عمر غدامسي محل اهتمام الفنانين وزوار المعرض
الصحافة / الخميس 18 مارس 2010
جدارية بخصوص الجائزة الكبرى لمدينة تونس عمر الغدامسي
الصحافة / الخميس 18 مارس 2010
جدارية بخصوص الجائزة الكبرى لمدينة تونس عمر الغدامسي
تيناس أو توناس او ترشيش، تبدو هذه الاسماء وفق بعض المصادر التاريخية الاسم الاصلي والمحرّف، لاسم تونس، اي تلك الرقعة الجغرافية، التي تأسست عليها اللبنات الاولى لتونس العاصمة اليوم، والتي يصف ديودور الصقلي موقعها بالنسبة لقرطاج قائلا: «من كل من هاتين المدينتين يمكن مشاهدة ما يحدث داخل الاخرى». اننا نعلم ما حدث لقرطاج، ومازالت اصداء لعنة كاتون تدوي مع رائحة الملح.انها اللعنة التي شملت ايضا تونس لانها ووفق ما تذكر المصادر التاريخية اخلصت لقرطاج فورد اسمها ضمن قائمة لعنة كاتون.لقد كانت ارادة الحياة اقوى من تلك اللعنة، عادت قرطاج من رمادها وكذلك عادت تونس وتجدد عمرانها وتنوع ليكون مرآة عاكسة لما شهدته هذه الضفة المتوسطية من حقب وحضارات. فمن هضبة القصبة وعلى امتداد شوارع وازقة المدينة العتيقة، تمتد الشواهد الحية على ما خلفه الحفصيون والاندلسيون والاتراك. أما اذا دخلنا «المدينة السوري» كما يسميها البعض فاننا سنقف على شواهد الحراك الاجتماعي الذي تولّد عن الحقبة الاستعمارية. من خلال تنوع اساليب المعمار الكولونيالي وتوزعه وفق البنى الاجتماعية انذاك. وكذلك موقع الاقليات الاوروبية ضمنها (ايطاليون.... يهود... الخ) .تونس العاصمة ليست ذلك فقط انها ايضا ذلك التمدد العمراني بانعكاساته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. الذي حصل بعد الاستقلال الوطني. انها ايضا المنازه والمنارات والاحياء الشعبية المحيطة بها كحزام.لماذا هذا الحديث عن تونس العاصمة؟... لماذا هذا التذكير بأنها ليست فقط حقبة تاريخية ساكنة، حفصية أو كولونيالية؟ لماذا هذه الاشارة المختصرة الى انها أيضا منازه ومنارات وأحياء شعبية؟ هل لمجرد القول بأن تونس العاصمة، مدينة معاصرة تحتضن شواهد ما فيها وذاكرتها دون ان تلغيها او تطمسها؟ نعم لكن الا يمكننا ان نخشى ممن يقوم بالتأريخ، وعبر اختيار انتقائي ما دامت شواهده متعددة ومتنوعة، بالغاء تلك الحلقات التي تربط ما سبقه، وما لحقه وما سيلحقه، مادام ليس للتاريخ سرير؟.اذكر هذا وأنا أستعيد هذا الربط العائد إلينا من بعيد، بين موضوع المدينة العتيقة وبين الجائزة الكبرى لمدينة تونس، والتي تمنحها كما هو معلوم بلدية تونس.قلنا انه ربط عائد من بعيد، لأنه سبق وأن أثار موضوع ربط الجائزة المذكورة بمدينة تونس العتيقة، كثيرا من النقاش بين الفنانين والنقاد في أواسط التسعينات، مما أثمر تغييب هذا الشرط في تقييم الاعمال المرشحة للجائزة، ورأينا كيف توجت عديد الاعمال بالجائزة الكبرى، لأصالتها ومستواها الإبداعي، بغض النظر عن موضوعها ومدى ارتباطه بجمالية المدينة العتيقة، وهذا يعني ان بلدية تونس اقتنعت بالفكرة الأساسية وهي ان ما ستكرمه من خلال جائزة هو الابداع المتجلي في ربوع مدينتها وليست مدينتها كما تجلت في أعمال الفنانين، ذلك ان مدينة تونس لا يمكن اختصارها في مدينة عتيقة او في «المدينة السوري» انها كل ذلك زائد ما تحقق وتراكم ضمنها من شواهد معاصرة، والمدينة عموما ليست بناءات ومعمار، انها مجتمع ومدينة، انها ثقافة وافراد، واذكّر هنا بتلك اللوحة الشهيرة التي رسمها الحبيب بوعبانة، ونال بها الجائزة الكبرى، في اوائل التسعينات، اذكر تلك اللوحة من باب الشهادة، لأنني عايشت مخاضها في حيرة الفنان وتفكيره، فلقد اضمر بوعبانة المشاركة في الجائزة الكبرى، ربما بقناعة انه يمكنه الفوز بها، لكنه في ذات الوقت لم يكن مقتنعا بفكرة ان ينجز لوحة حول المدينة العتيقة، لبوعبانة لوحات عن المدينة العتيقة، قليلة وبالكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، لكنها موجودة، اما ان ينجز لوحة في الموضوع لفائدة الجائزة الكبرى، فهذا ما أزعجه، لسبب ما قد لا يكون أخلاقيا، لأنه ليست الاخلاق ما ينقصه، بل المال، وفق عبارة برنارد شو، ربما كان يكمن السبب في ذهن بوعبانة في ذلك الثقل، بجراحاته، العميقة، الذي مثلته المدينة العتيقة في مسار الفن التشكيلي التونسي، ثقل تعبّر عنه مقولة ان المدينة العتيقة هي جماعة مدرسة تونس والعكس بالعكس صحيح، ايضا وهذا ما لم يكن بوعبانة راغبا في التورط فيه، حتى لا يبدو وكأنه انهزم ورضخ لسلطة تلك الجماعة ورؤيتها، بفطنة ما وبذكائه المعروف، انجز بوعبانة لوحته والتي تصوّر أحد «البلدية» بطربوشة التركي المميز وهو جالس على أحد كراسي شارع الحبيب بورقيبة في المدينة السوريفاز بوعبانة بالجائزة الكبرى وكان الجميع راضيا وسعيدا... المانح والممنوح وما بينهما من معلقين ومتابعين. واذكر ان بوعبانة علق على لوحته قائلا : «لقد جعلتهم يخرجون الى مدينتي» ومدينته كما نعلم جميعا هي الشارع الرئيسي بازقته وناسه وفضاءاته مدينته هي اليومي والليلي هي الفضاء العمومي بزخمه، بشياطينه وادعيائه، مهمشيه، وموظفيه، غربائه، ونسائه وغسقه ومكره مهرجانه وعزائه.. تلك هي المدينة.. او بعض هيئاتها.لنعد الى السؤال لماذا هذه العودة الى ربط الجائزة الكبرى بموضوع المدينة العتيقة... ؟هل لتكريم انجاز ما تحقق؟ كما ردد ذلك البعض لكن أليست الجائزة الكبرى في حد ذاتها انجازا وحدثا له سياقاته المخصوصة والتي ليس من المعقول الحاقها وربطها بسياقات من خارجه؟ قد يشير البعض قائلا: بأن موضوع المدينة العتيقة لم يكن شرطا بل اختيارا قد يقبله فنان وقد يرفضه آخر. وهذه نقطة تثير التساؤل فان تكون اعلنت عن اختيار ما فهذا يعني انك افصحت عن توجهاتك وعن رؤيتك وهما عنصران لا يمكن ان نتخلص منهما كما لا يمكن لمن سيتقدم للجائزة ان يغفل عنهما.السؤال الاساسي الذي نطرحه لماذا هذه الاستعادة لموضوع المدينة العتيقة بعد ان اسالت الكثير من الحبر وبعد ان اعتقدنا انه موضوع طويت صفحته وان اي نقاش حول الجائزة المذكورة عليه ان يترسخ كيفية جعلها نتائج فقط بل وكمشاركة مرآة عاكسة لما وصلت اليه فنوننا الحديثة والمعاصرة اليوم؟.بمعنى آخر فمن المهم ان تكون هذه الجائزة انعكاسا لحدود مدينة تونس ولحدود حركة الفن ببلادنا وهذا ما يمكن تحقيقه بأريحية خاصة وان عدد الجوائز الكبرى والاعتبارية المخصصة لميدان الفنون التشكيلية بالكاد يعدّ على اصابع اليد الواحدة وهذه حقيقة تحسب لفائدة بلدية تونس التي رسخت هذه الجائزة كتقليد وموعد سنوي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire