" الفن والأدب ليست آدوات تغيير مباشر , وأنما على المدى البعيد يمكن جواز ذلك
الفن والأدب ليست آدوات تغيير مباشر , وأنما على المدى البعيد يمكن جواز ذلك "
حوار مع التشكيلى - عادل الفورتية حاوره - صابر
فى لوحاته التشكيلية خصوصية وثراء روحى , هو من جيل الشباب الذين حققوا حضورهم على مستويات عربية ودولية , ولم يكتفى بالموهبة وحدها ليشير للأخرين أننى فنان , إنما تخصص ليذهب الى البعيد فيما هو عازم عليه , يحض باحترام من الذين سبقوه رغم التمرد على اللون الذى يدفعه للمشاكسة والاختلاف وصولا الى صفاء الذات , يعتبر مجتهدا بامتياز يذاب من أجل عرض لوحاته فى فضاءات تتسامق مع تطلعاته وأحلامه , تجاذبنا أطراف حديث ثقافى معه استحضرنا فيه هموم الفعل الإبداعى واكتشفنا رؤية أخرى له خارج اللوحة.يعانى المثقف العربى من عدة اشكاليات ماهى ابرز هذه الاشكاليات ؟ج – ابرز الاشكاليات التى يعانى منها المثقف العربى هى بالاساس غياب الحرية والازدواجية فى التعبير والسلوك , فالحرية عامل مهم وضرورى للمثقف على الصعيد الشخصى ومن ثم العام , فلاو جود لمثقف أسير لأفكار بالية أو ماضوية أو مثقف عبد لغرائزه ونزواته الدونية مثلا أو مثقف يردد مايقوله الآخرون دون تمحيص , هذه الحالات نراها تعيش داخل مجتمعاتنا العربية وبالتالى لايمكن لها أن تحقق مثقفين بالمعنى الشامل للكلمة ربما أشباه مثقفين .... والجزئية الأخرى هى الازدواجية فى السلوك والتعبير بمعنى هناك ثنائية مقيته يعيشها مايسمى بالمثقف العربى فى حياته فتارة تجده ليبراليا وتارة ديكتاتوريا وتارة متسامحا وأخرى عنيفا وسلطويا , ولربما كل ذلك يعتبر هينا أمام ازدواجية الفكر والواقع التى تنبع من ذات المثقف العربى والتى أعتبرها أساس كل انهيار صروح الثقافة داخل مجتمعاتنا العربية , ولست هنا فى اطار التعميم فنسبية الاشياء هى الحكم بين كل تلك الظواهر السلبية.وربّ قائل – ان هذه الخلطة ( الازدواجية ) هى الرافد للمثقف ! كون الثقافة بالمفهوم الساسى فوضوية الماهية , ولكن ليس بالمستوى الذى نعيشه على جميع الأصعدة فلربما المثقف الغير مسئول نجد له المبرر فى ذلك لكن أن يكون ذى مكانة رسمية فهذا لايجوز لأن من المفترض أن تتقلص الغايات الذاتية والشخصية أمام الغايات العامة والكلية , وبالتالى تختلط فى ذوات مثقفينا كل تلك المفاهيم فيصبح الناتج كائن هجين غير قادر أحيانا حتى التلفظ بجمل ذات قيمة ومعنى ..... هل ممكن ان تكون عوامل الاحباط امر ايجابى يدفع الى الامام ؟ ج – لست مما يعتقدون بأن المعاناة هى العامل الايجابى الوحيد فى الفعل الابداعى والثقافى عموما فالحياة بشمولية رؤاها ( أى حالات الحزن والفرح والضيق والغضب ) والتى تصاحب الكائن الإنسانى الممارس لذلك الفعل قادرة على أن تعطينا نتاجا فنيا راقيا وذو قيمة عالية من الحساسية والشعرية – لكننا هنا أمام عوامل وجودية ذات فعل استمرارى يواجه الانسان فى كل ثانية.اما ان تكون تلك الحالات هى من فعل مؤسسة أو سلطة محددة كأن تضع تلك المؤسسة أو السلطة العراقيل امام الفنان أو المثقف لكى يطمس ويغيّب فذلك لاأعتقد بأنه عامل ايجابى ابدا , اما بالنسبة لقضية الدفع الى الامام فأظنه امر خاص بالتكوين الجمالى والمعرفى لدى الشخص , فهناك بعض من المثقفين يستسلمون فى بداية الطريق وهناك من يستمر ... وهكدا , فالتخصيل المعرفى مهم جدا فى استمرارية ذلك المثقف من عدمه. متى تصبح الحاجة الى الكتابة او اى فعل ابداعى اخر ضرورة ؟ ج – بالنسبة لى النتاج الثقافى بعمومه شىء ضرورى جدا ولايمكن إرتهانه بإستقطاع زمن ما , فمثلا المجال الذى امارسه فى الفن التشكيلى اعتبره مجالا حيويا والغاية من إرتجال لوحة تشكيلية هو فعل ديناميكى باستمرار فالذاكرة المتأملة والمخيلة والرؤيا البصرية لما حولنا من الاشياء ومحاولة اعادة ترتيب الظواهر من حولنا من جديد , كل ذلك لايرتبط بوقت محدد فالفن كينونة بمعنى عدم إختصاره ضد الزمن لابل الفن والزمن وجهان لعملة واحدة ويسيران فى خطان متوازيان , فلايمكن تصور عالم بدون فن أو بدون إرث ثقافى عام .هل يستطيع الادب والفن ان يصنع تغييرا ويؤثر فى الحياة ؟ج – الامر لايدخل فى دائرة المطلق وانما يمكن تصنيفه نسبيا , فالفن والادب ليسا أدوات تغيير مباشر وانما على المدى البعيد يمكن جواز ذلك , فاللوحة والمسرح والكتاب وكل آليات الثقافة بوجه عام لاتستطيع فرض التغيير اللحظى من خلال التعبير فقط فلابد من وجود مترادفات أخرى لكى يؤدى الفعل الثقافى دوره داخل منظومة المجتمع مثل تفعيل الدور المؤسساتى , وبالتالى مع الاستمرارية تصبح هذه الأنساق الأبداعية قادرة على توجيه شفرة معينة تختصر احيانا فى توضيح السلبيات التى يعانى منها مجتمع محدد .المبدع العربى فى البداية نجده متمسكا بعدة ضوابط فنية لكن سرعان مايتغير ويصبح كالماكينة حريصا على الكم ... هل توافق هذا القول ؟ج – المثقف والمبدع العربى يعيش مثالية تخيليية بمعنى انه يتموضع داخل يوتوبيا ومن خلالها يريد مواجهة العالم , وايضا المجتمع العربى يعيش واقعية تجهيليية سطحية اذا جاز لى التوصيف والمعنى ان ذلك المجتمع يريد كل شىء جاهزا ودون أن يبذل اى مجهود.فمثلا الثقافة والفن بمفهومهما الشامل شيئان أساسيان وضروريان لكى تتخطى المجتمعات الأطر القبلية والثقافة السكولاستيكية أى المدرسية الكلاسيكية فى المعرفة وبالتالى يمكن لها ان تقف على مشارف ثقافة مغايرة تجديدية يكون للعلم النصيب الأوفر , ولكن دون ذلك سيظل المثقف والمبدع العربى يعيش هذه الدوامة من فرض ظوابط أحيانا وخرقها أحيانا أخرى.فالجودة والنوعية مصطلحات أصبحت تبدو غريبة عن واقعنا الثقافى العربى بوجه عام والسبب فى ذلك التحول المادى الرهيب الذى نعايشه وماأدى أليه من تناقضات على مستوى القيم والأخلاق , ولسنا هنا ضد هذا التحول ولكن ينبغى ان يرافق ذلك التحول والتغير فكر ناضج قادر على استخلاص الشوائب وإستبيان الجيد من الردىء.كيف ترى مستقبل المنجز الفكرى العربى ؟ ج – مستقبل المنجز الفكرى العربى جيد جدا وأحيانا يصنف عالميا بامتياز , لكن تظل المشكلة فى القراءة اشكاليتنا كشعوب عربية أننا لانقرأ أبدا , ولهذا يبدو الأفق عندنا ضيق وثقافتنا أحيانا ظلامية .النقد عندنا هل هو متخلف عن الابداع ؟ج – نعم للأسف مجال النقد عندنا يبدو كذلك بمعنى مجمل الأعمال الابداعية لاتجد طريق النقد لها . فى عالمنا العربى ينظر دائما بنظرة تقزيم لأى منجز فى حين يتم الاحتفاء بما ياتى من الخارج ؟ج – صحيح وهذا ماأشرت اليه قبل قليل الاسشكال فى القراءة والوعى نحن أمة لاتقرأ وعلى هذا الأساس يبقى كل فعل ابداعى خاص ببيئتنا فى الظل وطى النسيان وينظر الى صاحبه نظرة المسكين الغافل , ولذلك تصبح الشعوب العربية عُرضه للتغييب والتجهيل والتأثير عليها , أما بالنسبة لإحتفاء الجمهور العربى بالمنجز الذى يأتى من الخارج فلاأظنه نابع من رؤية ثقافية معمقة فالأمر لايعدو كونه مقولة رسّخت داخل اللاوعى الجمعى العربى مفادها – أن القوى هو الذى يفرض ثقافته على الضعيف – يشهد الوطن العربى سلسلة من التوترات فى فلسطين والعراق ولبنان وايضا السودان – ماموقفك ازاء ذلك ؟ج – ومصير الشمس أن تشرق فى كل القلوب ...كل قلب شمسه فيه وحتى ان يكن عصبوا عينىّ فمن يعصب قلبى !!- الشاعـر الليبى – محمد الشلطامى ترتفع الأصوات المنادية بالاصلاح والتغيير – هل فنون الكتابة والصورة فى حاجة ايضا لمثل هذه المطالبات ؟ج – التغيير فعل وجودى لايمكن وقفه على فترة تاريخية محددة والاصلاح كذلك , وهذا بالتأكيد ما تحتاجه آليات الثقافة الأخرى ....تختلف حيثيات الابداع من بلد الى اخر ماهى الخصائص التى تراها موجودة فى بلدك وهل هناك مشهد ثقافى عربى واحد كما كان ؟ج – بالنسبة لى لاأرى اختلافا كبيرا بين النسق الابداعى الليبى وغيره فى الدول العربية , فالمستويات الثقافية هى ذاتها الّلهم بعض الاختلافات الظاهرية نوعا ما أى مايعترى اللغة المكتوبة من مفارقات فى الشكل والمعنى أحيانا – مشهد عربى واحد - فى اعتقادى ان ذلك سيظل قائما فهذه الامة تحمل فى وجدانها عوامل إتفاق كبيرة رغم سطوة مايسمى الان بالعولمة ومحاولة تنميط العالم وفق ارادة السوق .ظهرت عدة اسماء فى فترة الستينيات والسبعينيات ولم نعد نرى ذلك البريق يتكرر وتظهر اسماء جديدة – هل الاجيال التى جاءت من بعد اقل مقدرة ؟ج – لاأظن ذلك الأجيال الجديدة لازالت تكابد وتعمل المستحيل لكى يُسمع صوتها , ولااعتقد بأن الثقافة يمكن حصرها فى القديم فقط , نعم هناك العديد من الأسماء لايسع المجال لذكرها والتى تنتمى للأجيال الحديثة والمعاصرة وهذا أبدا لايقلل من مقدرة وعطاء هذا الجيل . تكاد تنحصر حصيلة الجوائز العالمية العربية فى جنس الرواية – هل تراجعت كافة الاجناس امام مد الرواية ؟ج – ربما يرجع ذلك فى قدرة الرواية على الإحاطة بتفاصيل الوجود الإنسانى عموما , لكننى على دراية جيدة بأن هناك جوائز عالمية فى مختلف الأنساق الثقافية الأخرى فى الغرب طبعا ماهو جديدك بالتفصيل ؟ج – " لاشىء تحت الشمس بجديد " – هيجل - سأشارك قريبا فى المهرجان المغاربى الثانى للفن التشكيلى – فى مدينة وجدة بالمغرب .- كلمة أخيرة .....أن يكون من أمر ماكان ...أرانى لم أنفق أيامى سدى ...ففى هذا العالم المجنون , وككل أحد ...لم أفعل شىء , إلا أن لهوت .- سيوران -*( شاعـر من رومانيا )