www.rasoulallah.net

www.rasoulallah.net
موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم

Haloudi Issam

Haloudi Issam
حمودي عصام

Ghada Abdel Moneim

Ghada Abdel Moneim
غادة عبد المنعم

الفنان محمد طوسون

الفنان محمد طوسون
المتفرد.. محمد طوسون والله أكبر

Saadi Al Kaabi

Saadi Al Kaabi
العبقرية سعدي الكعبي

BOUKERCH ARTS et LETTRES

BOUKERCH ARTS et LETTRES
بوكرش فنون وآداب

ISLAMSTORY

ISLAMSTORY
أنقر على الصورة وتابع الحضارة الاسلامية

مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


فاتحة المحراب (بوكرش محمد) بتوقيع الفنان القدير ابراهيم أبو طوق لموقع فنون1954 بوكرش محمد


شكري وشكركم بالنيابة للفنان الرائع العبقري المتواضع الخطاط ابراهيم أبو طوق الجزائر


الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

الفنان القدير ابراهيم أبو طوق
الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

مرحبا أهلا وسهلا بكم أصدقاء محراب بوكرش محمد فنون 1954



يسعدني أن تجدوا فضاء يخصكم ويخص أعمالكم ، البيت بيتكم وكل ما فيه بفضل الله وفضلكم...منكم واليكم، بيتكم لا يتسع ويضاء الا بكم... مرحبا
بوكرش محمد الجزائر

dimanche 22 mars 2009

ماذا تبقى للفنون التشكيلية / الفنان نور الدين الهاني تونس







ماذا تبقى للفنون التشكيلية
إن المتابع لتداعيات الإبداع في مجال الفنون التشكيلية يتبين تعدد الأساليب الفنية المستحدثة، وهي غالبا ما تهجر مواقعها التقليدية - مثل فضاء اللوحة - إلى فضاءات أرحب، كما يلاحظ نزعة الفنان إلى الخروج من الورشة و حرصه على التعامل مع حوامل غير مألوفة أو أمكنة غريبة و انزعاجه من فضاءات العروض المعتادة،و تأكّدت هذه النزعة مع تقلص دور السوق الفنية أو انعدامها أحيانا و أصبح الفنان يسائل كل التظاهرات الفنية .
لقد بلور مفهوم الاختراق هذه المساءلة المستمرة، إذ صار ملازما بصفة إرادية أو لا إرادية كل فنان مبدع و أصبح الفن يعرف ببعده التّحديثي والمتجاوز لما هو معهود، إلى حد أن بات ينعت بالاعتباطي و الضّبابي و اللاّمعقول و الهجين، رغم احتضان بعض المؤسسات الرسمية لتمظهراته. و من هذه المؤسسات متاحف الفن الحديث، البيناليات، المراكز الثقافية…
لقد أدى الإيقاع المتسارع للتراكم المعرفي إلى مسائل جوهرية حول حتمية التحديث في الفن لمسايرة العصر.
وباعتبار أن مفهوم التّحديث مؤصل بالضرورة بذات المبدع ومرتبط بإرادته و قدرته على طرح الأسئلة المنتجة لأفعال إبداعية، فلا عجب أن تتعاقب الحركات الفنية و لا عجب كذلك أن تنفلت الممارسة التشكيلية من الصيغ و التصنيفات المألوفة لتتنزل في مدار الرهان والمغامرة و الانفتاح على الممكن و الطموح إلى إدراج هذا الفعل ضمن مقتضيات المعاصرة.
و حتى لا يدفن المبدع المعاصر أحلامه ولا يمقت حدسه و حتى يلامس فعله الحسي الأساليب الحداثية و حتى ينتصب مسائلا بملء السؤال الشرعي العلاقة القائمة بين ما يطرحه من إشكالات و رؤى جمالية مع محيطه الثقافي المباشر أو الافتراضي و ما يحدث من مجادلة بين ذاتيته و العناصر المادية المكونة للعمل الفني فهو يعتبر كل الوسائل التقنية المتاحة مشروعة، بل ضرورية ما دامت في خدمة فنه، يطوّعها لغاياته وان اقتضت طبيعة إبداعه استخدامها بطريقة مغايرة تماما للإغراض التي أُعدت و بُرمجت من أجلها.و هنا تجدر الإشارة إلى مفهوم التحويل الذي اتّخذ نهجا إجرائيِا منذ الدّادائيين و تتالت بعدهم الحركات الفنية في صياغته بأشكال متنوعة.
لقد باتت مساءلة تاريخ الفن ضرورة حتمية لكل مبدع غاية ذلك استيعاب المفاهيم الأساسية لعملية الإبداع حتى يتجنّب الإسقاط المتولّد عن الانبهار أمام ظاهرة إبداعية أو إزاء نظرية جمالية يتلقاها بصفة سطحية. هذه المحاورة تصاغ بقيم الحاضر و متطلبات الحداثة بعيدا عن المواجهة والرفض والخنوع إلى قيم غابرة تحيّن باسم الأصالة.
إن إدراك الفنان التشكيلي لجملة الحقب المتتالية التي عرفها الفن عبر القرن العشرين خاصة تؤهله للتّموضع في دائرة الأسئلة الحارقة المنبثقة من مواقف و رؤى جمالية انبنت حول مفاهيم عديدة أحدثت نقلا نوعية في الممارسات التشكيلية.
ماذا تبقى أن نرسم أو ننحت أو نحفر ؟…و بأي الوسائل و بأي التقنيات ؟ ما هي الأشكال الحديثة للفن التشكيلي ؟كيف نتواصل بفنّنا ؟و بأي الوسائط التبليغية ؟ ماذا ينشد الفنان التشكيلي ؟
هذه بعض الأسئلة و غيرها كثيرة، تلازم وعي المبدع إلى حد القلق لكن القلق سمة لابد له أن يتسم بها لان هذا الشعور يمكنَه من الحيرة و التساؤل حول ماهية الفن لإرساء رؤى تشكيلية مستحدثة وان بدت ضبابيّة بحكم عدم استقرارها. إن البحث الدائم عن معنى الإبداع و التواصل يهزّ كيانه و يحفز أحاسيسه و يربكها كما يشكّك في مكتسباته التقنية و بالتالي يضعه في مدار التجديد.
صحيح أن المخيّلة البشرية العادية تكل من متابعة ما هو مستحدث و غريب لأن في ذلك جهد و عناء و تمحص و محاولة إدراك ما هو غير مدرك آليّا وغالبا ما ترفضه رفضا تلقائيا لما يدخله من بلبلة فكرية ومن إزعاج للذات، و لكن الفعل التشكيلي المنخرط في الحداثة لا يصاغ إلاَ ضمن الانفلات عن السائد.
لقد شهد أواخر القرن العشرين نزعة الفنان للاستقلالية عن كل الفضاءات التقليدية للعرض كما تقلص اهتمامه بالقيمة المادية للأثر وذلك باختياره إنتاج أعمال لا تتصل مباشرة بأي حركة سابقة. فتعددت التجارب و تنوعت المسارات اعتمادا على النزوة الذاتية، و الرؤية المتفردة التي لا تخضع لأي منظومة جمالية قائمة. وعلى هذا الأساس فقد تفتّتت المعايير النقدية واضطربت المقاييس الجمالية.
إن التمرد على القيم الجمالية النموذجية و عدم الامتثال للقواعد المبوبة جعل التعبير الفني فضاء مفتوحا على الاحتمالات التي قد تتحدد حسب عوامل الصدفة و الميول الذاتية بما في ذلك من مواقف معلنة أو خفية و من نزوات و من اعتبارات مصدرها تقاطع المرجعيات أو الظروف المادية لإنشاء العمل.
لقد أصبح تعريف الفن مرتبطا بما يؤسسه من قيم مستحدثة تلهم فلاسفة الجمال لابتداع مصطلحات موازية قد تضيء جوانب من الابداع و لكنها لا تفسره. و لقد حاولت الإنشائية مسايرة مراحل الإبداع الفني بخطاب منصت لمادية العمل و الظروف الموضوعية و الذاتية لمنتجه و لكنها اصطدمت بما هولا منتظم في العملية الفنية أي كل العوامل غير المحددة وغير المبرمجة التي تنحت بصفة غير عقلانية ملامح الأثر، لذلك يمكن نعت الفن بزئبقي المادة، قد يتخذ شكلا ثم ينقلب هذا الشكل إلى آخر في بضع دقائق.
إن ابتداع أشكال فنية مغايرة هو نتيجة مساءلة حية و متجددة لمفهوم الفن لازمت الحركات الفنية المتعاقبة منذ أواخر القرن العشرين و أربكت كل عمل منتهي وأحدثت قطيعة إرادية مع ما هو سائد حول مفهوم الجمال الذي لطالما التصق بمفهوم الفن منذ القرون الوسطى، فقد قام الفن الجميل على المحاكاة المباشرة للطبيعة بأساليب تقنية اختلفت من حقبة إلى أخرى و لكن بقيت غايتها التعبير عن افتتان الفنان بالطبيعة و نقلها بمهارة وحذق و إحساس متولد عن تأمل عميق لمظاهرها.
ومع ظهور الصورة الفوتوقرافية، في أواخر القرن التاسع عشر راود الفنانين و النقاد تخوف شديد من تأثير التقنية على الفن. و اعتبر بعضهم أن ما تيسره الصورة الفوتوقرافية قد يشوّه المنطلقات الجمالية للفن بل قد تنتزع الآلة إنسانية الفنان. بينما ذهب بعضهم إلى أن ما تقدمه عدسة الكاميرا يوفر على الفنان عناء التنقل بمعداته إلى المشهد و يكون بمثابة المرجع الأول يعتمده كما كان يعتمد الرسوم السريعة. نذكر هنا الرسام ديقا Degas الذي استعان بالصور الفوتوغرافية لرسم مشاهده و خاصة حركات الجياد الراكضة.
وقد مثل استعمال الصور الفوتوقرافية لدى الدادائيين منعطفا هاما فجّر المفهوم التقليدي للرسم حيث تحوّل فضاء اللوحة إلى فضاء تشكيلي تتراكب فيه الصور الفوتوقرافية و الرسم و النص الشعري…
نتج عن ذلك تفاعل مع ما يعتبر غريبا أو غرائبيا أو ما ينعت بالصدفوي و اللامتوقع وأدى كذلك إلى إعادة النظر فيما ترسخ من تقاليد و ممارسات فنية فأوقع الفنان المبدع في متاهات الأسئلة المربكة للثوابت الجمالية. شاركه في هذه المدارات الفكرية و الجمالية الشاعر و المسرحي و الناقد و هي مدارات لا تأخذ بالضرورة بمنطق العقل العملي الذي لطالما أملى سلطته على إدراك و فعل الإنسان بواسطة الوسائل التقنية التي سخرها التقدم العلمي لفائدة الحاجيات الحياتية و النفعية.
نذكر هنا موقف مارسيل ديشومب Marcel DUCHAMP و هو موقف ينم عن رفض للسائد و القطع مع كل ما تجذّر من معرفة حسية مثقلة بمخزون جمالي يستمد أصالته من العصر الإغريقي فيما يتعلق بالمنحوتات خاصة، مرورا بعصر النهضة . لقد احدث ديشومب بتقديمه لما هو جاهز Ready made ( النافورة سنة 1917 و هو عمل نموذجي يدلل على موقف مبني على الجرأة و تخطي المتعارف) و اعتباره أثرا فنيا، صدمة جمالية لا زال وقعها إلى اليوم باعتبار استرسال الفنانين في نفس النهج الذي أرساه، و يمكن اختزاله في كونه لا يتخذ أي مستقر له حتى يتجنب كل إمكانية التقنين . لذلك، نلاحظ التعاقب السريع للحركات الفنية المناهضة لبعضها البعض.
و من هذا المنطلق نشهد أعمالا تتشكل خارج دائرة المعنى النفعي و في إطار عنيد تشوبه التناقضات و اللامنطق و الصدفوي و يُترجم عبر خليط من المواد و الخامات و مزيج من التقنيات أو عبر مواقف سالبة لمادية العمل و ذلك لتأسيس الفعل الجمالي المنتهي بانتهاء تدخله .
لقد أعلن امبارتو بوشيوني Umberto BOCCIONI و هو عضو بارز في الحركة المستقبلية، تحرره من المواد المألوفة في النحت منذ بداية العشرية الثانية من القرن العشرين و أجاز استخدام مواد متعددة غريبة عن النحت. إن استعماله لمواد وخامات مبتذلة تحمل في كنهها أبعادا مغايرة لوظائفها الاستعمالية قد مكنَه من إرباك وحدة المنحوتة المتكونة من تناسق الحجم و المادة و التقنية في سبيل تمثيل المظهر الخارجي للشيء الممثل التقليدية سواء كان جسدا إنسانيا أو حيوانيا أو غير ذلك من الأجسام المتعارفة في الطبيعة.
و علاوة على تمازج التقنيات و الخامات فإننا نلاحظ عبر الفترات المختلفة للفن الغربي و على امتداد القرن العشرين تداخل المرجعيات و الأساليب و هو ما يدل على الإلمام الواسع للفنان التشكيلي لعديد الممارسات الفنية وهو ما يسمح له بتوظيف أبعادها بتناولات مختلفة حسب تفاعلاته وتبعا لتمشيه.
ففي أعمال سيمون هانتاي Simon HANTAI مثلا (رسام فرنسي من أصل مجري) تتداخل المرجعيات ، خاصة منها الممارسة التشكيلية لجاكسون بولوك Jackson POLLOKو رسم هنري ماتيس Henri MATISSEفهو يمزج بين تقنيتين، تعتمد الأولى على الرسم المباشر و السريع و الميسّر لتفاعل المادة السائلة و تعتمد الثانية على تقنية القصDécoupage التي مارسها ماتيس . إلى ذلك تنضاف مراحل أخرى من بينها طي القماشة و بسطها و إعادة القص و التركيب، و لا غرابة في أن نقف على إشارات و إحالات متباينة أحيانا لدى بعض الفنانين بعد أن انمحت الحدود الفاصلة بين تيار فني و آخر و بعد أن انفتح الفضاء التشكيلي على تعابير أخرى منذ الدادائية .
ونذكر أعمال روشنبورق RAUSCHENBERG التي تعتمد تقنية التلصيق للصور المقصوصة و مستنسخات الأعمال الفنية و خاصة منها رسوم دافنشي .De VINCI و ما يسميَه Combine painting ليس إلاَ امتداد لممارسة الدادائيين المتمثلة في استعمال الصور الفوتوقرافية كمادة تشكيلية مسايرة أو معوّضة لمادة الدهن و نذكر كذلك أعمال ريشار هاملتون Richard HAMILTON (من ابرز فناني حركة البوب أرت ) و هي جملة أجزاء مقتطعة من مجلات و صور مستنسخة يجمعها الفنان في تركيبة تؤسس فضاء تشكيليا متماسكا و مشحونا بدلالات جديدة منبثقة من العلاقات التي أوجدها بين هذه المقتطعات.
كذلك نستحضر أهمية حركة حوامل-سطوح التي ظهرت في أواخر الستينيات بجنوب فرنسا. إن ترسخها في جهوية نشأتها اكسبها بعدا وطنيا فإقليميا فعالميا وذلك لما شملته من مواقف وممارسات جريئة تقاطعت مع الهواجس الفنية لدىالفنانين الأمريكيين. من أعلامها كلود فيالا Claude VIALLAT و دانيال ديزوز Daniel DEZEUZE و توني قران Tony GRANE و قد نزعوا إلى تحويل وجهة الأشياء المستعملة و التافهة و أعادوا صياغتها ضمن حوامل أرادوها حوامل تشكيلية فانتصبت الأشكال و توزعت الألوان في تكرار مولد للاختلاف حسب جيل ديلوزGilles DELEUZE و ما استعمالهم لقطع من القماش القديمة أو الخشب أو أطراف من الاشباك إلا إقرار بأهمية الخامة كمادة حية تحي بيننا ولا ندرك أبعادها الجمالية و ما تعدد طرق العرض - على الجدار- على الأرض- خارج الأطر التقليدية كالرواق و المتحف - إلاَ إفصاح جديد عن الحرية التي اكتسبها الفنان إزاء الرسم المسندي و ما يفترضه من” طقوس” .
لقد أصبح الفنان مسكونا بأسئلة متعددة حول ماهيَة الفن و موقعه من حضارة عصره و باتت هذه الأسئلة تلاحقه في ممارسته و في تأملاته و غالبا ما ترتبط بعلاقة الإبداع بالتطور التكنولوجي الرهيب الذي يتعارض مع الميول الطبيعية إلى الممارسة اليدوية التي تستمد كنهها من طاقة ذاتية باطنية ، لا يستهويها التقنين و الدقة و كل ما له علاقة بالآلة. وكلما تعقدت هذه الآلة ارتجت هذه الطاقة و استبطنت خوفا من أن يتحنط الحلم عبر الوسيلة التقنية.
إنَنا نشهد إعادة النظر في جوهر الفن من فترة لأخرى كما نلحظ تباين المواقف حول طبيعة العلاقة بين الرؤ الجمالية و المستجدات التقنية من ذلك ما يصرح به اندي وارول Andy WARHOL ” أريد أن أكون امتدادا للآلة “، قد نفهم من هذا الموقف حتمية مسايرة الفنان للتطور التكنولوجي حتى يتاح له انجاز أعماله بالأدوات التقنية لعصره، و قد يكون ذلك تعبيرا صارخا لما أفرزته الحضارة من أنماط حياتية جديدة و نماذج استهلاكية غير معهودة أثرت بالضرورة على الأذواق الفنية و دفعت الفنان إلى تفجير طاقات إبداعية د فينة كما ولدت لديه مزيدا من الجرأة لتخطي المألوف.
لقد يسرت سهولة الحصول على المعلومة البصرية انطلاقا من المستنسخات و الصور الفوتوقرافية و المجلات التفاعل مع الموروث الحضاري الواسع بطريقة متحررة من قيود الماضي بما في ذلك من المفاهيم المرتهنة لتجارب فنية حديثة العهد.
إن انخراط المبدع في الحداثة قد أجاز له إعادة صياغة المفاهيم الجمالية كما أوقعه في شرك التجريب و المساءلة و توليد المعنى عبر فرضيات بعيدة عن عالم الثوابت، هذه المنطلقات الذهنية تستمد طاقتها من تجدد الفعل التشكيلي ضمن مجال بات مفتوحا لتمازج الأنماط الفنية و لتذويب الفروق بين الأجناس و التقنيات كما أنها تورط الفنان في سياقات غير منتظرة منها التعامل بصفة إرادية و تبعا لموقف معلن مع مفاهيم إجرائية مثل الاستعادة أو الاقتبا من أعمال تنتمي لحركات فنية مصنفة في تاريخ الفن . نذكر خصوصا أعمال أرمون ARMAN المتكونة عن مفهوم التراكم و أعمال سيزار CEZAR المرتكزة على استعادة الأشياء. كذلك حركة التشخيصية الحرةFiguration libre التي استمدت مواضيعها من عوالم الصور المتحركة و رسوم الأطفال و مشهديات الحروب و الأساطير و الثقافات الشعبية ونفايات الصناعات الحديثة و الأشياء الاستهلاكية لتكون مزيجا من الصور و الألوان و الكتابات والعلامات المنتشرة في المحيط اليومي.
و الملاحظ أن تعدد مشارب التأثيرات قد وسّع آفاق الحقل الايقونوقرافي ليعكس تآليف بصرية و حسية متناغمة طورا و متنافرة أحيانا كثيرة.
كذلك شهدت هذه الحقبات تفاعلا متزايدا مع الفضاءات المعمارية إذ اعتبر الكثير من الفنانين الفضاءات المفتوحة و المعاشة مجالات لممارستهم الفنية مما استوجب تطويع رؤاهم الجمالية لخصوصيات الحيز المكاني المزمع التدخل عليه.
نذكر فن التنصيبة أو فن تشكيل أو تأثيث الفضاء و هو بمثابة الامتداد لحركة الدادائية، يجمع بين التعابير ذات البعدين بمختلف التقنيات و التعابير ذات الثلاثة أبعاد و قد تكون غير متجانسة فنيا كالرسم و النحت و تراكم الأشياء و أجهزة بث الفيديو وغيرها, كل ذلك يؤسس رغم انفصال العناصر المساهمة فضاء تتعدد فيه العلاقات حسب تفاعل المتلقي المتجول حول / أو في التنصيب .
لقد تميز الفن التشكيلي في الشطر الثاني من القرن العشرين بارتباط بعض أنماطه بالآلة حتى أن عدم توفرها قد يبطل وجود هذه الأنماط من ذلك الفن المفاهيمي و فن الأرض و فن الموقع و فن الفيديو و البارفورمونس….
ففي فن الأرض، تعتمد الصورة الفوتوقرافية كشاهد على الأثر الفني الزائل بطبيعة نمطه فهو عمل مؤقت لا يتجاوز معناه زمن فعله في الطبيعة .و لتثبيت الصورة، يستوجب استعمال معدات ضخمة مثل الطائرة و الرافعة…
وهكذا يحل الوسيط التقني محل الأدوات المعتادة و تحل الصورة محل الأثر المادي و لولا و جود هذا الوسيط لما وقع التفكير أصلا في مثل هذه الممارسات الفنية و هو ما يسمح لنا بالقول بان مسايرة المستجدات التقنية تؤثر بصفة مباشرة و قد تكون جذرية في بلورة الرؤى الجمالية و الوجودية. و من أشهر الفنانين الذين مارسوا فن الأرض نذكر سمثسون SMITHSON و هايزر HEIZER اللذين حولا أطنانا من الحجارة و الطين لانجاز آثارهم بواسطة الجارفة و الناقلات الضخمة.
و يتبين لنا أن فن الأرض هو بمثابة عودة الفنان إلى الطبيعة للانخراط في أزليتها و هو موقف ينم عن حاجته إلى اللجوء إليها و لو لفترة قصيرة. لكن هذا الانخراط يقوم على نقيض بينَ . من جهة, فهو يسعى إلى الإنصات إلى ردهاتها، مسائلا الخرسانة و المعادن حول ما آلت إليه الطبيعة و من جهة أخرى فهو يحط في المشهد الطبيعي بثقل ارثه التكنولوجي ليوقع فيه تغييرات واضحة ثم ينسلخ منه بعد أن يثبت ما أوقعه على حوامل فوتوغرافية.
و منذ السبعينات، تبلور فن الفيديو في الولايات الأمريكية المتحدة.و قد ذهب بعض الفنانين التشكيلين إلى بحوث تجريبية تتعلق بالتلاعب بالصور المتراكبة و رسم أشكال هندسية تتخذ سريعا تمظهرات الأحجام في الفضاء الوهمي. و كان اعتمادهم شبه كلي على المختصين في الإعلامية و الرياضيات لترويض المعطيات التقنية لعوالمهم المتسمة بنزعة فضولية يسرت لهم اختراق المضامين المعهودة التي توفرها الوسائل الحديثة و ذلك باستعمالها بطرق مغايرة لما أعدت من اجله . ومن هذا المنظور فان فن الفيديو أصبح فنا قائما بذاته حيث تتمازج فيه التقنية ( صورة و صوت ) و الشحنة التعبيرية التي تتخذ شتى التمظهرات و تنهل من شتى الأنماط التشكيلية المتعارفة و غيرها من المجالات الإبداعية كالصورة الفوتوقرافية و السينما و الموسيقى و المسرح و الرقص.
و على هذا الأساس فان فن الفيديو هو فن معقد بما انه جامع بين تقنيات تبليغية مختلفة و مفتوحة لكل الاحتمالات التكنولوجية و الجمالية و تعابير متداخلة و متحررة من كل الحدود و المقاييس المألوفة في كل مجال إبداعي كالبعد السردي في السينما و ما يتطلبه من قدرات فنية في مستوى الصورة و تركيب اللقطات بصفة موهمة باسترسال المشاهد حسب خط حكائي معين. و تبعا لهذا التشابك بين الرؤى الجمالية و الاعتبارات التقنية، فان فن الفيديو قد يحيل إلى المرجعيات الفنية و لكنه لا يحاكيها و هو غالبا ما يتأسس على نقيضها أو يسايرها بمنظار مغاير معتمدا في ذلك بعض المفردات السينمائية المتحررة من المنظومة المتماسكة و المكونة للفيلم و مستعملا المفاهيم التشكيلية و منها التراكب و التمازج و الشفافية و ارتجاج المنظور…
نشير إلى مجموعة فلوكسوس FLUXUS ومن بينها الأمريكي نام جون باك Nam June PAIK والألماني وولف فوستل Wolf WOSTEL وقد اعتمد أفراد هذه المجموعة الفيديو كحامل أساسي لتعابيرهم منذ أواخر الستينيات سواء لتسجيل البارفورمونس والهابنينق أو لاستعمالها في تنصيبات تشمل عددا كبيرا من الشاشات لبث صور وأصوات مختلفة بإيقاعات مغايرة أو متواترة أو مماثلة.
و ننتهي اليوم إلى ما يعرف بما بعد الحداثة وهو تعبير عن أزمة الحداثة التي عرفها الشطر الثاني من القرن العشرين. وعن هذه الأزمة نتج انفتاح كامل على كل الاحتمالات والمقترحات في غياب الريادة الفكرية و الطليعة الفنية. فنحن نلاحظ تفتت المجموعات الفنية وانطواء المبدعين على ذواتهم وانكبابهم على فرادة تجاربهم باعتبار أن كل مسار أصبح جائزا ولا وجود لتنظير معين يقتفون أبعاده و زاد الزخم الإعلامي وتضارب المراجع وتعدد الرؤى الجمالية من درجة الضبابية التي تتسم بها بعض المنظومات الفكرية المتولدة عن إيقاع العصر الحديث. وقد أفرز هذا الوضع الجديد الإحساس بالحرية الذاتية و السعي إلى إثبات الإرادة الفردية وحتمية الاعتماد على الذوق الشخصي وهو شعور لا إرادي ينمو بصفة دفاعية كلما ازداد وعي المبدع بالحرية التي يكتسبها وهميا نتيجة ما يحصل من متغيرات و تحولات في المجتمعات المعاصرة.
إن انفتاح عين الفنان على العالم المتحرك و إطلالته على ما يستجد في الحقل الفني يمكََََنَ من تطعيم التجربة الذاتية و يجنَبها التقوقع في مدارات التوهم بتملك “الحقائق” الجمالية. علاوة على ذلك فهو يحيله على المجال الاصطلاحي المتسع بحسب تعدد التجارب الفنية. بيد أن الميل الطبيعي إلى الانكفاء إلى الممارسات المعهودة قد يوفر شيئا من الراحة النفسية باعتبار أن السؤال مضجر، يرتجف له كل من زادت رغبته في الطمأنينة إزاء ما استقرت عليه مكتسباته الفنية و لكن غالبا ما ينمّى هذا الانكماش على المكتسبات المتجمدة بفعل التكرار الكسل الذهني و يقلص المبادرة ليكتفي باجترار ما وقع إنشاؤه في الماضي تبعا لمنظومة فكرية لم تعد قادرة على محاورة العصر بمفاتيح الحداثة و بلغة تعي قوانين الزمن الراهن.
ونعني بالحداثة الوعي بقيمة الحاضر كفضاء زمني ممكَنَ من تأسيس مشاريع تتحدد ملامحها بدءا بالظروف المادية ومن بينها ظرف الزمان و ظرف المكان.
إن المتأمل في المشهد التشكيلي التونسي بتعدد مشاربه يلاحظ في كثير من الأحيان إعادة صياغة بعض الأجزاء من الفسيفساء التشكيلية التي عرفتها أوربا خاصة عبر القرن العشرين.إن الأخذ ببعض التجارب دون غيرها قد يكون مرده اعتبار الفن التشكيلي قائما على الفرجة و اللذة البصرية و البعد الجمالي المستساغ من قبل المتلقي إلى حد أن هذا البعد قد فسَر لدى البعض بمكانة الصورة التشخيصية و الهرمنة اللونية و المهارة التقنية و تبعا لذلك فقد اختزل هذا الفن غالبا في تقنيات الرسم أساسا.
لقد اتسم الفن التشكيلي التونسي بملاحقة الرسم المسندي المتصل بتتابع الحركات الفنية الغربية من الحركة الانطباعية إلى الرسم التجريدي بأنماطه الهندسية و الغنائية. و هكذا يغلب على الأعمال مسحة معهودة تستمد أصولها من الذائقة الفنية الشائعة و المعتمدة على جمالية اللوحة المؤطرة و المثبتة على جدار الرواق.
فبالرغم من اختلاف المعالجات الفنية و بالرغم من تعدد المشاغل الفنية يمكن اعتبار الرسم التونسي منذ بداياته إلى أواخر الستينيات امتدادا للتقنيات و المضامين التي جاء بها الرسامون الأوروبيون ثم هو بحث عن تأسيس ما يعبر عنه بالهوية التونسية من خلال مواضيع تصويرية تنهل من المشاهد المعمارية و ما يتصل بالتعابير الفلكلورية و الأنشطة الحرفية التقليدية.
و منذ السبعينيات شعر المثقفون و من بينهم الرسامون بمدى الجروح الثقافية التي ولدها الاستعمار الفرنسي و سعى اغلبهم إلى اندمالها بدراسة و بتفحص مواطن الموروث الحضاري للاستلهام من تراثه و لاستعادة علاماته الخطية و دلالاته الحسية. و قد نادى البعض بضرورة الاعتماد على هذه الخصوصيات الثقافية و النهل من فيضها حتى يتسلح المبدع بموروثة البصري المتواجد في فنون العمارة العربية الإسلامية و يتحصَن بزاده الحسي المخزن في الذاكرة بصفة شعورية أو لا شعورية. فيكون هذا التأصل بمثابة الدرع الواقي من الإستيلاب و الاغتراب. و قد رفعت لذلك شعارات الأصالة و المعاصرة و الأنا و الآخر و الثابت و المتحول و التراث و الحداثة و غيرها من ثنائيات و أزواج متضادة و غالبها يعود إلى مفهوم التوازن البنيوي للكون المعتمد في فلسفة الجمال لدى هيراقليطس و قد ترسخ الاعتقاد لدى عديد الفنانين بان الاستلهام من التراث هو السبيل الأمثل إلى المعاصرة. فكان تحويل الخط العربي إلى الحروفية و كانت هجرة العلامات المفككة من الحوامل التقليدية إلى الفضاءات التشكيلية بعد التنبه إلى ما تعج به فضاءاتنا الرمزية من أبعاد جمالية و أساليب تقنية .نذكرمن بينها الزخرفة والرقش والجص والوشم والنسيج والخزف و غيرها من الحرف الفنية المستخدمة في فنون العمارة.
و لا عجب أن يهتم المفكرون و المختصون في الفلسفة و فروعها مثل الجمالية لتداعيات هذه التجارب التشكيلية المستنهضة للتراث من جهة و المنخرطة من جهة أخرى في منظومة الحداثة بما تتطلبه من مقومات جمالية و مقاييس مادية. إن محاولة التأصل في مساءلة الماضي و السعي إلى الانغماس في الحاضر قد مثل عبئا على الفنان و أوقعه في متاهات الأسئلة المشوشة للفكر بما تجره من تناقضات حول الوعي بالذات و بالمكتسبات الذهنية و التقنية.
وأدت بعض الممارسات التشكيلية إلى الانعكاف على الذات بدعوى الخصوصية الثقافية و خشية من الانحلال أو الذوبان في قيم الآخر . لكن مقابل هذا التقوقع فيما ولى, نشير إلى بعض المواقف الجريئة من طرف بعض المبدعين الذين حاولوا التخلص من الموروث المثقل بتقاليد و عادات أسسها السابقون و ذلك باستنطاق الحاضر واستحضار الوسائل التقنية و المصطلحات الحديثة لتوسيع الدائرة المعرفية لتجاربهم.
و خلاصة القول أن فترتي السبعينيات و الثمانينيات قد أغرقت المفكرين و المبدعين في مدارات الثنائيات التي أسهمت إسهاما واسعا في تغذية المفاهيم التحديثية في العالم العربي كما أدخلت العديد من المنظرين لجمالية الفن في جدل عقيم حول المؤالفة بين هذه الثنائيات أو فك ارتباطها الافتراضي أو ردمها.
و إذا كانت مثل هذه الأسئلة الشائكة ترعب بعض الفنانين المتحصنين وراء التراث و المفاخرين بالهوية الثقافية كما تخيف المنشدّين بثبات بدائرة الحركات الفنية التي تأصلت في الغرب, فان ينابيع الأسئلة المثيرة لمعاني المعاصرة و الحداثة لم تجف عند البعض الآخر نظرا لاطلاعهم على مشاغل الفنانين في العالم الغربي أو لامتهانهم التدريس و البحث الأكاديمي.
إن تواجدنا في نظام عالمي لا متكافئ لا يبرّر جنوح البعض إلى عدم الانخراط في دائرة المعرفة الحديثة بدعوى أن هذه الدائرة التقنوية مشحونة بثقل الامبريالية الثقافية.لقد بات حتميا أن يتسلح الفنان بالزاد المعرفي و التقني الذي داهمنا و صار لزاما علينا أن نتحصَن من أخطاره بالانفتاح و التطلع إلى مستجداته و الاستفادة من روافده.
لكن يعتبر البعض أن الوسائل الحديثة للإنتاج الثقافي قد تحدث شرخا في البنية الثقافية التقليدية و قد تخلف لدى الفرد مزيدا من الانفصام في شخصيته و يذهب هؤلاء إلى أن الوعي المتنامي بالإمكانات التقنية الفائقة و المتأتية من الغرب بصيغتها الاستهلاكية الجاهزة قد تغذي عنده الشعور بالتبعية المستديمة مادام مستهلكا يلهث وراء المستجدات التكنولوجية .
إن الشعور بعدم الانتماء إلى الفضاءات التحديثية المتولدة عن استعمال القدرات التكنولوجية و الإحساس بعدم القدرة على الإمساك بقوانين المنظومات التقنية قد يتقلص إذا انخرط المبدع بصفته مبدعا له موقف و فعل إبداعي يناهض به المبدعين المنتمين إلى الثقافات الغربية المصنعة لهذه الأدوات.
فمن المفترض أن يحجم المبدع عن اجترار ما اكتسبه من إمكانيات تقنية متصلة بأنماط جمالية تندرج في إطار حقبات من تاريخ الفن و أن يقطع مع ما ساد من رواسب انبنت على النظرة الفولكلورية أو على مرجعيات تعتمد تمثيل الأشياء أو تتوق إلى الاختزال أو التجريد…. و لعل البعض منا يحتاج إلى وقفة تأمل حتى لا تتكلس الممارسة التشكيلية و حتى لا يقع في الإعادة السالبة. عدد غير قليل من أعمال نفس الفنان تراها متشابهة و متناسقة أو هي تقليد لأعمال تتصل بما أنتج سابقا من لدن رواد بعض الحركات.
لعل مردَ التوجه نحو ما ثبتت قيمته الجمالية و النقدية تفسر بالكسل الإبداعي أولا و عدم الجرأة على المخاطرة و الاطمئنان إلى ما قد يسهل تلقيه من قبل المهتم بهذه الفنون. قد يفسَر كذلك بعدم توفر السوق الفنية المألوفة الكفيلة باستيعاب الإنتاج الفني و غياب المتاحف المعاصرة المختصة بالفنون التشكيلية و قلة الأروقة وضعف النقد الفني المتخصص. بالإضافة إلى كل ذلك فقد نجد مبررا آخر ناتجا عما سبق و هو انه يصعب أن يرسم أو ينحت الفنان ما يريد في محيط استقر فيه التذوق الفني حول مسلمات من بينها أن الفن ملتصق بالضرورة بالتشخيص دون سواه و قد أدى هذا الموقف المسبق حول ماهية الفن إلى البون المتسع من سنة لأخرى بين المبدع و المتلقي المرتقب و نتيجة ذلك خلو فضاءات العرض من الزائرين و إعراض المقتنين و المجمعين للآثار الفنية- وان كان عددهم قليلا جدا- على اقتناء ما يبعد عن المعهود .
لقد أثرت الفجوة القائمة بين المبدع و المتلقي على استمرارية البعض عن الإنتاج إلى حد أن كثيرا من الفنانين أصبحوا “يبرمجون” ممارستهم تبعا لبعض المناسبات السنوية مثل المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين أو حسب دعوة للمشاركة بعمل أو عملين في معرض جماعي بأحد الأروقة الخاصة و في عديد الحالات ترتهن المشاركة في العرض لفرصة المردود المالي فغالبا ما يقع التعامل مع القيمة الجمالية للأثر من منظور القيمة المالية, لذلك فان لجنة الشراءات التابعة لوزارة الثقافة و المحافظة على التراث تتعامل مع الأثر الفني باعتباره منتوجا حددت قيمته مثلما حددت مقاييسه و تقنياته و خاماته و صنف على غرار ما تصنف أي بضاعة تخزن و تحفظ.
و نخشى اليوم أن ينزع المبدع نحو الكآبة المتأتية من الشعور المتنامي باللامبالاة من طرف المتلقي إن كان ناظرا أو ناقدا أو مجمّعا للأعمال. فقد يؤدي به هذا الإحساس إلى الانطواء على الذات فتتكبل طاقته الإبداعية إن أراد القطع مع ما ترسخ من رؤى فنية أو يسترسل في الرسم المسندي التقليدي بكل أنماطه المتعارفة إن اختار الجلوس على الأوهام المبنية على انتظار السوق الفنية.
في اعتقادنا انه لا بد من إزاحة ما قد يتبلط في الذهن من قناعات أو أشباهها حول المفاهيم المتعلقة بالخصوصية الثقافية و الأصالة و غيرها للاشتغال حول مصطلحات و مفاهيم تحديثية تندرج ضمن إطار أرحب من الدائرة الضيقة و المحصنة بثوابت فنية اخترقتها الإبداعات المعاصرة. كذلك، علينا أن نعيد النظر في خطابنا الجمالي وفي علاقتنا مع ارثنا الفني و أن نتأمل التغيرات السريعة لعالم المعرفة المفتوح على كل الاحتمالات الجمالية و المفجر للعديد من الثوابت و القيم الثقافية المحلية و الإقليمية.
و منطلقنا ليس من باب مسايرة العصر و إنما نتيجة لقراءة أفقية لتاريخ الفن طوال القرن العشرين و هي تطلعنا من جهة على التصاق الفن بالوسائل التقنية المتاحة و على قدرة الفنان من جهة أخرى على اختراق الرؤى الجمالية عبر مفاهيم تحديثية تتلاءم مع هواجسه الفنية و انطلاقا من أفعال تشكيلية تثوّر التقنيات المكتسبة و تأسس لقيم جمالية متجددة و منصهرة في ما هو حديث بواسطة لغة تشكيلية متفاعلة مع تقنيات و متطلبات العصر.
قد يصفق البعض منا و بعد تسعين سنة خلت للدادائية و لما تضمنته من مواقف متخطية للحركات الفنية التي سبقتها لكننا قد لا نعي ثقل الفعل، فعل القطيعة و ما يخلفه من ردود أفعال و خيبة أمل و عنف لفظي و إقصاء لمن تجرأ أن يصدح برؤى لا يستقيم ضمن قواعد اللغة التشكيلية المثبتة .
نستعيد مواقف البعض من الفنانين أمثال بيكابيا PICABIA و دوشمب DUCHAMPS و مان راي MAN RAY الذين أربكوا القناعات السائدة بخصوص مقومات الرسم المسندي الوصفي و النحت التمثيلي و أسسوا لمفاهيم تخوّل للفن أن يستعيد جوهره بانتصابه كحقيقة لذاتها. لقد فتحت هذه المواقف مجالات واسعة للتجارب الفنية واتخذت أشكالا غريبة و طريفة و دافعة لمسالك غير مسبوقة إلى واقع تشكيلي عنيد.
و ليست غايتنا هنا التنويه بأي حركة فنية أو لأي منظور تحديثي بقدر ما هي دعوة إلى طرح السؤال بلغة صريحة حول السبيل إلى فتح باب الحداثة حتى ننخرط في حركة ما يتفعّل حولنا دون اجترار ما أنتجه الآخر أو ملاحقة ما توصل إليه. وهذا الطرح لا يعني بالضرورة الدخول في جدل عقيم حول مفهومي الأصالة و المعاصرة أو حول غيرهما من الثنائيات التي قد تولّد توترا سلبيا لدى المبدع و قد توقعه في الإحساس بالافتراق والغربة إزاء ما مضى و ما يحدث.
لقد بات بديهيا أن العمل الإبداعي لا يولد دون وعي بالترسَبات المرجعية سواء كانت ثقافية أو تشكيلية و ستبقى ذاكرة المبدع متوهّجة يستقوى بشجونها لمواجهة ما يستجد من قيم. و لا خوف عليه من التهرّم إن تعلقت همته بما يطلق عليه المسعدي ” المغامرة الوجودية للانسان” في علاقتها بالزمن.
نور الدين الهاني
2007

Aucun commentaire: