www.rasoulallah.net

www.rasoulallah.net
موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم

Haloudi Issam

Haloudi Issam
حمودي عصام

Ghada Abdel Moneim

Ghada Abdel Moneim
غادة عبد المنعم

الفنان محمد طوسون

الفنان محمد طوسون
المتفرد.. محمد طوسون والله أكبر

Saadi Al Kaabi

Saadi Al Kaabi
العبقرية سعدي الكعبي

BOUKERCH ARTS et LETTRES

BOUKERCH ARTS et LETTRES
بوكرش فنون وآداب

ISLAMSTORY

ISLAMSTORY
أنقر على الصورة وتابع الحضارة الاسلامية

مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


فاتحة المحراب (بوكرش محمد) بتوقيع الفنان القدير ابراهيم أبو طوق لموقع فنون1954 بوكرش محمد


شكري وشكركم بالنيابة للفنان الرائع العبقري المتواضع الخطاط ابراهيم أبو طوق الجزائر


الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

الفنان القدير ابراهيم أبو طوق
الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

مرحبا أهلا وسهلا بكم أصدقاء محراب بوكرش محمد فنون 1954



يسعدني أن تجدوا فضاء يخصكم ويخص أعمالكم ، البيت بيتكم وكل ما فيه بفضل الله وفضلكم...منكم واليكم، بيتكم لا يتسع ويضاء الا بكم... مرحبا
بوكرش محمد الجزائر

mardi 30 juin 2009

لوحة وتعليق / أ.د اياد حسين عبد الله


*


ان قيمة ما وصل اليه الخط العربي غالبا ما لاتتيح فسحة للتعبير عن خلجات النفس او انفعالاتها، حيث تغيب تلك الانفعالات الفردية وتختفي ذاتية الخطاط بين حروفه،
ليس لانه فن زخرفي كما يراه من يقف على ظاهر الشكل، وانما لان ما وصله الحرف العربي هي اعلى مراحل الفكر المجرد في التعبير عن الجمع وليس الفرد، كما انه استمد صفة الشمولية في الزمان والمكان من جلال المعنى وجمال المبنى فتحولت فيه خاصية الابداع الى اعلى مراحل الاتقان . هنا يرتقي الخطاط فيما يكتب ليدرك دلالة الاخلاص في العلاقة القائمة بينه وبين خالقه وبينه وبين الحياة.

* اللوحة – اية الكرسي – للدكتور اياد 1985
http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=2456:2009-06-30-11-33-26&catid=36:2009-05-21-01-46-14&Itemid=54

dimanche 28 juin 2009

رصاص بوكرش / بوكرش محمد

الموسيقار الصديق سليم دادة

أبني الصغير عبد الرحمان أنيس

الصديق القاص المغربي عبد الله المتقي


الشاعر المرحوم محمود درويش

المبدع الصديق سالم اللبان الهكواتي


vendredi 26 juin 2009

موت اللوحة وهجرة الجمال / اياد الحسيني


موت اللوحة وهجرة الجمال
أ.د إياد الحسيني
استاذ فلسفة التصميم
ayadabc@live.com

بعد رحلة طويلة مع الالم ، ابتدات بجدران الكهوف وقاعات المتاحف وصالات العرض وجدران القصور تعلن اللوحة الفنية موتها ، بعد ان غادرها الجمال الى غير رجعة.
ولعل اول المفجوعين بموتها هم الفنانين التشكيليين الذين سيلقون بادواتهم بعد ان انهكتها الرحلة الطويلة واتعبها عناء تعابيرهم وصراعاتهم.
ولعل خاصة مشيعيها هم النقاد الذين ما انفكوا يستنطقونها بمناهج شتى مرة مادحين وتارة مقومين واخرى قادحين .
ولعل كل الحاضرين في مراسم دفنها ، جمهورها الضئيل الذي ما فتئ يجول بين صالات العرض ومزادات بيعها مرة مقتنين وتارة بائعين واخرى مزورين .واعلنت اللوحة موتها كما اعلنت كثيرا من العلوم والفنون من قبل نزقها الاخير.
شاهد الحضارة هذه ، المزهوة برموز الجمال والمتخمة بدلالات التعبير اقترن بها الهرم من زمن بعيد ، مذ بدات رمزا دينيا معبرا عن الطقوس والمعتقدات ، ثم انطوت تحت رداء الفلسفة عندما كان سمو الموضوع في الحضارة الاغريقية تعبيرا عن امجاد وصلتها في الفكر، ثم بلغت امجادها في عصر النهضة منذ دافنشي وانجلو ورافائيل ، ثم وصلت اهم مراحل تحولاتها في القرن التاسع عشر على ايدي سيزان ومانيه ومونيه وفان كوخ واخرين .
تنقلت في مسيرة عنائها الطويل بين الكلاسيكية والواقعية والانطباعية والسريالية والتجريدية والتعبيرية والحداثة وما بعدها ، قديمها وجديدها ، وكان يصحبها اجيالا من الرسامين والنحاتين مقحمة نفسها في مجتمعات كثيرة لعل افضلها كان الفنان فيها تعيسا متقعا . وحدها كانت عيون الصفوة المثقفة الواعية تتفرسها وتتملى جمالها وتدرك فحواها .
على الرغم من ان العديد من اللوحات كانت مواضيعها تتضمن مشاهد قتال وعنف وتصور ابطالا الا انها لم تدخل موضوع الصراع الا بعد الثورة الصناعية ، اذ لم يعد مفهومها يعني ذلك النسق القديم الذي ينسجم مع القصور والملوك والاباطرة ، لان الثورة الصناعية رغم عظم تبادل تاثيرها في تطور الفكر والانسان والانتاج ، الا انها كانت في ذات الوقت سببا اساسيا لفكرة الاستعمار والاضطهاد وشيوع القهر والاستعباد والكراهية ، عندما احتاجت الدول الصناعية الى موارد وايدي عاملة خارج حدودها بعد ان عجزت كل مواردها عن تلبية الثورة الجديدة ، ولم يكن من وسيلة للحصول على الموارد الجديدة الا السطو والسرقة واستعباد الشعوب .
وجد الفنان الانسان فجأة ، ان ذلك الرغيف الذي يتناوله اضحى مغمسا بذل القهر والهوان والعبودية ، وان ملامح الطبيعة والزهور ومفاتنها كرموز في اللوحة الفنية لم تعد قادرة على تطهير ذلك الرغيف .
تحولت اللوحة الى شاهد على ذلك الصراع بين القسوة والالم ، بين الاستغلال والجشع ، بين بقائه او فنائه ، وتحولت رموز الجمال من دلالات الفرح الى ذلك الجمال الذي يدعو الى الحزن والالم والبؤس، حتى وصلت امكانات الفنان على اقتناص الرموز المعبرة مقياسا للتجربة الذاتية الخلاقة التي تشهد على امكانات مبدعها طيلة القرن العشرين .
لاشك ان للوحة عبر تاريخها الطويل كان لها اهدافا عديدة ووظائف شتى الا ان ماخلصت اليه هو ذلك السحر الخلاب الذي ندعوه الجمال بانواعه والذي ياسر القلوب ويفتن العقول ولشد ما كنا بحاجة الى جرعات منه في كل حين لكي تكون الحياة ممكنة ، ولشد ما بحث عنها متذوقوا الجمال بشغف كبير ، بينما كانت في ذات الوقت لاتعني شيئا للاغلبية الساحقة من البشر .
فلم تكن اللوحة تعني للحمال الا ذلك الشيء الذي يحمله ، ومن اي الجهات يربطه ، ولم تكن تعني للنجار سوى تلك الاخشاب التي يثبتها بمسامير من جهاتها الاربعة ، الا انها كانت تعني للفنان الكثير مما يلخص تجربته الحياتية والمعرفية وقدراته الخلاقة التي تضيف للحياة شيئا جديد .
نعم انها جرعة الجمال ذلك السحر الخلاب الذي استولى علينا لقرون طويله باحثين عنه في شتى بقاع الارض والمجتمعات . ولكنها لم تعد كذلك .
فقد هجر الجمال اللوحه بعد ان غادر المتاحف والقصور ولم نعد نسمع بأحد يزور المتاحف ويرتاد القاعات لان تحولات الحياة والمناخ السائد استقبل الجمال المهاجر من المتاحف استقبله في الاسواق والشوارع والمنازل ، عندما غزت التكنولوجيا والخامات والمواد والادوات والصناعات كل زوايا حياتنا المعاصرة .
فكان لكل منتج مزايا الجمال الخاص به وبضروراته انه جمال من نوع جديد يبرز من خلال الوظيفة والاستخدام والاداة والنفع .
نعم انها جرعة الجمال التي تولد المتعه والتي لم تعد بالضرورة مرتبطه بلوحه او تمثال وانما قد تكون منبعثه من جهاز موبايل او سيارة حديثة او مشاهدة فلم او شراء حذاء جديد .
ولم تكن التكنولوجيا والخامات الجديدة السبب الوحيد في هذه التحولات وانما دخول العديد من المناهج النظرية والتيارات الفكرية مع اللوحة الفنية والتي لم تعد تعني مهارات التفوق الحرفية الناتجة عن اتقان الصنعة ، وانما اصبحت نصا بصريا فكريا يخضع لمشكلة التاريخ وصعوبة التفسير وهذا طبيعي لان اللوحة كانت تعيش المناخ الفكري الذي يمر عبر المجتمع في كل تحولاته .
وهكذا اصبح من المألوف ان نرى بقايا متفسخة في قاعة عرض او مجموعة نفايات نستقي منها جرعة الجمال التي تفرضها رؤية الفنان او مساحة لونية واحدة يريد الفنان ان يقنعنا بأنها العالم الكبير الذي لاحدود له .
ولم تكن اشكالية الحضارة بين المنتج والمستهلك ببعيدة عن الفن فقد بقي الجمهور ولزمن طويل مستهلكا للفن الى ان واجهت نظرية التلقي والتاويل جمهور الفن بثورة كبيرة عندما حولته الى مشارك في انتاج اللوحة الفنية حتى يستوعب جمالها ، فكانت الخيبة كبيرة عندما اصبحت اللوحة في واد وجمهورها في واد ،فهل عجزت اللوحة عن اداء دورها الحضاري في هذا الزمن مقارنة بمفردات الحضارة المختلفة ، ام تخلف الجمهور عن ادراك مغزاها ودورها في الحياة .
كانت الهوة تزداد يوما بعد يوم الى ان وجد الانسان ان الجمال الذي يحصل عليه من ساندويج همبركر خير من الف لوحة غير مفهومة ولا تعني له شيئ .
في احدى مذكراتها كانت اللوحة وثيقة الصلة بعصر الرومانسية والرخاء اذ كانت تضفي على ذلك الزمن صورة مكتملة الابعاد وغادرتنا بعد ان غادرنا العصر الرومانسي الى عصر التمرد واهوال السياسة والاضطهاد .
وقبل ان تودعنا اضحت غير قادرة عن التعبير عن حركة الحياة المختلفة ضمن التكنولوجيا السريعة التي لم تعد تترك لنا مساحة للتامل والتفكر والتدبر

وكنت كاحد المفجوعين بموتها والغير اسف على رحيلها اطلب من اللوحة اكثر مما خلقت لاجله واصاب بالخيبة عندما لااجد ان العالم قد تغير بعد ان انجزتها . وكنت اشعر كما هو حال المبدعين ان تلك الولادة العسيرة لم تكن تعني احدا في الكون سواي ، وانها ليست سوى شاهد على مأساة ذلك الانسان منذ ولد ، وتعبيراعن مرارة صراع ازلي ، لم يشأ يترك له الا الياس.
اعلنت اللوحة موتها فمات الشاهد
وهجرها الجمال فغدى القبح مقياس الحقيقة
حتى قيدت الماساة ضد مجهول .

مفهوم الفن التشكيلي

مفهوم الفن التشكيلي


ابتهال توفيق الخالدي

24/06/2009



تعددت أنواع الفنون وفروعها وتقسيماتها بناء على الدراسات الإنسانية من مختلف جوانبها الفلسفية والنظرية والتطبيقية وقد اتفقت معظم هذه الدراسات على تقسيم الفنون إلى أربعة أقسام رئيسية هي:
( الفنون البصرية ، المسرح ، الموسيقى ، العمارة) ونظراً لاهتمامنا هنا بالفنون البصرية فإننا سنتناول في حديثنا هنا هذا الفرع من الفنون بصفتنا نمارس العمل التشكيلي الذي يعتمد على الرسالة البصرية في أدواته وتقنياته ووسائطه المختلفة ، ودعونا قبل الخوض في الحديث عن الفنون البصرية نتناول بعض المصطلحات بالتعريف والدراسة من مصادرها .
الفن : الفن في اللغة هو واحد الفنون . وهي الأنواع ، والفن : الحال .

والفن : الضرب من الشيء والجمع أفنان وفنون . وهو الأفنون .. يقال : رعينا فنون النبات . وأصبنا فنون الأموال .
وفي تعريف آخر : هو تطبيق الفنان معارفه على ما يتناوله من صور الطبيعة فيرتفع به إلى مثل أعلى تحقيقاً لفكرة أو عاطفة يقصد بها التعبير عن الجمال الأكمل تلذيذاً للعقل والقلب .

وإذا تناولنا كلمة (Art) فنجد أنها تنحدر من التعبير اللاتيني آر، آرتيسars ،artis ، بمعنى الترتيب ، والذي كان يعنى في بداية استعماله : معرفة . علم Science ,Savoir . ثم تحول المعنى فيما بعد ليصبح : طريقة أو وسيلة Moyen , Method . ولقد أعطى التعبير اللاتيني آر ars لكلمة Art معظم معانيها التي استخدمت في معظم القواميس الأوروبية والتي تعادل إلى حد كبير معاني كلمة تكنة tekhne في اللغة الإغريقية .

وبناء على تلك القواميس وعلى ما تعطيه المراجع الأدبية و الفلسفية يمكن ترجمة مفهوم هذه الكلمة كالتالي :
" استعمال بعض القدرات الذهنية أو بعض المهارات اليدوية في تحقيق عمل ما . أو في صنع حاجة ما . ، وبمعنى آخر هي كلمة يمكن أن نعرف بها أو نطلقها على العملية التي يقوم بها المرء ويؤدي في الأخير إلى صنع شيء ما . دون أن يكون للطبيعة نفسها أي دور في هذه العملية " .

وبناء على هذا التعريف الذي ميز بين ما هو من صنع الإنسان وما هو من صنع الطبيعة دون تدخل الإنسان فيه بأي شكلٍ من الأشكال يمكننا التعرف عند تأملنا على أي شيء من صنع الإنسان على جانبين هما :



- الصنعة أو الحرفة التي تمت عليها وبها صناعة تلك الحاجة .
- الجانب المتعلق بالخامة أو المادة الأولية التي صنعت منها الحاجة نفسها .

هذا التقسيم بدوره يقودنا إلى مفاهيم فنية طرأت على الفن وقسمته إلى عدة تقسيمات على أساس المفهوم الذي بنينا عليه التعريف الأساسي للفن ومن هذه المفاهيم :

الفنون الجميلة : وهي ما كان موضوعها تمثيل الجمال كالموسيقى والتصوير والشعر والبلاغة والنحت وفن البناء والرقص .

Fine art - is defined as 'a visual art created primarily for aesthetic (concerned with emotion and sensation as opposed to intellectuality) purposes and valued for its beauty or expressiveness, specifically, painting, sculpture, drawing, watercolor, graphics, or architecture

وإذا نظرنا إلى مصطلح الفنون الجميلةFine Arts) ) التي هي - وكما ورد في المعاجم الأجنبية - "اللفظة الشائعة" للفنون البصرية (Visual Arts ) نظراً لارتباط فكرة الفن بالجمال النابعة عن اقترانه بفضيلة الإتقان كون الفنان كلمة تطلق على من يتقن عمله وينجزه على أتم وجه بل اتقاناً يفوق المعهود أو المتوقع أحياناً انطلاقاً من رؤية فكرية وعقائدية إلى جانب الناحية المعنوية التي تقود إلى الإحساس بالرضا ثم الإحساس بالجمال .

وكون الفنون البصرية تعتمد على إدراكها في الأساس على حاسة البصر الذي أخذت منه مسماها فهي تعتمد على الشكل الذي من خلاله تتجسد أمامنا هيئة العمل الفني أو صورته .

والشكل في اللغة واحد أشكال وشكول وهو الشبه أي صورة الأشياء المحسوسة أو المتوهمة ويراد به غالباً ما كان من الهيئات يلاحظ من خلالها أوضاع الجسم كالإستدارة والاستقامة والاعوجاج .. وهو أيضاً المذهب أو القصد .. وجمال المنظر .. يقال فلان شكله جميل .. أي أنه حسن الصورة ، وشكل الشيء : صوره .
ورد في تفسير ابن كثير للآية رقم 8 من سورة الإنفطار :

قال قتادة عن الآية الكريمة (في أي صورة ما شاء ركبك) : قادر والله ربنا على ذلك ، ومعنى هذا القول عند هؤلاء أن الله عز وجل قادر على خلق النطفة على شكل قبيح من الحيوانات المنكرة الخلق ولكن بقدرته عز وجل يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام .. حسن المنظر والهيئة .


وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سنان القزاز حدثنا مطهر ابن الهيثم ، حدثنا موسى بن علي بن رباح ، حدثني عن أبي عن جدي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "وما ولد لك ؟ قال يا رسول الله ما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية ، قال : فمن يشبه ؟ قال يا رسول الله من عسى يشبه إما أباه وإما أمه ، فقال النبي عندها : مه .. لا تقولن هكذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم ، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله (في أي صورة ما شاء ركبك) قال : شكّلك" .


ومن خلال التعاريف السابقة ومن أجل إيجاد علاقة بين ما سبق ذكره من ضروب الفن وبمال أن الله سبحانه وتعالى هو المصور .. وخالق هذا الكون وخالق الإنسان الذي لا يعدو عمله أن يكون تجميعاً للعناصر والخامات التي يجدها في الطبيعة .


والفنون الإنسانية جميعها هي تجميع العناصر لإيجاد التكوين " Composition " وهذه الكلمة تتألف من مقطعين هما : "Comp " بمعنى Together (معاً) والشق الثاني "Position" أي (وضع) بمعنى وضع الأجزاء معاً ليتكون منها كلاً .
ودور الفنان هو بمثابة أداة لتنظيم هذه العناصر وفقاً لنمط أو نهج رآه معبراً عن ميوله وأحاسيسه ، فالفنون لا تخلق وإنما تشكّل العناصر .

حيث يقوم الإنسان بتجميع الهيئات والأشكال أسوة بالطبيعة التي تعد رائدة الفنون التجميعية "Combination Arts " أو ما يعرف بالفنون التشكيلية .

ولعل أقدم الفنون التي عرفها الإنسان .. فن التصوير الذي ظهر في العصر الأورجناسي الأسفل أواخر العصر الحجري القديم في براسمبوي بمقاطعة لاند في فرنسا من خلال تمثال منحوت لرأس امرأة .. بالاضافة إلى الصور الجدارية التي وجدت في كهوف لاسكو بفرنسا .. وإن أردنا تعريف التصوير كمصطلح عام : فهو فن تمثيل الأشخاص والأشياء بالألوان والصورة هي كل ما يصوّر وهي الصفة والنوع والوجه والهيئة .. يقال صورة لأمر كذا .. أي شكله .

وقال المصنف في البصائر : الصورة ما ينتقش به الإنسان ويتميز بها عن غيره ، وذلك ضربان :

- ضرب محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركها اإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الإنسان والفرس والحمار .
- ضرب معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص بها الإنسان من العقل والروية والمعاني التي تميز بها .
وورد كذلك أن التصويرة واحد تصاوير وهي التمثال .

من هنا يتجلى لنا أن لفظة تصوير تطلق على تمثيل الأشياء وتشكيلها مع اختلاف الأدوات المستخدمة في هذا التمثيل من خلال تجميع عناصر وخامات مخصوصة يراد بها تكوين تلك الصورة سواءً كانت منحوتة أو كانت بالألوان كما ورد في تعريف التصوير بأنه فن تمثيل الأشخاص والأشياء بالألوان . أو من خلال التصوير الشمسي وهو فن إثبات الصور الحاصلة بواسطة غريفة سوداء مظلمة على صحيفة سريعة التأثر بالنور والذي يعرف أيضاً بالتصوير الفوتوغرافي "Photography " وهي كلمة يونانية مكونة من شقين Photos بمعنى ضوئي ، وGraphis بمعنى إبرة أو فرشاه رسم ، Graphe بمعنى تمثيل خطي أو رسم والمراد به التشكيل بواسطة الضوء أو التسجيل بواسطة الوسائط الكيميائية والميكانيكية على شكل صورة دائمة تتكون على طبقة من مادة حساسة للضوء .

Photography (Greek "drawing with light" from photos = light, and graphis = stylus, paintbrush or graphê = representation by means of lines, drawing) is the technique of recording, by chemical or mechanical means, a permanent image on a layer of material sensitive to light exposure.
لقد كانت مجالات الفنون متمازجة ومتلاحمة ومترابطة ببعضها حتى تم تمييزها في القرن السادس عشر الميلادي في فلورنسا بإيطاليا ، حيث تم تمييز الرسم والتصوير بالألوان والنحت وغيرها ، وإبعادها عن الحرف اليدوية والصناعات مثل صناعة الأواني والأثاث والتطريز وغيرها .

وقد حدث هذا التمييز بعد أن أخذ مفهوم الفن عند الأوروبيين يتبدل ليصبح مفهوماً متأصلاً فكرياً . بمعنى أنه قد صارت له من النظريات العلمية والأدبيات المتداولة بين الفنانين ما يميز بين ما هو حرفي ويدوي وبين الفن الذي صار مجالاً ثانياً مختلفاً يعتمد فيه في إنتاجه على الفكر والجهد الذهني .فأصبح الفن بمثابة العلم البحثي أي انه اصبح نوعاً من العلم قائم على دراسة مبادئ تصاميم الظاهر الطبيعي أو المرئي المحسوس للأشياء .. نتيجة للدراسات العميقة والنظريات الراقية التي خلفها فنانو عصر النهضة الأوروبية مثل ليوناردو دافنشي ورفائيل ومايكل أنجلو .
مما سبق نستخلص أن الفن التشكيلي بكافة فروعه وباجتماع عناصره هو الاسم الجامع لما يمارسه الإنسان من تجميع للعناصر والخامات التي يعبر بها عن فكره وعن رسائله الموجهة وعن رؤاه مستخدماً في ذلك الأدوات التي تمكنه من توصيل ما أراده من خلالها ضمن إطار جمالي .

وهذا العمل في المقام الأول نابع من عواطفه ومشاعره الإنسانية وردود الفعل الناتجة من باطن تفكيره .. معتمداً في نفس الوقت على منهج البحث العلمي والرؤية الفكرية المدروسة بشكل موازٍ لهذا التعبير .
ويبقى الفن التشكيلي محتفظاً بأهميته التاريخية والفكرية النابعة من استمراريته وغزارته وقدرته دائماً على تزويد الحضارات الإنسانية المختلفة بالطاقة اللازمة لإنشائها و صناعتها وتطويرها .


ابتهال توفيق الخالدي

تشكيل اللوحة انصار للعقل

تشكيل اللوحة إنصار للعقل


بديع الآلوسي

24/06/2009


يسألني اصدقائي الحالمون: التشكيل لعبة ؟

لأبدي اهتماما ًو اعتراضا ً


وأقول : ماجدوى ان نحلم ؟

انا مع هذا الحب الذي لا ينتهي

انا مع ( أللام ) المسكون بهوس التجربة

انا مع (الواو )الباحث عن ألق الفكرة

انا مع ( الحاء )الثائر على البلوى

انا مع (ألهاء ) الغارق في نشوة سكرى



**************


قبل الخوض في الموضوع اشعر أن من الضروري ايضاح هدفي الذي يتمثل في الدفاع عن انتصار اللوحة الأصيله التي تعبر عن حس عميق وتجربة متكاملة.

إن الحديث عن الفن هو بحث عن ماهية الجمال ،وذلك ليس بالأمر اليسير ،،لذلك سيكون مقالي المتواضع منصبا ًعلى الحديث عن فن الرسم .

يعتقد انصاف المتشائمون ان ( اللوحة ) قد ماتت ،،وهم يحسون بالفجيعة ،،وهي فجيعه ذاتية صرف ، نابعه من ذهن مشوش غير قادر على رؤية ما هو ايجابي .

ان الرسامين المبدعين ينتابهم دائما ً الفرح والحلم والتفاؤل الجريء والتمرد ، وانهم في نشاط دؤوب يوازي قوة وفاعلية الحياة المعاصره والعاصفة .

حيث يواصل النشاط الأبداعي التشكيلي الجيد ، النادر ، العميق مسيرته في فضاءات اكثر ديناميكية وحركه ،،غير مبال ٍ بصراخ النخبة نصف المثقفة والتي تعتقد بموت اللوحة .

مارس ألأنسان فن الرسم منذ بواكير وعيه ألأول و عبر عن مخاوفة من خلال رسوماته الهائله والتي تبهرنا الى حد اليوم ، وكانت محاولاته ألأولى خطوة جريئه ومبدعه لفهم العالم ،و تلك ألأشراقه ظلت شاهده على صراعه وتسجيلا ً لذاكرته ،، اود ان اؤكد ان اللوحة بمفهومها الواسع قد ولدت نتيجة حاجات ضروريه وستبقى حاجتنا لها ما دمنا نصبو الى الجمال، فهي احد وسائلنا لمواجهة لعنه الموت.

قد مر تشكيل اللوحة بمخاضات عده ، لكن عصرها كان يزدهر في كل مرة ، بجهود الفنانين الفرسان الذين يواصلون رحلتهم على براق الحلم المتفائل .

يعتقد اصدقائي المتشائمون ان اللوحة الحديثة ضرب من الفوضى ،،لا يا سادتي ،،ان اللوحة ليست خطوط عشوائية وأصباغ متناثرة ،، انها معرفة اولا ً،وأحساسات ثانيا، ًوهي حرفة جليلة ثالثا ً ، وهي رؤية الى ألأمام للأجابة على ما يحتاجة عصرناالمتأزم ، على هذا ألأساس تتجدد برؤاها وأشكالها وأساليب وطرق عرضها.

من كل ذلك نستنتج ان اللوحة ألأصيلة تكمن في اعماقها ومضة ألأكتشافات النادرة .

نعم اللوحة تشظت ولم تعد كما كنا نألفها لكنها لم تدخل مجال الأبتذال والتسطيح كما يتوهم انصاف المثقفين .

لا يخفي على أحد إن اللوحة سفرة في عالم الخيال ، فهذة الرؤية البَصَريه المعاصره التي تبدو غامضة وغير سهلة إلأستيعاب هي كفاح الأنسان ( الفنان ) للتوق الى معرفة كينونته وكينونة الأخر في نهاية المطاف ،،وهي في نفس الوقت تتوق وتساعد على تحقيق عالم اكثر جمالا ًوكمالا ً، خاليا ً من العنف والتخلف والخراب .

ان الحديث عن ( اللوحة ) يقودنا الى الحديث عن الصانع او الخالق (الرسام ) الذي يمكن ان نعتبره قائدا ًفي وسطه (المتخلف او المتحضر ) وله هدف سام ٍ هو التغيير اولا ً، وثانيا ً التعبير عن ذاته التي هي مرآة مجتمعه المعقد .

مرت اللوحة في منعطفات مشرقه وبلورت خلال مسيرتها ارثا ًطيبا ًوكانت جهود الرسامين المثابرين والصبورين والمتحلين بنكران ذات تزداد اصرارا ً لأكتشاف ما هو نوعي وجديد وجوهري فنيا ً ،،،ولم تكن كل تلك المدارس والمذاهب والأساليب الفنية لمتعة الذهن الخامل بل لمشاكسته وسحبه الى نقاط الضوء .

شيء مفرح ان تكون اللوحة الحديثة ألأن اكثر تنوعا ً وغنى ،،متداخلتا ًمع بقية الفنون ، وأصبح لكل فنان رؤيته القائمه بذاتها وله تجلياته الخاصة وغير التقليدية ،،،وأذا ما حاولنا جمع كل الرؤى الفنية فأنها مجتمعه تعبر عن ارهاصات عصر العولمه .

ان الفنان ( الرسام ) حين يواضب على بلورة رؤيته بدقه ونزاهه يساهم في جعل نظرتنا الى العالم اكثر صفاء ًً، اسناداً على ما قلناه تكون اللوحة انتصار للعقل لذي ما زال بعد حائرا ً بالأسئله الكبرى فلسفيا ً.

التجربة البصرية عملية معقدة وخطيرة فهي بحث دائم لأكتشاف ألأسرار الدقيقة والدفينة للجمال ،،هذة الرحلة تقود الفنان الى التعرف على امور مهمة تخص اللوحة وتتعلق بالحداثة شكلا ً ومضمونا ًوالمتمثله في: بساطه التكوين ،رشاقة ورهافة الخطوط ، انسجام التناغمات اللونية ووحدتها ،،البحث عن التكنيك ألأمثل ،، السيطره على الموضوع ،،حذف كل ما هو غير ضروري ،،ألأنتباه الى اهميه وخصوصية اسلوبه ....الخ .

جوهر اللوحة هو العثور على ابتكارات رؤيوية تثير فينا التساؤل والأنبهار .

اللوحة التشكيلية اذن كالموسيقى لها سحرها الخاص وحضورها الذي يشبه أطلاله جميلة على حلم غريب . ،، ويجب ان لا ننسى إنها رغبة مكبوته تنطلق في الزمان والمكان المحددين لتبث رساله جمالية الى هذا العالم .

اني اؤمن ان اعلاء الحق يتم بوسائل تعبيرية مختلفة منها انتصار اللوحة الواعية والأصيله ، الحالمة .

لقد وصلنا الى المشاهد لنتساءل : ما هو دور الجمهور في العملية ألأبداعية ؟

يعتقد انصاف المثقفين ان الجمهور في انحسار وتضاؤل ولم يعد يهتم ويعنى بشيء اسمه اللوحة ،، لكني اتلمس خلاف ذلك ،فضمن متابعتي كرسام محترف للصالات والمتاحف في اوربا والعالم العربي ارى ان هنالك أقبالا ًطيبا ًوتواصلا ًمتفاعلا ً،،ولم تعد اللوحة للصفوه المثقفة المختصه ،،بل العكس ، متذوقي الرسم في تزايد ، هذا يعني ان اللوحة صارت تلامس قلوب جميع الشرائح الأجتماعية وكل ألأعمار ومتخلف الجنسيات والأعراق .

اني اشاطر النقاد المتفائلين بحاجتنا الماسه اليوم الى الجمال الجيد الذي يفتننا ويكون لنا طاقةلأعادة هندسة أرواحنا من جديد .

يعتقد اصدقائي المتشائمون ان الحرفي البسيط كالنجار مثلا ًغير قادر على استيعاب رؤى اللوحة الحديثة ،وهذة التنظيرات تحتاج الى مراجعه وذلك لما فيها من غبن للحقيقة ، فما دام للنجار عينان تتأملان ومشاعر تضطرب وعقل يندهش اذن هو مهيأ للتفاعل مع العمل الفني و يقول بودلير في هذا الخصوص (مادامت لنا مشاعرنا الخاصة فلنا جمالنا الخاص ).

وفي نفس السياق يتساءل اصدقائي المتشائمون : هل عجزت اللوحة عن اداء دورها الحضاري ...أم تخلف الجمهور عن ادراك مغزاها ودورها في الحياة ؟

تعليقا ًعلى الشطر الأول من السؤال يمكنني التأكيد أن للوحة دورها في نمو الوعي الذي يصنع الحضاره ،،واصبح معيار تقدم ألأمم وتحضرها يعتمد على عدد مبدعيها ومفكريها .

اما عن الشطر الثاني من التساؤل فأني متفائل وارى في الجمهور طاقة للمبدع ولم يتخلف وان تخلفه يعني تخلف الفنان واندحاره .

الرسامين يبدعون ليعرضوا للناس رؤاهم الخاصة والتي تبقى ضروريه للجمهور ومؤثره على وعية ومزاجه.

ان تنامي الوعي وزيادة المعارض والمتاحف وأهتمام الحكومات بالفن والفنانين ، كل ذلك سيساهم في خلق جمهور جديد ووفي للوحة .

بعض انصاف المثقفين لا يأسفون على رحيل اللوحة ويعتقدون انها اصبحت ترفا ً ًوضربا ً من العبث .

لهؤلاء اقول : ان ألأبداع لحظة وجدانية وصراع عميق مشحون بالعاطفة والذكريات ،هو اذن نزاع بين العقل واللاعقل . وان انتصار اللوحة يعني انعتاقنا من اغلال عبوديتنا .



عبارات لا بد منها

اللوحة صورتنا وصلاتنا

ـ هي مرآة غربتنا وعرسنا

ـ هي هويتنا وأيقاع مجدنا

ـ هي تجاعيد احلامنا

ـ هي خلاصة ارواحنا

ـ هي أطلالة محبة على جحيمنا .


بديع الآلوسي

جمال الحرف وكماله / أ.ذ. أياد عبد الله الحسيني



جمال الحرف وكماله


أ.د إياد الحسيني
استاذ فلسفة التصميم
www.ayadabc.co.cc
ayadabc@live.com

إن العلاقة بين الحقيقة العلمية ( الكيان الموضوعي ) ونظرية المعرفة (الابستمولوجي ) التي يثيرها الحرف العربي قد بلغت ذروتها عندما توسط طرفي الجمال والدلالة اللغوية والمعرفية ، وبما يمكن ان اسميه ( جمال المبنى وكمال المعنى ) .
فهل ان اقتصار ما جودته الاقلام من تنوع على ايات الذكر الحكيم وماثور القول وصافيات الحكم قد فاق التصورات واصبح كفيلا بان يحيل الشكل ظاهراتيا الى جماله الاقصى ؟
واذا كان المبدأ كذلك فهل اننا نلتقي جماليا وتطبيقيا بما اثاره جادامر في نظريته للتلقي والتاويل في اواخر القرن العشرين ، بان اقصى ما يمكن ان يصله الجمال هو الكمال . او ما اثاره الامام الغزالي قبل ذلك بما يقرب من عشرة قرون بان ( جمال الشيء في كماله اللائق به ) وفي كلتا الحالتين لايمكن الكشف عن هذه الدلالات الظاهراتية وبنيتها العميقة دون استقاء المعرفة من علوم شتى لان ظاهرة تطور الحرف واستخدامه لم تكن بعيدة عن المنهج الفكري الذي حمله الاسلام مبشرا ومنذرا ، أي ان بنية الحرف استقت اولى قيمها الجمالية من الدعوة الجمعية للفكر وليس الممارسة الابداعية الفردية وعلى اساس ان انتماء ودورالفرد في الجماعة ، وبما يؤشر لنا بان القيم الجمالية الجديدة هي قيم جمعية رغم انها تحفظ للفرد دوره الحقيقي في بناء الحياة وديمومتها . في ذات الوقت التي تغيب الذاتية الفردية امام المنجز الجمعي .
ولم يدخل القرن الرابع الهجري حتى كانت فكرة معالجة الحروف داخلة في كل اشكال المعرفة الإنسانية، فعالجها العديد من الفرق والجماعات ، كما عالجها الصوفية والفلاسفة وحتى المعتزلة، كل على حسب هدفه ومن هنا وجدنا الحلاج يسير في موازاة احمد بن زيد البلخي في القول ( بأن في القرآن علم كل شيء، وعلم القرآن في الأحرف التي في أوائل السور، وعلم الأحرف في لام الألف، وعلم لام الألف في الألف، وعلم الألف في النقطة، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية، وعلم المعرفة الأصلية في الأزل، وعلم الأزل في المشيئة، وعلم المشيئة في غيب الهو، وعلم غيب الهو ((ليس كمثله شيء)) ولا يعلمه إلا هو ) .او كما يلخص زكي نجيب محمود نظرية جابر بن حيان في ( ميزان الحروف ):((نعود فنقول: انه لو بلغت اللغة حد كمالها المنطقي، لجاءت كلماتها مساوية لأشياء العالم الخارجي، ثم لجاءت احرف الكلمات مقابلة لطبائع تلك الأشياء– ونحن نتكلم الآن بلسان ابن حيان– فلا زيادة فيها ولا نقصان؛ لكن الذي يحدث فعلاً في اللغة القائمة المتداولة هو انها بعيدة عن هذا الكمال، فكلمات زادت حروفها على الأصل المطلوب، وكلمات أخرى نقصت حروفها عن الأصل المطلوب؛ وأذن فالخطوة الأولى التي يتحتم علينا البدء بها، اذا اردنا أن نستشف طبائع الأشياء الخارجية من اسمائها في اللغة، هي أن نسقط الزوائد من الكلمة أن كان فيها زوائد، أو أن نصف النواقص أن كان فيها ما هو محذوف....))
أن دور الحرف بحد ذاته كان في نفس الوقت مفارقة للذاتية وكشفاً للحقيقة ، سرعان ما أشاد صرح فن قائم بذاته هو فن الكتابة، ذلك الفن الذي لم ينفرد بنفسه كوسيلة تعبير ذهنية بل تخطاها عبر ( الفن المعماري، وفن الفخار، والكاشاني والصناعات المعدنية ايضاً)، ولقد ظلت اشكاله الفنية المتنوعة غنية بطاقاتها التجريدية إلى الحد الذي عبرت بأستمرار عن المعطي الروحي الصرف للحضارة، وذلك بأستمرار ظهورها كلوحات حائطية على جدران المسجد أو ككساء من القاشاني للمنائر والقباب، أو كنص كتابي للقرآن ضمن تكوين زخرفي عام.ومن هنا، فأن الاكتشاف المعاصر للخط كحرف ودلالالي وقيمة جمالية هو بدوره استمرار غيبي لعقلية فنان متجاوز لذاته وواقعه النسبي في سبيل أن يستقصي اصوله من جذوره وأن يطور ابداعه عبر ثماره .

من من الكتاب تكعيبي الأدب والفكر والفلسفة






محمد بوكرش



وصلتني رسالة قصيرة من الصديق الكاتب شوار الخير هذا نصها: (صديقي النحات الكاتب محمد بوكرش، مازلت أبحث عن طريق للأدب التكعيبي دون أن أجده، شكرا على عطائك الفني
اللامحدود وهذا التواصل الجميل. الخير شوار)
لو بحثت أو تبحث عزيزي الخير شوار عكس الوجهة الأدونيسية محل تهجمه وهجومه، بدوافع وأهداف!!! رمت به لأن يكون أدونيسي...، لوقعت في صلب كل ما هو تكعيبي أدبي تربوي أخلاقي وإنساني، كفرت الأدونيسية... بالتي واعتنقت وعانقت الذي...، إما للخوف من أو للخوف على أو من أجل...، والذي أرشحه أنا بكل بساطة هو اختيارها، الأخير من الثلاثي.

عزيزي شوار تكلمت عن هذا، أي الأدب التكعيبي، فكر وفلسفة مع صديقي أحمد الدلباني، والسؤال كالآتي: لماذا الكاتب العربي لا يكتب سوى المستهلك، لماذا لا يؤسس مدرسة؟ يعتنقون مدارس الغير ويذوبون فيها...من التوابع..!!! ولا تابع لهم، توقفوا حيث توقف الغير... البارحة و سنين خلت، أما الحاضر، اليوم والغد بالطبع للآخر الذي يعيش يومه ويغازل معطيات مستقبله مستفيدا بماضيه.

عزيزي الخير، أما نحن ...هدمنا المتعالي ودنسنا المقدس وأخرون على الدرب تابعون على مقاس ما يحتاجه غيرنا وفتحنا لهم الفتح المبين باختراق وتبديد ما صعب عليهم ...بالجوائز والتحفيزات ركبنا شهرة!!!على حساب العرض والمعتقد والمستوى والموروث، وبالأحرى على حساب التكعيبيات
نسبة للكعبة المشرفة والمدرسة التكعيبية التي بقت حكرا تشكيلي
وتحاشاها كتاب الغرب!!!؟؟؟ وبالتالي المغلوب من الكتاب العرب متوقف ينتظر ، ولا يعرف سوى الانتظار،انتظار الضوء الأخضر من سادتهم...لو يكتب غربي واحد وينطق بالأدب والفكر التكعيبي لوجدت الحثالات ممن يسمون أنفسهم بكتاب عرب ساجدين دارسين متشدقين بجديد العبقرية الفكرية التكعيبية الغربية وهذا الاكتشاف المدهش...

عزيزي الخير شوار ثق أن هذه المدرسة التكعيبية في الفكر الإسلامي العربي وخاصة المغاربي منه موجودة من أيام اختراع الرقم الغباري المغاربي الاسلامي العربي المعمول به عالميا ويحمل هذا الرقم في دلالته العمق الفلسفي الفكري والعلمي وأأكد العلمي... ما لا يعرفه... ويبحث فيه المفكر العربي المتبلد...على شاكلة ما يريده له دهات الفكر الغربي تحديدا...

أدب ،فكر إسلامي وفلسفة أفرزت بالتشكيل ما قامت عليه المدرسة التكعيبية الغربية التي اشتهر بها الفنان التشكيلي بلقاس... (أبو القاسم) وأعني بابلو بيكاسو دون أن يعلم ما فعل فيه اللاشعور ورواسبه الناجمة عن محيطه التربوي وما حوله من مؤثرات ناجمة عن الموروث الحضاري الفني الإسلامي بالأندلس...
أخذ منها ما هو مادي فني بصري في التصميم بمغازلة الزاوية من جانبها الضيق والشكلي لبناء نوع من التشكيل... والشكل مضمونه الثورة...الثورة بجميع أبعادها... تهديم وإعادة بناء برؤى جديدة تتماشى واحتياجات التعبير والتواصل وكان بها تأسيس المدرسة التكعيبية التشكيلية الغربية.
أما إذا رجعنا للأصل وأمهات الأشياء...نجد أن المدرسة التكعيبية في حقيقتها مدرسة إسلامية شكلا ومضمونا علميا وروحيا لا ينفصلان، يتطور كل منهما بتطور الآخر في تلازم مذهل لا منتهي...مات الرواد توقفت... توقف المد الفكري والمتابعة...ضربنا في العمق...هستيريا المجون والأنانية، تفرق الجميع عن حبل الله... انكسر الوعاء تشتت المضمون...

نرجع الآن إلى الرداءة والردة معا ونقول: يوم أصبح أشباه الباحثين وأشباه الأدباء والمفكرين منا لا يضربون المثل إلا بأسماء وتجربة الآخر (التي هي على مقاس بيئتهم ومعتقدهم ومحيطهم وموروثهم الثقافي) وتنكروا لذويهم... وموروثهم ، بل أبلوا فيه البلاء الحسن تهديما وتعتيما لبناء وخدمة موروث الغير!!!.


أتمنى أن تنقشع هذه الضبابة عن أعين المبدعين العرب عموما وعن الجزائريين والمغاربة خصوصا...بدراسة الأدونيسية جيدا بالتحليل والفهم المفيد... والعمل علميا وإنسانيا بالعكس... بعيدا عن الشيتة والتملق والتبعية والذوبان في عباءة الآخر... منا والآخر الآخر.
شتان ما بين أن نستفيد بهدم ما عندنا !!! وأن يستفيد الغير بالبناء والتشييد
أحيلك أخي المبدع الخير شوار إلى موضوع تكعيبي تحليلي موسوم بعنوان آرابيسك (التوريق) لـلصديق الدكتور إياد عبد الله الحسيني أستاذ فلسفة التصميم بالجامعة العراقية.
الارابيسك Arabesque .. "عالم المسلم الرحيب"

1 -
http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=2106:-arabesque-q-q-&catid=34:2009-05-21-01-45-56&Itemid=53
2-
http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=2105:-arabesque--q--q-2&catid=34:2009-05-21-01-45-56&Itemid=53

بوكرش محمد 27/6/2009
BOUKERCH ALGERIA
التعليقات
الاسم:
بوكرش محمد
التاريخ:
02/07/2009 12:53:02
عزيزتي عائدة الربيعي سلام الله عليكم، شكرا على مرورك الذي أتشرف به و يسرني أن أحيطكم علما بأن رسالة الصديق الخير شوار التي بعث لي بها ليجيبني بأنه بحث على الأدب التكعيبي ولن يجد الطريق اليه...يعتبر تتمة لحديث سابق بيني وبينه بعد محاضرة أحمد الدلباني الطبيعة والابداع التي لن يحضرها الخير شوار، لكن تناولنا الموضوع بالفندق بعد رجوعه مساء من جولة صحافية قام بها على هامش الملتقى...فاجأته بالموضوع...عبقريتكم في تفحص الإبداع والطبيعة لن يرقى إلى ما كنا ننتظره منكم...!!! هل لكم أن تجيبوني عن العوائق التي حالت بينكم وبين اعتناق المدرسة التكعيبية الأدبية الفكرية والفلسفية في الإبداع والطبيعة، المدرسة التي بقت حكرا تشكيليا... دون باقي المدارس.موضوع لن يتناوله الغرب إلى حد الساعة ، لأن الأمر الثقافي والروحي الأدبي الغربي والمدرسة التكعيبية لا يلتقيان نهائيا في مجالات عدة إلا التشكيلي المادي منها، أما الباقي لو فعلوا فيعتبر اعترافا ...بصحة الدعوة الإسلامية والدين الإسلامي التكوين العلمي الفني... والفكري( التصوير القرآني للسيد قطب) الذي يجمع بين فنون الحياة الدينية الدنيوية والدينية المحضة في تكامل مذهل توج بما يسمى بعلوم التوحيد ( أساس اختراع الأرقام المغاربية الغبارية الإسلامية العربية بالتكرار، بتكرار الواحد في كل رقم من 1 الى 9 لتدور الدائرة الأولى بالشكل التكعيبي 10 والتي تعني في نظرنا المتواضع الدورة أي اسم على مسمى بشكل الصفر0، وشكل الواحد 1 الذي يليه يفيد الترتيب أي الدورة الأولى وهلم جر الدورة الثانية 20 ..... وهي في النهاية عملية توحيد وتسبح...(من مخطوطي الموسوم بسعادة الصفر بحث سيميولوجي في ماهيات الأرقام ورسمها الصحيح و ماهيات الحروف العربية ومقاربة كيفيات اختراعها وتطورها بالشكل الذي عرفناها به). وهذا الطرح الإسلامي والمخترع التكعيبي اعتناقه والحديث فيه وعنه أدبيا وفلسفيا لا يخدم لا اليهودية ولا النصرانية، وهو ما يبرر سبب عزوف الكاتب الغربي تحديدا عن الخوض في الأدب والفلسفة التكعيبية وعزوف الكاتب العربي المغلوب على أمره بالتبعية... بالتبعية والاقتداء بهم، ذهبوا معا لتهديم المتعالي وتدنيس المقدس...للنيل من المدرسة وأتباعها، بنضج صهيوني ماسوني علماني غربي وردة إسلامية وتبعية عربية... يقال أنها إسلامية معاصرة!!!، اسلام استسلام ...وتسامح !!!...شكرا عائدة الربيعي على مروركبوكرش محمد 2 / 7/ 2009
الاسم:
عايدة الربيعي
التاريخ:
02/07/2009 07:05:15
الأخ الأستاذ(بوكرش محمد)مقالة ثرية تجعلني اعيد رؤياي في بناء ماادونشكرا لهذا الطرح ومزيدا لطرح رائع مماثل ان شاءاللهدمت
شاكرة اهتمامكم‏
De :
Aayda Salh (aayda_sal7@yahoo.co.uk)
Envoyé :
jeu. 02/07/09 18:22
À :
boukerchmohamed@hotmail.com

السلام عليكم
الأخ الفاضل بوكرش محمد
شكرا لهذه الملاحظات القيمة حول موضوع بعيد عن تناول الكثيرين
وهو جديد لي وبطبيعتي التي انشأني الله عليها هو حبي للتجديد وماقرأته اليوم اثار مسألة مهمة وهو نسق كتاباتي
اشكر الله على هذا المهم الذي اطلعت عليه بالصدفة
خصوصا ان اسلوبي في الرسم هو التكعيب لهذا سأكون جادة في المحاولة فيه، عسى ان احظى في التوفيق به
مرة اخرى في الكتابة
عذرا للأطالة
عايدة/كركوك

التشكيلي بوخلدة حمزة : شكر وتقدير

من منجزات الفنان التشكيلي بوخلدة حمزة
شكر و تقدير
Mercredi 24 Juin 2009 18h38mn 56s
De:
"boukholda hamza"
À:
"Mohamed Boukerch"

بعد التحية العطرة التي أبعثها لكم مع نسمات الأعمال الجديدة التي أنا بصدد تحضيرها و وضع لمساتها الأخيرة.
أعبر لكم عن شكري الخالص و تقديري الكامل لكم و لتوجيهاتكم التي نظن أنها اتت أكلها متمثلة في ثمارها الجلية في ما ذكرناه لكم في هاته الأعمال و التي نبعث لكم منها لمحة تخت عنوان (بريق التراث) بمواد طبيعية على الورق. علها تحظى برؤياكم و انتقاداتكم السديدة... و سدد الله خطاكم و كان في عونكم

lundi 22 juin 2009

الأربيسك Arabesques عالم المسلم الرحيب



الارابيسك ( Arabesque )
" عالم المسلم الرحيب "

أ . د إياد الحسيني
استاذ فلسفة التصميم
كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد

استوعبت الحضارة الاسلامية العديد من ثقافات الامم والشعوب التي دخلت الدين الجديد ، وكانت هذه الثقافات عامل تنوع وثراء كبير للفنون الاسلامية التي شكلت فهما خاصا ومستقلا عن فنون الحضارات الاخرى . ولم تكن هذه الفنون التي تعد ميراث امم وشعوب متعددة لتنصهر داخل بودقة الفن الاسلامي الا بعد ان تشذبت اشكالها وبرزت شخصيتها الجمالية بما يتفق مع الدين الجديد وتعاليمه السمحاء ، وهذا يعني ان المنهج الفكري للعقيدة الاسلامية كان له بصماته الواضحة على فلسفة الفن الاسلامي واشكاله ومضامينه .
ولم يكن لهذا الفن ان يبقى كمظهر من مظاهر الترف الذي ينعزل فيه عن الحياة اليومية للانسان المسلم ، وانما تصدر كل مقتنياته اليومية واستعمالاته ، فما بين المنبر والمحراب والعمارة والمخطوط والقماش والنسيج والابواب والزجاج والاواني المعدنية ، بدا الفن الاسلامي فناً تطبيقيا يؤدي منافع شتى ووظائف عديدة تدخل في صميم الحياة اليومية للانسان المسلم .
هكذا اعاد الفن الاسلامي رؤيته المشتركة مع الفن الاغريقي في العلاقة القائمة بين الجمال والحق والخير التي تجسد رؤية الانسان المسلم للجمال ومعناه .
ولعل ابرز ما ذاع صيته في الفنون الاسلامية ما يدعى ( بالارابيسك ) ومن الطريف والمستغرب ان هذه التسمية لا يوجد لها بالعربية مرادف دقيق شائع الاستعمال ومعتمد من قبل المعربين والدارسين او المتخصصين في الفن الاسلامي ، في الوقت الذي تدل فيه لغات اجنبية اخرى كالالمانية والانكليزية والفرنسية على اهم عنصر من عناصر الفن الاسلامي ان لم يكن اهمها على الاطلاق . واكثر تعبيرين استعملا لاداء المعنى هما ( التوشيح ) ، الذي استعمله الدكتور احمد فكري في كتابه مساجد القاهرة وكذلك مصطلح ( الرقش العربي ) ، الذي استخدمه الدكتور عفيف بهنسي في معجمه واخرين سواه ، الى جانب لفظة الارابيسك بالطبع .
كما ظهر حديثا لفظة جديدة على قياس جذر عربي هي ( العربسة ) استعملها الشاعر صلاح استيتيه في مقاله عن" الصورة والاسلام " الذي نشر في مجلة فنون عربية العدد السادس ، الملزمة الثانية عام 1982 ، الصفحة 99 .
فهل هذا يعني انه لا توجد حتى الان كلمة متفق عليها تناسب المعنى .؟
ليس هذا غريب فاللفظة الاجنبية غير دقيقة واكبر دليل على ذلك انها بالاسبانية تعني ( التوريق Tawriq , Atauriques ) ، وتعد اسبانيا الاوثق صلة بالفنون الاسلامية من باقي الدول الاجنبية الاخرى . وليس عجيبا ان يستخدم الاسبان العديد من المفردات العربية في لغتهم ونحن نستخدم لفظة اجنبية كما هي وكلمة توريق لا شك انها ذات دلالات معبرة خاصة عندما ندرك دور الاوراق النباتية في تشكيل الارابيسك . علما ان الارابيسك لم يكن وحده عالم ذلك الفن وان كانت اللفظة الاسبانية قد تناولت قسما منه .
وهذا يعني ان كلمة ارابيسك لا يمكنها ادعاء الشمولية في التعبير بل تحمل في حد ذاتها مغالطة اصولية وتاريخية وفنية ، فمدلولها اللفظي ( Arab ) لا يتفق ومدلولها الفني الذي ترغب في تأديته ، فالارابيسك لا يدل على الزخرفة العربية او النقش العربي فقط ، بل دنياه اوسع بكثير وبه تفاهم الفارسي مع الهندي والعربي ولف بخطوطه ورسومه والوانه كل بلاد الاسلام من الصين وسمرقند وشمال افريقيا واسبانيا الى ان وصل الى صقليا واسبانيا وفرنسا والمانيا ، وربما العالم الجديد فيما بعد .
ان لفظة الارابيسك وضعت قبل الاطلاع العميق والشامل على الفنون الاسلامية وعدم وجود مرادف لها في العربية لا يمكن ان يرد الى فقر اللغة ، ولو كان بالامكان وضع تسمية عربية تؤدي كل المعاني التي تود اللفظة الاجنبية التعبير عنها لما تأخر الفنانون المسلمون واللغويون العرب عن ذلك . فالمدلول اوسع بكثير من ان تعرفه لفظة واحدة والا لوجدت الكلمة تلقائيا .
وما زال الحرفيون في المغرب يطلقون لفظة توريق وتشجير على الزخارف النباتية ، ولفظة تستطير على الزخارف الهندسية ، ولديهم تسمية لكل نوع منها ويحتفظون برسوم لها يتوارثونها مع اسرار المهنة . فهناك النجوم المتعددة الانواع الاشكال ولكل منها تعريف يرتبط بتكوينها الهندسي كالمثمن والستعشري المكناسي وعين الشمس وغيرها .
وبعض من هذه الاسماء وسواها يستعمل في كل البلاد العربية وبعضها الاخر يحمل تسميات محلية بالعامية في الكثير من الاحيان ولا تقف تلك التسميات عند الشكل بل تتعداه الى صفاء العناصـر الزخرفية التصميمية والتوريقية ( كالظفر ) و ( الصنوبرة ) و( الجفت ) و( الخيزرانة ) و( المجري ) و( الورقـة ) و( العقـدة ) و(الشمعة ) و( المروحة ) و( المروحة العنكبوتيـة ) و( الخرسانة العنكبوتية بالحنش ) و( القلب ) و( الشريط المفتـول ) و( خاتـم سـليمان ) و( البلوطــة ) و( الحاجب ) و( السنبلة ) و( الصدفة ) و( المجارة) و( المحارة ) و( الظفيرة ) .... الى غير ذلك من الاشكال .
ومع كثر هذه التسميات والمصطلحات اصبح من الصعب البحث عن اشكالها الحقيقية في الزخارف والرسومات لانها اطلقت وبشكل عرفي وان تشابهت مسمياتها في الاشكال الهندسية فالتوريق اكثر بعدا عن الاصل والتسمية قد لا تكون الا اصطلاحا مهنيا .
لفظة الارابيسك شمولية تعني جميع انواع الزخارف الاسلامية النباتية والهندسية الملونة والبسيطة الدائرية والمستقيمة ، اللولبية والمتعرجة والكتابية والمنفذة بالحجر والاصباغ والمعادن الشائعة والثمينة على الخشب والحجر والزجاج والرخام وفي كل الاماكن وعلى كل الادوات واللوازم التي تشكل معا عالم المسلم رحيب وحياته اليومية العامة والخاصة في وقت واحد . فليس غريبا اذاً ان لا نجد بالعربية كلمة بمقطعين او ثلاثة مقاطع او اكثر تعبر عن بذاتها عن الاشكال والتزيينات والزخارف والكتابات والرسوم ، ولا شك ان الغرب استعمل لفظتة قبل وقوفه الواعي على تلك الموسوعة الفنية متأثرا بالوحدة التي تجمع عناصرها وتهيمن على الفن الاسلامي ككل ومنطلقا من نظرة " جشتالتية " لعالم واسع الارجاء متعدد الجوانب لكنه في الوقت نفسه متناغم الاصداء مترابط الفكر والالهام .
لم تصل هذه اللفظة الصعبة على التعريف العلمي كما اورد ذلك " كوهنيل " في مجلة فكر وفن في العدد التاسع عشر الصفحة الثامنة من موضوع الارابيسك بل سبق ذلك منذ القرن التاسع عشر وقت عرفها الالماني " الويس ريفل " اوما بعدها اذ توالت الدراسات حولها ولم تتوقف بعد فكان نصيبها من دائرة المعارف الاسلامية صفحات محدودة مزينة بالرسوم التوضيحية ، كما كتب المستشرق الالماني " ارنست كونل " في بحثه اشارة الى "ريفلت "وكان الاكثر تخصصا من بقية المستشرقين حيث الف كتابين في ذلك الاول في الفن الاسلامي والثاني اسماه الارابيسك وقد احتاج الى ما يقرب الى الاربعين صفحة للتعريف والى ما يزيد عن الثلاثين رسما توضيحيا .
كما اكد الكسندر بابادوبولو في كتابه الاسلام والفن الاسلامي على موضوع الارابيسك في العديد من الصور والرسوم التوضيحية والمخططات .
وهكذا جهد الكثير من المؤلفين والمستشرقين في ايضاح لفظة الارابيسك ، ورغم كل ما كتب تبقى معلوماتنا عن هذه العناصر مشوشة ان لم نطلع على الزخارف نفسها لا على صورها ووصفها كما لا يمكن ان نفهم التفسير والمدلول الفكري وربما الروحي الذي تعطينا اياه تلك الروائع ان لم نكن ملمين بكل ما يرتبط بالفكر الاسلامي ككل لا بالفن والعمارة فقط .
والارابيسك زخارف يتميز بها الفن الاسلامي دون الامم الاخرى وهو يقوم على اختصار خطوط التزيين النباتية المؤلفة من براعم واوراق متفرعة ومتصلة ومنوعة ، دائمة الاتصال واذا اخذنا تفصيلا نرى ان الغصن الدائري يبدأ بها وانها تكمله او تنهيه وهو يتموج ويتشابك ويصبح حلزونيا احيانا يطل من خلف الاوراق ومن بينها احيانا ويتشابك الغصن مع الاوراق فهو امتداد له وهي امتداد لها .
واكثر النماذج النباتية استعملت الارابيسك بشكل متكرر ومتقارب ومروحي وبيضاوي ومتشابك ، مع التقيد باداء الحركة بانسجام وتناوب وايقاع وتوزيع للزخارف بطريقة مدروسة لملئ الفارغ وتكسبه كامل السطح بدوران هادئ متوازن لا انفعال في تحركه ولا مفاجأات في التفاته مع المحافظة على عنصر الادهاش في القاء المشاهد وسط متاهات وخطوط على ارضية مربعة او مخمسة او مسدسة او مثمنة او دائرية ... الى اخره . ولكن بلا حدود فالمساحات الهندسية تتكرر وتتوالد بصورة لا متناهية .
وتدخل الكتابات في التزيين فتستقر الحروف على الاغصان او تتحد معها او تشكل المضلعات والاشكال المتداخلة وكثير ما اجتمعت الزخارف النباتية والهندسية وكثيرا ما كانت خلفية لكتابات كوفية او ثلثية ربما انتهت الحروف بتشكيلات بنائية والفت معها لحنا زخرفيا واحدا وربما تناغمت معها باشكال وخطوط مبسطة لصور حيوانات اسطورية او لاقنعة او لطيور خرافية وخيول وجمال واسود وبشر فيما ندر .ويتخذ الارابيسك انواع كثيرة من الاشكال ولكن يمكن تصنيفها الى مجموعتين اساسيتين :

الاول : يعتمد على الخطوط المستقيمة والزوايا ويسمى ( بالتسطير ) ، وهو الزخارف الهندسية .

والثاني : يركز على الخطوط المنحنية واجزاء الدائرة واللولب والتجريد النباتي ويطلق احيانا عليه ( بالتوريق ) او ( التشجير ) او ( التزهير ) . والهندسي تنضوي تحت لوائه المضلعات بانواعها كما يقوم الخط الكوفي بدوره كالزخارف الهندسية على المعادلات الرياضية وعلى العقل والمنطق والقواعد ومجموعة الادوات من مسطرة ومنقلة وبركار وعلم الزوايا .
اما النباتي فيعتمد على الطبيعة و كل ما يذكرنا بالزهريات والورديات والاغصان وانواع عديدة من الاوراق النباتية والشجيرات واحيانا قليلة صورا لحيوانات . ولم يكن الخط العربي بعيدا عنها اذ غالبا ما كان يزين صفحات عديدة للمخطوطات جنبا الى جنب مع الزخارف باشكالها المتعددة حتىسمي احيانا بالزخارف الكتابية .

لقد اجتهد الفنان المسلم في المزاوجة بين الزخارف الملونة والخطوط بانواعها المتعددة لينتج اعمالا فنية هائلة تعددت استخداماتها في العمارة والمخطوطات وعلى النسيج والزجاج ومختلف المواد وكان لكل منها خصائصه الفنية والجمالية والتقنية .
وليس بالضرورة ان يكون النوعان مستقلين عن بعضهما ، اذ غالبا ما نجد اعمالا فنية اسلامية تضم كل انواع الزخارف او بعضا منها حيث تتشابك ووتعانق وتتقابل وتتماثل عناصرها بتناسق عجيب قل نظيره ، حتى لم يعد الرآئي يميز بداية او نهاية هذه الزخارف بانواعها . ذلك ان الفنان المسلم انتهت عنده حدود المساحة اما المشاهد فانه يستمر في خياله في البحث والدوران بين الشموس والنجوم وحركة الاغصان والعناصر التي تستمر ولا تنتهي فتارة يجول مع الخطوط وتارة اخرى يسكن الفضاءات التي تحيط بها تلك الخطوط .
ومما لا شك فيه ان الاقوام التي دخلت الاسلام كانت تمتلك العديد من المفردات الفنية والجمالية التي تمثل ارثها الحضاري والتاريخي والفني ولكن دخولها للاسلام هذب من اشكال هذه الرموز والاشكال في طابع يتسق مع الفكر الاسلامي وهكذا انصهرت العديد من هذه المفردات في اطار الفن الاسلامي الذي برزت شخصيته الكبيرة . وفي نفس الوقت لم تلغٍ تلك الخصوصيات الجمالية للامم والشعوب وان كان من المتفق عليه ان الفن الاسلامي المنضوي تحت الحضارة العربية الاسلامية الغى الكثير من الحدود المكانية والزمانية لجعل الفن يتسم بالطابع الفكري للاسلام الذي لا يحده زمان او مكان فقد نجد بابا خشبيا من العصر الفاطمي يحتوي على حشوات زخرفية تتكرر ذاتها في باب اخر من العصر العثماني . كما ان العديد من النسب الذهبية تتكرر في العمارة الاسلامية مع اختلاف مكانها وزمانها وهذا ما يؤكد وحدة الذهنية الفكرية في الاسلام باعتبار وحدانية الفكر مصدر تشريعه هو الله سبحانه وتعالى وهذه الوحدة الفكرية وحدت بدورها منطلقات هذا الفن ومصادره وعناصره الاساسية مع اختلاف اشكاله ونتائجه وهو ما نسميه الان بفن الوحدة بالتنوع .
واذا اردنا البحث عن المصادرالاساسية لفن الارابيسك لدى بعض الدارسين للفنون الاسلامية فانهم يعيدون كل عنصر من عناصر الارابيسك الى مصدر معين فالمربع والمسدس والمثمن وكل المضلعات تعود الى العقيدة الكوكبية السومرية وتدل في الديانات القديمة الى معاني محددة وترمز الى مفاهيم ترتبط بعناصر الحياة ، فالمربع اساس المضلعات وكان يرمز الى الارض وحركتها و على محور التقاء الخطوط وزواياها تتشكل كل المضلعات المعقدة وتتفرع منها النجوم وكلما ازدادت سرعة الدوران كلما اقتربنا من الدائرة رمز الدوام والسماء .
وقد وجد اخرون بان اصول الفنون الاسلامية في الزهور الساسانية وفي عناصر الزخرفة المجردة وفي الالبسة القبطية والرموز اليعقوبية والخطوط المسمارية والفرعونية والالوان الهلينستية ، اما النماذج الحلزونية والخطوط اللولبية فيقول البعض ان مصدرها شجرة العنب السحيقة القدم في زخارف سومر واليونان .
ومهما عددنا فان مصادر الارابيسك اكثر من ان تعد او تحصى في العديد من الحضارات والديانات والمجتمعات وخلاصة ذلك هو مركب من تلك الحضارات والمعتقدات والفنون في اطار جديد ومفهوم جديد .
لقد نشأ الفن الاسلامي وتطور في ارض الحضارات ووجد ارثا كبيرا استند عليه وكان له دور مهم اسهم الى حد بعيد بسرعة وتطوره واتاح له المناخ الملائم ليتبوأ المكانة المرموقة بين فنون الحضارات الانسانية .
لم يتوقف الارابيسك في التطور والنمو عن حدود معينة وانما دخلت الخامات المتعددة والمعالجات المختلفة فكان يتصدر المكان البارز في العمارة والخطوطات والاثاث والزجاج والخزف والاخشاب والمنابر والمحاريب والمنسوجات والعديد من الادوات والمعدات التي كان يستخدمها الانسان .
وامام هذا التنوع والثراء الهائل للأرابيسك برز تأثيره في العديد من فنون الحضارات الاخرى فقد نقل الارابيسك الى ايطاليا " فرانشيسكو ديبلاغرينو" وظهرت العديد من نماذجه في قصر" فونتانبلو" ورواق فرانسوا الاول ، كما ذكر ذلك الكسندر بابا دوبولو في كتابه عن الارابيسك .
كما كان" لهانز هولبين " الابن و"بيتر فلتنر" الدور الاهم في نقل الارابيسك الى المانيا وكان من نتائج هذه التأثيرات ان وصل الارابيسك الى ابواب الكنائس والمذابح وصور القديسين والسيد المسيح ( عليه السلام ) ورداء تتويج الاباطرة وواجهات القصور في بافاريا وانسجة الملابس والمفروشات .
ولعل العديد من نماذج ليوناردو دافنشي كانت تستمد جمالها من روحية الارابيسك كما ظهرت تأثيراته على العديد من فناني اوروبا .
لقد كان الارابيسك يمثل قيما تجريدية راقية على مستوى العناصر الفنية في الخط واللون والمساحة والنسبة والحركة والايقاع والاتجاه ، اي انه اكتسب كل مقومات الفن الجميل والتطبيقي ولم يكن ذلك يمثل عزوف الفنان المسلم عن تصوير الاشخاص الذي شاع الاعتقاد بتحريمه او المشكوك بقيمته بل جاءت فكرة الارابيسك لتؤصل فكرة التجريد في ذهن الفنان المسلم بعفوية وادراك جعلته يبتكر وبمفارقة عجيبة عنصري التجريد والحركة فناً حركيا يدرك قيمة الوعي الرياضي في الفن الاسلامي انعكس على كل منتجات الفن الاسلامي .
ولعل من ابرزها فن العمارة الاسلامية التي كانت من ابرز ما جسد الفن الاسلامي كسمات حقيقية ذو هوية مميزة عكست الطابع الديني والفكري للانسان المسلم وبطبيعة العمارة كانت تضم العديد من الفنون الاخرى كما هو الحال في العمارة اليونانية التي كانت تضم فنون النحت والرسم والخزف والمعادن ...الخ ، وكذلك في الفنون الاسلامية فقد كانت العمارة تضم فنون الكتابة والخط والزخرفة واشغال المعادن واعمال الحفر على الرخام والحجر والاجر والخشب والزجاج والنقش على المنسوجات اي ان العمارة كانت ملتقى لكل الفنون الاسلامية وادابها وقيمها الجمالية والفنية .
وبعد كل هذا ليس ببعيد عندما يكتسب الفن الاسلامي كمبنى ذلك البهاء القدسي الذي يحيط به ، لا كل ما تداوله في عمارة المساجد والمدارس .
ودور العلم كان ذو علاقة وثيقة بايات الذكر الحكيم او باقوال المصطفى ( عليه السلام ) او بمأثور القول وصافيات الحكم .
لا يخفى ان فن العمارة في كل الحضارات تأثر ببعض فتارة تؤثر الابراج واخرى الاقواس والابواب والمداخل ، ولكن هذه المفردات والعناصر اكتسبت خصائص مميزة في العمارة الاسلامية ولم تعد تشكل فناً جميلا وحسب وانما تحولت الى فن تطبيقي يقصد منه الجمال والوظيفة في افضل مستوياتهما ، واستعراضنا للعمارة الاسلامية والمفردات التي تتكون منها تبرز لنا هذه الخصوصية الجمالية والفكرية على المستوى الانساني والفني والجمالي .
ويؤشر لنا فن العمارة الاسلامية نجاحه الباهر في تحقيق التوازن التام بين الجوانب المادية والمشاعر الروحانية من خلال مجموعة من القواعد والاسس والتراكيب التي توصل اليها كل من المعماري والفنان المسلم وامكنه من خلالها حل مشاكل البناء بحلول فعالة ، ومتوائمة تماما مع عقيدته الدينية السمحاء وبما ياحفظ على القيم والتقاليد الاجتماعية مع توضيف معطيات بيئته او جلب ما لم يكن متوافرا في بيئته وتصنيعه وتعديله حتى يتوافق مع قيمه وبيئته .
لقد حقق معالجة فعالة في مجال تقليل الضوء باستخدام المشربية او الروشان او الشناشيل وكذلك عن طريق نوافذ الزجاج المعشق بالجص وكان ذلك احد مظاهر العمارة الاسلامية التي جاءت متوافقة مع الظروف المختلفة للمجتمع الاسلامي .
لقد كان للعمارة الاسلامية موقفها البناء ذو الحوار مع الطبيعة منذ نشوئها وازدهارها وتألقها اذ لم تصارع او تتحددى او تتناقض مع الطبيعة بل هي عكس ذلك تماما نراها اول ما تحسب حساب حضور الشمس ونورها وحرها وحضور الرياح والهواء وتقلبهما وجفافها ورطوبتها وحضور الصحراء وامتدادها وسرابها وحضور الماء الطير والشجر وحضور الماء والطير والشجر وحضور الفضاء والنجم والقمر والجهات الاربعة واتجاه القبلة . فكانت العمارة الاسلامية على علاقة حميمة مع الطبيعة ولم تكن لتطمح اذ ان تكون شاهد قوة على انتصار او تحد للاخرين ، سواء كان ذلك بيزنطيا او هيلستيا او اشوريا او بابليا او فرعونيا اذ لم يكن القصد في الرسالة الاسلامية اعلان انتصار الانسان من خلال ما كان يعني انتصار الكلمة المنزلة من الله العليل القدير .
لهذا فان اي قراءة جمالية للعمارة الاسلامية معقود حول علاقة الاطراف بالمركز او علاقة المحيط بالنقطة المركزية وكيف تدور المفاهيم والافكار حول نقطة معينة تشع منها وتتجلى على الكل .
تضم العمارة الاسلامية العديد من المفردات والعناصر ذات الدلالة الوظيفية والجمالية ما بين العقود وانواعها والتيجان واشكالها والاعمدة والمحاريب والمنابر والابواب والقباب والمنائر والمقرنصات والعديد من المفردات الاخرى التي تجتمع بتناغم ووحدة قل نظيرها في فنون الحضارات الاخرى . وهذه الوحدة تقوم على تنوع هائل يلغي حالة الرتابة والملل التي تثيرها الاشكال المتكررة . وكان للرموز واشكال العمارة الاسلامية ومفرداتها تأثيرها الكبير الذي انعكس على كل المفردات الفنية التي تداولها الانسان المسلم ، فنحن نرى بدقة اثار العمارة على تكوين الخطوط العربية وزخارفها من الناحية البنائية وعلى التحف المعدنية والابواب الخشبية وتصميمها وقد اثر هذا الاستخدام تنوع المواد الخام التي كان يستخدمها الفنان المسلم بعناية ودقة كبيرتين .
وكانت مفردة الارابيسك حاضرة في كل منتجات الفن الاسلامي الذي اصطبغ بصبغتها واكتسب صفاتها وخصائصها ومنحها هويتها الجمالية والوظيفية .

وظيفة الفن الاسلامي :

مع وظيفة الفن الاسلامي فاننا امام احد الخصوصيات المهمة التي تميزه وتجعله متفردا بين فنون الحضارات الاخرى التي كانت سابقة له ، وادت تلك الفنون العديد من رسائلها خارج ادائها الوظيفي كما حصل في الفن الاسلامي فقد كانت احيانا تمثل رسائل خفية من الملك او السلطان او الكنيسة للتعبير عن القوة او شهادات طموح للشعوب فيي كفاحها وانتصاراتها ولا زال الكثير من المؤرخين والباحثين والنقاد يستنجدون بالاثار الفنية لقراءة ماضي الافكار وماضي والصراعات والمقاصد السياسية والاجتمعاية والدينية وبالتالي فان وظائفية الفن بعامة جزء لا يتجز من اهدافه وحقيقته .
الا ان وظائفية الفن الاسلامي تختلف عن هذه الوظائف التي يمكن ان نقرأها في الفنون الاخرى فهي ليست رسالة خفية ولا هي شهادة بل هي حقيقة مبدأية .
من هنا فان وظائفية الفن الاسلامي تطرح امامنا اكثر من سؤال واكثر من دلالة سواء كان القصد قراءة جامعة تسعى للوصول الى رؤيا جمالية فنية عامة ام كان القصد المعني قدماً في الحوار القائم حول القيم الفنية السائدة الان . فوظيفة الفن الاسلامي لا تشكل احد الخصوصيات الجوهرية التي قام عليها هذا الفن فحسب كما انها لا تتوقف عند حدود صفة من الصفات الاساسية ، بل تشكل عندها تعدد دلائلها وعندما تتراكم العديد من الاسئلة التي تتطرحها العناوين الكبرى للفلسفة الجمالية التي انطلق منها الفن الاسلامي مستمرا كفن خاص مميز خلال الالف سنة الماضية .
لا شك ان وظائفية الفن الاسلامي هي وظائفية فنية جمالية من جهة تتماثل وظائفيته عموما سواء كانت مرتبطة بالدين مباشرة ام كانت تنحدر من رؤية روحية فانها تبدو من جانب اخر وظائفية نفعية واستهلاكية منفصلة تمام الانفصال عن وظيفية وهدفية الفن التقليدية . فالسجاد والخزفيات الاثاث الخشبية والاواني النحاسية والمخطوطات وما الى ذلك من اعمال فنية يتجلى فيها الفن الاسلامي بكل خصوصياته وصفاته الكبرى ادت الى وظيفة نفعية استهلاكية حسية محضة . فأدت السجادة وظيفتها في الدفأ والاناء في حمل الماء والاثاث للراحة وهكذا .
لقد توظف الفن في الحياة اليومية وفي الحياة الحسية كوسائل وادوات والالات لبث الحاجات الاجتماعية اليومية في ادق واصغر تفاصيلها في الملبس والمأكل والمشرب والمأوى والمجلس وما رافق ذلك في مسيرة الانسان وحياته .
لقد كان بالامكان ان تسمى هذه الاعمال الالات او ادوات فقط وتستبعد كلمة فن او تستبدل بكلمة صناعة ، لولا ان هذه السجادة والابريق والاثاث لم يكن في الوقت عينه صفحة من صفحات الفن المحكم النظام المتناسق الصفات والخصائص يوحده جوهر فني واحد ورؤية جمالية وفلسفية واحدة فالسجاد هو ليس مجرد خيوط بل اشكال والوان ورسوم وهندسة ونظام ونسب تشكل بدورها العناصر الفنية التي قام عليها الفن الاسلامي ككل كذلك فان قطعة الاثاث سريرا او قطعة او خزانة ليس عبارة عن خشب مطعم ومزين ومذهب بل شكل ونظام وتناسق ولين وهندسة وتشكيل ورمز ايضا .
نعم ثمة فن ومنفعة الا ان العلاقة بين الفن والمنفعة لا تتوقف في الفن الاسلامي عند هذه الحدود التي عرفتها الفنون القديمة او الفنون الحديثة .
لقد تسأل جلال الدين الرومي ( هل يرسم اي رسام صورة جميلة حباً في الصورة نفسها دون ان يأمل المنفعة من ورائها ؟ وهل يكتب خطاط كتابة فنية حباً في الكتابة فيها دون ان تكون القراءة هي غايته منها ؟ ) .
الا ان جلال الدين الرومي يستدرك فيقول ( ان الصورة الظاهرة انما رسمن لكي تدرك الصورة الباطنة و الصورة الاخيرة تشكلت من اجل ادراك صورة باطنية اخرى على قدر نفاذ بصيرته ) .
ومعنى ذلك انه في الوقت الذي يجمع الفن الاسلامي بين الجمال والمنفعة ينقل بقصده الفلسفي والابداعي استقلال مدهشا بحيث لا تتأثر هذه الغاية بوظائفية ونفعية هذا الفن المباشر ذلك انها غاية باطنية رمزية على حد تعبير جلال الدين او حسب تعبير الامام الغزالي الذي يؤكد ان الوقوف ازائها يحتاج الى ( العلم والقدرة ) .
وهنا تتجلى معاني ودلالات الارابيسك في قدرتها على الاداء الجمالي والوظيفي اينما حلت رموزه وعلاماته .
ولا شك ان انتقال مركز السلطة الاسلامية في الحضارات العربية المختلفة جعلت من الفن الاسلامي غنيا بالمفردات المتنوعة باختلاف مصادرها وزمانها ومكانها ناهيك عن تأثيرات الامم والشعوب المجاورة للعالم الاسلامي والذي نشأت معه العديد من العلاقات التجارية انتقلت من خلالها تجربة الفن المسلم الى اوروبا وكان لها الاثر في فنونهم وحياتهم .
اذاً ليس من الغريب ان نجد مفردات زخرفية ذات اصول متعددة ومتنوعة قد تكون بعضها ذات اصول اموية او اندلسية او عباسية او عثمانية ولكن هذه المفردات تنتظم في نسق متناغم جميل يشكل وحدة الفن الاسلامي وجمال تنوعه .
وامام هذا التنوع الهائل في الفنون العربية الاسلامية كانت مفردة الارابيسك تعبر من وجهة نظر الانسان الاوروبي المستشرق عن ذلك الفن الذي انبثق من الارض العربية في اطار الحضارة الاسلامية التي انتشرت في زمن قصير لتضم امم وشعوب متعددة تحت لوائها ولم يكن هناك بديلا عن هذا المصطلح لاطلاقه عما تركته الحضارة العربية الاسلامية من فن زاخر يقيم الجمال حتى اصبح هذا المصطلح يطلق على كل ما ينتمي الى هذه الحضارة . ولم يعد يعبر عن تلم المفردات التي سبق ذكرها والتي تمث الاوراق النباتية التي تلتف حول اغصانها بايقاعات جميلة ، ومن بعد ذك اطلق على الزخرفة الهندسية وهكذا فقد اصبح للمصطلح دلالات جمالية ورمزية وايقونية ووظيفية شملت العديد من منتجات الفن الاسلامي . وكانت تتكرز احيانا على تلك المشغولات اليدوية الجميلة التي تنتهي اليها الدقة في الصنعة والجمال في المظهر والمتانة في الوظيفة والاداء .
وكان من اقرب هذه المشغولات الفنية الجميلة تلك الاثاث التي تحتويها قصور الامراء والتجار والاثرياء والتي كانت تنتمي اليها الصنعة باروع صورها وتجسد مجموعة متحف الفن العربي نماذج قيمة تدل على مستوى الحرفة والابداع التي توصل اليها الفنان المسلم .
ومنذ عصر السلاجقة شهدت اعمال الارابيسك ( مجسدة بالاثاث ) عناية فائقة وجماليات أخاذة كان ذلك سببا مباشرا في تطور اساليب العمارة والاهتمام بجمالياتها الخارجية والداخلية ، فالعمارة السلجوقية خاصة والاسلامية عامة كانت غنية بالاعمال الفنية والمواد الجميلة التي تدل في تزيين العمارة او في انجاز مكملاتها من ابواب ونوافذ وسقوف ومعادن ومنسجوات ولوحات وزخارف معمارية وهذا الثراء في التنوع جعل من كل العناصر المعمارية تتكرر بنسق اخر مختلف عن تكرارها في العمارة . لكي يتم تنفيذها على الاثاث الخشبية او المنسوجات او الزجاج او المخطوطات .
وقد تطورت صناعة الاثاث في العصر العثماني على مستوى الحرفة والاتقان واستخدام مواد واخشاب جديدة لم تكن تستخدم سابقا كخشب الجوز وخشب الابنوس وخشب الارز وخشب الورد ، ودخلت للاثاث تصاميم جديدة ذات طابع مميز وجمال أخاذ استفاد فيها الفنان والحرفي المسلم من تأثير الحضارة الاوروبية في الالوان والتنسيق وجمال التنظيم فضلا عن بقاء التصميم الاسلامي في ثوابته الجمالية والفنية .
ورثت الفترة المملوكية في مصر هذا التراث الفني في صناعة الاثاث فزادت في جماله واتقانه وادخلت مواد جديدة على الاخشاب التي تم استخدامها وبدأت اساليب جديدة في قطع الاخشاب وتعشيقها وتطعيم الحشوات بخيوط واشرطة رفيعة من الخشب او العاج وترصيع الخشب او العاج او العظم .
فضلا عن ادخال الفسيفساء وقطع الابنوس والسن والقصدير في تطعين وترصيع القطع الخشبية .
اما في العصر العثماني المتأخر فقد بلغت هذه الصناعة اوجها في كل من مصر وبلاد الشام التي تجسدت في هذه المجموعة حيث برع الصناع في طريقة التجميع والتعشيق وفي اساليب الحفر البارز والغائر مام يجعل هذا الفن مجالا تطبيقيا جديرا بالتوثيق والاحياء لندرته واهميته في تاريخ الفن الاسلامي .
كان لطبيعة الخامات وجمالياتها واساليب معالجتها بطرق ابداعية ذكية سببا واضحا انعكس على جودة هذه الاثاث ومظهرها الخارجي فكانت في تناسقها ودقتها تعبر بشكل واضح عن نسيج ذلك المجتمع واسلوب ونمط حياته .
وقد اشتملت هذه القطع الفنية اثاثا تمثل عناصره الفنية العديدة من الرموز والاشكال في الفنون العربية والاسلامية ولا سيما العناصر الزخرفية المملوكية وما قبلها من مفردات في الفترة العثمانية التي تم انتاجها في مصر في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين ولا شك انها كانت جزءا من ممتلكات السلاطين والولات والباشوات وعلية القوم لما تمثله قيمتها المادية والفنية والجمالية من اهمية بالغة ويمكن تصنيف هذه المجموعة الى اربعة انواع وفقا لوظائفها :

1- الخزانات :

صنعت من خشب الجوز المطعم بالعاج والصدف وزينت بالوان جذابة وتعتبر تصاميمها واشكال اغلب هذه الخزانات وتتميز تتصاميم واشكال هذه الخزانات بدقة الصنعة ومتانتها وجودتها بدليل بقائها على افضل صورة لاى الان رغم مرور عشرات السنين على صناعتها ، وعناصر تكوين الشكل فيها ذات طابع عربي اسلامي من خلال تكرار العناصر المعمارية للعمارة العربية الاسلامية في العديد من اجزائها العليا كنماذج لعمائر القصور والقلاع والاسوار وبنفس طريقة التكرار التي تتداخل مع الفراغات الفاصلة بين الوحدات وبطريقة متعشقة ومتناوبة وبما يجعل الكتلة تتداخل مع الفضاء الذي يعلوها .
كما تبرز اشكال صغيرة للمقرنصات التي تعلو المباني الاسلامي سواء في اعلى جدرانها او في اعلى بواباتها الرئيسية وللمقرنصات جمال رياضي أخاذ في تكرار الكتل والسطوح وتناوبها مع الفضاءات المتكونة داخلها . كما يبرز استخدام الاعمدة في مفاصل هذهالخزانات بطريقة توحي الى حمل اكتاف البوابات والكتل المعمارية التي تقع في اعلى الخزانة ويشترك مع هذه الاعمدة تيجانها وقواعدها بطريقة تتصل مع مفردات التصميم الاخرى وباسلوب لا يختلف عن العمارة في شئ فضلا عن الكثير من العناصر والمفردات الاخرى ولعل ابرزها ما سمي بالمشربية ذات القطع الصغيرة التي تجتمع مع بعض لتشكل نوافذ تطل على الفضاءات الخارجية اصلا ثم استخدمت بعد ذلك لتطل على الفضاءات الداخلية للمباني .
وتم جمع العديد من هذه المفردات بطريقة متناغمة ومنسجمة من خلال تحقيق التناظر التام بين نصفي الخزانة الايمن والايسر وقد حقق ذلك افضل توازن جمالي ووظيفي لا نجده في نماذج مشابهة كالعمارة الاسلامية . كما توثق قطع هذه الاثاث نماذج جميلة من العقود المستخدمة في العمارة الاسلامية كعقود نصف الدائرة والعقود المحدبة وحدوة الفرس والعقود المفصصة وهذا التنوع في اشكال العقود انما يعكس التنوع الحاصل في طراز العمارة السائدة .
اما عن العناصر الفنية التي تشغل هذه الخزانات فهي ثرية بالزخارف الهندسية المتمثلة بالشموس والنجمات والمضلعات والاشكال الهندسية البسيطة وابرزت هذه الزخارف دقة القياسات والابعاد وشدة الانتظام . كما تزينها زخارف نباتية ذات تكرارات متناظرة في كل جهاتها ما بين مائلة باتجاه قطري الى زخارف عمودية او زخارف افقية وبما يتلائم مع المساحة المتاحة في التصميم وغالبا ما تكون للزخارف الوان ومواد مغايرة لغرض ابرازها على لون الخشب الذي صنعت منه الخزانة . وتتصدر الكتابات العربية بالخط الكوفي او الثلث او النسخ او التعليق مكان بارز في هذه الاثاث النادرة ولتضم ايات من الذكر الحكيم او اسماء لفظ الجلالة او بعضا من صافيات الحكم ومأثور القول والذي غلابا ما يتلائم كمعنى ودلالة مع البيئة الاجتماعية والدينية للانسان المسلم .
لعل الصفة الغالبة على جميع هذه العناصر هي الدقة البالغة في تقسيم المساحات والقطع وانتظامها كأشكال هندسية لها اساس وظيفي وقيمة جمالية عالية .
وخلاصة القول اننا لا نرى خزانة انما نرى عمارة اسلامية مصغرة تكتنز كل مفردات المعمارية الجمالية بطريقة تجعل من تلك الكتل المعمارية الضخمة نماذج مصغرة في داخل الفضاءات بعد ان كانت تحتوي الفضاءات الخارجية . ولا شك ان الصفة الدينية كانت غالبة على المفردات المعمارية العربية الاسلامية مما جعل ذلك ينعكس بشكل مباشر على كل المنتجات الاسلامية كالاثاث والمنوجات والزجاج والمعادن او كل ما اطلق عليه بعد ذلك بالارابيسك .
لهذا فاننا لا نغامر ابدا عندما نقول بان الارابيسك اكتسب قيمته الفنية والوظيفية من خلال علاقته المباشرة برموز العمارة الاسلامية ذات الصبغة الدينية التي لا تذكر بالماضي وحسب وانما بالمناخ الديني وكل قيم الفضيلة السائدة حين ذاك . وتذكرنا بعض من تصاميم هذه الخزانات بسجادة الصلاة التي يفترشها المؤمن لاداء فرائضه او بعقود المساجد والجوامع كمفردات تتصدر واجهة هذه الخزائن . كما ان تكرار العقود والاقواس لا تختلف كثيرا عن تلك العقود التي تحيط بفناء المسجد وتعلوه ايات الذكر الحكيم .
ورغم محاولة اصانع المتقن لهذه الخزانات في محاولته ابراز وظيفتها الحقيقية في خزن الملابس او حفظ بعض الحاجات الثمينة الا ان ذلك يبقى بعيدا عن النسق الحقيقي لتصميمها ككتلة معمارية مصغرة .
وتعددت انواع الاقماش والمعادن التي دخلت في صناعة وتغليف بعض اجزاء هذه الخزانات فقد كانت الفضة المطرزة بالزخارف المتنوعة والكتابات تغلف اجزاء كبيرة من هذه الخزانات .



2- خزانات ذات المرايا :

لم يكن تصميم وصناعة هذه الخزانات ببعيدة عن الطراز الاول في هيئتها وجمالها وان كانت تختلف في جانب من وظيفتها لاحتوائها على مرايا باستخدامها كمناضد تعكس الاهتمام بالمظهر والملبس والزينة وتستلهم قطع الاثاث هذه المفردات المعمارية كسابقتها ولكن بطريقة ابسط واقل من المجموعة الاولى كأشكال واحجام والوان وبما يتلائم واستخدامها من قبل الانسان وبما يتلائم والية جسمه وقياساته ، لذلك فقد كانت ادق صنعا واكثر بهاءا ورونقا وبسبب من مواجهة الانسان المستمر لها وبأوقات متعددة وكانت المرآت تشغل الحيز الاكبر لهذه القطع الفنية مما جعل كل العناصر الموجودة فيها تسعى لان تكون مكملة لوجود هذه المرآة في اهم مكان فيها .
وكانت دلالات امتداد المرايا الطولية على ان بعض هذه القطع يستخدمها الانسان وقوفا والاخرى جلوسا ، ولا شك ان بعضها كان يشكل جزءا من اثاث متكامل لصالة او مدخل او غرفة .
وتزدان هذه الخزانات بالزخارف الهندسية والنباتية والكتابية تم تنفيذها بدقة بالغة مرة بالقطع الخشبية والتعشيق واخرى بالتطعيم والتكفيت . ومن الملاحظ في بعضها ان اجزاءا من كتلها تم معالجته بطريقة تحويرها من اشكال مكعبة الى اشكال ذات استدارات دائرية من جوانبها فاصبحت تواجه الانسان من عدة اوجه بعد ان كانت تواجهه من الامام فقط مما يظفي عليها جمالا اخر يستوعبه من خلال الاحاطة بالفضاء في ابعاد جديدة وعناصر جديدة . وهذا التصور يوحي بفهم اعمق للكتلة والفضاء الذي تشغله هذه الكتلة مما جعل من هذه النماذج مرحلة متطورة عن الخزانات السابقة كما ان من الملاحظ عليها اشغال الالوان بطريقة اكثر تحررا من السابق فقد سادت الالوان الخضراء ولون العاجي مساحة كبيرة في بعض من هذه النماذج .

3- خزانات معلقة :

وقد تم تصميمها لغرض تعليقها على الجدران في الصالات والمداخل والاماكن ذات الاهمية وبما يتلائم وطول الانسان واغراض استخدامه في حفظ بعض التحف والهدايا ومما يميز وظيفة هذه النماذج عن الخزانات السابقة انها اصغر حجما وادق صنعاً واكثر جمال حتى انها قد تحولت بحد ذاتها الى تحفة تزدان بالزخارف والخطوط والايات والالوان الجذابة ، فقد كانت تحفة وظيفتها حفظ وعرض تحف فنية ذات قيمة جمالية ومادية وفنية .
وفي هذه النماذج تم التأكيد على عنصر الخط وما يتضمنه من ايات قرانية وتكوينات فنية جميلة تتصدر المكان البارز فيها كما اشتملت على العقود والاقواس والاعمدة والاشكال النجمية والشمسية طعمت بالعاج والعظم تارة وزينت بالالوان الجذابة تارة اخرى ، وتدل الرفوف التي تحتوي هذه النماذج بانها كانت تستخدم لعرض التحف وبعض الحاجيات الثمينة فضلا عن احتوائها على بعض الخزانات الصغيرة .
لم تبتعد هذه النماذج من تأثير عناصر الاشكال المعمارية وانما تحولت الى نماذج تجسد تحفا معمارية مصغرة عن العمارة الاسلامية . وتسترعي الانتباه والاهتمام لدى الزائر بدقة صنعها وتكامل جمالها ولتذكرنا بنفس المناخ الاسلامي السائد في البيئة العربية .

4- المقاعد :

لم تكن المقاعد والكراسي ببعيدة عن اسلهام مفردات الحضارة بطريقة صناعتها رغم اختلاف وظيفتها وجمالياتها . انها كانت اكثر بساطة واقل تعقيدا واحيانا من صناعة الخزانات السابقة ، فقد تمت توشيحها بالعديد من الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية وبطريقة جذابة تدعو الى الاندهاش والتأمل وتم تطعيم اغلبها بالعاج الذي اضاف لها مظهرا جماليا خاصا كما اضاف لون النسيج لها قيمة جمالية اخرى غلبت على هذه النماذج واصبحت جزءا من جمالها العام .
وتم معالجة بعض اجزائها في ان تحولت الى اشكال نافذة بين القطع المصنعة لهذا الاثاث فتبادلت الجمال بين الفضاء والكتلة المتناظرتان والمتجاورتان في آن واحد وتبرز دقة الانتظام في ترتيب الاشكال والعناصر في صناعة هذه الاثاث كما تتوج بعض اشكالها نماذج جديدة من الزخارف النباتية المخرمة والتي يتخللها الضوء بعد ان كانت في النماذج القديمة محفورة بشكل بارز او غائر . ويضفي هذا التنوع والاستخدام بعض العناصر الجديدة اضافة جمالية مميزة لهذا النوع من الاثاث لم يكن واردا في صناعة الخزانات السابقة .
وقد جمعت بعض هذه القطع بين المقاعد والخزانات والمرايا في قطع اثاث واحدة تؤدي وظائف متعددة في آن واحد وتعد من النماذج الغريبة في هذا المجال .

5- المشربيات :

ذلك الفن الجميل الذي تميزت به مدينة القاهرة وازدانت به العديد من المدن العربية الاسلامية كأبتكار هندسي صنعه العرب استلهاما من الاطباق النجمية الهندسية والحشوات الرخامية التي وصلت للتشكيل الهندسي الى مستويات كبيرة .
كانت الاسباب الوظيفية من اهم الاسباب التي دعت الى ابتكارها وتطورها فكانت المشربيات تتطل علينا بعبقها الشرقي الغامض لتغلف بعض جدران الحجرات العتيقة كعنصر وظيفي وجمالي يتوافق مع الظروف البيئية والمناخية والاجتماعية .
لقد كان ذلك يمثل الاستجابة الصادقة والعليمة للفكر ومعتقدات المجتمع الاسلامي وقيمه وفي اماكن جلوس النساء كانت الضرورة تقتضي فرض نوع من الحجاب عليهن ضمن تعاليم الشريعة الاسلامية ، فكانت هذه المشربيات النافذة التي تؤدي وظائف متعددة كحجاب للرؤية ونافذة للهواء والضوء . لم تكن تلك المشربيات تتطل على الفضاءات الخارجية فحسب وانما كان العديد منها يطل على الفناءات الداخلية للقصور والمنازل .
ويقال ان المشربية تحريف ظاهر لكلمة ( المشرفية ) اي المكان الذي يشرف على الشارع او الطريق او كانت تطلق على اواني الشرب بحيث كانت توضع بها وبما يضمن مرور تيار الهواء عليها .
وكان الخشب الذي تصنع منه الشربيات يتميز بصلابته وتحمله لحرارة الشمس والعوامل الجوية وله لون بني داكن .
وللمشربيات تاريخ طويل يرجعه البعض الى بداية العصر اليوناني والروماني ولم تكن اولى المشربيات تشبه ذلك الطراز العربي الاسلامي في طريقة تكوينه وانتظام علاقاته الهندسية وبعناصره الدائرية والمثلثة والخطوط المتوازية والمتقاطعة التي اثرت مفهوم الزخرفة العربية .
اعتمدت صناعة المشربيات بالدرجة الاولى على عملية الخراطة لصنع اشكال مخروطية دقيقة الصنع تجمع بطريقة فنية بحيث ينتج تجميعها اشكال زخرفية وهندسية ونباتية او كتابات عربية وتعرف المشربيات في بعض الدول العربية بالروشن وتعني الكوة او النافذة .
لقد وصل فن المشربيات درجة كبيرة من الاتقان في مصر خلال العصر المملوكي ويظهر ذلك بوضوح في القاطع الخشبي في مدرسة السلطان حسن الموجودة في متحف الفن الاسلامي في القاهرة . وقد تأثر بها المستشرقون كثيرا ووصفوا صناعتها في كتاب خاص بها وقد قام ( روبرتس ) و ( إدوارد وليم لين ) برسم العديد من المشربيات في لوحاتهم الفنية التي تعكس البيئة العربية في مصر .
وتختلف المشربيات باختلاف العناصر المخروطية المكونة لها فضلا عن التصاميم الهندسية التي يضعها الفنان المسلم . ولم تكن الشربية تقتصر في وظيفتها كنافذة تتطل او تشرف على الفضاء الداخلي والخارجي في العمارة الاسلامية وانما تحولت الى شكل جمالي جذاب احتوته العديد من النماذج التي امامنا وقطع الاثاث فكانت بعض الخزانات تحتوي نوعا من المشربيات وكذلك بعض الحواجز المتحركة التي تصنع بنفس طريقة المشربية لتوضع امام الابواب ولتحجب الرؤيا ثم تحولت بعد ذلك الى تحف فنية توضع كقطع من الاثاث لتزيين الفضاءات ومكملة لعناصر التصميم الداخلي الاخرى .
لا شك ان المشربية بعناصرها الجمالية والوظيفية كانت احد المفردات الفنية المهمة التي بلورت مفهوم مصطلح الارابيسك سواء كان ذلك على المستوى الشعبي او الحرفي او الفني الا انها اعطت تلك الصفة الوثيقة بالفن العربي الاسلامي .
من هنا فاننا نجد الاطار المفاهيمي الواسع لكلمة ارابيسك حتى اصبح من الصعوبة البحث عن مصطلح اخر يعبر عن ذلك الارث الحضاري الفني والجمالي والمعماري للفنون العربية الاسلامية .

الحروفية قراءة جديدة في الخط العربي / أ.د اياد الحسيني

الحروفية
قراءة جديدة في الخط العربي



أ. د. إياد الحسيني
استاذ فلسفة التصميم
www.ayadabc.co.cc
ayadabc@live.com


مقدمة
منذ بدايات الإنسان الأولى، كان البحث عن وسيلة للتعبير هدفاً حقيقياً في التواصل مع بني جنسه وبيئته وإن اختلفت هذه الوسائل من بيئة إلى أخرى أو من زمان إلى آخر.
إلاأن النتيجة التي تمخضت عن ذلك هو الوصول لغة كانت تارة مكتوبة أو مقروءة أوإشارية أو حركية أو أيقونية، وصول الإنسان إلى اللغة إنما فتح الباب أمامه للتعبيرعن أولى تلك المشاعر والانفعالات والهواجس، وكل ما يجول بخاطره ويحدد علاقته وموقفه بالآخرين والبيئة وما تكتنفه في الزمان والمكان.
وهذه كقيمة إنما تحدد تقريباً موقف الإنسان من الفكر الحضاري والمدني في تعمير الأرض ونشوء الوعي باعتباره من أعلى القيم الكبرى التي تعمل على ديمومة الحياة واستمرارها.
ولعل أولى تلك الوسائل التي اعتمدها الإنسان في التعبير هي تلك الرسوم على جدران الكهوف والتي كان يرسمها لأهداف عديدة قد تكون اجتماعية أودينية أو اقتصادية أوتحمل طقوس معينة كان يشعر بحاجتها وضرورتها.
إلا أن حقيقة تلك الرسوم كانت تشكل أولى مراحل الكتابة التي سميت فيما بعد بالصورية وهي أولى الأبجديات القادرة على التعبير والتواصل، ومن الطبيعي أن ترتقي وسائل الإنسان وأدواته بارتقاء فكره ونشاطه واكتشافه لقوانين الحياة والمادة، فأصبحت وسيلة تواصله "لغته "رمزية ثم مقطعية، وقطعت حقب زمنية طويلة وصولاً إلى الأبجديات المختلفة باختلاف أمم الأرض والشعوب، وكان كل من هذه الأبجديات تشكل على مستوى الشكل والمعرفة انعكاساً لتلك البيئة والثقافة ومجموعة القيم والمنظومات المجتمعية لتلك الأمم.
وهكذا شكلت الأ بجديات أعلى مراحل تطور وسائل الاتصال الأنساني.
منذ بدايتها كأشكال مرسومة وحتى وصولها إلى أشكال في أعلى مراحل التجريد في الشكل الذي اقترن بالصوت بعد إن كان صورة فقط.
كانت أولى مظاهر نشوء الأبجدية ومن ثم اللغة، كوعاء للفكر ووسيلة لنقل العلوم والمعارف وكتابة التاريخ التي حفظت الحضارة الإنسانية في كل صفحاتها هي عملة لتدوين، أما الحروف العربية فلم تكن لتبقى وسيلة لنقل تلك الأفكارفحسب، وإنما أصبحت العلاقة وثيقة من خلال تمثل الأشكال الخطوط العربية بالبيئة العربية وما فرضته العقيدة الإسلامية من قيم في الوفاء والصدق والإخلاص والأمانة والتي كانت
تشكل المبادئ الأساسية للإنسان في علاقته بالمجتمع والبيئة.
من هذا المنطلق ظهرت أشكال متعددة للخطوط العربية وعبر عدة قرون بأنواع مختلفة وكان كل منها يؤدي وظيفة مختلفة وأصبح لهذه الاشكال قيماً جمالية لها تقاليدها وظوابطها ومنطقها الجمالي الخاص الذي يعبر بصورة واضحة عن الثقافة العربية الإسلامية، وكان هذا التنوع والتعدد مصدر ثراء في قيم المجال كماهو الأمر في مجالات الفكر والفلسفة والادب والشعر والعلوم التي ازدهرت في القرن الرابع الهجري.
من هذا المناخ العام تستقي العديد من الأعمال الفنية العربية قيمتها الجماليةفي أساليب شتى، ولاشك أن الخط العربي بمنطقه الجمالي الخاص يعد فنياً جميعاً وليس فردياً فقد اجتمعت كل أسباب ومفردات الجمال العربي لإرساء قواعده وأصوله طيلة قرون عديدة بما يجعله يشكل بنية شبه مغلقة لا تقبل الإضافة أو الحذف، ليس بكونها تجربة عقيمة وإنما يحتاج أنقاصها ثانية إلى استدعاء كل تلك القيم التي نشأت وتطورت بسببها عبر أربعة عشر قرناً من الزمن.
وفي ضوء ذلك يعد الخطاطون الخروج عن القواعد والأصول والموازين الموروثة في الخط العربي انهياراً لمنطقه الجمالي .. ذلك أن هذا الفن ينتمي إلى المنطق الجمالي في الفنون الإسلامية عموماً الذي ينظم ويعيد للتجربة الإنسانية علاقتها الوثيقة بخالقها، ولتجعل من الخالق مبدعاً ومن الإنسان مخلصاً متقناً.
وفي خضم التجربة العربية الجمالية تبزغ لنا اتجاهات متعددة في استلهام الحروف العربية في الأعمال الفنية التشكيلية ذات البعدين وذات الأبعاد الثلاثة، ليس على أساس ما يشكله الحرف من نسق داخلي في المنظومة الحضارية وما تحويه من رموز وإشارات وأيقونات.
على هذا الأساس فاننا نستطيع التمييز بين مجموعة الأعمال التي تناولت الحرف العربي في تكويناتها وبنائها الفني في الاتجاهات
الآتية :

2/ الاتجاه الثاني :
(استلهام المنطق الجمال للخط العربي )

وهو ما يظهر بصورة واضحة في تلك التجارب الفنية التي حافظت على قوانين الحرف وقيمته الجمالية كتجربة حضارية أصلية تمتد في عمق التاريخ العربي وتعكس هويته وإنسانيته وتلاقح هذه التجارب دون تكرار لما اعتاده الخطاط وذلك باعتماد صيغ وعناصر أخرى تجتمع مع الحروف كالكتلة واللون والاتجاه والملمس والعديد من العناصر والمبادئ الأخرى المتمثلة بخزف ماهر السامرائي ومنحوتات أياد الحسني، التي زاوجت بين المطلق والحياة، بينما كان الأرابسك يلتصق بالمعمار الديني ويرتبط بأفكار إستعمالية محددة, وهذه التجارب تمنح الفن حرية أكبر في فهم الإبداع الفني في كون الفن يدخل في تركيب النفس البشرية، بصرياً وعلى صعيد المعنى اللروحي للوجود، فالأعمال الخطية المعمارية تستقل كنصب تنتمي إلى كل زمان أي أنها غير خاضعة للتاريخ رغم أنها تمتاز بالخبرة الواسعة في مجال الإبداع الفني والجمالي.
وهذا يعني أن الفنانين يوسعان من رؤيتهما ليجعلا رسالتهما وليدة عدة عصور سابقة مثلما هي وليدة الحاضر كموقف من الوجود والأزمان والاغتراب، حتى أن اللون الأبيض لون الأعمال لدى أياد الحسني يذكرنا بكل ماهو طاهر ومقدس، فالفن عنده نوع من العبادة، لون الفن لا يختلف من العمل الصالح والأخلاقي من الطراز الرفيع الجليل، وهذاالإيحاء اللوني يرتبط بالنحت والعمارة على نحو متماسك أو جميع هذه العناصر تكون في الأخير وحده عضوية لجماليات تكاد تكون مضاد لكل ماهو نقص أو مباشر في التجارب الحديثة الأكثر ترفاً أو الباذخة بمشكلات آنية أو خاضعة للتلف أو الزوال .
فاستلهام روح الخط، ذلك السر الكائن في اللغة المقدسة،كل لغة تريد أن تصر علماً ميتافيزيقياً خالداً.

فتجربة كتابة العربية وعشقها حد التصوف إنما مع احترام مثمر للعلوم الحديثة، وللتقنيات المعاصرة التي تقوي الإيمان وتزيل كل شك باطل في الدنيا وزمنها الفاني، فالكتابة أو الخط تذكار الرفاهية روحية عميقة نابعة من نفس صافية تواجه عصرنا هذا المضطرب والشائك والفاسد في كثير من جوانبه.
ففي النحت تصميم أياد نماذجه بلغة الموسقى, لأن النحت عنده لا ينقى إلى التشخيص بل الى الحلم الروحي الواعي الذي يراه بالقلب.
كذلك المعمار لدى مصغرات السامرائي ومحمد شعراوي التي يكون بعداً إيحائياً لخيال الفنان تجاه أمانيه ونياته.

وفن المعمار يمنح بعداً لاينفصل عن النحت ولا عن دخول الحرف فيهما، فعملية الدمج جاءت للخروج من أزمة التقنية التقليدية التي يعيشها التشكيل العربي اليوم، ومعنى هذا أن الأعمال المنجزة مصححة لتنفذ كنصب تذكارية لا أن تكون مجرد أعمال فنية.
فالوعي بالخروج من أزمة التقنية التقليدية ومنعها ألى الخروج الى الفضاء الكبير بخطاب يوازي الخيال الخصب الذي يجعل من الفن لغة يومية قائمة على الأساس الروحي ومنفذه بخبرة وحساسية تناسب توجهات الموضوع الفني أصلاً.
بينما يعيد السامرائي الأرابيسك الديني في المسجد في الخزف من خلال ألوانه :
الأزرق،الشذري، الأبيض، ولون الذهب إلأى اختصار ذلك المعمار الديني في عمل تتركز جماليته ودلالته الرمزية في نحت خزفي يواجه الملتقى بحروفه وكلماته المقدسة والتي تبدو احياناً كصفحة من كتاب مقدس كتب في القرون الأولى للهجرة. وعبر تلك الثنايات والكتل يترك الزمن بصماته على الأثر الجمالي الذي يعمق قيمة المعتقد والكلام المقدس.
وتخاطب هذه التجارب حداثة تستلهم المنطق الجمالي للنقد الإسلامي بلغة جديدة تناغم في آن واحد مع الخطاب العربي الأصيل لقيمة الجمال، ومعناه وأركانه وثوابته، وفي ذات الوقت تعيد ترتيب العناصر ومكونات العمل الفني وفق رؤية جديدة تمتد في الخطاب الجمالي المعاصر.


1 / الاتجاه الأول
( استلهام القيمة الرمزية للحرف العربي )

في إطار من الفلسفة التصويفية، كما هو الأمر لدى الحلاج أو النفري العديد من التجارب الحروفية إعادة تكوين اللوحة بأعتبارها ذلك السر أساس وقفها البصري الرمزي المجرد في اللوحة بأعتبارها ذلك السر الكامن الذي تبحث مغاليقه عن مفاتيح له عند المتلقي، والوصول بالحرف إلى قيمة بذاته وفي ذات الوقت لايؤدي تلك الجمالية التي أحاطت بمناخها الفكري، وتجريد الحرف عن هذه القيم كما هو الأمر لدى الفنان شاكر حسن آل سعيد إنما يعيد للحرف العربي تلك القيم لما قبل البدائية أوتلك الرموز التي نجدها على اللقى الأثرية أو تلك الإشارات التي تتركها الحضارة على جدرانها ومسلاتها، دون أن تعني شيئاص إلاّ كشاهد على وجود تلك الحضارة بواسطة ما يعبر عنها من رموز ودلالات.
وهذه المعاجة إنما تطلق الحرف كقيمة حضارية لاتختص بالحضارة العربية رغم كون الحرف العربي الدلالة إلا أنها تنتمي إلى الأفق الأوسع في الحضارة الإنسانية ممتدة من الماضي إلى المستقبل ممروراً بالحاضر.
وهذا يعني أننا أمام تجربة فنية يدخل التاريخ طرفاً أساسياً في رسم مساراتها وقيمتها الجمالية.
وتمنح هذه التجارب حرية واسعة للفنان في صياغة خطابه الجمالي على أساس قيمة التجربة ةالذاتية للفنان ورؤيته الفكرية وإطارها الجمالي.
لا شك أن المنهج الفكري هنا يستعين بشكل كبير بالمفاهيم الأوربية التي سادت مع ظهور المدرسة التجريدية ومن بعدها التعبيرية كما تجسدت بأعمال بول كلي وكاند منسكي منذ قرن من الزمان، والتي كانت تسعى بفضل الفن من محيطه لتحويله إلى عالم قائم بذاته يعاني من الكثير من التفكك والاغتراب.


بينما تؤكد أعمال يوسف أحمد تلك الموسيقى الغنائية الخفية الناتجة عن إيقاعات الحروف بنسبها وألوانها وتبادلاتها، مذكرة بذلك الأرابيسك العربي ومن تكوينات تستوحي الجمال العربي الإسلامي ومن صيغ إبداعية جديدة.
وهو هنا علىرآي شنجبلر : ( إن كل فن هو لغة تعبير، أو كما يرى بنرتو كروتشه ( بأن الفن تعبير أولغة تعبيرية يقوم فيها الفنان عبر عملية الإبداع بتقديم شئ جديد يختلف عن الواقع المعاش إن كان ينبثق منه في معظم الأحيان.
ويوسف أحمد في أعماله إ،ما يسعى إلى أن يكون للواقع معنى مغاير للمعاني السائدة، أي أن عليه مهمة اكتشاف عالم جديد لاغبار عليه باعتبار عملية الخلق التي تعيد تنظيم الحياة وفق رؤية الفنان وفلسفة الجمالية وفي مقدمتها مسألة التعبير.
بينما تعيد لنا أعمال محمد عبد العال ذلك الزمن الطفولي في مداعبة الخطوط والألوان وتناغم المسامات بطريقة تعتمد تلك العفوية والجرأ والتنظيم في التكوين، وهو ما يتفق مع أسلوب وتكوينات سعد العدوي الذي يستمد دلالاته التكوينية من ذات المناخ العام للوحة على أساس التناغم في العناصر والأسس والعلاقات الناشئة بينهما.
وتذكرنا دقة التفاصيل والأنتطام في أعمال قويدر التريكي بجانب من أعمال المنمنمات التي تمثل جزءاً حياً من الخطاب الجمال العربي.
الإسلامي في أطار من الروحية الزخرفية التزويقية التي تمنح لذاتها أبعاداً جديدة وهي في ذات الوقت تعيد تشكيل الخطاب الجمالي وفق رؤية عربية معاصرة تؤدي فيها الايقونات وقعاً بصرياً حداثوياً.


3 / الاتجاه الثالث :
(الخط العربي كقيمة توضيحية ).

وهو الجانب الذي ارتبط به الخط العربي في أدائه الوظيفي للتعبير عن الأفكار والمواضيع كوسيلة لغوية وضمن منطقها الجمالي الذي توارثه الخطاطون في قواعده وأصوله، وهنا يحاول الفنان استخدامه كوسيلة أيضاحية تربط بطريقة دلالية بين النص اللغوي الذي يحمله الحرف العربي من ناحية ومن ناحية ثانية يشكل علاقة وثيقة بمفردات وعناصر اللوحة الاخرى. بحيث يشتركان الرسم والخط العربي في معنى مفاهيمي واحد، وهو مادامت عليه عليه العديد من الأعمال الفنية العربية، وتسعى هذه المحاولات إلى طرح المفهوم الترث الشعبي في إطار جمالي يمتلك مقدرة تعبيرية وبتأكيد كخطاب جمالي موجه مرتين بالحرف والصورة، وهو ما نجده في أعمال مصطفى فروخ أو في أعمال عبد الله المحرقي.
تؤشر هذه الأعمال قيماً جمالية تداولية بسبب وضوح خطابها الجمالي ولما تتمتع به من قدرة على التعبير عن مضامينها الدينية والاجتماعية والأوربية.
وعما يؤخذ على مثل هذه التجارب هو اعتمادها على تقنيتين مختلفتين على مستوى المادة وطريقة معالجتها واستخدام أدوات مختلفة، مما يشكل أسلوبين مختلفين على مدى رؤية العمل الفني الجمالية في صيغتها النهائية، لاشك أن التعبير كقيمة أساسية في العمل الفني تعتمد شكل أساس على المادة وطريقة صياغتها أي إن استخدام الفرشاة وألوان الزيت ذات اختلاف كبير عن تقنية الخطاط وأدواته في الحبر والورق والقلم وقد تقاوم المادة الخام الفكرة أثناء صياغتها لذا فان مهمة الفنان هنا هي إعادة تنظيم المادة الخام وتطويعها بما يتلائم والفكرة الأساسية لرؤيته.
بينما تنحى بعض الأعمال باتجاه الميل الى الاختزال وإعطاء المعالجات التصميمية لسطح اللوحة الفنية أهمية أولى في الرؤية البصرية التشكلية ورغم اعتماد بعض هذه التجارب على اقتباس أعمال خطية لكبار الخطاطين واستعارتها في لوحاتهم بعد معالجتها تكوينياً ووضعها بطريقة لاتتفق كثيراً مع منهج الخط العربي كنص لغوي وبصري إلا أنها بالتالي تعيد قراءة اللوحة العربية وفق رؤية جمالية معاصرة، تجعل منها أقرب إلى لوحات التصميم، كماهو الأمر لدى الفنان هاشم سمرجي في تكويناته الحروفية.

ويضيف هذا الإتجاه أسلوباً جديداً في معالجة اللوحة سواء على مستوى الشكل أو الفكرة أو التقنية في محاولة لخلق علاقة بين المنطق الجمالي للخط العربي بما يحويه من عناصر متعددة فضلاً عن النص الذي يحمله ذلك الخط ودلالة للغوية ، والمفاهيمية من جهة واختلاف الرؤية المعاصرة على مستوى الجوانب الثلاثة المذكورة وهو بذلك إنما يخلق إشكالية جديدة في انتمائها لأكثر من منطق جمالي أو رؤية فكرية قد تكون مختلفة أحياناً ومتقاطعة أحايين أخرى.

4 / الاتجاه الرابع :
(الحرف العربي كنسق تأويلي )

لاشك أن الحرف العربي مصدر ثراء فكري وفني وجمالي وأولى صوره البسيطة كانت تحمل تلك الملامح الأساسية فيه وأول مظاهرها الوظيفيةوالجمالية هي صفحات تلك المخطوطات التي كانت تنسخها الوراقين والخطاطين في المصاحف والدواوين والمعارف والعلوم، فكانت أبسط المفاهيم الجمالية فيها تلك العلاقة الناشئة بين الحبر الأسود أو البني والورق وما تتركه هذه العلاقة من إيقاع بين المساحات التي تشغلها الحروف والأرضية كفضاء يحتوي تلك النصوص المزدحمة والمتجهة افقياً تارة أوعمودية أو مائلة تارة أخرى.
وهي بهذه الصورة انما تشكل نسيجاً إيقاعياً ذو تأثير بصري مباشر يجعل من الرؤية قوسيقى بصرية تدركها العين كما هو الأمر بتلك الموسيقى التي تدركها الأذن.


وفي حالات الوجد والعشق الروحي كان الخطاط يعيد كتابة الحروف مرات ومرات لغرض الكشف عن ذلك الصوت الخفي الذي ينضم ارتفاعاته وانخفاضاته، ثم يكرر ذلك بما يجعل صفحة الورق تتكمل بالسواد ( التسويد ) في الحروف وتشكيلاتها حتى لاتكاد ترى مساحة بيضاء.
وعندما يتكرر الحرف بصورة طبيعية كناتج ل (مشق ) الخطاط إنما هو ينتقل كل خصائصه الجمالية والتكوينية إلى مساحة أخرى ترتبط بإيقاع وتناسب وتكوين يؤكد صلاتهما الوثيقة أو إن كانت هذه الوسيلة التكرارية تنحى منحنى زخرفياً في إيقاعات قد تكون متناقصة أو متزايدة أو رئيسة أو عكس ذلك، إلا أنها في النهاية تتبلور كرؤية جمالية تستمد قيمتها من الخطوط بجهد إنساني خلاق ذو تقنية خاصة طالما توجت أعمال الوراقين والنساخين والخطاطين.
واستلهام هذه الرؤية إنما يجسد ذلك العمق الحضاري للخطوط ودوره قبل ظهور الطباعة كمحور للفكر والفن والجمال وكوسيلة لتنفيذهم.

وتتجهة أعمال العديد من الفنانين المعاصرين هذا الاتجاه كرؤية جمالية.
ومن المؤكد أن المعالجات الذاية لكل فنان تضعي عليها طابعاً خاصاً يمنحها قيمة أسلوبية كانت في الأصل بعيدة ةعنها ليس لضعفها وانما لانتمائها الجمعي كقيمة جمالية لا تشكل ناتجاً فردياً وإنما رؤية جماعية لقيمة الفن ومعنى الجمال.
وتبرز في هذا المجال أعمال الفنان نجا المهداوي التي تأخذك أعماله يعاطفه ذلك الجهد الخلاق التي بيذله الخطاط العربي في النسخ والتكرار معطرة سطورها بعبق الزعفران وأريج المداد وأصوات القصب. ولكنها هنا تعيد ترتيب سردها لتجعل من السطور والكلمات والحروف قيماً تكتنز بينها الكثير من الدلالات البصرية، فهي تارة دقيقة وأخرى سميكة يطفى عليها السواد على كتلها وحركاتها وإيقاعاتها.


كما يؤكد رشيد القريشي هذا النهج في أعماله الفنية عندما يجذبك ذلك البناء الحروفي الذي تتصدر اللوحة بطريقة مطلقة ومتناغمة ومنسجمة وكانها قد أحسن رسمها خطاط في دلالة بصرية فائقة.
بينما لايبتعد رفيق لحام في لوحاته عن هذا المنهج الذي يتبعه الخطاط عندما يرص الحروف أو يقاطعها أو يوازيها فيخلق الحرف إيقاعات متناغمة حتى وإن لم يكن الفنان يقصد إيجاد تلك الإيقاعات والنغمات.
وهي بذلك إنما تشكل نسقاً بصرياً يعيد ترتيب حروف الخط العربي وفق ذات المنهج ولكن بنتائج مختلفة.

وتبرز إشكاليات التقنيات التصميمية وطريقة معالجتها للخروج بتقنيات تنفيذية, أي أن العديد من اللوحات التي كانت تحمل خصائص تكويناتها إنما أضيف لها تقنيات جديدة عليها وأحياناً غربية ثم تم طبعها بالليثوغراف أو الزنك أو النحاس كماهي أعمال الفنان ..........

ويقترب الفنان نذير نبعة كثيراً في معالجة سطحه التصويري من رؤية يحيى الواسطي في عملية السرد التي يكتنفها الخط والرسم ليكتمل بعضها البعض الأخر. في إطار تزويقي وجمالي أخاذ، فهو تارة يؤكد وظيفة سردية وروائية، وأخرى شكلية وجمالية، رغم أن لونها الوحيد هو ذلك اللون الذي اعتاده الوراقين في استنساخ الكتب والمؤلفات الحبر الأسود على الورق.

كما تذكرنا أعماله بذلك الموروث الحي للشعوب العربية في تطرها الإنثربولوجي من خلال الحكاية والرواية في أبو زيد الهلالي وعنترة العبسي، أي أن قيمة الجمال تدخل في صميم التجربة الاجتماعية لنشكل معها نسقاً ونسيجاً واحداً وإن كانت للموروث أقرب منها للمعاصرة, وهذا لابد من أن يعيد صياغته رؤياه الفنية وفق أساس إبداعي مغاير .
ويعيد محمد غنوم للحرف موسيقاه بتلك التكرارات الإيقاعية المتزايدة والمختلفة وبأتجاهات متعددة بطريقة تكتسب منحنى زخرفياً. إن المعالجة اللونية نأخذ المنحنى الزخرفي في طريقة التكوين معتمداً طريقة تقنية تتوسط تقنيات الخطاط في مداته وتدويراته.

لاشك أن الفيصل في انتماء اللوحة للحروفية من عدمها من خلال وجود الحروف كعناصر تكوينية تنميها ويكاد هذا الحرف عن بنيته اللغوية في أعمال حسين ماضي حتى لاتكاد يميز حرفاً فيها وقد تعمد الفنان ذلك ليعيدنا إلى ذلك النسيج الزخرفي العربي وليستلهم حركة الخط واتجاهات الحروف وطاقاتها الكامنة في خلق خلخلة بصرية مرة بالأشكال وأخرى بالحركة وثالثة بالألوان. حتى تكاد تطالبنا بصرياً تلك المفردات المتكررة بطريقة زخرفية ليس غريبة عن المنطق الجمالي للفن الإسلامي. ومابين هذهالدلالات وإيقاعات العناصر يعيد حسين ماضي بناء ملامح الخط المسند الحميري أو يذهب أبعد من ذلك إلى مفردات الأبحدية السومرية.

ان القيمة الفلسفية والحضارية لتجربة الحروفية أو استلهام الحرف داخل اللوحة التشكيلية هي محاولة ذات اتجاهين في أساليبها الذي ذكرنا وهذين الاتجاهين هما علمي وتجريبي, لأجل المقارنة بين عالمين مختلفين في الفكر والتقنية وهما (عالم الحرف ) اللغوي و (عالم البعدين والثلاثة أبعاد ) التشكيلي. وهنا تظهر إشكالية الجمع بين عالمين أحداهما إنساني وأخر لاإنساني لأنها تتجاوز عالمها الذاتي نحو افقها الكوني.
ومثل هذه التجارب تحتوي على أكثر من محاولة تشكيلية,المحاولة الأولى تشكيلية ترتيط بعاملها الزمكاني والثانية كقيمة لغوية مرتبطة مرتبطة بعاملها الزماني وهذا يعني ان الفنان لايريد فقط أن يناقش الوجود المكاني أو الزماني بل كليهما معاً وفي آن واحد.

إن محاولة إدخال الحرف في ذاتها عملية توسيع لرؤية الفنان بحيث تصبح التقنية محاولة تلصيقية من خلال الجمع بين الحروف من جهة والمفردات التشكيلية من جهة أخرى ومن خلال هذه المزاوجة يبرز الحرف من الناحية التقنية كشاهد من شواهد عالم اللغة عند حضوره كعناصر على السطح التصويري، ولكنه يبقى محاطاً بهالة من عالم القيم اللغوية فضلاً عن علاقته بالمنطق الجمالي للخط العربي.

إن التنوع الهائل في تقنية استخدام الحرف أثرت اللوحة التشكيلية العربية المعاصرة بأن طرحت العديد من التأويلات الجمالية من خلال أساليب الكتابة التي تشبه إلى حد كبير كتابة الأطفال ذات العفوية البالغة، أو بأسلوب الكتابة على الجدران التي يترك الزمن اثرها عليه كالشقوق والكسور والانثلامات أو الخط المنحق المكتوب بإجادة في اللوحات الخطية العربية.
وفي كل الأحوال فان هذه الكتابات ذات قدرة واضحة على التعبير عن القلق والعفوية والخوف كما أنها زاخرة بإشارات التعمية والكبت والتضليل.

إن المناخ الحروفي العام في تجربة الحروفين العرب غالباً ما كانت تستذكر كل تلك الأنواع الخطية التي تداولت عبر تاريخ ( كالثلث والنسخ والديواني والتعليق والكوفي ........الخ ) رغم عدم مقدرة فناني تلك اللوحات على إجادة تلك الخطوط وبالتاكيد لم يكن في أي حال من الأحوال ان يتحولوا إلى خطاطين في لوحاتهم التشكيلية.

إنها شواهد بلاغية على كل التراث الرمزي والصوري والصوتي والتأويلي للحرف العربي على مدى تاريخه الطويل ودوره الجمالي وما يتميز به من خصائص في شكله ومطاوعته في التعبير والتبديل كانغام الموسيقى وإيقاعاتها.
ولم تكن هذه الخصائص والصفات لتستولي على عقول الفنانين العرب وأذواقهم، بل غالباً ما استهولت العديد من الفنانين الأوربين، أمثال
( كلي، وميرو، وباومايستر، وآراب،وتابس،وكلاين،ونوفيللي،وراوشنبرك،وهارتنك وآخرين )

هكذا دخل الحرف العربي في تاريخ الفن الجمالي بشخصية تأملية وتعبيرية جديدة معبراً عن التقاليد الفنية في الحضارة العربية الإسلامية كبعد روحي ووظيفي وشكلي وجمالي معاً.
مرفق 1 /

وبتقنية خطاط من خلال الأثر التي تتركز فرشاه علي حسين تعيد لنا استذكار تلك التقديرات والارسال والاستدارات التي تكون الحروف العربية إلا أنها هنا لا تدل إلا على تلك الحركات الكامنة في الخط واتجاه وهو ما كانت تتميز به الخطوط العربية التي كانت توصف بالسعي الدائم والدؤوب للحركة باتجاهات مختلفة مستوحية من حركة الأرابسك ( التوريق ) قيماً جمالية تدل على ديمومة الحياة من خلال ما يتركه الإنسان من فكر وحضارة وهو بهذا ليس بحاجة إلى تزويق لوحاته وإنما تكتفي بذلك الألق التي تميزت به المخطوطات العربية التي اقتصرت على الحبر والورق .
قد تذكرنا بعض ملامح اللوحة وحركة الحروف واتجاهها العمودي بما امتازت به كتابة أمم وشعوب أخرى في شرق أسيا وهذا لا يتقاطع مع القيمة الحضارية بقدر ما يعزز أهميتها ووجودها كنتاج للفكر الإنساني أينما وجد.

مرفق 2 /

ويعيد لنا محمد شعراوي فكرة بناء العمل الفني التصاعدية ومن خلال بناء النص في الخط العربي مذكرنا باللقى الأثرية الجدارية أوشواهد القبور ولكن بطريقة تشكل إبداعياً متوائماً بين الحروف المستلهمة من الكتابات الحيرية والمكية والمدنية ومن ثم جاء بعدها في الخط الكوفي الغير منقوط في صدر الإسلام. وهو بنفسه هذا لا يبتعد عن بنية الخط العربي رغم معالجة تكوينه بمادة مختلفة ألا وهي الخزف.
وقد شهدنا طيلة العصور الإسلامية استخدام مواد مختلفة لتفيذ الخط العربي وبتقنيات متعددة. وفكرة التكرار هنا تستمد قيمتها الفنية من سطر الكتابة الذي شبهه ابن متصلة ( بالسمط ) الخيط الذي تنتظم منه حبات اللؤلؤ.
وسطر الكتابة ذو أهمية بالغة في أنتظام الحروف والكلمات والجمل في اتصالهاوتركيبها ووصلها ولكنه هنا يلغى بطريقة إبداعية الفراغات الحاصلة بين السطور ليعيدنا إلى فكرة المشق الذي قام به الخطاط في ملئ صفحاته بالحروف.
وتنفيذ ذلك على مادة الطين ومن ثم مخزنا يمنحنا ذلك النحت الفخاري البارز الذي يجعل من توزيع الضوء على سطح الحروف اللون الأساسي الذي يمنحها قيمة جمالية إبداعية. فما بين الثنايا والخطوط الفائرة الداكنة وبين السطوح البارزة وسطوعها تتشكل إيقاعات حروفه كإيقاعات الخطوط ووظائفها الجمالية عبر العصور الإسلامية.
.
تستوحي أعمال ضياء العزاوي مناخها الروحي من جدلية المناخ العام الذي كان يحيط بالمعلقات الشعرية العربية، وماتكتنفه من معاني في القيم العربية الأصيلة، كالفروسية والبطولةوالمواقف التي تحلى بها العربي، وهذا ما تؤكده طريقته في استخدام الحرف العربي الذي تقترب صورته من الصورة العفوية التي كانت شاخصة في الكتابات القديمة، ولاتبتعد هذه الكتابة عن مناخ اللغة العام الذي يحيط بها، فهي تتناول غالباً أبياتاً شعرية ونصوصاً ذات دلالات لغوية تؤدي وظيفتها الفعلية كنص في تأويل اللوحة من ناحية وكأحد العناصر التي تشكل نسج اللوحة، بل أهم عناصرها، وتؤكد قيمة التضاد الكبيرة الناتجة عن التقاء الحبر على الورق بطريقة كرانيكية ابتعادها عن اللون وتأثيراته التزويقيةالتي يمارسها المزخرف، لصالح المعنى العام الالطبيعة لتكوين الذي يستقي دلالاته الأساسية دور المعلقة في البيئة العربية الجديدة التي تهدف ىإلى استنهاص الهمم وإشاعة القيم وإحياء كل دلالاتها ودورها.

رغم سيادة الكتابات الشعرية ماتثيره حركاتها الإيقاعية من رمزية وسحرية نتيجة لحركة الحرف الدينماكية إلا أن العديد من العناصر
التي تشترك في التكوين، فالؤوس المختزءة، والأيدي المتحركة، والعيون الشاخصة، والضلال القاتمة وسنابك الخيل وضرب حوافرها كلها تدل على صدى الوقائع والغزوات في الدفاع عن مجد الفبيلة التي استعارها الفنان كوحدة اجتماعبة لا تختاف بمدى كبير عن المجتمع بأوسع صوره، وهنا يؤدي الحرف العربي قيماً جمالية على شكل إيحاءات لاتخلو من عنفوان وقوة فضلاً عما تثيره قيمها اللغوية.
تنقسم أعمال الصكار الى منهجين مختلفين، الأول تمثل مجموعة الأعمال التي لا تختلف كثيراً من عما جادت به قريحة الخطاط العربي الذي أجاد المشق ووجود الحروف ورسم ترويساتها ووفقاً للقواعد، والأصول التي توارثها، وكانت تحتوي على كتابات بالخط الكوفي للقرن الأول للهجرة.
مبررزاً فيها نقاط الحروف الحمراء والملفوفة، ومضيفاً لها كتابات بالخط النسخي، مستعيداً فيها لوحة الخطاط العربي بقى من البساطة وكثيراًَ من الإتقان، ومؤكداً بالدرجة الأولى على ما تحمله هذه الكتابات والنصوص من دلالات في المعنى اختبرها الصكار بدقة من خلال مقدرته الأدبية وشاعريته الحالمة في قراءة النص من وجوه عديدة، وتأويله بطريقة يخدم الانتشاء والتكوين الفني.

أما المنهج الثاني الذي يستلهم الحرف عبر الكتل والمسامات للوصول الى ما يثيره ذلك من إيقاعات وتنوع في وحدة فنية تجعل من النص جزءاً لا يتجزأ من التكوين، والإيقاع الذي يسعى إليه الصكار هو الناتج عن إلتقاء الحروف العمودية والافقية من جهة وماسماه الخطاطين بالحروف الملفوفة والمجموعة من جهة أخرى .......... يظفي السواد على كتلة موسيقى خفية مختلفةالإيقاعات بأختلاف دلالاتها الجمالية.
إن التنوع البصري يستعيد استقراره على تلك الحروف الأصلية لخط النسخ العربي والممتدة على سطر الكتابة في نص تدل معانيه على اكتمال الرؤية لدى الصكار. فموسقاه مما بلغت مدياتها إلا أن لها مسارات تمتد إلى ذلك إلارق الأصيل لتعيد قراءة المخطوطة العربية وترسم لها ملامح جمالية عربية جديدة معاصرة.