الطاهر ومان فنان تشكيلي جزائري
المصدر مجلة المسار المغاربي 29 أفريل 1991
من محطات الأيام حوار مع عامر آيت سعدي 1989 من مواليد 1954 في بسكرة (لكن الأصح ولد بتبسة ) لأنه وقع خلط في السجل الميلادي خلال الثورة. ترعرع في تبسة حتى بلغ عامه 16، والداه أصلا من بسكرة، بدأ ممارسة الفن بالرسم على الجدران منذ الطفولة، وكانت أولى تجاربه في سنة 1969 بالنادي الرياضي تبسه. المسار المغاربي: حدثنا عن الطفولة. طفولتنا كانت في مدرسة الفن، حيث كنا نزاول دراسة دينية (حفظ القرآن) وكان لهذه الحقبة الزمنية أثرها العميق في إبداعنا، وخاصة أن الجزائر كانت تعيش الثورة، واكتشفنا اللون في كتابة القرآن على اللوح، فعشت فيضانات وكوارث طبيعية، ورسمت مساجد بسكرة. م.م: وعن التجربة الأولى؟ الطاهر ومان: مع بداية 1973 تأثرت بالرومانسية نسبة وعملت كثيرا في هذا المجال، حيث رسمت الطبيعة. م.م: هل للأدب أثره عليك؟ الطاهر ومان: بالطبع كنت أدرس باللغة الفرنسية، وكان لتحصيلي الفرنسي أثره العميق، خاصة فيكتور هيغو، ولافونتان ومع التعريب استفدت شيئا وهو منهج التدريس عند الأساتذة، خاصة في الأدب العربي، وتأثرت بإيليا أبي ماضي، وعام 1974 درست الفلسفة واكتشفت معالمها، ورسمت مواضع فلسفية مثل الحرية... وفي عام 1975 كان العرض الأول بالعاصمة تحت عنوان "وصية الرماد" حاولت تجسيد التراث العربي في قالب المعاصرة، بطريقة سريالية، وأعجبت كثيرا بالفنان سلفادور دالي. إقترحت لي هيئة التحرير لمجلة "آمال" أن أرسم لهم واجهات الكتب واشتغلت معهم، وغصت في الإبداع الأدبي، واكتشفت كتابات الأدباء الشباب مثل عبد العزيز غرمول، جميلة زنير، أمين الزاوي، محمد الصالح حرز الله، بشير خلف وآخرون. لكن في 1978 تكونت هيئة تحرير لمجلة "آمال" وجلها أدباء، منهم حرز الله محمد الصالح، سليمان جوادي، وطاب لي الجو وتوظفت بمديرية الفنون كمستشار ثقافي... م.م: هل عرفت فنانين آخرين؟
الطاهر ومان: منذ 1974 حتى 1978 كنت أعرض أعمالي، وكان لي لقاء مع فنانين عرب مثل خالد الجادر (عراقي) وتوفيق عبد العالي (فلسطيني) وعارف الريس (لبناني)، يوشيدا مصاو (ياباني) بغدان يفانوفيش (يوغسلافي)، أما الجزائريين تعرفت على محمد نجار، محمد اسياخم، علي كربوش، محمد خدة وحنكور. لكن صراحة العلاقات كانت أخوية وذات مواقف، واستفدنا القليل من تجربتهم. م.م: ما رأيك في الساحة الفنية ببلادنا؟ الطاهر ومان: الوضع يتشابه مع المضمون في الثقافة المحلية، هذا راجع لعدم الاحتكاك بالثقافات الأخرى، فقر المطالعة، ليس هناك مجلات في هذا المجال، تقصير الهيئات المعنية في حق الفن التشكيلي... م.م: هل هناك نقد فني في الجزائر؟ الطاهر ومان: هناك أناس يحاولون الكتابة عن الفن أمثال مهدي لزوم، السيدة بو عبد الله، علي حاج الطاهر، لكن هناك في نفس الوقت قدماء يكتبون في الفن التشكيلي ولا يأتون بالجديد، وهناك شباب لهم اللغة التشكيلية، والشيء الفظيع أن وزارة الثقافة في عهدها لم تفكر في إعطاء منح للطلبة الموهوبين لمزاولة الدراسة بالخارج في النقد وعلم الجمال، ولم تبذل الجهد لتغيير برنامج الدراسة الوطنية للفنون الجميلة ولم تفكر في درج النقد الفني في برنامج هذه المدرسة. م.م: حدثنا عن تجربتك وكيف تقيمها حاليا؟ الطاهر ومان: يجب مراجعة الذات بعد فترة من الممارسة، وعليه أن يلغى التزمت، وعليه أن يخرج من الخطاب المغلق، وتجربتي تعثرت كثيرا، فالأديب إذا طبع رواية أو قرأ منها جزءا في أمسية يمكنه التعبير، أما الفنان له مشكل الأدوات، حيث الفضاء والعرض انقرضا، وحتى إن وجدت قاعة للعرض فهي تحت سلطة جبهة التحرير الوطني يتاجرون بالشعارات، يشجعون الرداءة ويقتلون بذلك المواهب، وعندما دخلت مع الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية كعضو عام 1974 بعد أن شاهدوا أعمالي وهذا تطبيقا للقانون الأساسي لهذا الاتحاد،
وفي 1976 انعقد المؤتمر الأول للفنانين التشكيليين، كنت انتخبت من طرف الرسامين في العاصمة لأمثلهم في المؤتمر. وخلال هذا المؤتمر انتخبت في المكتب التنفيذي، ومع هذه النتيجة وقفت موقفا معاكسا للجنة التنفيذية، كنت أرفض انضمام من هب ودب، وقفت إلى جانب رواد الفن التشكيلي بعد طردهم من الاتحاد مثلا صمصوم، اسياخم، خدة، علي كربوش، محمد بن يحي، وطردوني من الاتحاد نهاية 1976، رفع بي الحزب دعوة قضائية وكان على رأس هذه الدعوة المحامي بن عبد الله، وحكمت علي المحكمة غيابيا بعام سجن مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 5000دينار جزائري، وفي ذلك الظرف أعترف بالطاهر وطار الذي وقف معي موقفا بطوليا وألغى الغرامة، ومن ذلك التاريخ بقي الأمين العام للاتحاد فارس بوخاتم يهاجمني ويهددني بتقاريرللأمن العسكري، ويعد آخر تعسف كان عام 1983 عندما أخذتني المخابرات العسكرية قضيت عندهم أربع ليال في مكان مجهول (بوزريعة) وبعدما كانت اتهامات فارس بوخاتم مزورة خاطئة، وبعد خروجي عرفت أن الوضعية الثقافية لا تدفع على الأمل والجو السياسي يقلقني، ولما كان جواز السفر الشخصي محجوزا، سافرت إلى ليبيا سيرا، بواسطة المهربين على الحدود وقررت على أن لا أعود إلى الوطن، لكن للأسف قضيت شهرين مسجونا بليبيا، من زنزانة إلى أخرى، حتى تدخلت السفارة الجزائرية بطرابلس بتاريخ 11/02/1984، فمن خلال الظروف التي عشتها بليبيا ارتأيت العودة، ورجعت إلى الوطن، واجتنبت كل الزوبعة، لأنني مرهق نفسيا وجسميا... م.م: هل وقف إلى جانبك المثقفون الجزائريون؟ الطاهر ومان: بالطبع، لقد وقف إلى جانبي الفنان علي كربوش، مصطفى أجعوت، لكن الأدباء وقفوا معي بكثرة مثل الطاهر بن عائشة، محمد الصالح حرز الله، حمري بحري، رشيد بوجدرة، أبو القاسم خمار، عمر البرناوي، والسينمائي أحمد راشدي وغيرهم... م.م: ما الذي شجعك على مواصلة الفن؟ الطاهر ومان: الذي شجعني على مواصلة الفن هو التفاؤل، وتفهم من جانب السلطة... وأكتوبر. م.م: كلمة أخيرة.. الطاهر ومان: نتمنى أن يكون قبل كل شيء التلاحم بين المثقفين وألا يهزموا وعليهم أن يثبتوا جدارتهم، لأن التجربة السياسية مازالت طفلة عندنا...
أجرى الحوار: عامر آيت سعدي مجلة المسار المغاربي 29 أفريل 1991
أجرى الحوار: عامر آيت سعدي مجلة المسار المغاربي 29 أفريل 1991
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire