا يمكننا فصلهما عن بعض. وهو إذ يستذكر أو يستعيد سيرة أسرته أيام طفولته التي لا تنفصل عن سيرة الطبيعة ومحور كائناتها الخليقية في قرية من قرى البنجاب وممارسات أهلها اليومية العملية المندمجة وطقوسها الذاتية الإحيائية. فإنما ليستنبتها مجالا لا يود فقد رفقة مسراته في سيرة أعماله(وأعماله كلها سير), وهو المشاء الذي يتنقل ما بين شرق وشرق رغم مكوثه لزمن طويل في الغرب(انكلترا).
عند اكتمال عدة أو فكرة العمل عند افتارجيت فليس هناك حدود ما بين التأمل وبدأ التنفيذ حتى اكتمال العمل أو كما يتوهم اكتماله. وأعماله في النهاية ما هي إلا مسارات إما تتبع الضوء حتى خفاء مصدره, وإما هي أجرام تتكوكب ضمن حلقات استداراتها من والى المركز والى اللا نهاية. وان كانت التجربة تتكرر, فلكل تكرار شروط نمو بقدر ما يتواصل ينفصل. كما هو الوصل الوجودي الصوفي في تكرار دورة أسماءه أو برازخه. وأعماله إذ تبني أنساقها من الداخل مكتفية به وله. كما الذرة وتفرد اكتفائها بعالمها الأصغر الذي ينكشف اكبر بمسابر الكشف الذري, وحيث النظر الإنسي عاجزا عن إبصارها. وحتى ان بدت كصور, سواء كانت نحتا مجسما أو سطحا مصبوغا أو معفرا أو مصورا فانه دائما ما ينشئها ضمن معادلة(الضوءـ الحركة الداخلية المحورية ـ الصورة) مسترجعا صيغة الداخل ـ خارج, والخارج ـ داخل, موظفا الحدس الداخلي كفعل ورد فعل وحركة ومسار. وحتى في عمله النحتي(الحفر, رليف) الذي نفذه في منتزه(سوان لايم بوكت)* والمعنون(العاصفة والمسافر(1). فالصخرة التي حفر عليها علامة الجسد الهندي المسافر لا تشكل لديه غير وسيط لنقل فعل الحياة كسفر أزلي. وعلى الرغم من توثيقه لهذه الشخصية المشاءة وزوادتها المتقشفة كأثر مستحضر من أيام الحج عبر الجغرافيا الزمنية بأجوائها المناخية المتقلبة والمتغيرة. فانه ومن اجل ان تكون مشهدية عمله متوافقة وخزين معارفه الاتثروبولوجية الشرقية عمل على إخفاء كل ملامحه(وكما يبدو لنا الشخص في هذه المنحوتة) وأظهر هيكل الجسد كما تحده منحنياته الخارجية وحدود الصخرة حاضنه العمل, وكما هو علامة مستنسخة مثلما هي المحفورات الصخرية الأفريقية وخاصة الشمالية منها. والتي نستحضرها كآثار امتلكها الزمن قبل الجغرافيا.
منحوتته الحجرية الثانية(مقعد بجانب النهر) والتي اشتغلها في نفس المنتزه وبالرغم من الاختلاف الكبير فيما بينهما من حيث الهيئة العامة والمفردة والاسلوب, إلا ان ثم خيط سري يشدهما لبعض. فان أصبح الجسد يمثل الحركة والانطلاق في المنحوتة الأولى فان الحركة تنتظم في مسارات الخطوط الحجرية الملتوية التي تربط أحجاره المنحوتة والمشذبة حتى تفصيلها النحتي الرئيسي الذي يفتح نافذة لأبصار بقية أجزاء العمل النحتي ألمشهدي في مساراته المحيطية مثلما يدعو لوقفة أو جلسة للتأمل. وان أشار الجسد لحركة مسيرته الأزلية. فان أحجاره الأخرى لم تكتفي بثباتها لقى على طريق السفر.
إذا كان المتصوف الهندي من أتباع الطريقة(الجشتية) يلبس الثياب المصبوغة بلحاء شجر السنط.
فذلك لكي يتماها وادراكاته المفرطة بوحدة الوجود. والوحدة ـ توحدا, غوصا أو كشفا لمخبوءات الأرواح السرية لعناصر الطبيعة اندماج متصل لا منفصل. وان كانت أعمال افتارجيت وحدات منفصلة أنتجتها ازمنته المتتابعة. فإنها في نهاية الأمر لا تعدو ان تنتظم في مسار انطولوجي واضح المعالم ومتوحد في مداركه الإبداعية التي استودعت كل الأمكنة التي ارتادها (مشاء), حيث تنبسط الأمكنة أمام ناظريه, وليقوده حدسه الذي يؤمن بالهامة. و حدوسه التي اختزنتها ذاكرته تلاحقه ان لم تكن تلازمه في كل ترحالاته الفنية عبر مدن الشرق والغرب. وان لم يستطع للعديد من مشاريعه الفنية ان يحملها اقتناءات شخصية. فانه ينثرها هبة للناس والمكان تذكارات للنور المرتجى. وان كان لحاء الشجر حاضنا لنسغ الروح النباتي. فثم انساغ عديدة حاول الفنان كشف خفاياها سواء ما كان منها من يسكن الشجر أو الصخر أو المعدن. وهو الذي يمجد العمل اليدوي(نجارا أو حدادا, كما تعلم درس قريته الأولى) وحسب ما تمنحه هبة الطبيعة و وما يمنحه هو للناس. ولم تكن هباته هذه إلا بعضا من سيرة حياة ممهورة أو منذورة للهبات.
أعمال افتارجيت ظاهريا مختلفة اداءاتها, وإدراكيا متقاربة. لكنها تأخذ مساري تنفيذ, فهو كنحات معتمد يعالج المواد الصلبة سواء كانت خشبا أو معدنا أو صخرا بأدوات قابلة لترك الأثر على كل من هذه المواد وبما يناسب طبيعتها الفلزية. لكنه وكفنان مفاهيمي يعالج هيئات منحوتاته عبر ما تقترحه ذاكرته المفاهيمية من مشاهد إدراكية لا تبتعد عن مسارات ذهنية صوفية من خلال الاشتغال على محاولات لإحياء النبض السري لكائناته المقترحة سواء كانت هيئة تشخيصية واضحة, أو ملغزة: تتلبس هيئة الصخرـ ماءـ نبع ـ قمرـ زورق شاردـ ضوء, نور مستعاد من القاع أو الفضاء. أو صفائح معدن تنفلت في زوبعة أفلاك الوجود القصية تخفيفا لأثقال فيزيائيتها وفيزيائياتنا المثقلة أوهاما. فانه في كل ذلك لا يترك منحوتاته في موضع ما بدون ان يخطط لها مسارات تربطها وأواصر الطبيعة والمحيط, سواء خطوط أو بقع إنارة أو مكانا صالحا للإقامة بما يحاذيه من علاقات معمارية أو إحيائية توحده أو تربطه بها.
البحث في مادة العالم ولعه. وان تشكلت هذه المادة عبر مجالين متزامنين فيزيقي وميتافيزيقي. فان أعماله الفنية لا تبتعد في أدائها المظهري عن كلا المجالين ان لم يلتقيا أو ينتظما كلاهما في نسق أدائي واحد. وهو إذ يؤمن باختلاطات مادة العالم فان صفاء فضاءات مشهدية أعماله متأتي أيضا من صهر اختلاطات مشهدية الثقافات كما اختلاط الأجناس. فما بين الإرث الصوفي الشرقي والأداة المفاهيمية المعاصرة وهبات الطبيعة(كما يفهمها, وهي بعض من مادة العالم) يتشكل منجزه وسط حاضن إنساني يجد دوما الفته أو خلاصه وسطه ولا يبتعد عن ذلك حينما يدون على إحدى منحوتاته(أتيت إلى هنا مع حفنة من الأدوات. الناس البيض والسود أعطوني الفكرة. ماذا علي ان اخلق. أعارتني الأرض صخور عملت عليها أفكاري من خلال الحب وجهد العمل. وانأ أحببتها لا أكثر وطبعة قدم في ذلك الوقت وفي يوم ما(2). وقوله بان الناس أعطته الفكرة أجده قولا مجازيا. ربما قصد به المكان بمخلفات آثاره أو بصماته الإنسانية كمعطى قابلا للمناورة بمجاورة مقارباته المفاهيمية لدلالة المحيط والإقامة مثلما هو المضمر من دلالات نصوص النص الصوفي إذ لا يعني ظاهرها باطنها(خفيها) بقدر ما يعني استنطاقها من داخلها.
في كل عروضه الجماعية التي حضرتها في عدة مدن أوربية يأتي افترجيت برفقة فكرة تلبسته لا ادري منذ متى لكنها جاهزة للتنفيذ وبدون ان يحمل معه أية أداة لتنفيذها, ثم بعد ان يستكشف المكان يبدأ
في تجميع أدواته (مواد التنفيذ) من صحائف ورقية ومواد أولية وصبغية مختلفة ويبدو متأنيا ومستمتعا بأداء طقوس مهنته التي تحوله إلى كيان واحد مندمج وتفاصيل أداءه. ينشأ أولا مكان إقامة لـ(ثقب الأرض ـ الثقب الأسود) أو لـ(كون احدب) هو دائرة متعاظمة, أو هو الضوء في أتم لحضات خطفه وخفاء إبصاره. وان استعان في الصبغة في إظهار مشهده, فانه أحيانا ما يستعين بالمادة الفلزية(الملح أو نشارة الخشب أو العشب الجاف). فان كانت الصبغة توصله لعتمة الثقب, فان بقية المواد توفر له توهجه. ويبقى حوار (الضوء ـ عتمة ـ مدار) شاغله حتى ينتهي من أداء مهمته أو لحضات نشوته الإبداعية وليهب المكان عمله, مثلما وهبه للمشاهدين. رحلاته الاستكشافية الخاطفة هذه دائما ما تمنحنا دهشة التمتع بتفاصيلها سواء المنجز منها أو الذي في سبيله للانجاز أو المكتمل انجازا. ويبقى متفرد بيننا نحن الذين أتينا من بقاع الدنيا المختلفة, وهو الذي يحبذ الإقامة بمقامات وادراكات مختلطة.
ليس عبثا ان يستشهد افتارجيت بأبيات الصوفي الهندي بولاه شاه هذه:
ـ يا أصدقائي الشعور بالغبار مهم.
ـ أوه, الغبار مملوء زهورا.
ـ الغبار هو الحصان, لذلك هو الراكب.
ـ الغبار يقتل الغبار, لذلك هو سلاح.
ـ الغبار يمتلك الكثير من الغبار, لذلك هو متكبر.
ـ الغبار هو الحديقة, لذلك هو جميل.
ـ الغبار تعجب من الغبار وبكل إشكال هيئته.
ـ بعد دورة كاملة, رجع الغبار إلى الغبار.
ـ جواب اللغز(أوه بولا) ارجع لي سلام عقلي.
فأعماله التي أنشأها بيننا هي أيضا من ذرات غبار, لكنه غبار يقترب من طينة الخلق الأولى بنية إنشاء بذرة عوالمها التي هي أولا عماءا ثم وهجا ثم إفصاحا ثم إدراك. وهي ختاما دورة الحياة في مبتدأها ومنتهاها. وبعد كل مناورات الفنان فان أعماله لم تغادر منطقة بداية نشأتها كنصوص ملغزة بادراكات سرية ترجعها لسرة الأرض ومياه ينابيعها ولحاء أشجارها, مثلما هي مفعمة بلغز الكون الأكبر ومداراته سواء منها المضيئة أو المعتمة. وان اقتبس نصوصا صوفية أو مأثورات شعبية شرقية أو خواطر فيزيائيين معروفين في العديد من نصوصه المدونة, فإنما ليؤكد انتماء خطابه الفني لحاضنه ألاجتماعيي, خطابا تواصليا يستمد إيحاءاته من الغاز الحياة والبيئة والكون وأسرار النفس ولغز الخلق الأعظم. وان كانت نصوصه تحمل طابع سلاسة لغتها وبساطة خطابها ظاهريا. فان بساطتها مستمدة من جوهر النقاء في السلوك الإنساني وعلى الضد من كل تعقيدات الحياة المعاصرة أو الخلط تركيبيا وتمازجا(الذات ـ تكنولوجيا) في اشد حالاتها استلابا. اشتغلت أعمال افتارجيت في مجالين, المجال الأول هو الصورة ادائا مشهديا والصورة نحتا
آو انشاءا.. والمجال الثاني الصورة نصا وسيرة النص. والصلابة هي من مميزات اغلب منحوتاته, مثلما هي بادية في اداءاتها الصورية الصبغية. لكنها تبقى صلابة من نوع خاص كونها تتأسس ضمن مساحة تقليلية (منيمالت) لا تخلو من فنتازيا, رغم صرامة أو صلابة مظهرها. وهو إذ يلامس بعض سطوح أحجاره من اجل ان يخط بعض من علاماته الوجودية أو ليؤسس لمسارات طبيعية(بيئية) فإنما ليؤكد انتمائه لعالم هذه العلامات كسيرة شخصية واشجت ما بين الواقع والواقع الافتراضي, وبين البساطة كسمة للتسامي. وسوف تبقى علاماته تلاحقه ويلاحق إشعاعات مساراتها, وكما يقول هو: (وطبعة قدم في ذلك الوقت في يوم ما) أو كما نوه المتصوف العربي(ابن العربي):
( وظهر المؤثر في الأثر., فإذا أحككته في محك النظر وسبرته بالأدلة ذهب ولم يكن له وجود.)
وكلنا علامات يترك بعضنا اثر يحرس حدوده والبعض الأخر يتبخر والآخر تذروه الرياح. لكن ما يبقى اعتقده النية أو السعي بدراية لحراسة هذه العلامات. و افتارجيت ليس بحاجة لان يحرس أي شيء فسيرته الذاتية وعمله الفني كفيلة بتحقيق فضاء حراسة أعماله الثابتة والمتبخرة رغم كون زوالها مشكوك في أمره ما دامت امتلكت أذهاننا صورا عصية على الانمحاء.
أخيرا فان أعمال افترجيت امتلكت علاماتها من حافة العالم الافتراضية. من الخطوط التماسيه لتلاقي وتلاقح الثقافات. من انزياح الثغرات وزحزحة الأمكنة. من علاقة المطلق بالمحدود والضمني قبل الصريح . من تجاوز الثوابت الثقافية الأثنية, من تخاطر الذوات عبر مسابر الحدوس, بعد ان وعى أهمية التواصل ثقافيا وإبداعيا وحواضن إنسانية هو ونحن بأحوج ما نكون إليها.
..............................................................................................................................
10-04-06
Swan Lane Pocket Park(*)
The Traveller And The Stream (1998Avtarjeet Dhanjal) (*)
(1)ـمقتبس من نص في كراسه الأخير المعنون(الشيء البعيد).
(2)ـ كما أورده افترجيت في نفس الكراس.
10-04-06
Swan Lane Pocket Park(*)ـ
The Traveller And The Stream (1998Avtarjeet Dhanjal) (**)ـ
............................................................................................................................
علي النجارـ مالمو
10ـ04ـ06
vendredi 17 décembre 2010
mercredi 15 décembre 2010
جمعية شعراء جنة الثقافة بسكرة الجزائر تنظم .../ بوكرش محمد
ملصقة الصالون التشكيلي الأول جمعية شعراء الجنة الثقافية
جمعية شعراء الجنة تنظم صالونها الأول التشكيلي بسكرة الجزائر من 8الى 10 ديسمبر
شخشوخة...على شرف الفنانين التشكيليين
http://www.youtube.com/watch?v=EA3uDPXOkFA
شخشوخة...على شرف الفنانين التشكيليين
http://www.youtube.com/watch?v=EA3uDPXOkFA
افتتاح الصالون الأول التشكيلي جمعية شعراء جنة الثقافة ببسكرة الجزائر
http://www.youtube.com/watch?v=fkQSqKl9hOA
lundi 13 décembre 2010
كلمة من القلب للفنان محمد سعود / بقلم الدكتور الشاعر مازن الشريف – تونس
الفنان محمد سعود
كلمة من القلب
بقلم الدكتور الشاعر مازن الشريف – تونس-
حين تقترب منه فإنك تقترب من كنه الفن، ضمن أطر الحس والذوق والجمال، يبتسم كطفل تذهله الأشياء، وينظر بعمق من خَبِر الحياة وأوغل فيها، وحين تنظر في لوحاته سوف تستشعر عمق المدلول ونصاعة اللون وفرادة الفكرة مع زخم من الأفكار التي تتماوج بين الروحاني والممكن المستحيل...
هل هذا هو الفنان؟؟ وذلك الألم الذي ينسل من النظرة والابتسامة، ألم الإبداع أم ألم المثقف والمفكر...؟؟
هل هذا هو الفنان، ضمن تشكيل الخط وتفعيل اللون وتنسيق المدلول وإخفاء الذات بين الطيات وبث الكثير وقول الكثير والصمت عن الكثير...؟
لاشك أني أحببته فنانا وأستاذا وناقدا وإنسانا، وبيني وبينه مساحات شاسعة تلتقي فيها أفكارنا ورؤانا، لكن الأهم، أن صديقي يعشق الحياة دون أن تجرفه، ويعشق الفن دون أن يكتفي منه، وهو على ذلك يرسم بقلبه، يبدع بروحه، ويفكر بذراته...
كلمات قلّت فدلّت أردت أن أحيي بها أخي وصديقي الفنان محمد سعود، وفي قلبي رجاء خالص بمزيد الإمتاع والإبهار في فنون الإبداع وصنوف الفكر وأنواع الرؤى حتى المستحيلة منها، إن كان هنالك في الإبداع شيء مستحيل...
بقلم الدكتور الشاعر مازن الشريف – تونس-
حين تقترب منه فإنك تقترب من كنه الفن، ضمن أطر الحس والذوق والجمال، يبتسم كطفل تذهله الأشياء، وينظر بعمق من خَبِر الحياة وأوغل فيها، وحين تنظر في لوحاته سوف تستشعر عمق المدلول ونصاعة اللون وفرادة الفكرة مع زخم من الأفكار التي تتماوج بين الروحاني والممكن المستحيل...
هل هذا هو الفنان؟؟ وذلك الألم الذي ينسل من النظرة والابتسامة، ألم الإبداع أم ألم المثقف والمفكر...؟؟
هل هذا هو الفنان، ضمن تشكيل الخط وتفعيل اللون وتنسيق المدلول وإخفاء الذات بين الطيات وبث الكثير وقول الكثير والصمت عن الكثير...؟
لاشك أني أحببته فنانا وأستاذا وناقدا وإنسانا، وبيني وبينه مساحات شاسعة تلتقي فيها أفكارنا ورؤانا، لكن الأهم، أن صديقي يعشق الحياة دون أن تجرفه، ويعشق الفن دون أن يكتفي منه، وهو على ذلك يرسم بقلبه، يبدع بروحه، ويفكر بذراته...
كلمات قلّت فدلّت أردت أن أحيي بها أخي وصديقي الفنان محمد سعود، وفي قلبي رجاء خالص بمزيد الإمتاع والإبهار في فنون الإبداع وصنوف الفكر وأنواع الرؤى حتى المستحيلة منها، إن كان هنالك في الإبداع شيء مستحيل...
dimanche 5 décembre 2010
عندما تتقاطع العماره والنحت والموسيقى مع الخط العربي .........صديقي الرائع
jeudi 2 décembre 2010
الهجرة المستحيلة ـ (5)التشكيل العراقي مثلا جودت حسيب : استعادة السيرة المغيبة
الهجرة المستحيلة ـ (5)
التشكيل العراقي مثلا
جودت حسيب : استعادة السيرة المغيبة
لا يمكنني الحديث عن تجربة الفنان العراقي المنفي جودت حسيب بمعزل عن سيرة حياته الشخصية. أولا لعلاقتي الحميمة بشخصه منذ بداية مشوارنا الفني، وثانيا لكون نشاطه الفني الاجتماعي في النصف الأول من سيرته الفنية (العراقية) ارتبط أيضا بالسيرة الشخصية المتفاعلة والمحيط التشكيلي العراقي في ذلك الوقت الذي تمتع فيه الفنان التشكيلي العراقي ببعض من الحرية الشخصية الضرورية لتفعيل الحركة الفنية. لقد كان، ومنذ سنوات دراسته الفنية في معهد الفنون الجميلة في بداية الستينات، يتنازعه توجهان متقاربان فنيا ومختلفان أدائيا، هما الرسم والخط العربي. فبقدر ما كانت منطقة فن الرسم منفتحة على أساليب وممارسات فنية لا تحصى، كان فن الخط العربي في ذلك الوقت تحكمه قوانين ثابتة لا تتعدى الاجتهاد في صقل أنماطها (ما عدا اجتهادات الصكار). ولقد خضعتُ انأ أيضا لدرس ضوابط الخط في عام 1958 على يد الأستاذ التركي ماجد الزهدي، ومن ثم، أستاذنا القدير الخطاط هاشم البغدادي في العام الذي تلاه. لكن بقي جودت مخلصا لكلَي الإبداعين في تلك الفترة، وأجاد فيهما.
مفارقة:
أحيانا ما نستعيد ذكرى ما من أيامنا الأولى فنكتشف أن فيها نبوءة مستقبلية، ربما تكون كذلك وربما يكون وهم التأويل هو من يغرينا بإعادة قراءتها بما يناسبنا:
في صيف عام 1962، وفي بداية مشوارنا الفني، اتفقت مع جودت ورسام ثالث على تأسيس مرسم أو محترف لنا من اجل أن نتمكن من انجاز أعمالنا الفنية. وحصلنا فعلا على"دكان مناسب" في منطقة المربعة من شارع الرشيد ونفذنا بعض الرسوم، وكما في تلك الأيام كانت مزيجا من الجد والعبث. وكانت حصيلة تلك المحاولات معرض في إحد مقاهي بغداد الحديثة في منطقة السنك من شارع الرشيد وليس ببعيد عن مرسمنا. كان اسم المقهى وقتذاك "كازينو لوكانو". ولا غرابة من العرض في مقهى، إذ لم تكن توجد صالات عرض تخصصية في بغداد في ذلك الزمن. المهم، في يوم افتتاح المعرض أغلق الكازينو بأمر من السلطة المحلية، وبقيت رسومنا (لوحاتنا) معلقة إلى اجل غير معلوم، وحتى هذا الوقت. هذا المعرض- الذكرى ربما يفسر بعضا مما أصاب ذواتنا من تصدع موصول باغتراباتنا أو نفينا.
ما بين النفي (المنفى) والاغتراب اعتقد أن ثمة فرق مفهومي بسيط فيما بين مسالكهما، ورغم تشابه المنافي فهي اغترابات غالبا. وإن نعت جودت بالمنفي، فلأنه اختار منفاه الاسباني بنفسه بعد أن تعطل زمنه العراقي في نهاية السبعينات حيث لم يكن يجد المثقف العراقي في تلك الفترة الزمنية أمامه سوى منافذ السلطة أو التحايل المُر أو الخَرَس. ولم يكن جودت، وكما عرفته وقتها، يتحمل التحايل أو الخرس، فنفى نفسه. لكنه استطاع قبل أن يغادر العراق أن يحقق حضورا على الساحة التشكيلية اضافة إلى نشاطه الاجتماعي في المساهمة بإدارة جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين لأكثر من دورة.
اعتقد أن اهتمامات جودت بالخط العربي قادته إلى إجادة صناعة البوستر الفني وصولا إلى منافسة خيرة صنّاعِهِ من أمثال الفنانين العراقيين محمد مهر الدين، يحيى الشيخ، رافع الناصري، هاشم سمرجي وغيرهم. والخط العربي، لكونه محكوما بضوابطه الصارمة، فإن مجال اللعب على هذه الضوابط (القوانين) بدون تجاوزها يحتاج إلى حرفة عالية وخبرة لونية ومهارة ذوقية. هذه الشروط هي نفسها ما يجب أن تتوفر في صناعة البوستر اضافة إلى عملية المونتاج وفهم الآلية الطباعية. واشتغال جودت في تصميم إحدى المجلات الاسبوعية في بغداد (وعي العمال) ولزمن ليس بالقصير، اكسبه الخبرة اللازمة لمواصلة مشواره الفني في هذا المجال وراكم خبرته التي طورها لاحقا.
الذي لا وطن له:
حينما غادر جودت وطنه العراق كان يعرف جيدا أنه لن يعود إليه ما دامت الدكتاتورية قائمة، لذلك حاول جهده أن يحصل على وطن آخر يستطيع أن يواصل فيه معارفه الفنية فاختار كلية الفن في روما، لكن بعد عام من الدراسة اكتشف هشاشة نظام التعليم وعدم جدواه فيها وخاصة للدارسين الآتين من الخارج، فتحول إلى كلية (سان فرناندو) الاسبانية في مدريد، ولم يخنه اختياره الثاني. لكن بعد مرور سنتين (المهلة المحددة لإجراء التعادل) ولاحتياجه لبعض الوثائق العراقية لتعادل شهادة دراسته الأولى، خانه وطنه ايضا بفرض شرط الانتماء الى اتحاد طلبة السلطة آنذاك من اجل الحصول على اية وثيقة، لذا أبى ان يتنازل لذلك الشرط وترك الدراسة الرسمية واتجه الى الدراسة الحرة. وفي صيف سنة (1981)، وجد نفسه فجأة بدون ملاذ آمن حينما انتهت صلاحية جواز سفره العراقي. هو الذي نفى نفسه احتجاجا على سلطة الصوت الواحد وأبى التعامل مع كافة مؤسسات هذه السلطة وبضمنها سفاراتها في الخارج ، لم يكن أمامه إلا أن يخوض صراعا مريرا من اجل أن يفلت من قرار الترحيل (وإلى أين؟). استمر هذا الوضع الصعب لسنتين بالرغم من جهود الكثيرين وبضمنهم زوجته الاسبانية، إلى أن حصل على إقامة بصفة "بدون وطن". وان دونت هذه التفاصيل عن حياة احد مبدعي المنافي، فهي ليست سوى مثل ضمن آلاف الأمثلة التي تعرّض لها مبدعونا العراقيون وهم يطرقون أبواب العالم الواسعة لنصف قرن من الزمن أو أكثر من اجل إيجاد موقع قدم لهم.
ذكرت اشتغالات جودت على الخط العربي وفن البوستر. لكن، هل لهذين الاشتغالين من اثر على رسوماته، وهو خريج فرع الرسم في بغداد أولا، وخاصة تلك الرسوم التي نفذها في زمن إقامته العراقية المبكرة؟ إن كان الفن التشكيلي العراقي في حقبة النصف الثاني من القرن العشرين قد أنتج الكثير من الأعمال التشكيلية المتأثرة والمؤثرة على مساحة الخط العربي، وأنتجت أعمالا تنتسب لكلَي الاشتغالين بنسب معينة، إلا أن رسوم جودت اختلفت بشكل جذري عن كل ذلك رغم استفادتها من السلوكيات والضوابط التقنية لكل من فني الخط والبوستر (كتصميم). فالحرفية العالية متوفرة في نماذج من أعماله، لكن ليس كصور أو رسوم حروفية أو زخرفيه تشكيلية، بل كتشخيص اختزالي، ولنا مَثل في لوحته المعنونة "شيلي، صورة شخصية" التي أنجزها في عام 1974 للمشاركة في البينال العربي الأول في بغداد ثم عرضها في "اسبوع التضامن مع الشعب الشيلي" ضد دكتاتورية بينوشت الذي اقامته جمعية الفنانين العراقيين في العام نفسه. كان العمل بقياس مترين طولا وعرضا، نفذ بالأبيض والأسود فقط : ثنائيه توحي بتقنية الحبر الأسود وقصبته في تنفيذ خط الحروف العربية (ألمشق).
تلك اللوحة لم تكن فتحا جديدا في الفن التشكيلي العراقي، لكنها أسست لذائقة مختلفة بعض الشيء، وهذه حسنتها. فالرسم الواقعي العراقي وقتئذ كان مغرقا بتقنياته التي اعتمدت موشورا ملونا عريضا، وكثافة لونية هي بعض من مخلفات التقنية الأكاديمية أو الرومانتيكية وحتى السريالية الأوربية. ولا غبار في ذلك، فهي عموما تقنيات عالمية رافقت هذا الفن في بعض من أزمنته. ما فعله جودت هو انه ألغى كل هذه التقنية المعهودة واجترح تقنية مغايرة تعتمد على التسطيح والتعبير بالاختزال أو التقليل (المونوغرام ) في آن واحد وبدون أن يفقد رسمه مقدرته التعبيرية التواصلية الادهاشية. ولم يكن الأمر بالنسبة له سوى محاولة صياغة مقاربات لرسوماته بما يوازي اهتماماته الفنية المتشعبة، فاستل من منطقة الخط العربي صرامة كتلة شخصه المرسوم، واستل من منطقة التصميم وضع هذه الكتلة الأحادية في موقعها المناسب من فضاء اللوحة الأسود الشاسع وبما يناسب ما اقترحه هذا التصميم من حركة وفضاء وخط محوري إضافي مناسب لحركة الشخص المرسوم بكفاية موشور ظلاله الخفيفة وبدون أن يتجاوز على القيمة التعبيرية، وكسراً لهيمنة الفضاء وعزل التشخيص. لكن هذا العمل خلق إشكالية تصورية، وهي إمكانية تنفيذ هذا الرسم بحجم اصغر مما هو عليه للحد الذي يبلغ حجم مساحته بطاقة بريد. ربما يكون ذلك ممكنا، وربما لا. لكن ما يهمنا من كل ذلك هو مدى الأثر المباشر الذي أحدثه هذا العمل الفني وقتها والذي يوازي في قيمته ما تحدثه الأعمال التشكيلية المعاصرة من صدمة أو إدهاش بما يتوافق ونية الفنان في توقع ما يحدثه عمله من اثر مواز لوقع الكارثة التي حاول التعبير عنها، مع العلم ان للحجم سطوته أيضا والتي يفقدها اختزال المساحة لحدها الأدنى، وهذا ما عملت علية الأعمال المعاصرة.
أنا لا اعرف ما إذا كان بإمكان جودت أن يواصل تجربة الرسم هذه إلى مداها بعد انقطاع زمني طويل، أو محاولة الخوض من جديد في تجارب جديدة، فاشتغالاته في الخط والتصميم فيما بعد أخذت الكثير من جهده، إذ بعد تبدل مكان إقامته بشكل جذري أصبح من اللازم عليه أن يوازي ما بين اهتماماته الفنية وحاجاته المادية الضرورية. وحسب ما اعتقد، لم يكن له بُد من ممارسة فن التصميم مرة أخرى، وهذه المرة بشكل احترافي. فاشتغل كمسؤول لقسم التصميم في دار الثقافة التابع لبلدية مدينة موستوليس ( محافظة مدريد) ما بين الأعوام 1984 – 1991، وأنتج خلال هذه الفترة الزمنية كمّاً كبيرا من البوسترات التي تناولت شتى الأنشطة الثقافية والرياضية، وجرّب من خلالها العديد من المهارات الأسلوبية وطرق التنفيذ للحد الذي استحقت بعضها جوائز متميزة. ولم يقتصر جهده الإبداعي في دائرة الثقافة هذه، بل اشتغل لحسابه الخاص ايضا، ونفذ خلال سنوات عديدة الكثير من أعمال التصميم والخط العربي لـ " معهد التعاون مع العالم العربي " و " المجلس الأعلى للبحث العلمي " في اسبانيا.
بعد اطلاعي على الكم الكبير من البوسترات التي نفذها خلال إقامته الاسبانية، تبادر إلى ذهني
فقر أرشيفنا الفني او انعدامه وخاصة فيما يتعلق منه بالبوستر الفني. اعتقد أن أعمال جودت هذه تصلح كنواة لمتحف مستقبلي للبوستر. وإن فقدنا أرشيفنا التشكيلي العراقي فبالإمكان الاشتغال على تجميع بعضه وخاصة لمن احتفظ بأرشيفه. لكن يبقى جودت بالاضافة لكل مجهوده في صناعة تصميم البوستر مولعا بإجادة الخط العربي، وهو إذ يعتبر ان مرحلة التصميم انتهت بالنسبة له، فانه يعكف الآن على الاشتغال بكل قدراته على إخراج أعمال في الخط العربي بالشكل الذي يرضي طموحه ويناسب تصوره، وهي: "أعمال حديثة في الخط العربي تلتزم بالأصول والقواعد الكلاسيكية لهذا الفن، أي محاولة تحديث اللوحة الخطّية وليس تحديث الحرف العربي" كما يقول. أي انه لا يكتفي بإجادة الخط العربي، بل بما يوازي صياغاته التراكمية الفذة بصياغات إخراجية يتوازى فيها الفعل الحفري الأثري والصياغات الافتراضية للعمل الفني ألمسندي الحديث، لكن بدون أن يضحي بكلتي الصياغتين. المهم عنده هو الاشتغال على عدم التفريط بقواعد الخط وضوابطه لصالح مشهدية اللوحة الحديثة والتي كثر الاشتغال عليها لعقود عديدة حتى باتت تستهلك ادهاشيتها لصالح الصنعة فقط. هذه المعادلة الصعبة هي ما يراهن على محاولة تحقيقها وهو الفنان الجاد في كل خطواته. ونحن في انتظار هكذا نتائج.
أخيرا لا بد من التذكير بمن جرى تغافلهم من قبل نقاد الفن التشكيلي العراقي من الفنانين التشكيليين العراقيين الذين استوطنوا الغربة مبكرا. وإن فقدوا آثارهم او بصماتهم التي طبعوا بها هذا التشكيل في زمن ما، فليس من الإنصاف أن تمحى ذكراهم من صفحة التشكيل العراقي، وإلا فقد حققت أزمنتنا الثقافية والسياسية الكارثية السابقة واللاحقة مبتغاها.
................................................................................................................................
سيرة الفنان الشخصية:
ولد في الموصل(العراق) عام(1043). أكمل الدراسة في معهد الفنون الجميلة بغداد عام(1962). سنة دراسية في أكاديمية الفنون الجميلة(روما). انتقل بعدها إلى اسبانيا وقام بدراسات حرة في المدرسة العليا للفنون الجميلة ( سان فرناندو ) حتى عام(1980).
له أعمال في : متحف الملصقات – فيلانوف (بولندا) ، المتحف الوطني للفن الحديث – بغداد ، المتحف الحِرَفي – بغداد ، مقتنيات خاصة ، متحف الفنون الجميلة – عمّان ، مطار الملك عبد العزيز الدولي جدّة (لوحة جداريه خطية منسوجة ) ، كنيسة القديس نيكولاس – مدريد ( لوحة من الخط العربي) ، حديقة الأمير محمد الأول مؤسس مدينة مدريد (لوحة سيراميكية من الخط العربي). واشترك في عدة معارض عالمية وعربية في السبعينات للبوستر. كما شارك في ملتقى الشارقة الثالث لفن الخط العربي
عام 2008 ، والرابع عام 2010.
علي النجار
20ـ10ـ2010
التشكيل العراقي مثلا
جودت حسيب : استعادة السيرة المغيبة
لا يمكنني الحديث عن تجربة الفنان العراقي المنفي جودت حسيب بمعزل عن سيرة حياته الشخصية. أولا لعلاقتي الحميمة بشخصه منذ بداية مشوارنا الفني، وثانيا لكون نشاطه الفني الاجتماعي في النصف الأول من سيرته الفنية (العراقية) ارتبط أيضا بالسيرة الشخصية المتفاعلة والمحيط التشكيلي العراقي في ذلك الوقت الذي تمتع فيه الفنان التشكيلي العراقي ببعض من الحرية الشخصية الضرورية لتفعيل الحركة الفنية. لقد كان، ومنذ سنوات دراسته الفنية في معهد الفنون الجميلة في بداية الستينات، يتنازعه توجهان متقاربان فنيا ومختلفان أدائيا، هما الرسم والخط العربي. فبقدر ما كانت منطقة فن الرسم منفتحة على أساليب وممارسات فنية لا تحصى، كان فن الخط العربي في ذلك الوقت تحكمه قوانين ثابتة لا تتعدى الاجتهاد في صقل أنماطها (ما عدا اجتهادات الصكار). ولقد خضعتُ انأ أيضا لدرس ضوابط الخط في عام 1958 على يد الأستاذ التركي ماجد الزهدي، ومن ثم، أستاذنا القدير الخطاط هاشم البغدادي في العام الذي تلاه. لكن بقي جودت مخلصا لكلَي الإبداعين في تلك الفترة، وأجاد فيهما.
مفارقة:
أحيانا ما نستعيد ذكرى ما من أيامنا الأولى فنكتشف أن فيها نبوءة مستقبلية، ربما تكون كذلك وربما يكون وهم التأويل هو من يغرينا بإعادة قراءتها بما يناسبنا:
في صيف عام 1962، وفي بداية مشوارنا الفني، اتفقت مع جودت ورسام ثالث على تأسيس مرسم أو محترف لنا من اجل أن نتمكن من انجاز أعمالنا الفنية. وحصلنا فعلا على"دكان مناسب" في منطقة المربعة من شارع الرشيد ونفذنا بعض الرسوم، وكما في تلك الأيام كانت مزيجا من الجد والعبث. وكانت حصيلة تلك المحاولات معرض في إحد مقاهي بغداد الحديثة في منطقة السنك من شارع الرشيد وليس ببعيد عن مرسمنا. كان اسم المقهى وقتذاك "كازينو لوكانو". ولا غرابة من العرض في مقهى، إذ لم تكن توجد صالات عرض تخصصية في بغداد في ذلك الزمن. المهم، في يوم افتتاح المعرض أغلق الكازينو بأمر من السلطة المحلية، وبقيت رسومنا (لوحاتنا) معلقة إلى اجل غير معلوم، وحتى هذا الوقت. هذا المعرض- الذكرى ربما يفسر بعضا مما أصاب ذواتنا من تصدع موصول باغتراباتنا أو نفينا.
ما بين النفي (المنفى) والاغتراب اعتقد أن ثمة فرق مفهومي بسيط فيما بين مسالكهما، ورغم تشابه المنافي فهي اغترابات غالبا. وإن نعت جودت بالمنفي، فلأنه اختار منفاه الاسباني بنفسه بعد أن تعطل زمنه العراقي في نهاية السبعينات حيث لم يكن يجد المثقف العراقي في تلك الفترة الزمنية أمامه سوى منافذ السلطة أو التحايل المُر أو الخَرَس. ولم يكن جودت، وكما عرفته وقتها، يتحمل التحايل أو الخرس، فنفى نفسه. لكنه استطاع قبل أن يغادر العراق أن يحقق حضورا على الساحة التشكيلية اضافة إلى نشاطه الاجتماعي في المساهمة بإدارة جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين لأكثر من دورة.
اعتقد أن اهتمامات جودت بالخط العربي قادته إلى إجادة صناعة البوستر الفني وصولا إلى منافسة خيرة صنّاعِهِ من أمثال الفنانين العراقيين محمد مهر الدين، يحيى الشيخ، رافع الناصري، هاشم سمرجي وغيرهم. والخط العربي، لكونه محكوما بضوابطه الصارمة، فإن مجال اللعب على هذه الضوابط (القوانين) بدون تجاوزها يحتاج إلى حرفة عالية وخبرة لونية ومهارة ذوقية. هذه الشروط هي نفسها ما يجب أن تتوفر في صناعة البوستر اضافة إلى عملية المونتاج وفهم الآلية الطباعية. واشتغال جودت في تصميم إحدى المجلات الاسبوعية في بغداد (وعي العمال) ولزمن ليس بالقصير، اكسبه الخبرة اللازمة لمواصلة مشواره الفني في هذا المجال وراكم خبرته التي طورها لاحقا.
الذي لا وطن له:
حينما غادر جودت وطنه العراق كان يعرف جيدا أنه لن يعود إليه ما دامت الدكتاتورية قائمة، لذلك حاول جهده أن يحصل على وطن آخر يستطيع أن يواصل فيه معارفه الفنية فاختار كلية الفن في روما، لكن بعد عام من الدراسة اكتشف هشاشة نظام التعليم وعدم جدواه فيها وخاصة للدارسين الآتين من الخارج، فتحول إلى كلية (سان فرناندو) الاسبانية في مدريد، ولم يخنه اختياره الثاني. لكن بعد مرور سنتين (المهلة المحددة لإجراء التعادل) ولاحتياجه لبعض الوثائق العراقية لتعادل شهادة دراسته الأولى، خانه وطنه ايضا بفرض شرط الانتماء الى اتحاد طلبة السلطة آنذاك من اجل الحصول على اية وثيقة، لذا أبى ان يتنازل لذلك الشرط وترك الدراسة الرسمية واتجه الى الدراسة الحرة. وفي صيف سنة (1981)، وجد نفسه فجأة بدون ملاذ آمن حينما انتهت صلاحية جواز سفره العراقي. هو الذي نفى نفسه احتجاجا على سلطة الصوت الواحد وأبى التعامل مع كافة مؤسسات هذه السلطة وبضمنها سفاراتها في الخارج ، لم يكن أمامه إلا أن يخوض صراعا مريرا من اجل أن يفلت من قرار الترحيل (وإلى أين؟). استمر هذا الوضع الصعب لسنتين بالرغم من جهود الكثيرين وبضمنهم زوجته الاسبانية، إلى أن حصل على إقامة بصفة "بدون وطن". وان دونت هذه التفاصيل عن حياة احد مبدعي المنافي، فهي ليست سوى مثل ضمن آلاف الأمثلة التي تعرّض لها مبدعونا العراقيون وهم يطرقون أبواب العالم الواسعة لنصف قرن من الزمن أو أكثر من اجل إيجاد موقع قدم لهم.
ذكرت اشتغالات جودت على الخط العربي وفن البوستر. لكن، هل لهذين الاشتغالين من اثر على رسوماته، وهو خريج فرع الرسم في بغداد أولا، وخاصة تلك الرسوم التي نفذها في زمن إقامته العراقية المبكرة؟ إن كان الفن التشكيلي العراقي في حقبة النصف الثاني من القرن العشرين قد أنتج الكثير من الأعمال التشكيلية المتأثرة والمؤثرة على مساحة الخط العربي، وأنتجت أعمالا تنتسب لكلَي الاشتغالين بنسب معينة، إلا أن رسوم جودت اختلفت بشكل جذري عن كل ذلك رغم استفادتها من السلوكيات والضوابط التقنية لكل من فني الخط والبوستر (كتصميم). فالحرفية العالية متوفرة في نماذج من أعماله، لكن ليس كصور أو رسوم حروفية أو زخرفيه تشكيلية، بل كتشخيص اختزالي، ولنا مَثل في لوحته المعنونة "شيلي، صورة شخصية" التي أنجزها في عام 1974 للمشاركة في البينال العربي الأول في بغداد ثم عرضها في "اسبوع التضامن مع الشعب الشيلي" ضد دكتاتورية بينوشت الذي اقامته جمعية الفنانين العراقيين في العام نفسه. كان العمل بقياس مترين طولا وعرضا، نفذ بالأبيض والأسود فقط : ثنائيه توحي بتقنية الحبر الأسود وقصبته في تنفيذ خط الحروف العربية (ألمشق).
تلك اللوحة لم تكن فتحا جديدا في الفن التشكيلي العراقي، لكنها أسست لذائقة مختلفة بعض الشيء، وهذه حسنتها. فالرسم الواقعي العراقي وقتئذ كان مغرقا بتقنياته التي اعتمدت موشورا ملونا عريضا، وكثافة لونية هي بعض من مخلفات التقنية الأكاديمية أو الرومانتيكية وحتى السريالية الأوربية. ولا غبار في ذلك، فهي عموما تقنيات عالمية رافقت هذا الفن في بعض من أزمنته. ما فعله جودت هو انه ألغى كل هذه التقنية المعهودة واجترح تقنية مغايرة تعتمد على التسطيح والتعبير بالاختزال أو التقليل (المونوغرام ) في آن واحد وبدون أن يفقد رسمه مقدرته التعبيرية التواصلية الادهاشية. ولم يكن الأمر بالنسبة له سوى محاولة صياغة مقاربات لرسوماته بما يوازي اهتماماته الفنية المتشعبة، فاستل من منطقة الخط العربي صرامة كتلة شخصه المرسوم، واستل من منطقة التصميم وضع هذه الكتلة الأحادية في موقعها المناسب من فضاء اللوحة الأسود الشاسع وبما يناسب ما اقترحه هذا التصميم من حركة وفضاء وخط محوري إضافي مناسب لحركة الشخص المرسوم بكفاية موشور ظلاله الخفيفة وبدون أن يتجاوز على القيمة التعبيرية، وكسراً لهيمنة الفضاء وعزل التشخيص. لكن هذا العمل خلق إشكالية تصورية، وهي إمكانية تنفيذ هذا الرسم بحجم اصغر مما هو عليه للحد الذي يبلغ حجم مساحته بطاقة بريد. ربما يكون ذلك ممكنا، وربما لا. لكن ما يهمنا من كل ذلك هو مدى الأثر المباشر الذي أحدثه هذا العمل الفني وقتها والذي يوازي في قيمته ما تحدثه الأعمال التشكيلية المعاصرة من صدمة أو إدهاش بما يتوافق ونية الفنان في توقع ما يحدثه عمله من اثر مواز لوقع الكارثة التي حاول التعبير عنها، مع العلم ان للحجم سطوته أيضا والتي يفقدها اختزال المساحة لحدها الأدنى، وهذا ما عملت علية الأعمال المعاصرة.
أنا لا اعرف ما إذا كان بإمكان جودت أن يواصل تجربة الرسم هذه إلى مداها بعد انقطاع زمني طويل، أو محاولة الخوض من جديد في تجارب جديدة، فاشتغالاته في الخط والتصميم فيما بعد أخذت الكثير من جهده، إذ بعد تبدل مكان إقامته بشكل جذري أصبح من اللازم عليه أن يوازي ما بين اهتماماته الفنية وحاجاته المادية الضرورية. وحسب ما اعتقد، لم يكن له بُد من ممارسة فن التصميم مرة أخرى، وهذه المرة بشكل احترافي. فاشتغل كمسؤول لقسم التصميم في دار الثقافة التابع لبلدية مدينة موستوليس ( محافظة مدريد) ما بين الأعوام 1984 – 1991، وأنتج خلال هذه الفترة الزمنية كمّاً كبيرا من البوسترات التي تناولت شتى الأنشطة الثقافية والرياضية، وجرّب من خلالها العديد من المهارات الأسلوبية وطرق التنفيذ للحد الذي استحقت بعضها جوائز متميزة. ولم يقتصر جهده الإبداعي في دائرة الثقافة هذه، بل اشتغل لحسابه الخاص ايضا، ونفذ خلال سنوات عديدة الكثير من أعمال التصميم والخط العربي لـ " معهد التعاون مع العالم العربي " و " المجلس الأعلى للبحث العلمي " في اسبانيا.
بعد اطلاعي على الكم الكبير من البوسترات التي نفذها خلال إقامته الاسبانية، تبادر إلى ذهني
فقر أرشيفنا الفني او انعدامه وخاصة فيما يتعلق منه بالبوستر الفني. اعتقد أن أعمال جودت هذه تصلح كنواة لمتحف مستقبلي للبوستر. وإن فقدنا أرشيفنا التشكيلي العراقي فبالإمكان الاشتغال على تجميع بعضه وخاصة لمن احتفظ بأرشيفه. لكن يبقى جودت بالاضافة لكل مجهوده في صناعة تصميم البوستر مولعا بإجادة الخط العربي، وهو إذ يعتبر ان مرحلة التصميم انتهت بالنسبة له، فانه يعكف الآن على الاشتغال بكل قدراته على إخراج أعمال في الخط العربي بالشكل الذي يرضي طموحه ويناسب تصوره، وهي: "أعمال حديثة في الخط العربي تلتزم بالأصول والقواعد الكلاسيكية لهذا الفن، أي محاولة تحديث اللوحة الخطّية وليس تحديث الحرف العربي" كما يقول. أي انه لا يكتفي بإجادة الخط العربي، بل بما يوازي صياغاته التراكمية الفذة بصياغات إخراجية يتوازى فيها الفعل الحفري الأثري والصياغات الافتراضية للعمل الفني ألمسندي الحديث، لكن بدون أن يضحي بكلتي الصياغتين. المهم عنده هو الاشتغال على عدم التفريط بقواعد الخط وضوابطه لصالح مشهدية اللوحة الحديثة والتي كثر الاشتغال عليها لعقود عديدة حتى باتت تستهلك ادهاشيتها لصالح الصنعة فقط. هذه المعادلة الصعبة هي ما يراهن على محاولة تحقيقها وهو الفنان الجاد في كل خطواته. ونحن في انتظار هكذا نتائج.
أخيرا لا بد من التذكير بمن جرى تغافلهم من قبل نقاد الفن التشكيلي العراقي من الفنانين التشكيليين العراقيين الذين استوطنوا الغربة مبكرا. وإن فقدوا آثارهم او بصماتهم التي طبعوا بها هذا التشكيل في زمن ما، فليس من الإنصاف أن تمحى ذكراهم من صفحة التشكيل العراقي، وإلا فقد حققت أزمنتنا الثقافية والسياسية الكارثية السابقة واللاحقة مبتغاها.
................................................................................................................................
سيرة الفنان الشخصية:
ولد في الموصل(العراق) عام(1043). أكمل الدراسة في معهد الفنون الجميلة بغداد عام(1962). سنة دراسية في أكاديمية الفنون الجميلة(روما). انتقل بعدها إلى اسبانيا وقام بدراسات حرة في المدرسة العليا للفنون الجميلة ( سان فرناندو ) حتى عام(1980).
له أعمال في : متحف الملصقات – فيلانوف (بولندا) ، المتحف الوطني للفن الحديث – بغداد ، المتحف الحِرَفي – بغداد ، مقتنيات خاصة ، متحف الفنون الجميلة – عمّان ، مطار الملك عبد العزيز الدولي جدّة (لوحة جداريه خطية منسوجة ) ، كنيسة القديس نيكولاس – مدريد ( لوحة من الخط العربي) ، حديقة الأمير محمد الأول مؤسس مدينة مدريد (لوحة سيراميكية من الخط العربي). واشترك في عدة معارض عالمية وعربية في السبعينات للبوستر. كما شارك في ملتقى الشارقة الثالث لفن الخط العربي
عام 2008 ، والرابع عام 2010.
علي النجار
20ـ10ـ2010
mercredi 1 décembre 2010
المبدع سعدي الكعبي وصالون الخريف باريس 2010
vendredi 26 novembre 2010
جديد الأستاذ الفنان الميدع ابراهيم أبو طوق 2010
mercredi 24 novembre 2010
اختام أفضل لافتتاح أروع / خالد الصحصاح صالون الخريف باريس 2010
اختام أفضل لافتتاح أروع
….
صالون الخريف الفرنسى يختتم دورته الثامنة بعد المئه
للعام2010 بنجاح
عشرون دقيقة من كلمة رئيس الصالون نويل كوريه موجهة للعالم العربى عامة ومصر خاصه
وحفل ختام عربى بامتياز، وجائزة أفضل فنان من أصل أجنبى للمصرى عبدالرازق عكاشة
فى احتفال كبير نادرا مايحدث فى باريس، وفى حضور مكثف ختم الخريف الفرنسى صالون
الابداع والفنون والآداب دورته الثامنه بعد المئة بعد قرن من العطاء والابداع
من الفنون والاداب وتمتاز هذه الدورة بأنها من أهم دوراته التى شهدت حضورا عربيا
كبيرا، وفعاليات ندوة دولية تمثل قمة من قمم الرقي والتحضر الثقافي نجح العرب فى
رسم صورة إبداعية حول ثقافة كنا نعاني كوننا نسجلها ونسمعها وحدنا داخل جدار
المراكز الثقافيه العربية. الجديد هنا ما أتاحه نويل كوريه رئيس صالون الخريف
ونائبه للعالم العربى عبدالرازق عكاشة أن الفرنسيين هم الجمهور والعرب هم المتحدثون
والرسامون وهم المبدعون والغربى هو المشاهد التواق كما قال نويل لسماع صوت من لا
صوت لهم، ففي كلمة نويل الذي حيا فيها مجهود العاملين بالصالون الذين ارتقوا
بمستوى
الصالون التشكيلي منذ تولى
نويل الرئاسة ثم تحدث عن مصر عن كرم الشعب المصرى
عن
ثقافة المصريين واحترامهم له واحترام المصرى للآخر فكان فخورا بعمر النجدى
الذى وضع
اعماله فى الصدارة مع سعدى الكعبى وبرورينوار كما تقدم بالتحيه الى شعب
العراق
وفلسطين وحيّا محترف شبابيك فى غزة وحيّا جسر الصداقة والاحترام الذي صنعه مع
صديقه
عكاشة وجمال الشاعر ومحمد الغيطى والسفير المصرى وجنودا عديدين من المصريين
المقيمين في باريس ومصر، وحيّا العالم العربى فى عبارة مدهشة هي الأفضل على أذن
الحاضرين حين اتّهم الفرنسيين بالتقصير فى عدم معرفة عالم غنيّ كريم
بأخلاقه ومبدعيه : “قبل 2008 كنت أعرف عن العالم العربي القليل لكن بعد
تكثيف
زيارتى مع صديقى عكاشه لبلاد عدة عرفت ماذا تعنى العروبة” وأشار للسفير المصرى
السيد ناصر كامل قائلا: “أشكرك معالي السفير لانك من هناك من مصر التى اتمنى ان
أحمل جنسيتها لأكون فرنسيا مصريا مثل صديقي عكاشة المصري الفرنسي ثم التفت الى
الفنانة لطيفة يوسف قائلا: “أحييك مدام لطيفة بشكل خاص وأحيي ماجد شلا
تعرفان
لماذا، لأنكما من بلد محمود درويش تعرفان حين يضيق الخناق وتموت الحرية ويسجن طفل
وتسحل امراة وتنزل دمعه فلا علاج ان بصوت قادم من الخلف والامام صوت وطنكم فلسطين
صوت محمود درويش تحية له ولكما ولوطنكما وأشكر ماجد شلا الذي وصل باريس بعد
سفر
استغرق 36 ساعة لمشاركة أصداقائه واستلام درع تكريم فلسطين
أما الختام الأروع فقد بدأ بندوة العالم المصري الفاضل د. فتحي صالح الذي
تحدث عن
تجربة مركز التوثيق الحضاري بالقريه الذاكيه فى مصر وهو المركز الذى أسسه د.
فتحى
بمجهود نادر بعد عودته من باريس حيث عمل لفترة سفيرا لمصر فى اليونسكو .
> > تميزت محاضرة د فتحى بالهدوء الرصانة والكثافة المعلوماتية وقدم الرجل صورة
مشرفة
لمصر وتلا د. فتحي الفنان خالد الصحصاح الذي تحدث هو الآخر عن تجربته فى
امريكا
Inscription à :
Articles (Atom)