جدارية
الجريمة والفنّ
عمر الغدامسيقد
يتحدث البعض من أصحاب الخبرة والإختصاص، بطلاقة، عن فن الجريمة، لكن هل يمكننا ان نتحدث عن الفن كجريمة؟هناك ايضا من قد يتحدث بطلاقة عن الجريمة الكاملة، اي تلك التي ترتكب دون كشف عن فاعلها، قد نتذكر عديد الأفلام وروايات البولار، التي تصدت لهذه الفكرة، بالقول بأنه لا توجد جريمة كاملة، مرة باسم عدالة السماء وتارة باسم ذكاء العقل البشري.***هذا الاختلاف حول وجود أو عدم وجود الجريمة الكاملة، قد يغوينا، لو ربطناه بالفن، كأن نسأل عن الأثر الكامل، الذي ينتهي بنهاية صاحبه، جريمة كاملة، أثر كامل، ما يربطهما وجود فاعل، مسرح جريمة في مكان الفنانين... صديقنا مصطفى الحلاج، ما ان عاد من الدورة العاشرة لمهرجان المحرس الدولي، على ما أذكر، حتى بدأ في إنجاز لوحة لا تنتهي، ذلك ما قاله لنا انذاك، ليجعلنا نحدس، بأن اللوحة ستنتهي بنهايته هو، وهذا ما يحدث مع كل أثر، غير ان النهاية ولنقل الكمال كان مع مصطفى الحلاج في نفس تلك الصورة التي كانت عليها شخوص محفوراته القادمة من الأساطير المأساوية، حيث في ليلة يتيمة تفطن الحلاج، الى ان النيران تشتعل داخل مرسمه، فاقتحمه، لانقاذ لوحته، وهناك اختنق ومات متوحدا، بما تبقى من اجزاء لوحته.***هكذا ينجز رسام ما لوحته:يبعث الالوان الشفافة على القماشة، ينتظرها الى ان تنشف ليبعثر فوقها ألوانا اخرى اكثر سماكة. هكذا تتراءى له القماشة الآن، غيوم وهيآت مشوشة، سيتمعن فيها، يحاورها وتحاوره، تكشفه ويكشفها، ومن ذلك الانصهار، يتجسد المرئي ماذا لو جرّبنا الكتابة بهذه الطريقة؟... لطخة لونية هنا.. اخرى هناك.. معنى هنا.. معنى هناك. لون.. كلمة.. مأزق.. حل غير معلب.. الرسم كما الكتابة.. لا ينتميان الى جنس المعلبات.في البدء كانت الكلمة.. في البدء كانت الفوضى.. في البدء كان لون.. الصيرورة تحتاج الى الوان اضافية، هنا يكمن الانساني قلنا، ماذا لو جربنا الكتابة بطريقة الرسم.. هذا ما نحاوله الان.. على الصفحة البيضاء لطخة هي بمثابة القيمة اللونية، اسمها الجريمة على نفس الصفحة لطخة لونية في عمق الازرق اسمها الفن. ما يربطهما هو جسر ضبابي كما في لوحة يابانية عتيقة.***كان الفنان الحبيب بوعبانة في حياته، يفتخر، بقدرته الرهيبة، على التواصل والعيش مع مختلف شرائح المجتمع. وكانت صداقاته الواسعة تؤكد ذلك.. مع انه كان له ميل غريزي للتواصل مع المهمشين والخارجين عن القانون والمتحيلين، وما شابههم، حتى انه كان يبدو لي أحيانا، وكأنه أقرب الى هيئة فتوة فاشل، وجد ضالته في الفن.تونس التقليدية التي عرفت الفتوات الصالحين... كان بوعبانة يشبه الفن بالجريمة.. وكان يقل بأن الفرق الوحيد بين الفنان والمجرم، هو أنّ الاخير يحرص على أن لا يخلف بين مسرح الجريمة اي اثر، عكس الفنان الذي تراه يوقع ويؤكد أمام الملأ جريمته. ما لم يقله لنا بوعبانة هو هل ان الجريمة التي يرتكبها الفنان هل هي ضد نفسه، أم ضد الاخرين.. ضد نفسه الذي حملها أعباء وأثقال ذلك المصير المهلك الذي يصنع من الفنان فنانا مبدعا، أم هي جريمة ضد الآخرين، يحتمل تلك الصفات الشيطانية، عن الغواية وبلبلة الذهن والروح وجعلنا في منطقة الفوضى والمراجعة والشك.قد يجد مجرم ما توازنه النفسي في الجريمة، كذلك الامر مع عديد الفنانين الذين يطلون علينا حاملين جرائمهم، مؤكدين لنا بأن الأمر بالنسبة اليهم هو التعبير عن عواطفهم.قد يسرق لص ما بنوكا بحالها، دون حاجة للتسلل اليها خفية، بل يدخلها راقصا، فرحا مزهوا، وهو يتأبط لوحات بائسة تتفنن بجمال المدينة العتيقة او اخرى تؤكد هويته المرتهنة لحرف معرق او اخر مغربي.***ليس للجريمة حدود... ماذا لو لم يتم ترقيم وتبويب القوانين، يجيب أحدهم، لحظتها ستستحفل الجريمة.ليس للفن حدود... للقانون حدود، ماذا لو وضعت للفن حدود، يجيب احدهم، لحظتها ستحتفل الجريمة.***لا شيء، بعد، فقط لنتذكر كل تلك السير التي كتبت عن فنانين من طينة فان غوغ، مودلياني، سير هي شهادات عن جريمة، لن تكمل دورتها...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire