www.rasoulallah.net

www.rasoulallah.net
موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم

Haloudi Issam

Haloudi Issam
حمودي عصام

Ghada Abdel Moneim

Ghada Abdel Moneim
غادة عبد المنعم

الفنان محمد طوسون

الفنان محمد طوسون
المتفرد.. محمد طوسون والله أكبر

Saadi Al Kaabi

Saadi Al Kaabi
العبقرية سعدي الكعبي

BOUKERCH ARTS et LETTRES

BOUKERCH ARTS et LETTRES
بوكرش فنون وآداب

ISLAMSTORY

ISLAMSTORY
أنقر على الصورة وتابع الحضارة الاسلامية

مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


فاتحة المحراب (بوكرش محمد) بتوقيع الفنان القدير ابراهيم أبو طوق لموقع فنون1954 بوكرش محمد


شكري وشكركم بالنيابة للفنان الرائع العبقري المتواضع الخطاط ابراهيم أبو طوق الجزائر


الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

الفنان القدير ابراهيم أبو طوق
الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

مرحبا أهلا وسهلا بكم أصدقاء محراب بوكرش محمد فنون 1954



يسعدني أن تجدوا فضاء يخصكم ويخص أعمالكم ، البيت بيتكم وكل ما فيه بفضل الله وفضلكم...منكم واليكم، بيتكم لا يتسع ويضاء الا بكم... مرحبا
بوكرش محمد الجزائر

dimanche 22 mars 2009

الفنون التشكيلية في رحاب التكنولوجيا / الفنان التونسي نور الدين الهاني

الفنان التشكيلي الناقد التونسي نور الدين الهاني
منستير

من أعمال الفنان






الفنون التشكيلية في رحاب التكنولوجيا
من المفترض أن يتساءل الفنان باستمرار عن ماهية الفن و عن أشكاله و أنماطه المستحدثة تبعا لما يعايشه من تطور تكنولوجي يهيمن بالضرورة على المشهد الحياتي البسيط كما يملي على عقولنا أساليب فكرية و ردود أفعال واعية وغير واعية. لقد أصبحت كل أوجه العلوم بما فيها المقاربات الإنسانية في خدمة المنهج التقني المعتمد على النفعية و المرد ودية المادية لكل عمل أو جهد بشري.
و تزداد حيرة المبدع إزاء ما نشهده اليوم من تهاوي القيم الجمالية المتعارف أمام سيطرة ما يعبر عنه بنظم العولمة و ما يتبعها من مفاهيم و مصطلحات حضارية و اقتصادية و سياسية وغيرها، وقد تنتابه درجة من الإحباط يكون مردها إحساسه بأنه غير فاعل في محيطه المباشر نظرا لتقلص إمكانية التواصل مع المتلقي.
إن الفنان مهووس بطبعه بحقيقة اللحظة العصية حين يروم تثبيت بصمات أحاسيسه على الحامل مهما اختلف نوعه. وإن تبدو هذه البصمات ذاتية فهي تجر في مكامنها إرثا بصريا و رمزيا يتدفق كلما انغمست ذات الفنان في طيات اللاوعي الذاتي المتصل حتما باللاوعي الجماعي. و على هذا الأساس فان المبدع في حاجة مؤكدة إلى اقتسام ما أفضت إليه ” اللعبة” التشكيلية مع الذوات المتلقية لعله يتكشّف عبر تلقيها عن اشراقات كانت خفية ساعة المخاض.
لذلك، فان عديد الأسئلة باتت مطروحة بصفة حادة على المبدع و من بينها:
- هل بإمكان الفن أن يبقى بمنأى عما تشهده المجتمعات العصرية من ثورة معلوماتية و من إيقاعات متسارعة نتيجة الوسائل الاتصالية الحديثة
- كيف السبيل إلى تطويع الوسائط التقنية إلى إمكانات تعبيرية تكون مقتضياتها الرؤية الذاتية و البصمة المتفردة؟
- هل يستعمل الفنان هذه الوسائل لغاية إثراء إبداعه أو توجيه ملامحه إن لم نقل إعادة صياغة مفاهيمه الأساسية أم يستغلها لغاية التواصل مع الأخر دون المساس بمضمون ما يبدعه سواء ارتكز العمل الفني كليا أو جزئيا على الأدوات التقنية ؟ نعيش اليوم عصر التعقيد الناتج عن تكنولوجيا المعلومات التي أفرزت مجتمعات غير المجتمعات الناتجة عن العصر الصناعي أو عصر اليقين العلمي و هذا الوضع غير المسبوق يؤثر أيّما تأثير في كل أوجه الفنون . لكننا سنكتفي بالحديث عن الفنون التشكيلية كأنشطة إبداعية تهتم أساسا بالإدراك المبصر. لا بد أن نسلم أولا بان الفنون بصفة عامة قد تفاعلت على مر الأزمان مع ما عرفته الحضارات من تقدم علمي و تقني سواء باستعمال الأدوات التقنية المستنبطة أو باستعادة المواد و المعدات و الأشياء المصنعة. و نحن نسجل منذ بضعة سنوات اكتساح الوسائل الرقمية كل مجالات الإبداع. و رغم صمود العديد من المبدعين، فإننا نلاحظ ارتجاج الفنون التشكيلية بصفة بيّنة. و قد أتاح الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة طفرة هائلة من الحركات الفنية رغم تباين المواقف حول الاعتماد على هذه الوسائط و رغم تعدد مستويات ردود الفعل حول هذه العلاقة.
لقد امتدت فروع الثورة التكنولوجية إلى أصعدة المعرفة واخترقت وسائلها كل القيم الإنسانية و احدث تأثيرها تحولات جذرية في شتى مجالات الحياة وأدت إلى انهيار إيديولوجيات القرن العشرين وفتحت باب الاحتمالات على غير المتوقع كما أفرزت مفاهيم حداثيّة اقتحمت دائرة إدراكنا لإيقاعات العصر و أصبحنا نتحدث عن العولمة و حضارة الصورة و ما بعد الحداثة . هذه المفردات و غيرها تنضاف إلى سياقات الأسئلة المربكة حول فنون المجتمعات المعاصرة و هي أسئلة متأتية من الوعي بما يتدفق من زخم معلوماتي و من تراكم معرفي و من متغيرات تكنولوجية.
فضاءات الحداثة صارت تتشكل عبر الوسائط الرقمية، معتمدة في ذلك تقاطع الثقافات العالمة و الثقافات الجماهيرية.
وقد تسنى ذلك بعد أن حررت الحركات الفنية المعاصرة العمل الفني من الأبعاد الجمالية التي تعاقبت على ترسيخه ضمن المفاهيم التقليدية للفن و بعد أن أسقطت الحواجز التي كانت تفصل بين الأجناس الفنية إلى حد أن توصيف الأثر بات صعبا كما أن تصنيفه يكاد يكون غير ذي جدوى باعتبار اتساع رقعة تقنيات التعبير و تمازجها و نظرا لاستعمال أدوات قد تبدو غير متجانسة و منها الحوامل التقليدية والوسائط الحديثة مثل الفيديو و الحاسوب و الجوال و الليزر وشاشات البلازما وآلة التصوير الرقمي و غيرها …
و قد اختارت هذه الحركات أن لا تستقر تعابيرها في دائرة محددة حتى لا تفقد صفتها التحديثية المنخرطة في باب اللامنتظر و التجريب و المرتهنة لتداعيات اللحظة.
إن التحولات الجوهرية التي تشهدها فنون القرن العشرين نتيجة انخراط المبدعين في دائرة المفاهيم التحديثية قد فتح مجالات الإبداع التشكيلي على كل الاحتمالات و إن ما يحدث اليوم في البيانات و في المحافل الدولية المهتمة بالفنون يبعث على المزيد من التساؤل بخصوص المناهج المعتمدة جماليا و تقنيا و حول المسارات الممكنة خصوصا إذا اعتبرنا تزايد ارتباط الفن بالوسائل التكنولوجية.
و قد ساهمت الثقافة التقنويّة المهيمنة على الفكر المعاصر في طبع أحاسيس المبدعين و في توجيه إدراكهم و في تنامي استخدامهم للوسائط التقنية حتى أن بعض الأنماط الفنية باتت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسندات التكنولوجية ، يبطل وجودها بعدم توفر هذه الأدوات. ومن بين هذه الحركات الفنية نذكر الفن البصري و فن الفيديو و الفن الرقمي بجميع فروعه و غيرها…
و قد يذهب البعض إلى القول بأن ملاحقة التطوّرات التكنولوجية سيجرّ الفن التشكيلي إلى انزلا قات معرفية تتعارض مع ماهيته و قد تؤول به إلى انعطافات جذرية تحيل إلى ممارسات ما كان يتخيل المبدعون إنتاجها فتكون صادمة بالنسبة للفنانين و للنقاد و للمتلقين .فالافتتان بما توفره التقنية من إمكانات وحلول سريعة قد يوقع المبدع في فخ المنظومة التقنية فيصبح أسيرا لضوابطها ومستلزماتها و ما تحمله في طياتها من أبعاد جمالية مولدة و مغذية لها.
لكن رغم انخراط العديد من الفنانين في سياق ما تيسره التقنية فكثيرا ما نشهد مواقف مناهضة لما وقع برمجته تقنيا في سبيل المرودية النفعية و هي مواقف تتخذ أحيانا أشكالا من التلاعب بمحتوى برامجها و بطرق تنفيذها قصد تحويل وجهتها و تطويعها للفكر التشكيلي. تحيلنا هذه المواقف إلى تمشي الحركة الدادائية التي أحدثت شرخا هائلا في خطية تاريخ الفن بان قطعت مع الممارسات المنضوية في بوتقة الجمالية التقليدية و سمحت بان يكون الإبداع الفني بعيدا عن مهادنة الفكر المتسلح بالثقافة التقنية و مسائلا لشبكة المعلومات البصرية و المستندات الجمالية المتوفرة عبر الوسائل التقنية المتنوعة .
من هذا المنظور يكون الإبداع إنشاء متجددا بتجدد الأسئلة الملائمة و المنبثقة من جملة المكتسبات الجمالية و التقنية و من الظروف الخصوصية لكل حقبة زمنية. هذه الأسئلة تثوّر المفاهيم الراسخة وتوقد شعلة الفكر و تذكي الخيال و تدعم طرح الأفكار المخترقة للقيم المستقرة فتتيح للمبدع إرساء لبنات يستكشف عبرها مسالك إبداعية منفتحة على الحداثة.
إن المتأمل في مختلف الممارسات الفنية طوال القرن العشرين يتبين أن الفعل التشكيلي ينشا لحظة الشك فيما تأسس من رؤى جمالية ولحظة القسوة على ما أنجز من قبل المبدع نفسه أو من سبقه و هي ضرورة باطنية تتفعّل بفعل الوعي أوالتقنية و المادة و الصدفة و بفعل القرار المنبثق من جملة الرهانات الآنية .
إن النصوص المصاحبة للفعل الإبداعي تدل على أن هذا الفعل قد تجاوز مفهوم الممارسة التقنية والمهارة المشهود بها. فقد جاءت كتابات المبدعين إيقاعا لردهات من مراحل هامة أسست لأعمالهم فكانت بمثابة الاشراقات المنيرة لمواقفهم و المفاتيح الأساسية للتواصل مع مقترحاتهم وآنبنى حولها فيما بعد شبكات من المصطلحات و المنظومات النظرية المتضاربة نتيجة لتنوع المقاربات الفنية ولدرجة اعتمادها على التقنيات المتوفرة في ذات الفترة.
لقد بات معروفا أن شكل و مضمون كل أثر فني هو وليد البيئة التي ينتج بها و معنى ذلك أنه لا مناص من اعتبار الدور الذي تلعبه الوسائل التقنية كيف ما كانت بسيطة أو معقدة. لكن السؤال الهام يتمثل في مدى التحكم في هذه الوسائل حتى لا يقع المبدع في فخ الاحتواء وحتى لا يصطبغ العمل بصيغة تقنية تقلص أبعاده الحسية.
إن انخراط المبدع في دائرة الثقافة الحية وهي ثقافة تنبني على ما علق بالذهن من تراكم للمعلومات ومن موروث مرئي ومكتوب و على ما تم اكتسابه من مستجدات تقنية تمكّنه من التواصل مع الأخر عبر القنوات الحديثة. وهكذا يتعزّز شعوره بالانتماء إلى عصره خاصة إن لم يضع مسافة الحياد مع ما يحدث في مجالات الفنون. إن ما يتوفر اليوم من تمظهورات تشكيلية متنوعة و من أفكار و أفعال فنية قد تبدو مرتجة بحكم حداثتها و غرابتها و عدم استرسالها يفتح للمبدع إمكانات قد لا يتوقعها لان عديد المعطيات تنفلت من إرادته نظرا لأن مسارات البحث التشكيلي أضحت شائكة. فاطلاعه المستمر على ما يجد في حقول الإبداع يستدرجه إلى التكيف مع المناهج المعاصرة حسب أهوائه الفنية و ميوله الجمالية و مشحونة الثقافي و هذه المسايرة الذهنية لما تشهده الساحة العالمية من تناج فني سيخلف بالضرورة في وعي الفنان رواسب ايجابية تقتات بها مخيلته و ذائقته الفنية . إن مثل هذا التفاعل يمكنه من تأسيس طاقة هائلة بفضلها يكون إبداعه ممكنا و حيا بقطع النظر عن تداعياته و نتائجه.
لكن هذا التفاعل قد يبقى افتراضيا و قد يكون غير منتج للفعل التشكيلي إذا اعتبرنا عزلة الفنان و عدم قدرته على ملاحقة النسق المسارع لإفرازات الفنون في الغرب و قد يوقعه في متاهات المحاكاة و الذوبان فيما ذهب إليه الآخرون إذا انتبهنا إلى الظروف الموضوعية التي تنشأ فيها الأعمال الفنية و من بينها ما يلاقيه هذا الأخير من تقبل ضروري على مستويات عدة (احتضانها من طرف فضاءات العرض – ايلاؤها الأهمية الكافية من طرف المؤسسة النقدية- التعريف بها بشتى وسائل النشر من كاتالوقات و كتب و أشرطة فيديو و مقالات نقدية و غيرها … علاوة على اكتسابها القيمة المالية في السوق الفنية ).
بالإضافة إلى كل ذلك, تعددت متاحف وأروقة الفن عبر الأنترنات لترويجه على السوق العالمية. كذلك تشهد هذه السنوات الأخيرة إقبال العديد من الفنان على إحداث مواقع الواب لنشر أعمالهم و التعريف بمساراتهم و هو سعي إلى إيجاد أفاق أرحب مع المهتمين بهذا المجال.
لقد أحدث الأنترنات منذ أن سمحت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالاستعمال التجاري له سنة 1991 , ارتجاجا واضحا بأشكال الفنون وطرق توزيعها و تلقيها.
أصبح الفضاء الذي يوفره الانترانت فضاء تواصليا عبر القارات بعد أن كان مفهوم الفضاء مقترنا غالبا بمادية المكان و إن كان يتعدى ذلك البعد المادي ليتصل بما يُؤسس من معاني وإدراك وتواصل بين الإنسان و الأشياء المدركة وبين المبدع و المتلقي عبر ما تفرزه الآثار الفنية من تمثلات للأشياء وعلاقات رمزية بين الأشكال و العلامات و الإيقاعات الحسية. فيكون بذلك مدركا كقيمة أو مجموع قيم جمالية تنهل من الاحاسييس و الرموز والوعي و اللاوعي .
الانترانت إذن هو فضاء رحب يفتح أبواب الحوار و تبادل التجارب الفنية و يمكن من التعرف على ما أفضت إليه رؤى الفنانين في شتّى بقاع العالم المفتوح و على ما آل إليه تطويعهم لهذه التكنولوجيات الحديثة.
لقد اتخذ العديد من المبدعين الوسائط التكنولوجية(انترانت, برمجيات, آليات الكترونية و غيرها…) كحقول افتراضية للتجربة الإبداعية و قد أثرت التمظهرات الحديثة للفنّ بما عرفته من تداخل بين مجالات الإبداع على طرق استعمال الانترانت حيث تولد مجال النات ارت Net Art منذ 1994 و قد افرز مفاهيما و نظما جديدة يتعامل بها المبدع و المتلقي بصفة مفتوحة و تفاعلية .
لقد ظهرت منذ الستينيات مع الفن البصري بوادر التخلص من المادة إلى المفاهيم ليكون استحضارها تقديريا في الفضاء الوهمي لشاشة الحاسوب. وقد اعتبر الحاسوب من جهة كنافذة مفتوحة على العالم الخارجي و كأداة رائعة من جهة أخرى لقدرته الفائقة على تكثيف و تنويع البحوث و تخزينها و مراجعتها واستنساخها بتنويعات وتلوينات لا متناهية و لتوفيره علوم خائلية و صور غرائبية تتعقد مفرداتها وتراكيبها حسب البرمجيات و تبعا لقدرة المبدع على التحكم في إمكاناتها و من ذلك التلاعب بالصور الفوتوقرافية و بالعناصر التشكيلية و الدمج بينها وتصغيرها أو تكبيرها وتمطيطها أو تكرارها في حيز زمني قصير .
فما يحققه الحاسوب يختصر مسافات طويلة من الممارسة المادية فهو ييسر نتائج آنية لتخمينات الفنان . إن إمكانات التأليف بين الصور و الأشكال و النصوص باستحضار برمجيات الفوتوفيلتر photo filtre و ألوان الكورال بنت Corel Paint و شفافيات الفوتو شوب photo Shop وما ينجر عن ذلك من استعمالات تقنية كالقص و التراكب والتشاف و غيرها … كما أن الاستنان بما توفره المعطيات الرياضية بجميع تفرعاتها…. قد يختزل الرؤى الجمالية التي عرفها القرن العشرون. كذلك اعتمد الحاسوب كامتداد للحامل المسندي فقد وقع استعمال شاشات ال سي دي L.C.D ذات التقانة العالية لعرض الصورة والصوت و الحركة مجمعة. ينتج عن ذلك منحوتات ضوئية و فضاءات غرائبية تقتطع من المشهدية المعمارية ومن الطبيعة ومن الأحداث اليومية وتمازج بينها بلغة تشكيلية تستنبط علاماتها من منضو مات الوسيط الرقمي وعادة ما تكون هذه الأعمال التقديرية منصّبة في فضاء مادي مهيء لتقبل العمل الفني المتكون من عدّة عناصر و من بينها الحامل الرقمي ( شاشة أو مجموعة شاشات ) و من أهم الفنانين الذين انتهجوا هذا النمط من التعبير نذكر ادمون كوشو Edmond CAUCHOT واني لوسياني Anni LUCIANI و جون لويس بواسيه Jaen Lowis BOISSIERو جافري شاو .Jeffrey SHAW
و قد ساعد تعدد البرمجيات الحديثة و تنوع استعمالاتها في انجاز أعمال تقديرية مكتملة أو متحولة. و غالبا ما يكون العمل مكونا من مجموعة صور تاليفية تعكس فضاء خياليا تكون مفرداته مماهية للعناصر الطبيعية ويقع تحريك الرسوم بإيقاعات مختلفة حسب رغبة المتلقي . ومن أهم الفنانين الذين اهتموا بهذا التوجه الفني نذكر ميشال قوميتز Michael GAUMITZ و كلود فور Claude FAUR و ويليام لاتام William LATHAMالذي يقول في موقع W.RESPIRO.Html ” إنني مستعد لبناء عالم أكثر واقعية من الطبيعة حيث تصبح النباتات و الحيوانات مبرمجة في خدمة عالم مثالي. “
إن إدراج مثل هذه الإعمال في شبكة الانترانت قد دعم نظرية جمال التواصل التي دعا إليها ابرز رواد الفن الرقمي فراد فوراست Fred FOREST و هي امتداد للفن السوسيولوجي الذي تأسس منذ أواخر الستينيات على مبدأ إشراك الجمهور بتلقيه الفاعل للعمل المنصّب بطريقة تحفز المشاركة و التحاور مع ما يطرحه الفن من تساؤلات تتعلق بالمجتمع الحديث . وفي هذا الخصوص يعتبر الانترانت الفضاء المثالي لتحاور المتلقي بالعمل الفني إذ يوفر إمكانية التواصل في أمكنة مختلفة و ذات الزمن ( Upiquité ) و الفورية ( Instantanéité) و التفاعلية ( Interactivité ).
لقد مكنت تقنية التراسل E. mail من التقاء مجموعة من الفنانين لبناء عمل واحد عبر التراسل. ويكون بذلك جوهر العمل ناتجا عن ترتيب أولي لمفردات تشكيلية ثم إرسالها إلى مبدعين في بقاع مختلفة في العالم لتعود بعد تدخلات وتعديلات أو تغييرات جذرية. و تحوّل المتلقي من المشاهدة و الانبهار أو عدم تذوق العمل الفني إلى المشاركة الفاعلة باستخدامه للمقترحات المبرمجة من قبل المبدع.
و على هذا الأساس فان العمل التفاعلي يحمل في طياته إمكانات مفتوحة تتشكل حسب تدخل المتلقي ووفق ما وقعت برمجته .
إن مثل هذا التمشي يمثل ثورة على مفهوم الانجاز و الاكتمال الذي يتصف به كل اثر فني و هو ما يعني أن ذاتية الفنان أضحت منفتحة لذاتية المتلقي بفعل انفتاح العمل على شتى الاحتمالات في إطار ” اللعبة التشكيلية” المفترضة. لذلك ، فان هذا النمط الفني سيتأثر حتما بتفاعل المبحرين و سيحفز الفنان لمزيد البحث عن تعابير تتناغم مع طبيعة الوسيط وتأخذ بعين الاعتبار انفتاح العمل على جمهور عريض من المتلقين يتألف من المدركين لمسائل الفن و المبحرين العابرين و المتطلعين إلى استيعاب مقترحات الفنان دون أن يكون لهم بالضرورة زاد معرفي أو جمالي . و من هذا المنطلق يمكن القول إن نزوة الفنان و إرادته المتفردة ستتقلصان بحكم تفاعل المبحر مع العمل و إسهامه في بلورة المقترح أو تغيره و بالتالي فان مفهوم الإبداع المكتمل قد ينمحي إذا اعتبرنا الموقف التحديثي لبعض الفنانين الذين يتمثلون العمل الفني في صيغته الأساسية ثم في انفتاحه على تغير ملامحه و تمظهراته عبر التفاعل.
و لعل من دواعي هذا التوجه نحو التلقي الفاعل ذالك الهاجس الدائم لدى كل فنان وهو البحث عن إغراء المتلقي ليتواطىء في غيابه مع ما يقدمه من إنتاج فني و كي ينشأ هذا التواصل فان الفنان يتمنى أن يكون المتلقي متسلحا بآليات مفهوماتية تضاهي آلياته أو تتفهمها و متمتعا بدرجة عالية من الحس الفني و الجمالي وملمّا بتاريخ الفن حتى يرقى إلى كنه العمل ويلامس مقصديته ويولد معانيا في خفايا الأثر تكون غير قصدية أو تكون قد غابت عن المبدع و هنا يبدأ التلقي فيسهم في تحريك المستبطن و يكشف طاقته الإبداعية و يفتح باب التأويل و التعدد. و هكذا يمكن للعمل أن يكون متجددا متنوعا باختلاف المتلقين.
من هذا المنظور فان الوسائط التكنولوجية الحديثة توفر بامتياز فرض التلقي الذي ينشده كل فنان بما أنها توسع دائرة التلقي لاختراقها الحدود الجغرافية ودون اعتبار جنسية المتلقي. فأبواب التواصل عبر الأنترنات مفتوحة لكل مبحر يرغب في جولات استطلاعية آنية للتكشف عما يقترحه المبدعون المعاصرون أو للمشاركة فيما ذهب إليه هؤلاء أو لإرساء روابط و علاقات معهم إن شاطرهم نفس الهواجس الجمالية. وهذا التواصل بمثابة الانعتاق من العزلة التي قد يشعر بها الفنان وهو في نفس الوقت درجة من النشوة التي يتلذذ بها المتلقي إن كان على نفس الصعيد الفكري معه.
إن حاجة الإنسان إلى التواصل مأتاها شعوره بانفصاله عن الآخرين. يقول جورج باتاي :”كل كائن متميز عن الآخرين كلهم. ذلك أن ولادته و موته وأحداث حياته قد تكون ذات أهمية بالنسبة للآخرين, لكنه المعني بذلك مباشرة. هو وحده الذي يولد. هو وحده الذي يموت. وبين كل كائن وكائن أخر, توجد هوة, يوجد انفصال. “… لكننا نملك ذلك الحنين إلى الاتصال المفقود…” (جورج باتاي, الايروسية : إقرار الحياة حتى الموت, ترجمة محمد علي اليوسفي, مجلة الكرمل عدد 26 سنة 1987 ص178- 179)
النات ارت يوفر ذالك العالم البصري المعتمد على تمازج التقنيات وهو مهيأ للتراسل السريع بفضل السعة العالية للاتصال ADSL و بذلك يكون تحاور المتلقي مع العمل التقديري و المتمثل في جملة من الدلالات و التعابير المنبثقة عن مجالات فنية مختلفة (صور ثابتة و متحركة, علامات تشكيلية, نصوص, أصوات و غيرها) و المتآلفة في فظاء واحد و في حيز زمني غير محدد. وقد يذكرنا هذا التمشي نحو انفتاح العمل على التلقي الفاعل بطموح مجموعة الباوهاوس BAUHAUS في الشطر الأول من القرن العشرين لتقريب وجهات النظر و خلق شراكة بين المبدع و التقني و المتلقي أو المستهلك كما يذكرنا بمنحوتات كالدير CALDER وبالميكانيكل أرت MECANICAL ART و بالفن الجماهيري POP ART . فقد سعت جميع هذه الحركات الفنية إلى تنزيل العمل الفني إلى درجة التفاعل المادي عبر اللمس و التحريك والتجريب و إلى التوظيف الاستهلاكي في بعض الأحيان.
إن أعمال النات ارت هي أعمال متطورة, يعاد صياغتها و ينضاف عليها عناصر جديدة بحسب تدخل المستعمل وهي بذلك متفرعة و تتخذ أشكالا متجددة لا يمكن حصرها أو تصنيفها. و قد انتهج بعضهم النهج الدادائي باستغلال اللغة الرقمية و ما ينجر عنها من دلالات و مفاتيح لإعادة ترتيبها بطريقة لا تخضع لمنطق المعنى المتعارف حتى يوقعوا المستخدم في فخ الإرباك.
وعلى هذا النحو يكون المضمون البصري مستعصيا للتلقي المعهود إذ يستمد حضوره التقديري من مدارات معرفية و فكرية وحسية واسعة.
وبحكم المتغيرات المحدثة عليها من قبل المبرمجين لها أو المساهمين في تمظهراتها, فان عددا منها زائل أو متحول إما إلى محركات بحث أخرى أو الى تعابير مغايرة تماما لأصولها وهو أمر يحيلها على منطق”البضاعة” المستهلكة لفترات ترتهن لمدة تليقها واستخدامها.
هذه التجارب الحديثة في فن النات تندرج في إطار الانفتاح على الممكن وتعتمد بالأساس تخطي حدود الحاضر المرتبط بخطية الماضي ولاغرو أن تفرز أنماطا جديدة من التعابير لا نعرفها اليوم بحكم حداثة استعمال هذه الوسائط الرقمية. وربما ولدت هذه الأنماط إنتاجا هجينا نظرا لتداخل المنظومات التقنية والقيم الجمالية والمكتسبات المعرفية. وقد يغييب البعض من هذه العناصر لدى المبحر عبر النات و قد تتقاطع مرجعياته الثقافية مع مفاهيم المبدع فتكون هذه الأعمال إما مبهمة للبعض أو غير مقنعة للبعض الآخر. لكن المؤكد أن هذه التعابير الرقمية تبحث عن مستقر لها في دائرة الفن المستقبلي و موقعها الخصوصي يتدعّم لدى عدد متزايد من الفنانين المتسلحين بالجرأة و المخاطرة وذوي النزعة الإستباقية في مجال الإبداع.
وقد يرى البعض أن النات ارت هو صرعة العصر واندثاره سيكون أسرع من ولادته باعتباره تعبير تقديري قد نغنم بعوالمه البصرية, لكنه يفتقد إلى الأصالة نظرا لأن المعطيات الرقمية المكونة للأثر لا تضمن حقوق الإبداع إن كانت موزعة عبر الأنترنات بصفة مفتوحة, حيث يمكن لكل مستعمل اقتطاع أجزاء من العمل و إعادة صياغتها أو استنساخه دون عناء مما يبعث على التساؤل حول أصحاب الأعمال الحقيقيين.
كذلك يؤدي الفن الرقمي إلى انفصال المبدع عن المادة و قد شبهه بعضهم بالمضاجعة التقديرية حيث تغيب الأحاسيس الملمسية و تتقلص حركة الجسد و تُسطّح الأبعاد فيمر المبدع من البحث عن الإيهام بواسطة المادة إلى الوهم عبر شاشة الحاسوب و عن طريق الفأرة و لوحة الحروف و الأرقام وهي وضعية قد لا تكون ممتعة إن لم نقل خلاقة إذا قارنناها بوضعية الرسام أو النحات الملامس للمادة و المنطق لخباياها.
و بالإضافة إلى ذلك, هنالك تساؤلات عديدة تطرح حول مفهوم الفن الرقمي و منها مدى قيمته الجمالية و طبيعة و شروط إنتاجه (درجة التقنية التي تُوظف, نوعية البرمجيات…) وينجرّ حتما عن هذه التساؤلات سؤال هام, يتعلق بالمتدخلين: إن كانوا تقنيين أو مختصين في البرمجيات أو فنانين أو متلقين. فمثلما تمازج فضاء إنتاج العمل الرقمي مع فضاء عرضه و توزيعه بواسطة موزع عالمي يمكّنه من الاستقرار في فضاء تقديرك, تعدد المتدخلون في مراحل الإعداد و التعديل و التحويل و قد يقلص هذا التداول التقني من البعد الجمالي للعمل بل نتيجة لذلك فان هذا العمل قد لا يرقى إلى مستوى الأثر الفني و قد يعتبره البعض مجرد فضاء تجريبي يمكن استغلاله و التدخل عليه من قبل أي مبحر على الأنترنات.
إن فيض الأنماط الفنية المتقاطعة مع الأعمال التي يُعدها غير ذوي الاختصاص و المتوفرة بصفة آنية عبر تراكب الصفحات Hypertexte دون تمييز واستنساخها رقميا بشتى القياسات, إضافة إلى مسالك البلوق Blog و ما توفره من إمكانيات مفتوحة لشتى التعابير الذاتية المنتشرة عبر العالم في لحظات. كل ذلك قد يوقع الأثر الفني في منزلة الصور العادية وقد يفقده الأبعاد الحسية و التعبيرية التي يوفرها العمل المادي.
و في المقابل فان النات ارت قد يقرب المسافات بين المبدعين ويروج الانتاج الفني لدى الجمهور العريض في شتى بقاع العالم في نفس الوقت و بسرعة شديدة. إن مثل هذا التواصل من شأنه أن يربط علاقات - وان كانت وهمية - توحي بأن الآخر له نفس اللإهتمامات و أنه بالإمكان تبادل أوجه النظر وتقاسم الهواجس المضطرمة داخل الذات.
لكن اللإنجذاب إلى العالم التقديري بفعل الاتصال المباشر بالآخر عبر الزمان الحقيقي أو بما وضعه لدى المتلقي من مقترحات بصرية قد يجفف الذاتية من خصوصياتها و قد يصدم هذا المدمن على الإبحار بواقع الزمن و المكان إذا ابتعد عن الوسيط الرقمي. وهذه مفارقة غريبة قد تضعّف من إحساسه بالعزلة داخل محيطه الضيق.
ورغم هذه السلبيات فلا مناص من استعمال الوسائط التكنولوجية الحديثة لما توفره من تدفّق فائق للصور الثابتة و المتحركة ومن نفاذ سريع الى كل البيوت عبر الأقمار الصناعية فالمعلومة الآنية تطوق الإنسان المعاصر من كل صوب. إن ما أحدثته الأنترنات في كل المجالات هو شبيه بثورة الطباعة عند ظهورها وبات استعماله أمرا ضروريا للتواصل و الترويج. نتحدث اليوم عن الثقافة الرقمية و المجتمعات الرقمية و الأنظمة الرقمية و الطباعة الرقمية و الفجوة الرقمية و غيرها من المصطلحات الدالة على التصاق التكنولوجيا بكل أوجه الحياة.
فمن الطبيعي أن يلجأ المبدع إلى استثمار هذه الوسائل رغبة في التزامن مع نظرائه و بحثا عن تكافؤ الفرص التي قد تكون مفقودة أو قليلة على الصعيد المحلي. فقد تغيب إمكانات انتشار الأثر الفني عن طريق المعارض أو بواسطة الاستنساخ و ذلك لأسباب عديدة منها عدم توفر السوق الفنية و المجالات المختصة… لكن هذه الإمكانات تيسرها اليوم الشبكة العنكبوتية للأنترنات وبذلك يتوفر للعمل الفني أهم شرط لبقائه ولاسترسال المبدع في الإنتاج وهو الانفتاح الممكن على التلقي و إن كان ذلك عن بعد وهو تواصل سانح لفرص التعرف و التعارف وربط الصلة و التراسل والتسويق.
ومهما كانت مواقف المبدعين من الفن الرقمي فان العديد منهم قد اختاروا عن قناعة التعريف بفنهم عن طريق مواقع الواب. فالموقع عبارة عن مرآة عاكسة لعينات من أعمال الفنان وهو مجال يتضمن معلومات عن مسيرته و مقتطعات من مقالات تخص معارضه ونافذة لعنوانه الالكتروني. وهكذا يبقى الفنان صاحب شأنه, ينتج مادة فنية حسب ما يستصغيه من رؤية جمالية و يقتصر استعمال الوسائط الرقمية على الوظيفتين الإعلامية و الترويجية وهو منفصل تماما عن مرحلة الإبداع.
ومن هذا المنظور, فلا داعي أن نتخوف من أن تتوصل التكنولوجية إلى بتر البعد المادي و الحسي للأثر الفني ولا داعي أيضا أن نتخوف من التحليق عبر الأنترنات في آفاق التجارب الفنية بصفة حينية.
وإذ نتحمس اليوم لهذا الوسيط فلأنه أصبح أداة تواصلية ضرورية إن تنكرنا لها فسنحكم على أنفسنا بالانحباس في بوتقة ضيقة تفقدنا إمكانات التواصل مع ما يحدث في العالم المفتوح وتذوب ذاتنا في المحلية والتقوقع والانكماش وتؤدي إلى الانسحاب من خارطة المعرفة وتنفي الحضور على المستوى الإنساني. فالإبحار في مواقع الفنانين هو الاستكشاف وهو قبول فكرة المغامرة أي قبول ماهو مغاير لما عهدناه وهو انفتاح يموضع الفنان في دائرة الذات النسبية شريطة أن يكون هذا التكشف من منطلق التلقي الواعي.
وقد يذهب البعض إلى وصف الفنون التشكيلية المعاصرة و المنفتحة على الثقافات العالمية بالفنون المهجنة بل الفاقدة لكل هوية. لكن في المقابل ماذا ستؤول إليه الفنون المحلية إن هي انغمست في حوض موروثها الضيق مثلما تنغمس رأس النعامة في التراب؟
ألم ينهل العرب مثلا من الحضارة الفارسية و الإغريقية و اليونانية وغيرها؟ أليست لنا مخلفات عثمانية وفرنسية إلى الآن في المشهد الحضاري التونسي؟
نجادل أحيانا في ثنائية المعاصرة و الأصالة و ما شابه ذلك و قد يعتبر البعض أن تناول المسائل المتعلقة بمختلف أوجه الفنون التحديثية التي أفرزتها الوسائل التكنولوجية و أن استثمار ما تناقلته هذه الوسائط التواصلية من مستندات بصرية هو من قبيل المجازفة وهو ضرب من ضروب التمرد على الموروث التشكيلي. وعلى هذا النحو فان السعي إلى التحديث ومتابعة ما يحدث في الآفاق الرحبة والقفز إلى ما توصل إليه الآخر من إبداع ناشئ يُنظر إليه على أنه تهميش للفن و ما ينتج عنه هو من طرهات الفنون مقارنة بما يطلقون عليه صفة المتن ألا وهو الرسم المسندي المألوف والنحت المتعارف و غيرها من التقنيات المعتمدة في ماضي الفنون.
و لن نتردد هنا في التأكيد على أن الانفتاح على العالم أضحى أمرا واجبا على كل فرد وان التسلح بتقنيات العصر هو ضرورة وليس خيارا. أما حصانة ثقافتنا فلا تستدعي الانغلاق على ماضينا و إنما تتمثل في النهل بصفة تلقائية مما تزخر به فضاءتنا الرمزية و مراجعنا الفكرية والحسية من جهة و في اكتساب المعرفة المتأتية من آفاق مختلفة من جهة ثانية و هو ما أصبح يعرف بمجتمع المعرفة الذي يطرحه العالم الجديد بواسطة الشبكات المعلوماتية .
و لا نريد أن يفهم رأينا على انه توفيقي بين ما هو سائد و ما هو مستحدث. علينا فقط أن نعتبر المبدأ الطبيعي المتعلق بدوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس و بالقياس فإننا مدعوون إلى تنمية قدراتنا في التعامل مع ما استحدث من برمجيات حتى نعالجها و نتفاعل مع إمكاناتها بصفة إرادية و واعية تيسر اختياراتنا وتثبت مواقفنا دون افتتان بما توفره من حلول جاهزة . و لا بد أن ننغمس في هذه المشارب التحديثية و أن نتحلى بنزعة استشرافية و إن كان ذلك عبر الاستكشاف و التحسس . ولا مفر من مواجهة حاضر الوسائل التكنولوجية و ما يترتب عنها من مناهج و رؤى مثلما لا مفر من الابتلال إذا أردنا السباحة.فلا معنى لمعاصرة الغرب إذا كانت مقتصرة على مفهوم الزمن . علينا أن نكون معاصرين معرفيا حتى لا نكون على هامش العصر.
و دورنا اليوم أن نهيئ لاندفاع شبابنا الباحث في حقل الفنون التشكيلية إلى استغلال كل ما توفر لديه من إمكانات تواصلية حديثة للولوج عبر أبواب مفتوحة لعالم اليوم وهو عالم متحول بحكم سرعة التطور التكنولوجي .
إن استعمالنا للانترانت ما زال بدائيا نسبيا و فرص التعلم لدى الجيل الجديد أوفر و أيسر لان عقل الشاب غير مثقل بمكاسب السنين. فهو يتعامل مع الوسائط الرقمية دون عوائق ثقافية. لذلك، فهو سريع التفاعل معها، متابع لتطورها المذهل، فطن لتشعبها و مغرياتها مدرك لما تحمله من قيم معرفية و ثقافية و أخلاقية. إن التمرس على هذه الوسائط و الاعتماد على الذات الواعية و الانتباه إلى حاضر الفن و التكنولوجيا قد يفجر ذلك النشاط الحيوي الباطن لدى المبدع الشاب. إن التقاليد الفنية بمفاهيم القرن الماضي لم تتجذر لدينا بما يجعلها موروثا فنيا يعسر تخطيه، و غياب “الأب” في الفنون التشكيلية التونسية قد يفتح المجال للشاب المتكون في معارف الفنون للتفاعل بلا حرج مع كل المستجدات دون أن يقع في خطيئة القطيعة أو الصدام مع الأجيال السابقة.
و إذا كان المبدع الشاب منخرطا فيما ذهب إليه الآخرون دون تقليد و لا محاكاة و إذا ساهم بما سمحت له تصوراته المستندة إلى وعيه الحي و ثقافته المنفتحة و أحاسيسه المنغرسة في جذوره الحضارية فانه سيوفر لنفسه فرص التخاطب مع الآخر بمفاتيح العصر سواء كانت تقنية أو مفهوماتية.
و مهما كان وضع الفنون التشكيلية مرتجَا فمستقبلها ضبابي بالضرورة لان المتغيرات التكنولوجية المؤثرة في مساراته متسارعة و إيقاعها على مجمل أوجه الحياة يزداد عنفا.
و إن لم نختر التعبير بوسائل العصر فلا مهرب من استعمالها كأداة تبليغيّة لما ننتهجه من مسالك جمالية و لما ننجزه من أفعال تشكيلية و لا مفر إذن من مزاوجة المادي و التقديري. تلك هي المعادلة التي يستوجب علينا الإقرار بتحقيقها إذا ابتغينا مزامنة المحدثين.
نور الدين الهاني

صدر بمجلة الحياة الثقافية، وزارة الثقافة و المحافظة على التراث، تونس، العدد 184، جوان 2007.

Aucun commentaire: