ماجدة نصر الدين: الشعر والتشكيل توأمان لأمٍ واحدة هي الموسيقى!
على أعتاب معرضها الشخصي الجديد في الشارقة
تعتبر الفنّانة التشكيلية اللبنانية ماجدة نصر الدين واحدة من أفضل الرسّامات اللبنانيات من الجيل الذي ظهر في التسعينيات، وهي تقيم في الشارقة منذ أكثر من عشر سنوات، وتنشط من هناك في أعمالها الفنّيّة. شاركت في العديد من المعارض الجماعية في لبنان وداخل دولة الإمارات وخارجها، وأقامت عدداً من المعارض الشخصيّة. وهي تعمل حالياً على مشروع معرض خاص جديد سيفتتح في أحد غاليريات الإمارات. «المشاهد السياسي» رافقت الفنّانة اللبنانية في أكثر من معرض لها في السنوات السابقة، وها هي تسبق إلى محاورتها في جملة من القضايا المتعلّقة بفنّها وبالفن بصورة عامة.
«المشاهد السياسي» ـ الشارقة
> بين أعمالك السابقة ونتاجك الجديد الذي شاركت فيه أخيراً.. في المعرض السنوي في الشارقة ثمّة عناصر جديدة دخلت على عالمك الفنّي.. خطوطاً وألواناً وصياغة فنّيّة.. هل أنت في منطقة فنّيّة جديدة؟
< بعد الحرب الأخيرة على لبنان في العام ٢٠٠٦، أصابتني حالة من الذهول والصدمة. وحين اقتربت من البياض وجدت نفسي أتعامل معه وكأنه جدار مزّقته الصرخات والآثار، وذلك الألم الكبير الذي لحق بالأطفال خلال تلك الحرب اللعينة، فجاء العمل مزيجاً من التجريد والكولاّج والمواد المختلفة. لذا تجد بعض الاختلاف، لأن اللوحة أضيف إليها بعض الصور المقتطعة من المصير المرّ الذي لقيه الأطفال الشهداء! جاء عنصر الكولاج كعامل مساعد للتعبير وبشكل مباشر وصادم عن الظلم الذي لحق بهم. إن تأمّلته من حيث الصياغة الفنّيّة لم يختلف كثيراً عما قدّمته سابقاً، بل هو حالة أردت التعبير عنها.. الاضافة جاءت مباشرة ومزعجة ـ إن صحّ التعبير ـ للايغال في فكرة الاستشهاد الذي كان موضوع اللوحة بعد حرب دمّرتني خليّة خليّة. في اعتقادي أن أي منجز ينقلنا الى مكان جديد أكان قريباً أو بعيداً لا فارق، والمهم أنها منطقة من مناطق الحسّ والروح والذاكرة. كل مرّة بداية > حدّثيني عن المسافة التي قطعتها بين قديمك الفنّي وجديدك الذي رأيت بعضه.. ولا بد من أنه مدخل وعنوان لمشروع فنّي متكامل؟
< كل خط يخطّه الفنّان في أعماله من الممكن أن يكون بداية لمشروع فنّي ضخم، فالفن والطريق التي نمشيها لنبقى قريبين من أنفسنا مليئة بالتجارب والمسافات.. هناك خطوط عريضة لمنجزنا الفنّي ومنه يتفرّع العديد العديد من الأفكار والشطحات، إن جاز التعبير. لذا أجد نفسي أنني في كل مرة أقدّم شيئاً جديداً، أخطو خطوة الى الوراء! فكلما أنت أوغلت بالابداع والعطاء كلما اتّخذ الفن مجراه الحقيقي في دمك وروحك وأصبحت مطالباً تجاهه وتجاه الابداع عموماً بالمزيد والمزيد.. يعني البداية من جديد في كل مرة. ولكن ما يجب ذكره هنا لإيفاء الموضوع حقّه، هو أن كل هذه التجارب والعذابات تصنع تجربتنا، فنكاد نكون كبشر سلسلة من التفاصيل والتجارب، وهذا تماماً ينطبق على من يمارس الرسم والفنون بشكل عام. هناك بالفعل أكثر من مدخل لأعمال فنّيّة جديدة أعمل على تطويرها حالياً، من خلال البحث والعمل على أن أصل الى مكان أشعر معه بالرضا ولو بعض الشيء عما أريد تقديمه. > لاحظت في جديدك الذي شاركت فيه أن حجم اللوحة صار أكبر وموضوعها اقترب من موضوعات الجداريّات.. هل تفرض الجداريّات نفسها بسبب ملحمية الموضوعات.. ودراميتها؟
< في الواقع ليست هي أول مرة أتعامل فيها مع هذه الأحجام، فالمساحة الكبيرة تغريني بفضائها المفتوح وتمنحني مساحة أكبر للتعبير والابداع. في الوقت نفسه هي تشكّل تحدّياً كبيراً للفنّان عن كيفية تعاطيه بصريّاً معها، وكيف سيوازن بين العناصر كافة من حيث اللون والتكنيك، الكتلة والفراغ، الضوء والعتمة. أحياناً يفرض الموضوع نفسه على المساحة وأحياناً بالعكس، توحي لك المساحة وتلهمك لما لم يكن في الحسبان. في لوحتي هذه فرض الموضوع نفسه وتعاملت مع الكانفاس وكأنها جدار كبير أبُثّ عليه غضبي وسخطي، ونستطيع القول هنا إن الموضوع بدراميّته فرض نفسه بالطبع، ولكن ليس على حجم اللوحة فحسب، إنما على العمل ككل ومن كل النواحي. فالجداريات ليست بالضرورة للحزن دائماً، فالفرح يحتاج مساحة كبيرة للتعبير عنه أيضاً. > بدأ اللونان الأحمر والأسود يحتلاّن الرقعة في عملك.. هل هذا شيء محدّد في عمل فنّي واحد.. أو أنه مطلع مشروع فنّي أكبر؟
< لا نستطيع القول إنه مطلع لمشروع فنّي أكبر، فلقد طغى اللونان الأحمر والأسود على هذا العمل بشكل عفوي وتلقائي ولم يكن مقصوداً.. في البدء كانت الحياة تضجّ فرحاً وألواناً، جاءت الحرب لتقضي على كل شيء، جاءت لتشرذم الأرواح وتبعثر الآمال. تدثّرت اللوحة ـ الجدار ـ بالرمادي المائل الى الزرقة كونه لوناً يحمل طاقة غريبة للتعبير عن موت الأشياء. ومن هنا تجد أن العمل حمل العديد من التناقضات: بين أحمر وأسود ورمادي وأبيض.. مع الحرب لا يبقى سوى الأثر. تكلّلت لوحتي بالشهادة وتعمّدت التركيز على الشهداء الأطفال كونهم يدفعون أثماناً لحروب لا تخصّهم ولا تعنيهم. الطفولي يحرّرنا > قلت مرة: «شعوري الطفولي في العمل يغلب على عطائي في معظم الأحيان، ويحرّر الطفولي فيّ وفي لوحتي»، أما تخشين أن يكون للطفولي مع الفن حدود يتوقّف معها الفنّان عن عطاء أكبر وأبعد غوراً؟
< على العكس تماماً، إن الطفولي فينا يحرّرنا ويحرّر أفكارنا من التعامل مع القوالب الجاهزة، فتجد نفسك دائماً أمام تساؤلات جديدة وأسرار تحتاج الى الغوص فيها والبحث في غياهبها لاكتشافها، وهذا بحد ذاته متعة كبيرة في العمل الابداعي. فالطفولي في الفن يحاكي الفطرية التي يستحيل أن ننجز أعمالاً ذات أهمية من دونها. نحن نكبر لأنه يُفرض علينا أن نكبر ولا نستطيع أن نغيّر هذا. ولكننا في الفن نمارس طفولتنا ودهشتنا الأولى في كل مرة، وهذا بحد ذاته حافز كبير للإنسان على العطاء، خصوصاً في المجال الذي نغوص فيه. هو ـ في مكان ما ـ يشكّل خطواتنا التي ترسم الطريق في نهاية الأمر. أجمل ما في الفن أنه مفتوح على الاحتمالات كافة، ولا تستطيع التنبّؤ بما سيؤول إليه المنجز الذي يملأنا دهشة وحبوراً، أو يُغرقنا في ليل دامس من المعاناة واللااستقرار. مع ذلك لا نستطيع أن نهرب من المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فهي كبيرة جدّاً وتتعدّى هذا النطاق والحدود. إن الطفل الموجود فينا هو من يحرّضنا على العمل والمشاكسة والتجريب، ولكنه لا يعفينا من المعاناة والتحدّيات والصعوبات التي يفرضها الهمّ الابداعي علينا شئنا أم أبينا. ثلاثة وثلاثون يوماً > ما الأثر البصري الذي تركته فيك حرب تموز (يوليو) في الجنوب اللبناني.. وما الذي تحاولينه على مستوى الفن التشكيلي للتعبير عن انفعالك بتلك الحرب؟
< لقد كان لحرب تموز (يوليو) ٢٠٠٦ أثر سيّئ جدّاً في نفسي، وقبلها وبعدها ما يحصل في فلسطين الحبيبة والعراق الجريح. في الصعيد الشخصي جاءت حرب تموز (يوليو) لتضعني أمام مسؤوليات جديدة في عملي ولوحتي. لقد رأيت الصمود في عيون الأمّهات اللواتي فَقَدْنَ أولادهن الى الأبد. رأيت العنفوان الذي لا يهزّه أي شيء.. خلال الحرب بالتأكيد لم أكن قادرة على التفكير إلا في وطني الجريح الذي يتمزّق نثرة نثرة أمام أعيننا مباشرة على الهواء عبر شاشات التلفزة.. كنت ساكنة لا أستطيع أن أحرّك يدي اعتراضاً.. كانت دموعي تنهمر بصمت وخجل. أنا بعيدة كل هذه الأميال ووطني يتعذّب، أنا لا ألوي على شيء؛ ناهيك عن المأساة الحقيقية التي تحطّمنا في الصميم وتجعلنا كالخزف المكسّر، فنكاد لا نستطيع أن نلملم أنفسنا من هول الصدمة.. استفزّني استشهاد المئات يومياً على مرأى من العالم أجمع، والعالم بأغلبه صمّ أذنيه، فلا يريد أن يسمع صراخ الأطفال وعويل الأمّهات اللواتي ثكلن أو ترّملن. رأيت العالم مكموم الفم والأنف بحذاء جلدي منع عنه رائحة الموت التي تنبعث من كل الزوايا.. والذي كان يذبحني أكثر هم أولئك الّذين أمعنوا بالعهر لدرجة التواطؤ والمساعدة لذاك العدوّ الغاشم الذي يسمّى «إسرائيل».. تماماً كما يحصل اليوم على صعيد غزّة الشهيدة الصامدة.. ما أقساها من حقيقة، وما أضعفنا كبشر أمام هكذا مؤامرات.. ثلاثة وثلاثون يوماً عشتها وأنا أتمزّق رعباً على أهل ووطن وأطفال لا حول لهم ولا قوّة.. كل هذا الظلم الذي تغلغل في الجسد والقلب، العقل واللاعقل، في مناطق الوعي واللاوعي، سيؤثّر بالتأكيد فينا كبشر، فما بالك بالذي يمارس إنسانيّته من خلال إبداعه على الكانفاس أو أي حامل آخر! حرب تموز (يوليو) تغلغلت في ذاكرتي البصرية من دون أن أقصد أو أريد.. نحن رهائن واقعنا الى أن يسرقنا الحلم لنطير به الى مساحات اللوحة البيضاء ونبني هناك وطناً وجدراناً، فتجدنا نضع صور الشهداء الأطفال عليه، نحيّيهم ونعتذر منهم، وكأننا نريد أن نمسح ما لحق بنا من عار باستشهادهم. هم لا يعرفون لماذا آلت مصائرهم إلى هذا. في أماكن أخرى من العالم هم يلعبون ولكنهم هنا في عالمنا العربي يستشهدون! > هل لمست فارقاً سايكولوجياً بين شخصيات فنّيّة ولدت في الجبل كما هو الحال بالنسبة إليك.. وشخصيات ولدت في السهل مثلاً.. بيروت.. صيدا.. أو غيرها؟ ما الذي يمكن أن تتميّز به نظرة ابن الجبل إلى الأشياء؟
< بالتأكيد إن البيئة التي يعيش فيها الإنسان تؤثّر كثيراً فيه وفي تكوينه النفسي والاجتماعي، بالنسبة لي، لقد مثّلت بيئتي الجبلية الرافد الأول للجمال والفن الذي اكتسبته بشكل فطري من الطبيعة وجمالها الأخّاذ الذي يسحر القلب قبل العين.. كانت الصباحات تمتلئ حبوراً وأنا أتامّل الصخور المنحوتة بآلاف الألوان.. الأزهار التي تنبت في كل مكان من دون منّة على أحد. والكثير الكثير من المظاهر التي تجعل الحياة أحلى وأبهى. أما بيروت فهي حبيبتي، ينام أهلها وقاطنوها ومحبّوها على سحرها الذي لا يستطيع أحد الافلات منه. فهي إبنة البحر وجارة الجبل، هي أمّ الابداع والحضارة. هي رمز الارتقاء والحرّيّة.. لها من الجاذبية والسحر ما يغري أي مبدع على وجه الأرض، لذا ستجد من يعيش على أرضها مأخوذاً بجمالها رغم تناقضاتها.. بالنسبة لي أؤمن بأن البشر بشر أينما وجدوا ومهما تعدّدت بيئاتهم واختلفت. > من هم الشخصيات الأكثر تاثيراً في مسيرتك الفنّيّة؟
< عائلتي كان لها الفضل الأول في تشجيعي، فوالدتي آمنت بأنني طفلة مختلفة، أتعامل مع الأشياء بإحساس عال في زمن صعب.. ووالدي بكى حين رأى تخطيطاً لهرٍّ رسمته بقلم الرصاص في أول درس من دروس الرسم.. بكى والدي وكأنه يعلم أنني إذ اخترت هذا الطريق إنما اختار طريقاً صعبة مليئة بالمعاناة والتحدّيات. لاحقاً، كان لسامي شريك عمري الفضل الأكبر في عودتي الى الجامعة والانخراط في دراسة الفن في الجامعة اللبنانية، بعد انقطاع قسري عنها لظروف أمنيّة ومعيشية. لقد عايش حلمي وآمن به وهو حتى اليوم لم يتوقّف عن دعمي وتشجيعي.. بالاضافة طبعاً الى العديد من الأصدقاء المقرّبين من المبدعين، شعراء أو تشكيليين، أثّروا في متابعة تجربتي منذ البداية حتى يومنا هذا. > كيف بدأت علاقتك الجدّيّة بالرسم؟
< علاقتي مع الرسم علاقة قديمة تتجدّد مع كل شوق الى الانغماس بالألوان، والغياب في غياهب الشعور.. لقد مررت منذ الطفولة بصعود وهبوط على صعيد الرسم، لأنني كنت كباقي الأطفال الذين عايشوا الحرب اللعينة، ولكني كنت مصرّة على الحلم الذي كان يكبر دهراً كلما كبرت شهراً.. العام ١٩٨٨ كان بالنسبة لي عام تحوّل على هذا الصعيد، حيث توظّفت في شركة طيران نظراً الى صعوبة تأمين المعيشة آنذاك، وكنت لا أترك ورقة من شرّي وخربشاتي. رغم صعوبة التحدّيّات حينها، شعرت بأنني طير مقيّد في قفص الوظيفة وأنني أريد أن أطير مع حلمي الذي تنبّهت الى أنه ما زال يعيش في ثنايا روحي. مرّت سنتان تقريباً لأجد نفسي بعدها متورّطة بحلمي الذي جعلني أترك عملي وأعود الى مقاعد الدراسة، وذلك بتشجيع كبير من زوجي الذي كان خطيبي حينها. وتلك كانت، عدت ولم أفارقه ولم يفارقني مذّاك الوقت. جئت الى الإمارات بعدها للاستقرار، وانتسبت الى جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وبدأت رحلتي مع الفن، ومنذ البدء تعاملت بمسؤولية كبيرة تجاه كل ما أنجزت. وها أنذا أحاول العودة بعد انقطاع دام بعض الوقت بسبب ولادة طفلتي حلا منذ سنتين. جماعة «الجمان» > أنت عضو جماعة «الجمان» الفنّيّة منذ العام ٢٠٠٦. ما هي هذه الجماعة، وما هو جوهر اللقاء بين أعضائها، وما الذي تمكّنت من تحقيقه منذ أن تأسّست قبل أربع سنوات؟
< في الواقع بإمكانك اعتبار «الجمان» جماعة مع وقف التنفيذ إن صحّ التعبير. لقد ارتأينا توافقياً، بسبب انشغال أعضائها وغياب بعضهم، على تجميد نشاطها الى حين. لقد أفسحت «الجمان» فيما مضى لكل أعضائها عدداً لا بأس به من المشاركات التي بدورها تضيف شيئاً لمسيرة المبدع وتطلّعاته وطموحاته. بدايتنا كانت في معرض كبير في مؤسّسة العويس الثقافية في دبي في العام ٢٠٠٦، بعدها عرضنا في دار الأوبرا المصرية في القاهرة. كما كانت لنا مشاركات عامة في فرنسا. كان من المفترض أن نكمل المسيرة بمعارض أخرى، إلا أن الأمور لم تجر على ما يرام. > مَن هم التشكيليون العرب الذين تثير أعمالهم اهتمامك بشكل كبير؟
< في وطننا العربي، هناك الكثير من المبدعين الذين يستحقّون التقدير والاحترام. لقد تأثرت، بطريقة أو بأخرى، بكل ما شاهدته لهؤلاء من أعمال وتجارب. ذاكرتنا البصرية تعتمد في البدء على ما تراه وما تعيشه ومن ثم ما تشعر به تجاه ما سبق. بالنسبة لي، ولن أدخل هنا في لعبة الأسماء حتى لا أنسى أحداً، تؤثّر بي كل ضربة فرشاة أُنجزت بعناية العارف المسؤول عن مدى أهميّة هذا الفن. أحترم كل عطاء سبق أو عاصر تجربتي. أتابع العديدين من الفنّانين العرب منذ الطفولة وحتى يومي هذا. وقد سمح لي وجودي في الإمارات أن أتعرّف إلى العديدين من الفنّانين الذين حلمت بلقائهم عن قرب. التوأمان > كيف تصفين العلاقة بين التشكيل والشعر.. هل هما الكائن نفسه في لغتين، أم أنهما كائنان مختلفان؟
< علاقة الشعر بالتشكيل علاقة قويّة جدّاً. منذ البدء كانت الصورة، والصورة كتبت على الجدار ورسمت في اللوحات الشعرية.. هي علاقة وجودية تعود لزمن بعيد وسحيق. بإمكان القصيدة أن تكون صورة ملوّنة أو قاتمة تماماً كما اللوحة المرسومة ولكنها رسم بالكلمات. كما اللوحة، فهي شعر مرسوم أو موسيقى ممزوجة بنفحات شعرية تطاول بعض المدارس والأساليب. الشعر والتشكيل توأمان لأمٍّ واحدة هي الموسيقى. > هل تعتقدين أن ثمّة فارقاً في النظرة الى الفنّان والفنّانة كذكر وأنثى؟ أم أن الفن يضيّع عناصر الاختلاف؟
< أعتقد بأن الفن الجيّد لا يعترف بجنس الفنّان، فالعمل الفنّي النّابع من القلب والعقل يتطلّب المهارات نفسها من الذكر والأنثى. هذا بشكل عام، ولكن إذا اقتربنا من الموضوع بشكل مفصّل قليلاً، فسنجد أن هناك نواحي معيّنة في مجالات الابداع كافة يختلف فيها التعاطي من حيث الشكل والمضمون، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالموضوعات المطروحة، على صعيد القصيدة ربما أو اللوحات الواقعية أو التعبيرية. وما عدا ذلك فإن الفنّان إنسان يمارس إنسانيّته وحرّيّته في إبداعه، وهذا ما يهمّ طالما تعامل معه بمسؤولية وصدق. الاحساس نسبي في الفنون، نختلف في كيفية التعاطي معه. ذكوراً أم إناثاً لا فارق... فالرّوح هي المسيّر الأوّل والأخير.
تعتبر الفنّانة التشكيلية اللبنانية ماجدة نصر الدين واحدة من أفضل الرسّامات اللبنانيات من الجيل الذي ظهر في التسعينيات، وهي تقيم في الشارقة منذ أكثر من عشر سنوات، وتنشط من هناك في أعمالها الفنّيّة. شاركت في العديد من المعارض الجماعية في لبنان وداخل دولة الإمارات وخارجها، وأقامت عدداً من المعارض الشخصيّة. وهي تعمل حالياً على مشروع معرض خاص جديد سيفتتح في أحد غاليريات الإمارات. «المشاهد السياسي» رافقت الفنّانة اللبنانية في أكثر من معرض لها في السنوات السابقة، وها هي تسبق إلى محاورتها في جملة من القضايا المتعلّقة بفنّها وبالفن بصورة عامة.
«المشاهد السياسي» ـ الشارقة
> بين أعمالك السابقة ونتاجك الجديد الذي شاركت فيه أخيراً.. في المعرض السنوي في الشارقة ثمّة عناصر جديدة دخلت على عالمك الفنّي.. خطوطاً وألواناً وصياغة فنّيّة.. هل أنت في منطقة فنّيّة جديدة؟
< بعد الحرب الأخيرة على لبنان في العام ٢٠٠٦، أصابتني حالة من الذهول والصدمة. وحين اقتربت من البياض وجدت نفسي أتعامل معه وكأنه جدار مزّقته الصرخات والآثار، وذلك الألم الكبير الذي لحق بالأطفال خلال تلك الحرب اللعينة، فجاء العمل مزيجاً من التجريد والكولاّج والمواد المختلفة. لذا تجد بعض الاختلاف، لأن اللوحة أضيف إليها بعض الصور المقتطعة من المصير المرّ الذي لقيه الأطفال الشهداء! جاء عنصر الكولاج كعامل مساعد للتعبير وبشكل مباشر وصادم عن الظلم الذي لحق بهم. إن تأمّلته من حيث الصياغة الفنّيّة لم يختلف كثيراً عما قدّمته سابقاً، بل هو حالة أردت التعبير عنها.. الاضافة جاءت مباشرة ومزعجة ـ إن صحّ التعبير ـ للايغال في فكرة الاستشهاد الذي كان موضوع اللوحة بعد حرب دمّرتني خليّة خليّة. في اعتقادي أن أي منجز ينقلنا الى مكان جديد أكان قريباً أو بعيداً لا فارق، والمهم أنها منطقة من مناطق الحسّ والروح والذاكرة. كل مرّة بداية > حدّثيني عن المسافة التي قطعتها بين قديمك الفنّي وجديدك الذي رأيت بعضه.. ولا بد من أنه مدخل وعنوان لمشروع فنّي متكامل؟
< كل خط يخطّه الفنّان في أعماله من الممكن أن يكون بداية لمشروع فنّي ضخم، فالفن والطريق التي نمشيها لنبقى قريبين من أنفسنا مليئة بالتجارب والمسافات.. هناك خطوط عريضة لمنجزنا الفنّي ومنه يتفرّع العديد العديد من الأفكار والشطحات، إن جاز التعبير. لذا أجد نفسي أنني في كل مرة أقدّم شيئاً جديداً، أخطو خطوة الى الوراء! فكلما أنت أوغلت بالابداع والعطاء كلما اتّخذ الفن مجراه الحقيقي في دمك وروحك وأصبحت مطالباً تجاهه وتجاه الابداع عموماً بالمزيد والمزيد.. يعني البداية من جديد في كل مرة. ولكن ما يجب ذكره هنا لإيفاء الموضوع حقّه، هو أن كل هذه التجارب والعذابات تصنع تجربتنا، فنكاد نكون كبشر سلسلة من التفاصيل والتجارب، وهذا تماماً ينطبق على من يمارس الرسم والفنون بشكل عام. هناك بالفعل أكثر من مدخل لأعمال فنّيّة جديدة أعمل على تطويرها حالياً، من خلال البحث والعمل على أن أصل الى مكان أشعر معه بالرضا ولو بعض الشيء عما أريد تقديمه. > لاحظت في جديدك الذي شاركت فيه أن حجم اللوحة صار أكبر وموضوعها اقترب من موضوعات الجداريّات.. هل تفرض الجداريّات نفسها بسبب ملحمية الموضوعات.. ودراميتها؟
< في الواقع ليست هي أول مرة أتعامل فيها مع هذه الأحجام، فالمساحة الكبيرة تغريني بفضائها المفتوح وتمنحني مساحة أكبر للتعبير والابداع. في الوقت نفسه هي تشكّل تحدّياً كبيراً للفنّان عن كيفية تعاطيه بصريّاً معها، وكيف سيوازن بين العناصر كافة من حيث اللون والتكنيك، الكتلة والفراغ، الضوء والعتمة. أحياناً يفرض الموضوع نفسه على المساحة وأحياناً بالعكس، توحي لك المساحة وتلهمك لما لم يكن في الحسبان. في لوحتي هذه فرض الموضوع نفسه وتعاملت مع الكانفاس وكأنها جدار كبير أبُثّ عليه غضبي وسخطي، ونستطيع القول هنا إن الموضوع بدراميّته فرض نفسه بالطبع، ولكن ليس على حجم اللوحة فحسب، إنما على العمل ككل ومن كل النواحي. فالجداريات ليست بالضرورة للحزن دائماً، فالفرح يحتاج مساحة كبيرة للتعبير عنه أيضاً. > بدأ اللونان الأحمر والأسود يحتلاّن الرقعة في عملك.. هل هذا شيء محدّد في عمل فنّي واحد.. أو أنه مطلع مشروع فنّي أكبر؟
< لا نستطيع القول إنه مطلع لمشروع فنّي أكبر، فلقد طغى اللونان الأحمر والأسود على هذا العمل بشكل عفوي وتلقائي ولم يكن مقصوداً.. في البدء كانت الحياة تضجّ فرحاً وألواناً، جاءت الحرب لتقضي على كل شيء، جاءت لتشرذم الأرواح وتبعثر الآمال. تدثّرت اللوحة ـ الجدار ـ بالرمادي المائل الى الزرقة كونه لوناً يحمل طاقة غريبة للتعبير عن موت الأشياء. ومن هنا تجد أن العمل حمل العديد من التناقضات: بين أحمر وأسود ورمادي وأبيض.. مع الحرب لا يبقى سوى الأثر. تكلّلت لوحتي بالشهادة وتعمّدت التركيز على الشهداء الأطفال كونهم يدفعون أثماناً لحروب لا تخصّهم ولا تعنيهم. الطفولي يحرّرنا > قلت مرة: «شعوري الطفولي في العمل يغلب على عطائي في معظم الأحيان، ويحرّر الطفولي فيّ وفي لوحتي»، أما تخشين أن يكون للطفولي مع الفن حدود يتوقّف معها الفنّان عن عطاء أكبر وأبعد غوراً؟
< على العكس تماماً، إن الطفولي فينا يحرّرنا ويحرّر أفكارنا من التعامل مع القوالب الجاهزة، فتجد نفسك دائماً أمام تساؤلات جديدة وأسرار تحتاج الى الغوص فيها والبحث في غياهبها لاكتشافها، وهذا بحد ذاته متعة كبيرة في العمل الابداعي. فالطفولي في الفن يحاكي الفطرية التي يستحيل أن ننجز أعمالاً ذات أهمية من دونها. نحن نكبر لأنه يُفرض علينا أن نكبر ولا نستطيع أن نغيّر هذا. ولكننا في الفن نمارس طفولتنا ودهشتنا الأولى في كل مرة، وهذا بحد ذاته حافز كبير للإنسان على العطاء، خصوصاً في المجال الذي نغوص فيه. هو ـ في مكان ما ـ يشكّل خطواتنا التي ترسم الطريق في نهاية الأمر. أجمل ما في الفن أنه مفتوح على الاحتمالات كافة، ولا تستطيع التنبّؤ بما سيؤول إليه المنجز الذي يملأنا دهشة وحبوراً، أو يُغرقنا في ليل دامس من المعاناة واللااستقرار. مع ذلك لا نستطيع أن نهرب من المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فهي كبيرة جدّاً وتتعدّى هذا النطاق والحدود. إن الطفل الموجود فينا هو من يحرّضنا على العمل والمشاكسة والتجريب، ولكنه لا يعفينا من المعاناة والتحدّيات والصعوبات التي يفرضها الهمّ الابداعي علينا شئنا أم أبينا. ثلاثة وثلاثون يوماً > ما الأثر البصري الذي تركته فيك حرب تموز (يوليو) في الجنوب اللبناني.. وما الذي تحاولينه على مستوى الفن التشكيلي للتعبير عن انفعالك بتلك الحرب؟
< لقد كان لحرب تموز (يوليو) ٢٠٠٦ أثر سيّئ جدّاً في نفسي، وقبلها وبعدها ما يحصل في فلسطين الحبيبة والعراق الجريح. في الصعيد الشخصي جاءت حرب تموز (يوليو) لتضعني أمام مسؤوليات جديدة في عملي ولوحتي. لقد رأيت الصمود في عيون الأمّهات اللواتي فَقَدْنَ أولادهن الى الأبد. رأيت العنفوان الذي لا يهزّه أي شيء.. خلال الحرب بالتأكيد لم أكن قادرة على التفكير إلا في وطني الجريح الذي يتمزّق نثرة نثرة أمام أعيننا مباشرة على الهواء عبر شاشات التلفزة.. كنت ساكنة لا أستطيع أن أحرّك يدي اعتراضاً.. كانت دموعي تنهمر بصمت وخجل. أنا بعيدة كل هذه الأميال ووطني يتعذّب، أنا لا ألوي على شيء؛ ناهيك عن المأساة الحقيقية التي تحطّمنا في الصميم وتجعلنا كالخزف المكسّر، فنكاد لا نستطيع أن نلملم أنفسنا من هول الصدمة.. استفزّني استشهاد المئات يومياً على مرأى من العالم أجمع، والعالم بأغلبه صمّ أذنيه، فلا يريد أن يسمع صراخ الأطفال وعويل الأمّهات اللواتي ثكلن أو ترّملن. رأيت العالم مكموم الفم والأنف بحذاء جلدي منع عنه رائحة الموت التي تنبعث من كل الزوايا.. والذي كان يذبحني أكثر هم أولئك الّذين أمعنوا بالعهر لدرجة التواطؤ والمساعدة لذاك العدوّ الغاشم الذي يسمّى «إسرائيل».. تماماً كما يحصل اليوم على صعيد غزّة الشهيدة الصامدة.. ما أقساها من حقيقة، وما أضعفنا كبشر أمام هكذا مؤامرات.. ثلاثة وثلاثون يوماً عشتها وأنا أتمزّق رعباً على أهل ووطن وأطفال لا حول لهم ولا قوّة.. كل هذا الظلم الذي تغلغل في الجسد والقلب، العقل واللاعقل، في مناطق الوعي واللاوعي، سيؤثّر بالتأكيد فينا كبشر، فما بالك بالذي يمارس إنسانيّته من خلال إبداعه على الكانفاس أو أي حامل آخر! حرب تموز (يوليو) تغلغلت في ذاكرتي البصرية من دون أن أقصد أو أريد.. نحن رهائن واقعنا الى أن يسرقنا الحلم لنطير به الى مساحات اللوحة البيضاء ونبني هناك وطناً وجدراناً، فتجدنا نضع صور الشهداء الأطفال عليه، نحيّيهم ونعتذر منهم، وكأننا نريد أن نمسح ما لحق بنا من عار باستشهادهم. هم لا يعرفون لماذا آلت مصائرهم إلى هذا. في أماكن أخرى من العالم هم يلعبون ولكنهم هنا في عالمنا العربي يستشهدون! > هل لمست فارقاً سايكولوجياً بين شخصيات فنّيّة ولدت في الجبل كما هو الحال بالنسبة إليك.. وشخصيات ولدت في السهل مثلاً.. بيروت.. صيدا.. أو غيرها؟ ما الذي يمكن أن تتميّز به نظرة ابن الجبل إلى الأشياء؟
< بالتأكيد إن البيئة التي يعيش فيها الإنسان تؤثّر كثيراً فيه وفي تكوينه النفسي والاجتماعي، بالنسبة لي، لقد مثّلت بيئتي الجبلية الرافد الأول للجمال والفن الذي اكتسبته بشكل فطري من الطبيعة وجمالها الأخّاذ الذي يسحر القلب قبل العين.. كانت الصباحات تمتلئ حبوراً وأنا أتامّل الصخور المنحوتة بآلاف الألوان.. الأزهار التي تنبت في كل مكان من دون منّة على أحد. والكثير الكثير من المظاهر التي تجعل الحياة أحلى وأبهى. أما بيروت فهي حبيبتي، ينام أهلها وقاطنوها ومحبّوها على سحرها الذي لا يستطيع أحد الافلات منه. فهي إبنة البحر وجارة الجبل، هي أمّ الابداع والحضارة. هي رمز الارتقاء والحرّيّة.. لها من الجاذبية والسحر ما يغري أي مبدع على وجه الأرض، لذا ستجد من يعيش على أرضها مأخوذاً بجمالها رغم تناقضاتها.. بالنسبة لي أؤمن بأن البشر بشر أينما وجدوا ومهما تعدّدت بيئاتهم واختلفت. > من هم الشخصيات الأكثر تاثيراً في مسيرتك الفنّيّة؟
< عائلتي كان لها الفضل الأول في تشجيعي، فوالدتي آمنت بأنني طفلة مختلفة، أتعامل مع الأشياء بإحساس عال في زمن صعب.. ووالدي بكى حين رأى تخطيطاً لهرٍّ رسمته بقلم الرصاص في أول درس من دروس الرسم.. بكى والدي وكأنه يعلم أنني إذ اخترت هذا الطريق إنما اختار طريقاً صعبة مليئة بالمعاناة والتحدّيات. لاحقاً، كان لسامي شريك عمري الفضل الأكبر في عودتي الى الجامعة والانخراط في دراسة الفن في الجامعة اللبنانية، بعد انقطاع قسري عنها لظروف أمنيّة ومعيشية. لقد عايش حلمي وآمن به وهو حتى اليوم لم يتوقّف عن دعمي وتشجيعي.. بالاضافة طبعاً الى العديد من الأصدقاء المقرّبين من المبدعين، شعراء أو تشكيليين، أثّروا في متابعة تجربتي منذ البداية حتى يومنا هذا. > كيف بدأت علاقتك الجدّيّة بالرسم؟
< علاقتي مع الرسم علاقة قديمة تتجدّد مع كل شوق الى الانغماس بالألوان، والغياب في غياهب الشعور.. لقد مررت منذ الطفولة بصعود وهبوط على صعيد الرسم، لأنني كنت كباقي الأطفال الذين عايشوا الحرب اللعينة، ولكني كنت مصرّة على الحلم الذي كان يكبر دهراً كلما كبرت شهراً.. العام ١٩٨٨ كان بالنسبة لي عام تحوّل على هذا الصعيد، حيث توظّفت في شركة طيران نظراً الى صعوبة تأمين المعيشة آنذاك، وكنت لا أترك ورقة من شرّي وخربشاتي. رغم صعوبة التحدّيّات حينها، شعرت بأنني طير مقيّد في قفص الوظيفة وأنني أريد أن أطير مع حلمي الذي تنبّهت الى أنه ما زال يعيش في ثنايا روحي. مرّت سنتان تقريباً لأجد نفسي بعدها متورّطة بحلمي الذي جعلني أترك عملي وأعود الى مقاعد الدراسة، وذلك بتشجيع كبير من زوجي الذي كان خطيبي حينها. وتلك كانت، عدت ولم أفارقه ولم يفارقني مذّاك الوقت. جئت الى الإمارات بعدها للاستقرار، وانتسبت الى جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وبدأت رحلتي مع الفن، ومنذ البدء تعاملت بمسؤولية كبيرة تجاه كل ما أنجزت. وها أنذا أحاول العودة بعد انقطاع دام بعض الوقت بسبب ولادة طفلتي حلا منذ سنتين. جماعة «الجمان» > أنت عضو جماعة «الجمان» الفنّيّة منذ العام ٢٠٠٦. ما هي هذه الجماعة، وما هو جوهر اللقاء بين أعضائها، وما الذي تمكّنت من تحقيقه منذ أن تأسّست قبل أربع سنوات؟
< في الواقع بإمكانك اعتبار «الجمان» جماعة مع وقف التنفيذ إن صحّ التعبير. لقد ارتأينا توافقياً، بسبب انشغال أعضائها وغياب بعضهم، على تجميد نشاطها الى حين. لقد أفسحت «الجمان» فيما مضى لكل أعضائها عدداً لا بأس به من المشاركات التي بدورها تضيف شيئاً لمسيرة المبدع وتطلّعاته وطموحاته. بدايتنا كانت في معرض كبير في مؤسّسة العويس الثقافية في دبي في العام ٢٠٠٦، بعدها عرضنا في دار الأوبرا المصرية في القاهرة. كما كانت لنا مشاركات عامة في فرنسا. كان من المفترض أن نكمل المسيرة بمعارض أخرى، إلا أن الأمور لم تجر على ما يرام. > مَن هم التشكيليون العرب الذين تثير أعمالهم اهتمامك بشكل كبير؟
< في وطننا العربي، هناك الكثير من المبدعين الذين يستحقّون التقدير والاحترام. لقد تأثرت، بطريقة أو بأخرى، بكل ما شاهدته لهؤلاء من أعمال وتجارب. ذاكرتنا البصرية تعتمد في البدء على ما تراه وما تعيشه ومن ثم ما تشعر به تجاه ما سبق. بالنسبة لي، ولن أدخل هنا في لعبة الأسماء حتى لا أنسى أحداً، تؤثّر بي كل ضربة فرشاة أُنجزت بعناية العارف المسؤول عن مدى أهميّة هذا الفن. أحترم كل عطاء سبق أو عاصر تجربتي. أتابع العديدين من الفنّانين العرب منذ الطفولة وحتى يومي هذا. وقد سمح لي وجودي في الإمارات أن أتعرّف إلى العديدين من الفنّانين الذين حلمت بلقائهم عن قرب. التوأمان > كيف تصفين العلاقة بين التشكيل والشعر.. هل هما الكائن نفسه في لغتين، أم أنهما كائنان مختلفان؟
< علاقة الشعر بالتشكيل علاقة قويّة جدّاً. منذ البدء كانت الصورة، والصورة كتبت على الجدار ورسمت في اللوحات الشعرية.. هي علاقة وجودية تعود لزمن بعيد وسحيق. بإمكان القصيدة أن تكون صورة ملوّنة أو قاتمة تماماً كما اللوحة المرسومة ولكنها رسم بالكلمات. كما اللوحة، فهي شعر مرسوم أو موسيقى ممزوجة بنفحات شعرية تطاول بعض المدارس والأساليب. الشعر والتشكيل توأمان لأمٍّ واحدة هي الموسيقى. > هل تعتقدين أن ثمّة فارقاً في النظرة الى الفنّان والفنّانة كذكر وأنثى؟ أم أن الفن يضيّع عناصر الاختلاف؟
< أعتقد بأن الفن الجيّد لا يعترف بجنس الفنّان، فالعمل الفنّي النّابع من القلب والعقل يتطلّب المهارات نفسها من الذكر والأنثى. هذا بشكل عام، ولكن إذا اقتربنا من الموضوع بشكل مفصّل قليلاً، فسنجد أن هناك نواحي معيّنة في مجالات الابداع كافة يختلف فيها التعاطي من حيث الشكل والمضمون، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالموضوعات المطروحة، على صعيد القصيدة ربما أو اللوحات الواقعية أو التعبيرية. وما عدا ذلك فإن الفنّان إنسان يمارس إنسانيّته وحرّيّته في إبداعه، وهذا ما يهمّ طالما تعامل معه بمسؤولية وصدق. الاحساس نسبي في الفنون، نختلف في كيفية التعاطي معه. ذكوراً أم إناثاً لا فارق... فالرّوح هي المسيّر الأوّل والأخير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire