الشاطئ La plage
تذكارات حسية
للفنان التشكيلي خالد الشريكي
* سعيد العفاسي / ناقد تشكيلي
بتعاون مع الجماعة الحضرية لفاس والمديرية الجهوية لوزارة الثقافية بفاس بولمان ينظم المرصد الجهوي للمعرفة والتواصل معرضا فرديا تشكيليا للفنان خالد الشريكي خلال الفترة الممتدة من 09 إلى 29 أكتوبر 2009 برواق محمد القاسمي بفاس، ويعتبر هذا المعرض محطة أساسية للفنان خالد الشريكي الذي يستعرضه فيها 24 لوحة استمد مقوماتها من جمالية طبيعة الجنوب والشمال ومن مراسه الفني الذي اعتمد على الاشتغال على تيمات مختلفة من أجل تطوير موهبته والرقي بها إلى إنجاز لوحات تعرب عن قدوم فنان متمسك بجذوره المعرفية وبهويته المغربية، التي يحملها في معظم أعماله لكي يكون حاضرا في مختلف المحافل المحلية والوطنية والدولية، بكل قوته وتمكنه وخبراته وتقنياته التي تعتمد على الضربات اللونية القصيرة بتدرجات مركبة، ويواصل الفنان التشكيلي خالد الشريكي تجربته التشكيلية، بعد رحلة بحث في ثنايا الشمال والجنوب، معتمدا على ما ترسب في الذاكرة من ألوان وأشكال تحفز القيم البصرية التي اكتسبها بالملاحظة الحسية لمكونات الطبيعة، وفق ترسيمة دالة مفتوحة على الفضاء العميق في اللوحة، معتمدا على توزيع الضوء والظلال بضربات لونية قصيرة تسمح بتشكيل الجزء لتكوين الكل، بطريقة أكثر مرونة وعمقا، جاعلا إياها أكثر واقعية مما كان ممكنا في الواقع، لتتسم أعماله الفنية بتمثيل الأشياء في فضاء ثلاثي الأبعاد من خلال المنظور الخطي، والرسم بتقصير الخطوط، بغية إبراز اللوحة للعين، لخلق إيقاع لوني بالضربات التي تتدرج لتمثيل الأشكال والكتل، لتصف الإحساس بهندسة الأشياء وليس الأشياء كما نحسها، فيصبح اللون لغة للتعبير في حد ذاته، ولتغدو درجات اللون عنصرا إيقاعيا حرا في بناء فضاء اللوحة، ويتحرر الخط من دوره في وصف الأبعاد الحسية العادية للأشياء، ومع تحرير العناصر الجمالية للخط واللون والشكل، تصبح من مهام توصيف الأشياء، التي يبنيها الفنان خالد الشريكي من زوايا نظر مختلفة، يتحرك مركز التنظيم الجمالي نحو مستوى العلاقة بين الأفعال والتفاعل بين الشخوص في الخبرة الواقعية، وهكذا يجعل الشريكي عناصر اللوحة تنشـأ من الأرضية المشتركة للشمال والجنوب والممتدة في الذاكرة، التي تشترك فيها مع بقية العناصر لتشكل العملية الإدراكية الجوهرية التي يتحقق فيها تجاوز التمايز والفروق في الزمان والمكان والسياق، وهي التمايزات التي تعمل على أن تظل تجربة الحياة اليومية للفنان مفصولة بعضها عن بعض.
لقد جعل الفنان التشكيلي خالد الشريكي من رحلة البحث عن مصادر الضوء واللون، والاشتغال على تيمة الطفولة والماء في أبعد تجلياتهما، موضوعا لتذكاراته التي تمتد على مدى 24 لوحة، مستشفا قدرته على إحداث تغييرات في الصورة الطبيعية التي اقتنصها، وصبغها بحنينه إلى طفولته، في رحلاته المتعددة بين مصادر الضوء وتعدد الظلال والأنوار، بحثا عن تصميمات أكثر جرأة لتنقل لنا سيرة أطفال من مختلف المشارب المجتمعية، رابطا بينهما بتيمة الماء الذي يكون ثريا في الشمال ويزداد بؤسا كلما انحدرنا نحو الجنوب، بحثا عن جمالية محملة بالمعاني والمضامين الفكرية، ومعتمدا على معرفته البصرية وتجربته العصامية، وتعدد أساليب اشتغاله على موضوعات مختلفة، وبصيغ تتيح له التجريب للرقي بذوقه التشكيلي، الذي تمرس عليه عبر دروب الاشتغال اليومي، ومستفيدا من تجارب من سبقوه أو تعامل معهم في مختلف المعارض المحلة والوطنية والدولية التي شارك فيها، لتصبح لوحاته وسيلة لتفريغ الشحنات النفسية والمشاعر والتجارب الإنسانية المختلفة، في سياق تذكارات تؤثر فيه كما تؤثر فينا، لأن الفن عنده وسيلة للتعبير والاتصال والتحسيس والمشاركة الوجدانية للتجربة الجمالية التي تولد المتعة بالصيغ التشكيلية.
إن أي عمل من أعمال الفنان مهما كان مجال اتجاهه التشكيلي، يكون قابلا للتحليل والتفسير من خلال تشبعه بالنظم الجمالية، سواء صيغت باستلهام من الطبيعة أو من محتوى التعبير الفني، أو من المعنى الذي يكشفه أو يحتفظ به لنفسه، تمثل أعلى مستويات الابتكار الفني بتلك التنظيمات الشكلية الظاهرة في اللوحة،لأن الدور الذي يؤثر من خلاله الفنان خالد الشريكي على المتلقي لا يكون فاعلا، إلا من خلال الشفافية التي تعمل في حسه ورؤيته المهذبة، والتي تدرك أعلى درجات الوعي الجمالي في الطبيعة، وفي مظهر الأشكال، كلما عمل الفنان على إنتاج تلك القيم- قيم الطفولة والماء-، فإن المتلقي سيعيد صياغة تلك المدركات-التذكارات- في صور ذهنية تتوافق مع تلك التي شدت انتباه الفنان إليها من قبل، وتفوق فيها على ذاته لأته اقترب من صيغة الجمال المطلق في جوهره الأصيل، بأسلوب انطباعي، يرصد ملامح العمق، مبتعدا عن النقل الحرفي من التذكارات، ويقدم صيغ حسية مستقلة بروحها الجمالية، التي تكشف عن قدرات الفنان وفكره وتصوراته الجمالية المستلهمة من الفن وما أضفاه على أعماله من نفسه ما يجعله جميلا، وطبعا لا تكتمل متعة ممارسة الفنان للإنتاج الفني إلا بمشاركة المتلقي له بجمال تلك التذكارات، التي ستنتقل في المعرض من تذكاراته إلى تذكاراتنا المشتركة.
للفنان التشكيلي خالد الشريكي
* سعيد العفاسي / ناقد تشكيلي
بتعاون مع الجماعة الحضرية لفاس والمديرية الجهوية لوزارة الثقافية بفاس بولمان ينظم المرصد الجهوي للمعرفة والتواصل معرضا فرديا تشكيليا للفنان خالد الشريكي خلال الفترة الممتدة من 09 إلى 29 أكتوبر 2009 برواق محمد القاسمي بفاس، ويعتبر هذا المعرض محطة أساسية للفنان خالد الشريكي الذي يستعرضه فيها 24 لوحة استمد مقوماتها من جمالية طبيعة الجنوب والشمال ومن مراسه الفني الذي اعتمد على الاشتغال على تيمات مختلفة من أجل تطوير موهبته والرقي بها إلى إنجاز لوحات تعرب عن قدوم فنان متمسك بجذوره المعرفية وبهويته المغربية، التي يحملها في معظم أعماله لكي يكون حاضرا في مختلف المحافل المحلية والوطنية والدولية، بكل قوته وتمكنه وخبراته وتقنياته التي تعتمد على الضربات اللونية القصيرة بتدرجات مركبة، ويواصل الفنان التشكيلي خالد الشريكي تجربته التشكيلية، بعد رحلة بحث في ثنايا الشمال والجنوب، معتمدا على ما ترسب في الذاكرة من ألوان وأشكال تحفز القيم البصرية التي اكتسبها بالملاحظة الحسية لمكونات الطبيعة، وفق ترسيمة دالة مفتوحة على الفضاء العميق في اللوحة، معتمدا على توزيع الضوء والظلال بضربات لونية قصيرة تسمح بتشكيل الجزء لتكوين الكل، بطريقة أكثر مرونة وعمقا، جاعلا إياها أكثر واقعية مما كان ممكنا في الواقع، لتتسم أعماله الفنية بتمثيل الأشياء في فضاء ثلاثي الأبعاد من خلال المنظور الخطي، والرسم بتقصير الخطوط، بغية إبراز اللوحة للعين، لخلق إيقاع لوني بالضربات التي تتدرج لتمثيل الأشكال والكتل، لتصف الإحساس بهندسة الأشياء وليس الأشياء كما نحسها، فيصبح اللون لغة للتعبير في حد ذاته، ولتغدو درجات اللون عنصرا إيقاعيا حرا في بناء فضاء اللوحة، ويتحرر الخط من دوره في وصف الأبعاد الحسية العادية للأشياء، ومع تحرير العناصر الجمالية للخط واللون والشكل، تصبح من مهام توصيف الأشياء، التي يبنيها الفنان خالد الشريكي من زوايا نظر مختلفة، يتحرك مركز التنظيم الجمالي نحو مستوى العلاقة بين الأفعال والتفاعل بين الشخوص في الخبرة الواقعية، وهكذا يجعل الشريكي عناصر اللوحة تنشـأ من الأرضية المشتركة للشمال والجنوب والممتدة في الذاكرة، التي تشترك فيها مع بقية العناصر لتشكل العملية الإدراكية الجوهرية التي يتحقق فيها تجاوز التمايز والفروق في الزمان والمكان والسياق، وهي التمايزات التي تعمل على أن تظل تجربة الحياة اليومية للفنان مفصولة بعضها عن بعض.
لقد جعل الفنان التشكيلي خالد الشريكي من رحلة البحث عن مصادر الضوء واللون، والاشتغال على تيمة الطفولة والماء في أبعد تجلياتهما، موضوعا لتذكاراته التي تمتد على مدى 24 لوحة، مستشفا قدرته على إحداث تغييرات في الصورة الطبيعية التي اقتنصها، وصبغها بحنينه إلى طفولته، في رحلاته المتعددة بين مصادر الضوء وتعدد الظلال والأنوار، بحثا عن تصميمات أكثر جرأة لتنقل لنا سيرة أطفال من مختلف المشارب المجتمعية، رابطا بينهما بتيمة الماء الذي يكون ثريا في الشمال ويزداد بؤسا كلما انحدرنا نحو الجنوب، بحثا عن جمالية محملة بالمعاني والمضامين الفكرية، ومعتمدا على معرفته البصرية وتجربته العصامية، وتعدد أساليب اشتغاله على موضوعات مختلفة، وبصيغ تتيح له التجريب للرقي بذوقه التشكيلي، الذي تمرس عليه عبر دروب الاشتغال اليومي، ومستفيدا من تجارب من سبقوه أو تعامل معهم في مختلف المعارض المحلة والوطنية والدولية التي شارك فيها، لتصبح لوحاته وسيلة لتفريغ الشحنات النفسية والمشاعر والتجارب الإنسانية المختلفة، في سياق تذكارات تؤثر فيه كما تؤثر فينا، لأن الفن عنده وسيلة للتعبير والاتصال والتحسيس والمشاركة الوجدانية للتجربة الجمالية التي تولد المتعة بالصيغ التشكيلية.
إن أي عمل من أعمال الفنان مهما كان مجال اتجاهه التشكيلي، يكون قابلا للتحليل والتفسير من خلال تشبعه بالنظم الجمالية، سواء صيغت باستلهام من الطبيعة أو من محتوى التعبير الفني، أو من المعنى الذي يكشفه أو يحتفظ به لنفسه، تمثل أعلى مستويات الابتكار الفني بتلك التنظيمات الشكلية الظاهرة في اللوحة،لأن الدور الذي يؤثر من خلاله الفنان خالد الشريكي على المتلقي لا يكون فاعلا، إلا من خلال الشفافية التي تعمل في حسه ورؤيته المهذبة، والتي تدرك أعلى درجات الوعي الجمالي في الطبيعة، وفي مظهر الأشكال، كلما عمل الفنان على إنتاج تلك القيم- قيم الطفولة والماء-، فإن المتلقي سيعيد صياغة تلك المدركات-التذكارات- في صور ذهنية تتوافق مع تلك التي شدت انتباه الفنان إليها من قبل، وتفوق فيها على ذاته لأته اقترب من صيغة الجمال المطلق في جوهره الأصيل، بأسلوب انطباعي، يرصد ملامح العمق، مبتعدا عن النقل الحرفي من التذكارات، ويقدم صيغ حسية مستقلة بروحها الجمالية، التي تكشف عن قدرات الفنان وفكره وتصوراته الجمالية المستلهمة من الفن وما أضفاه على أعماله من نفسه ما يجعله جميلا، وطبعا لا تكتمل متعة ممارسة الفنان للإنتاج الفني إلا بمشاركة المتلقي له بجمال تلك التذكارات، التي ستنتقل في المعرض من تذكاراته إلى تذكاراتنا المشتركة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire