فـن التـــصمــــيم
( تحقـيق قيم المستهلك )
أ.د إياد حسين عبدالله*
فن التصميم بأنواعه العديدة هو فن العصر، جمع بين الجمال والفائدة والاستخدام والتداول وسط عالم هائل من التقنيات والمواد والخامات ، ومنتجاته تحيط بنا من كل جانب ، ولاغنى لنا عنها في حياتنا اليومية بأي شكل من الاشكال.
( فهل أدرك المصمم – منتجاً - ، ما أراده الأنسان مستهلكاً ؟ )
وفي عصر كعصرنا هذا الذي تؤدي فيه ثورة المعلومات تأثيرها الكبير في اعادة ترتيب نظام الحياة واولوياتها ، يصبح من الضروري إدراك قيمة الجهد والوقت والمال وجدواهم ، وقد بلغت افاق المتغيرات الحاصلة على جوهر طبــــيعة الحياة حدا ، إستحالت معها على الانسان ادراك كل حلقاتها المتغيرة والمتطورة .
لم يعد فن التصميم مثلا – كأحد الفنون – يعني صورة جميلة معبرة كما هو حال الفنون التشكيلية ، وانما هو حصيلة فكرية وعملية لعلوم شتى ترتبط بالحقائق الموضوعية وحركة الحياة وقوانينها ، وتعمل على حل الاشكاليات التي تواجه الانسان وتلبي رغباته وتطلعاته ، وتشبع احتياجاته .
وابتداءا لابد ان ندرك المعنى الشمولي والواسع لكلمة التصميم كنتاج للفلسفة المادية المعاصرة وحضارتنا اليوم ، لنعلم مقدار تاثيرها على مجمل حياتنا اليومية ومستوى تقدمنا . اذ ان التصميم في ابسط معانيه هو تلك الاشكال الفنية الجميلة المنتجة والتي نهدف من ورائها ( فائدة ، او استعمالا ، او استخداما ، او تداولا ) .
وعندما تستعيد ذاكرتنا الاشياء التي نهدف من ورائها الفائدة او الاستعمال او الاستخدام او التداول ، لوجدنا انها تشتمل على كل مفردات حياتنا اليومية ، فهل لأي منا ان يستنغي عن اشياء ترتبط بالقيم الاربعة ؟
من هنا تتضح شمولية فكرة التصميم والتي تضم اكثر من اربعين صنفا من اصناف التصاميم اليوم كنت قد ذكرتها في نظريتي للجمال في فن التصميم ، في بحوثي السابقة ، ومنها التصميم المعماري والصناعي والاجهزة والداخلي والديكور والازياء والاقمشة والادوات والاثاث والمجوهرات والمطبوعات ..الخ وكلها تنظوي تحت مسمى الفنون التطبيقية ، والتي يشترك فيها العلم والفن على ايجادها . وتعني تلك الفنون التي تهدف الى العملية النفعية . وبهذا فان كل هذه الفنون تخضع لنفس الفلسفة والتجربة الجمالية والنظرية والعملية والانتاجية .رغم اختلاف نظام كل منها بسبب الوظيفة التي تؤديها .
ولنا ان نتخيل احد التصاميم المذكورة كالتصميم المعماري او التصميم الصناعي ومقدار التنوع والاختلاف في كل من تفاصيلهما ، وتعدد الوظائف والخامات والطرق التقنية والاهداف التي تسعى الى تحقيقها كل من هذه التصاميم . ومن الطبيعي ان تختلف التصاميم المعمارية كفلسفة ورؤية وشكل ومواد وخامات وتقنيات واحجام باختلاف الوظائف والقيم والهوية والتقاليد والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .......الخ .
ولعل اكبر ما يواجه الخطاب الجمالي في فن التصميم عموما ، هو مقدار الحرية التي يتمتع بها من خلال القيود التي تشترطها الجوانب الموضوعية في التصميم.
ولاجل توضيح الفكرة فان جوهر عملية التصميم تتلخص في وجود مشكلة في احدى الاحتياجات الانسانية مما يتوجب ايجاد حلول لها ، وظيفيا وجماليا ونوعيا واقتصاديا واجتماعيا وعمليا في آن واحد. . ولهذا السبب ترتبط العملية التصميمية دائما بالفكرة الخلاقة . لتتمكن من ايجاد حلول شمولية لكل ما ذكر، اما اذا لم تنجح على المستويات المذكورة فان العمل التصميمي لايغدو ان يكون مجرد حرفة او تكرار لما سبق .
كان العمل الفني التقليدي يبدأ وينتهي بين الخلجات الذاتية و الابداعية للفنان ، كالرسم والنحت ....الخ حيث تكتمل التجربة الجمالية بما يحقق ذاتية الفنان .
اما في الفنون التطبيقية في التصميم فان العملية تتسع الى مدياتها الواسعة جدا . فتبدا كما اشرنا الى وجود مشكلة حقيقية على المستويات المذكورة عندها تبدا صناعة الفكرة المناسبة لحلها ، والتي تمر باليات متعددة بين ولادتها ونموها والمغذيات الخاصة بها وصولا الى بزوغها كل هذا من جهة ومن الجهة الاخرى عمليات الادراك والتاويل والتفسير والفهم ..التي تهم المتلقي ويجب ان يدرك الياتها المصمم.
ومن تم تتعاقب مراحل العملية التصميمية وصولا الى انتاج النموذج وكل الدراسات التي تقوم حول تصنيعه وانتاجه والبيئة الملائمة له وجدوى تسويقه ، كما تبرز هنا العديد من الاشكالات التي تتطلب دراسات جمالية واقتصادية ومالية ونفسية واجتماعية وسياسية . اي ان فن التصميم هو محصلة لمجموعة من العلوم بنظرياتها المختلفة تحت مظلة الجمال .
والسؤال الاول هو: هل يمكن ان نحدد ما هو التصميم الناجح بعد كل هذه التفاصيل الفلسفية والعملية والانتاجية والجمالية المعقدة ؟
لابد ان نتذكر اولا ، ما هو الهدف من هذا التصميم وكل التصاميم الجديدة ، والى من ستوجه ؟
ودون ادنى شك فان الجواب هو : ( المستهلك ) بانواعه المختلفة ، وهنا نكون قد دخلنا في صلب العملية التسويقية ، وقد تكون هذه العملية تسويق لبضاعة او رؤية او فكرة او قضية رأي او مبدأ او قيمة اجتماعية او فكرة سياسية ...الخ . اي ان خلاصة فلسفة التصميم وكل نظرياته والعمليات التي ادت الى صناعته وانتاجه هو ( المستهلك ) باعتباره الحقيقة الموضوعية الوحيدة التي تؤكد لنا جدوى التصميم وواقعيته ونجاحه . هنا تختبر كل رؤانا ونظرياتنا وخبراتنا وقدراتنا على فهم الحقيقة الانسانية واحتياجاتها في الزمان والمكان والمجتمع والتاريخ والبيئة .
والسؤال الثاني المهم الان هو :
ماذا يريد المستهلك ؟
وعلى بساطة السؤال وتعقيده في آن واحد ، الا انه ضروري ولكي نعلم ماذا يمكن ان نقدم له ؟
والمستهلك كانسان يعيش في اي زمان ومكان وبأي مستوى او معتقد او حال يحمل مجموعة من القيم الشخصية وفقا لعلمي النفس والاجتماع والتي يسعى طيلة حياته الى تحقيقها او بعض منها ودون شك فان هناك العديد من الحواجز التي تحول دون ذلك .
وعليه فان التصميم القادر على مخاطبة القيم الفردية للمستهلك واقناعها واشباعها هو التصميم الذي يضمن رواجه ونجاحه ، وليس التصميم الذي يمثل قناعات المصمم ورؤيته الذاتية.
ومن اهم هذه القيم التي يسعى المستهلك الى تحقيقها :
1. الحياة المريحة : وهي أن يؤدي التصميم الى نقل المستهلك الى حياة اكثر راحة ورفاهية .
2. النوع الجيد : ويعني ان ما يقتنيه المستهلك هو الافضل عما سبق ان اقتناه .
3. الاثارة وجذب النظر : وهي توفر خصائص شكلية ووظيفية في التصميم تثير الانتباه والرغبة والاستمتاع .
4. الحرية : وهي ان تجعل المستهلك يشعر ويمارس اكبر قدر من الحرية الفردية في الفكرو والسلوك .
5. اللطافة والطرافة : اي ان تضفي بعضا من معانيهما على ظاهر التصميم وشكله .
6. السعادة : اي ان يوصل التصميم الجديد معنى السعادة لدى المستهلك .
7. الفرح : وهي القيمة التي تؤدي الى السعادة وتحل في المستهلك لدى مشاهدته للتصميم.
8. السلام الداخلي : وهي ان يشيع التصميم في ظاهره ووظيفته قيمة الطمأنينة للمستهلك .
9. الحب الناضج :وهي ان يثير التصميم عاطفة الحب المتكامل والراسخ في العقل .
10. الامن : وهي ان يحقق التصميم اكبر قدر من الامن في الشكل والوظيفة والاستخدام للمستهلك .
11. الانقاذ والنجاة :وهي المعاني التي يثيرها التصميم وتشكل انقاذا للمستهلك.
12. الانجاز الذاتي : وهي تلك المعاني التي يحس فيها المستهلك انه حقق فيها انجازا ذاتيا.
13. الاحترام الذاتي : وهي مجموعة القيم التي يكتنز عليها التصميم وتوفر احتراما ذاتيا للمستهلك .
14. الاحساس بالانتماء : وهو ما يشيعه التصميم الموجه الى مستهلك معين بانتمائه لفكر او جماعة او مبدأ معين .
15. القبول الاجتماعي : وهو مايفترض ان يحققه التصميم للمستهلك من منزله اجتماعية .
16. الحكمة : وهي قيمة المثال والنموذج التي يثيرها التصميم في المستهلك .
ومجموعة هذه القيم الفردية ذات الاهمية الكبيرة هو ما يسعى الانسان المستهلك الى تحقيقها واشباعها .
فالى أي مدى يتمكن المصمم من القدرة على تضمين تصاميمه هذه القيم ؟
ذلك موضوع مقبل .
- مقتبس من بحثي ( التصميم فن المستقبل ومستقبل الفن )2009
*استاذ فلسفة التصميم
www.ayadabc.co.cc
ayadabc@live.com
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire