من أعمال الفنان كاظم نوير
التشظي والاغتراب ..
أشكال مُدمَّرة حد الغياب
في تجارب كاظم نوير بقلم : د. شوقي الموسوي فنان وناقد تشكيلي من العراق
www.shawqi-almusawi.
مابين تقاطعات الأمس ، وتصادمات الحاضر ، وُجد الحوار يتيماً ، وسط تراكمات الحرب ، التي قذفت الإنسان إلى المجهول ... بعيداً عن الهوية العربية الغائبة ، التي أمست وأصبحت وما زالت تنظر بعين الآخر وتقرأ لنا وله بأدواته !! ، يجدُ الفنان " كاظم نوير " طريقه مُحملاً بأفكار متمردة ، تتسائل لأجل الأسئلة ، وتحاول التقرب إلى حالة من حالات الانفتاح على الآخر ، لاستدراك المتراكم الهائل الموجود على أعتاب القرن الحالي . . قرن الحروب ... هذه الأفكار تُحاول أن تستفهم عن معنى الخلاص ، وان كان في الانفتاح أم في الانغلاق أو الانفلات والانجذاب نحو الآخر الخارجي ، المتربص بنا منذ زمان ، فهل ينغلق هذا الانفتاح أم ينفتح هذا الانغلاق في مرحلة من مراحل تحليل خطاب اليوم ؟!! وما هذا الخطاب ؟ هل هو الايديولوجيات من جديد ؟! وماذا يُريد لأجل الغياب ؟!! هل يطلب المستحيل ؟ وما المستحيل ؟؟!.
كاظم نوير ، نجده مندفعاً ، بعد ان أكمل دراسته العليا – الدكتوراه – وبحثه في موضوعة الذاتي في الرسم –خاصة في تجاربه المتأخرة - إلى إنتاج سياقه الفني خارج مرجعيات الرؤية التقليدية وبعيداً عن تكرار المستهلك المادي المطاع !! نحو مستويات ما ورائية ، تُحاول كسر أفق التوقع لدى القاريء باتجاه حالة من حالات الإغتراب أو الانزياح نحو الهامش ، بعيداً عن المعاجم القيمية ..؛ لكون الفنان قد استلهم من طروحات الحداثة وما بعد الحداثة الفكرية ، تطبيقات – خاصة التفكيكية ونظرية التلقي – أثارت مشكلة (( موت الإنسان )) ، التي شكلت – التطبيقات – تدمير للمراكز الثابتة والايديولوجيات الوضعية ، المراكز الدلالية وبؤر المعاني المرتبطة بها ..؛ ولكون التفكيكيين – أمثال دريدا ..- قد ابتغوا من ذلك ، تأسيس خطاب جديد يقوم على أنقاظ خطاب الحداثة ؛ اذ يكون موت الإنسان المُعلن هنا ، موت شكل إنسان وليس الإنسان ؛ لان حدث الإنسان هنا ليس مجرد تعبير عن معرفة جديدة ، بل هو تعبير ايديولوجي عن نزوع الانسان المعاصر نحو الاستغناء عن النشاط أو العقل في إطار مجتمع تكنوقراطي ..؛ على اعتبار ان فن ما بعد الحداثة ، قد احتفل بأنموذج التشظي واللاتقريرية ، اللاتأليفية كمقابل لشموليات الحداثة وثوابتها مع دعوته الى إبداع أساطير الماضي المتمردة التي التي تتناسب مع مفاهيمها ، الرافضة للنماذج المتعالية ؛ إذ ناهض هذا الفن ، الشكل المنتهي من جميع أبوابه ودعا إلى الشكل المفتوح واللعب الحر والى الأدائية الفردية والغياب ، فضلاً عن سيادة الدال والأثر وعدم ثبات المعنى وعدم جوهريته ، فلا شيء تحت القشرة سوى القشرة ولا شيء تحت التجربة سوى التجربة .
من هنا نجد ان " كاظم نوير " قد أقدم على عدم التقيد بتقنية أو شكل معينين ، مستعيناً بالتقنيات المجتمعة معاً ، وبمعالجات فنية تستدعي مفردات الهامش ( تقنية التقطير – الحك والتحزيز أو الحفر – الحرق – الكولاج – الطباعة ... ) ،معتمداً على التكوين المؤمن بالتشظي وباللعب الحر وبالأدائية التحولية ، التي تُعطي انتشار للمعنى وانفجاره !!..؛ اذ شكل الفنان من خلال تجاربه المتأخرة ، حقلاً من الإشارات والعلامات العائمة التي تقبل التأويل وتستدعي قراءة ما لا يُقرأ فيها من قبل ، لإنتاج قراءة جديدة تُعيد تشكيل معنى آخر جديد ، ضمن خطاب معني في كل مرة بتفكيك أي مركز دلالي ، لصالح تحميل النص (اللوحة) ، قراءات متجددة واعتبار مؤلف النص (اللوحة) ضيفاً عليه حاله كحال القاريء الذي أحاله المؤلف ذاتاً واعية بل ومشاركاً في انتاج النص التشكيلي .
من خلال محاولات الفنان العراقي المعاصر – الثمانيني والتسعيني – في جعل الدال استدعاء للأشكال كدوال عائمة ومنزلقة - على حد تعبير (لاكان) – جعلت المتلقي القاريء ، يلتجيء في كل قراءة إلى مخزونه اللاشعوري ، بحثاً عن حالات تقبل التأويل بالمرجعيات البصرية ، أي تمكنه من ان يفهم الخطاب البدائي المفتوح ، من دون الاستعانة بالمؤرخ ، لينتج من خلالها تحرير الدال لإحداث الاثر في ذاته، بعيداً عما يُريده الآخر ... كاظم كغيره من زملائه التسعينيين ، حاول ان يغرق قوانين اللعبة التصويرية ، عن طريق تقويض المراكز الدلالية وبؤر المعاني ، من خلال تسطير لمجموعة من آليات الإدراك الحدسي التي يرتضيها اللعب ، والقاضية بإحالة الدال إلى دال آخر جديد ، مع تغييب مقصود للمدلول ، مما يؤدي إلى تلون الدوال ، وتعدد القراءات وتشظي الدلالة ، فضلاُ عن انتشار المعنى للتأويل في ككل قراءة ..
هذا الانتشار الذي ساعد فنان اليوم – فنان ما بعد الحرب – على ان يخرج من القياس إلى اللا قياس ، من الجمال الساكن إلى المتحرك ، من المقروء الى المكتوب .. في ظل لُعبة الدوال وتغييب المدلول ؛ بمعنى ان الفنان هنا يُحاول جاهداً من خلال مُعطيات التفكيك ان يجعل من اللعب الحُر ، يتجه الى مراوغة المدلول للدال ، بحيث تتحول العلامة المغلقة إلى علامة عائمة ، غير مستقرة ، تُثير لدى القاريء أسئلة متوالدة ، تجعله يُحاول ان يثبتها للوصول إلى معنى محدد .
فالتحولات الفكرية لحقبة ما بعد الحداثة ، الداعية إلى نفي التمركز حول المرجعيات ومعاداة كل أنواع السرد والاحتفال بالهوامش والشيفرة الشخصية وزعزعة الثقة بالأنموذج الكوني والتمسك بالتشظي والغياب ، قد أحدثت تحولاً نسبياً في النتاجات المتأخرة للفنان العراقي المعاصر بشكل عام والفنان كاظم نوير بشكلٍ خاص ؛ حيث النتاج الممتليء بالتقنيات الأدائية المجتمعة معاً ، التي أسست على وفق آليات النص المكتوب ، بعيداً عن النص المقروء ، لإتاحة الفرصة للقاريء النموذجي ، كي يسهم في إنتاج النص ، ليتحول دور القاريء من دوره السلبي – الاستهلاك - إلى الدور الايجابي – النتاج – ليتسنى له المشاركة في إنتاج نص جديد يُمارس إرجاء أبجدية للمدلولات ، من خلال تمسكه بالدال المتسم باللعب الحر وهي سمة تجعل من المستحيل إغلاق النص بمركز محدد .
كاظم نوير ، لا يمنح المتلقي أية نماذج ، بل نجدهُ يُدمر جميع البنيات الصورية إلى حـد الغياب ، تاركاً آثار أدواته تُـذكر الآخر بحضوره على الرغم من غيابه !!، لإعلان ولادة القاريء الذي سيحل محل الذات المبدعة ، كذات جديدة تعيد إنتاج النص (اللوحة) .
أشكال مُدمَّرة حد الغياب
في تجارب كاظم نوير بقلم : د. شوقي الموسوي فنان وناقد تشكيلي من العراق
www.shawqi-almusawi.
مابين تقاطعات الأمس ، وتصادمات الحاضر ، وُجد الحوار يتيماً ، وسط تراكمات الحرب ، التي قذفت الإنسان إلى المجهول ... بعيداً عن الهوية العربية الغائبة ، التي أمست وأصبحت وما زالت تنظر بعين الآخر وتقرأ لنا وله بأدواته !! ، يجدُ الفنان " كاظم نوير " طريقه مُحملاً بأفكار متمردة ، تتسائل لأجل الأسئلة ، وتحاول التقرب إلى حالة من حالات الانفتاح على الآخر ، لاستدراك المتراكم الهائل الموجود على أعتاب القرن الحالي . . قرن الحروب ... هذه الأفكار تُحاول أن تستفهم عن معنى الخلاص ، وان كان في الانفتاح أم في الانغلاق أو الانفلات والانجذاب نحو الآخر الخارجي ، المتربص بنا منذ زمان ، فهل ينغلق هذا الانفتاح أم ينفتح هذا الانغلاق في مرحلة من مراحل تحليل خطاب اليوم ؟!! وما هذا الخطاب ؟ هل هو الايديولوجيات من جديد ؟! وماذا يُريد لأجل الغياب ؟!! هل يطلب المستحيل ؟ وما المستحيل ؟؟!.
كاظم نوير ، نجده مندفعاً ، بعد ان أكمل دراسته العليا – الدكتوراه – وبحثه في موضوعة الذاتي في الرسم –خاصة في تجاربه المتأخرة - إلى إنتاج سياقه الفني خارج مرجعيات الرؤية التقليدية وبعيداً عن تكرار المستهلك المادي المطاع !! نحو مستويات ما ورائية ، تُحاول كسر أفق التوقع لدى القاريء باتجاه حالة من حالات الإغتراب أو الانزياح نحو الهامش ، بعيداً عن المعاجم القيمية ..؛ لكون الفنان قد استلهم من طروحات الحداثة وما بعد الحداثة الفكرية ، تطبيقات – خاصة التفكيكية ونظرية التلقي – أثارت مشكلة (( موت الإنسان )) ، التي شكلت – التطبيقات – تدمير للمراكز الثابتة والايديولوجيات الوضعية ، المراكز الدلالية وبؤر المعاني المرتبطة بها ..؛ ولكون التفكيكيين – أمثال دريدا ..- قد ابتغوا من ذلك ، تأسيس خطاب جديد يقوم على أنقاظ خطاب الحداثة ؛ اذ يكون موت الإنسان المُعلن هنا ، موت شكل إنسان وليس الإنسان ؛ لان حدث الإنسان هنا ليس مجرد تعبير عن معرفة جديدة ، بل هو تعبير ايديولوجي عن نزوع الانسان المعاصر نحو الاستغناء عن النشاط أو العقل في إطار مجتمع تكنوقراطي ..؛ على اعتبار ان فن ما بعد الحداثة ، قد احتفل بأنموذج التشظي واللاتقريرية ، اللاتأليفية كمقابل لشموليات الحداثة وثوابتها مع دعوته الى إبداع أساطير الماضي المتمردة التي التي تتناسب مع مفاهيمها ، الرافضة للنماذج المتعالية ؛ إذ ناهض هذا الفن ، الشكل المنتهي من جميع أبوابه ودعا إلى الشكل المفتوح واللعب الحر والى الأدائية الفردية والغياب ، فضلاً عن سيادة الدال والأثر وعدم ثبات المعنى وعدم جوهريته ، فلا شيء تحت القشرة سوى القشرة ولا شيء تحت التجربة سوى التجربة .
من هنا نجد ان " كاظم نوير " قد أقدم على عدم التقيد بتقنية أو شكل معينين ، مستعيناً بالتقنيات المجتمعة معاً ، وبمعالجات فنية تستدعي مفردات الهامش ( تقنية التقطير – الحك والتحزيز أو الحفر – الحرق – الكولاج – الطباعة ... ) ،معتمداً على التكوين المؤمن بالتشظي وباللعب الحر وبالأدائية التحولية ، التي تُعطي انتشار للمعنى وانفجاره !!..؛ اذ شكل الفنان من خلال تجاربه المتأخرة ، حقلاً من الإشارات والعلامات العائمة التي تقبل التأويل وتستدعي قراءة ما لا يُقرأ فيها من قبل ، لإنتاج قراءة جديدة تُعيد تشكيل معنى آخر جديد ، ضمن خطاب معني في كل مرة بتفكيك أي مركز دلالي ، لصالح تحميل النص (اللوحة) ، قراءات متجددة واعتبار مؤلف النص (اللوحة) ضيفاً عليه حاله كحال القاريء الذي أحاله المؤلف ذاتاً واعية بل ومشاركاً في انتاج النص التشكيلي .
من خلال محاولات الفنان العراقي المعاصر – الثمانيني والتسعيني – في جعل الدال استدعاء للأشكال كدوال عائمة ومنزلقة - على حد تعبير (لاكان) – جعلت المتلقي القاريء ، يلتجيء في كل قراءة إلى مخزونه اللاشعوري ، بحثاً عن حالات تقبل التأويل بالمرجعيات البصرية ، أي تمكنه من ان يفهم الخطاب البدائي المفتوح ، من دون الاستعانة بالمؤرخ ، لينتج من خلالها تحرير الدال لإحداث الاثر في ذاته، بعيداً عما يُريده الآخر ... كاظم كغيره من زملائه التسعينيين ، حاول ان يغرق قوانين اللعبة التصويرية ، عن طريق تقويض المراكز الدلالية وبؤر المعاني ، من خلال تسطير لمجموعة من آليات الإدراك الحدسي التي يرتضيها اللعب ، والقاضية بإحالة الدال إلى دال آخر جديد ، مع تغييب مقصود للمدلول ، مما يؤدي إلى تلون الدوال ، وتعدد القراءات وتشظي الدلالة ، فضلاُ عن انتشار المعنى للتأويل في ككل قراءة ..
هذا الانتشار الذي ساعد فنان اليوم – فنان ما بعد الحرب – على ان يخرج من القياس إلى اللا قياس ، من الجمال الساكن إلى المتحرك ، من المقروء الى المكتوب .. في ظل لُعبة الدوال وتغييب المدلول ؛ بمعنى ان الفنان هنا يُحاول جاهداً من خلال مُعطيات التفكيك ان يجعل من اللعب الحُر ، يتجه الى مراوغة المدلول للدال ، بحيث تتحول العلامة المغلقة إلى علامة عائمة ، غير مستقرة ، تُثير لدى القاريء أسئلة متوالدة ، تجعله يُحاول ان يثبتها للوصول إلى معنى محدد .
فالتحولات الفكرية لحقبة ما بعد الحداثة ، الداعية إلى نفي التمركز حول المرجعيات ومعاداة كل أنواع السرد والاحتفال بالهوامش والشيفرة الشخصية وزعزعة الثقة بالأنموذج الكوني والتمسك بالتشظي والغياب ، قد أحدثت تحولاً نسبياً في النتاجات المتأخرة للفنان العراقي المعاصر بشكل عام والفنان كاظم نوير بشكلٍ خاص ؛ حيث النتاج الممتليء بالتقنيات الأدائية المجتمعة معاً ، التي أسست على وفق آليات النص المكتوب ، بعيداً عن النص المقروء ، لإتاحة الفرصة للقاريء النموذجي ، كي يسهم في إنتاج النص ، ليتحول دور القاريء من دوره السلبي – الاستهلاك - إلى الدور الايجابي – النتاج – ليتسنى له المشاركة في إنتاج نص جديد يُمارس إرجاء أبجدية للمدلولات ، من خلال تمسكه بالدال المتسم باللعب الحر وهي سمة تجعل من المستحيل إغلاق النص بمركز محدد .
كاظم نوير ، لا يمنح المتلقي أية نماذج ، بل نجدهُ يُدمر جميع البنيات الصورية إلى حـد الغياب ، تاركاً آثار أدواته تُـذكر الآخر بحضوره على الرغم من غيابه !!، لإعلان ولادة القاريء الذي سيحل محل الذات المبدعة ، كذات جديدة تعيد إنتاج النص (اللوحة) .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire