من منجزات الفنان العراقي علي طالب
الرسام العراقي علي طالب .. رسم يكشف عن ذاته عبر ماديته
خالد خضير الصالحي
09/04/2009
يحار المرء وفق أي مقترب يتناول أعمال الرسام العراقي من جيل الستينيات (على طالب)، تلك التي عرضها في قاعة الاورفلي 2006، ضمن معرض (حب وموت) فقد اقترح الناقد عدنان حسين أحمد، أمام ثراء تجربة كهذه، ثلاثة مقتربات معاً، فيقول: (لا يمكن دراسة التجربة الفنية لعلي طالب، أو التوقف عند معرض من معارضه الشخصية، أو حتى دراسة أي لوحة من لوحاته على انفراد ما لم يستعن الناقد بأدوات نقدية تكشف عن ثلاثة جوانب في آن معاً، وهذه الجوانب هي: الجانب الجمالي، والجانب الفلسفي، والجانب النفسيّ. فلوحة علي طالب لا تتعامل مع موضوعة عابرة، ولا تتناول ثيمة ما عفو الخاطر، فجل موضوعاته هي موضوعات كونية...)/ (موقع كتابات).لقد وجدنا، من جانبنا، أن العناصر التي تقود تجربة علي طالب كانت: أساطير شديدة الفردانية من جانب، وتفعيلاً للطابع الشيئي للوحة من الجانب الآخر، فهذا الرسام كان واحداً من أهم رسامي جيل جماعة المجددين وجماعات أخرى، من الذين طرحوا فهماً مغايراً للخط المقدس الذي هيمن على منطلقات ومنجز جيل ما قبل الستينيات في العراق، وهو (التعبير عن الروح المحلية) في مقابل الفهم الستيني الثوري الجديد الذي يتمثل: بالنظر إلى اللوحة باعتبارها سطحاً مسكوناً بالمادة، واعتبار الرسم (فناً يكتشف "ذاته" في السطح التصويري) كما يقول شاكر حسين آل سعيد (آل سعيد، شاكر حسين، البحث في جوهرة التفاني، دائرة الثقافة والاعلام، الشارقة، 2003، ط1 ،ص205) وكان آل سعيد نفسه واحداً من أهم الفنانين الذين انسلخوا عن جيلهم والتحقوا بركب الستينيين.
بدت لوحات علي طالب تجارب تؤكد ان اللوحة حقل لا يمكن فيه فصل الخامات عن الألوان مطلقاً، وأنهما معاً لا يمكن ان ينفصلا عن الوجود الشيئي من خلال تصنيف آل سعيد للألوان والمواد في اللوحة في "انتمائها إلى الهواء (اللون المنفوث)، والماء (اللون السائل)، والأرض (اللون ذو الكثافة)، والنار (اللون الذي يوحي للمشاهد بأنه تكون في حالة حرق المادة)..." وبذلك تكون اللوحة حقل وجود بعناصره الأولى، فبدت لوحته مركباً عصّياً على الاختراق، تشكّله أجواء شبه أسطورية من شخوص طوطمية تنتصب وسط ظلام السطح الذي هو ناتج عمل تقني عال في معالجة المادة واللون، ومن سطوح متآكلة تلفها الظلمة التي تذكرنا بظلمة لوحات رمبرانرت وكارافاجيو فقد (كان علي طالب) ومازال، منغسماً في معالجة الموضوعات الوجودية والأسئلة الكبرى حول الطبيعة البشرية وطبيعة الحياة والموت والزمن..
ويبدو أثر المنفى على أعماله الجديدة جلياً، متمثلاً في البحث عن الأرض الأولى حيث يزاوج بين الرحم والمكان الأول (الذاكرة).. (كما جاء في موقع فنون) ظلمة داكنة تنبثق منها زهرة حمراء تشكل خارطة (قوس محمول) ينمّ عن ممارسة طقسية سرية غامضة وأجواء لونية شحيحة. كتبت مرة، وأنا أتحدث عن الرسام العراقي المقيم في لندن هاني مظهر، بانه كان يعمد إلى إجراء انقطاعات في أشكاله فيقطعها إرباً، ويفعل علي طالب الأمر ذاته ولكن من خلال اللون الأسود (الذي يمحو الأشكال فيخلق الانقطاع). كتب محيي المسعودي يقول (في كل عمل ثمة الإنسان وقضيته وصراع... لقد شح الضوء كثيراً، فانسحبت الألوان المضيئة تاركة أثراً دارساً يغري الناظر بفقدانها ويعبر عن فجيعة الإنسان الغائب شكلاً والحاضر فعلاً وأثراً في معظم الأعمال...
لقد عّم الظلام وتسللت العتمة والقدم والإهمال، وهي إشارات تؤكد رؤية الفنان الراسخة بأفول الحياة... وهزيمتها لصالح الموت أو الفناء او الدمار)، فكان علي طالب، ناحية التقنية اللونية (يعمد في تنفيذ أعماله، على تعدد الطبقات اللونية المتراكمة ومن ثم الحفر في هذه الطبقات لإحداث (أثر) واضح في سطح اللوحة، ان الإيغال في مقارنة لوحتي علي طالب بهاني تظهر تكشف عن فروق جوهرية هي أن لوحة علي طالب ليست إلا موتيفا صغيراً يشكل بلورة تجمعت حولها سحب الظلام متراكمة، بينما كانت لوحة هاني مظهر كرنفالاً من الاشكال المشخصة والمجردة وان كانت كلا اللوحتين تتأرجحان بحركة بندولية بين التشخيص وبين التجريد بإصرار ثابت. يتخذ علي طالب الجدران نسقاً يقايس عليه تجربته، فتكون تلك الجدران جسداً ممتلئاً بالحركة في سكونه ونابضاً بالوجود كواقعة شيئية بماديتها أولاً وبتقنياتها الأربع التي فصل آل سعيد الحديث عنها، مكرساً المبدأين اللذين رفعهما آل سعيد إلى مقام الاستراتيج وهما: الشعرية والتراكم، فيكون الجدار ميداناً لتجارب الرسام باتجاه إخضاع عناصر اللوحة (المادة واللون) لتجاربه الامبريقية إضافة أو حذفاً..
خالد خضير الصالحي
خالد خضير الصالحي
09/04/2009
يحار المرء وفق أي مقترب يتناول أعمال الرسام العراقي من جيل الستينيات (على طالب)، تلك التي عرضها في قاعة الاورفلي 2006، ضمن معرض (حب وموت) فقد اقترح الناقد عدنان حسين أحمد، أمام ثراء تجربة كهذه، ثلاثة مقتربات معاً، فيقول: (لا يمكن دراسة التجربة الفنية لعلي طالب، أو التوقف عند معرض من معارضه الشخصية، أو حتى دراسة أي لوحة من لوحاته على انفراد ما لم يستعن الناقد بأدوات نقدية تكشف عن ثلاثة جوانب في آن معاً، وهذه الجوانب هي: الجانب الجمالي، والجانب الفلسفي، والجانب النفسيّ. فلوحة علي طالب لا تتعامل مع موضوعة عابرة، ولا تتناول ثيمة ما عفو الخاطر، فجل موضوعاته هي موضوعات كونية...)/ (موقع كتابات).لقد وجدنا، من جانبنا، أن العناصر التي تقود تجربة علي طالب كانت: أساطير شديدة الفردانية من جانب، وتفعيلاً للطابع الشيئي للوحة من الجانب الآخر، فهذا الرسام كان واحداً من أهم رسامي جيل جماعة المجددين وجماعات أخرى، من الذين طرحوا فهماً مغايراً للخط المقدس الذي هيمن على منطلقات ومنجز جيل ما قبل الستينيات في العراق، وهو (التعبير عن الروح المحلية) في مقابل الفهم الستيني الثوري الجديد الذي يتمثل: بالنظر إلى اللوحة باعتبارها سطحاً مسكوناً بالمادة، واعتبار الرسم (فناً يكتشف "ذاته" في السطح التصويري) كما يقول شاكر حسين آل سعيد (آل سعيد، شاكر حسين، البحث في جوهرة التفاني، دائرة الثقافة والاعلام، الشارقة، 2003، ط1 ،ص205) وكان آل سعيد نفسه واحداً من أهم الفنانين الذين انسلخوا عن جيلهم والتحقوا بركب الستينيين.
بدت لوحات علي طالب تجارب تؤكد ان اللوحة حقل لا يمكن فيه فصل الخامات عن الألوان مطلقاً، وأنهما معاً لا يمكن ان ينفصلا عن الوجود الشيئي من خلال تصنيف آل سعيد للألوان والمواد في اللوحة في "انتمائها إلى الهواء (اللون المنفوث)، والماء (اللون السائل)، والأرض (اللون ذو الكثافة)، والنار (اللون الذي يوحي للمشاهد بأنه تكون في حالة حرق المادة)..." وبذلك تكون اللوحة حقل وجود بعناصره الأولى، فبدت لوحته مركباً عصّياً على الاختراق، تشكّله أجواء شبه أسطورية من شخوص طوطمية تنتصب وسط ظلام السطح الذي هو ناتج عمل تقني عال في معالجة المادة واللون، ومن سطوح متآكلة تلفها الظلمة التي تذكرنا بظلمة لوحات رمبرانرت وكارافاجيو فقد (كان علي طالب) ومازال، منغسماً في معالجة الموضوعات الوجودية والأسئلة الكبرى حول الطبيعة البشرية وطبيعة الحياة والموت والزمن..
ويبدو أثر المنفى على أعماله الجديدة جلياً، متمثلاً في البحث عن الأرض الأولى حيث يزاوج بين الرحم والمكان الأول (الذاكرة).. (كما جاء في موقع فنون) ظلمة داكنة تنبثق منها زهرة حمراء تشكل خارطة (قوس محمول) ينمّ عن ممارسة طقسية سرية غامضة وأجواء لونية شحيحة. كتبت مرة، وأنا أتحدث عن الرسام العراقي المقيم في لندن هاني مظهر، بانه كان يعمد إلى إجراء انقطاعات في أشكاله فيقطعها إرباً، ويفعل علي طالب الأمر ذاته ولكن من خلال اللون الأسود (الذي يمحو الأشكال فيخلق الانقطاع). كتب محيي المسعودي يقول (في كل عمل ثمة الإنسان وقضيته وصراع... لقد شح الضوء كثيراً، فانسحبت الألوان المضيئة تاركة أثراً دارساً يغري الناظر بفقدانها ويعبر عن فجيعة الإنسان الغائب شكلاً والحاضر فعلاً وأثراً في معظم الأعمال...
لقد عّم الظلام وتسللت العتمة والقدم والإهمال، وهي إشارات تؤكد رؤية الفنان الراسخة بأفول الحياة... وهزيمتها لصالح الموت أو الفناء او الدمار)، فكان علي طالب، ناحية التقنية اللونية (يعمد في تنفيذ أعماله، على تعدد الطبقات اللونية المتراكمة ومن ثم الحفر في هذه الطبقات لإحداث (أثر) واضح في سطح اللوحة، ان الإيغال في مقارنة لوحتي علي طالب بهاني تظهر تكشف عن فروق جوهرية هي أن لوحة علي طالب ليست إلا موتيفا صغيراً يشكل بلورة تجمعت حولها سحب الظلام متراكمة، بينما كانت لوحة هاني مظهر كرنفالاً من الاشكال المشخصة والمجردة وان كانت كلا اللوحتين تتأرجحان بحركة بندولية بين التشخيص وبين التجريد بإصرار ثابت. يتخذ علي طالب الجدران نسقاً يقايس عليه تجربته، فتكون تلك الجدران جسداً ممتلئاً بالحركة في سكونه ونابضاً بالوجود كواقعة شيئية بماديتها أولاً وبتقنياتها الأربع التي فصل آل سعيد الحديث عنها، مكرساً المبدأين اللذين رفعهما آل سعيد إلى مقام الاستراتيج وهما: الشعرية والتراكم، فيكون الجدار ميداناً لتجارب الرسام باتجاه إخضاع عناصر اللوحة (المادة واللون) لتجاربه الامبريقية إضافة أو حذفاً..
خالد خضير الصالحي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire