الفنان نور الدين أمين
الحلم الطفولي والمزاوجة بين بين المرئي والمتخيل
الفنان (نور الدين أمين) يبحث في الكامن ويشيد فضاءات هارمونية
محسن الذهبي - لندن
ساستعير للدلالة في النظر الى اعمال الفنان التشكيلي العراقي (نور الدين أمين ) بقول الشاعر الروسي العظيم بوشكن في وصف اعمال غوغول : (( يا الهي انه لم يخترع شيئا من عنده بل انه حكى الحقيقة البسيطة ...)) فمن السذاجة القول ان اعمال الفنان مجرد العاب فنية في ملعب الموروث الشعبي واستغلاله لها ، كما فعل الكثير من الفانيين العرب دون وعي . لكنها عند (نور الدين أمين ) بلا شك تعبر عن حالة ابداعية مرئية مطبوعة بداخله فهو يزاوج بين المرئي بدلالته اللغوية واللامرئي الجمالي بدلالته الفنية . فاستعانته بعناصر هندسية وكتابية ماهو الا التصاق بحالة روحانية تبحث في صفاء ملكوتي لارضاء كينونة ذاتية تبحث في هدف ظاهري وهو الهدف الزخرفي المتحرك بالوانه الصاخبة وبين هدف باطني روحاني يسمو بتلك الاشكال والرموز عن شكلها اللغوي والاشاري ليعطيها بعدا قدسيا يرتكز على البنية الجمالية . فقد ارتكز الفنان على مجموعة من الاشارات والرموز مطلقة التجريد ليخلق معادل موضوعي للامرئي ليشكل قاعدة سايكولوجية تساعد المتلقي على التواصل وتفهم البعد الجمالي لتشكلات الرمز الصوري .
فهو يعتمد في تجريده لتلك الاشكال والرسوم الاشارية والحر وفية لاعادة انتاج اعمال تشكيلية تستمد قوتها من اتحاد الفن والموروث . فما التجريد الا بحث عن المشخص الكامن في أعماق الشيء وتشييد فضاء هارموني تشكيلي مغري للعين . فالمبدع الحقيقي هو الذي يصل الى مستوى من السمو الروحي يريد من ذلك تقديم شيء غير معتاد للجمهور المتلقي وعلى اختلاف وعية وثقافته وليضيف عناصر جديدة الى المعرفة البصرية مبتعدا عن الاستهلاك للفن الفولكلوري والتراث الشعبي بخلق عوالم خاصه به.
أن ( نور الدين أمين ) يشتغل على ذاته كفنان له خصوصيته الرمزية وكمبدع يحاول ان يتميز في اعادة صياغة ثقافته المحلية لاضافته كمنجز تشكيلي يغني الثقافة العالمية ويبحث عن الخلود في ذاكرة المتلقي . فكما يقول رولان بارت ( ان الأثر لا يخلد لكونه فرض معنى وحيدا على أناس مختلفين ، وانما لكونه يوحي بمعان مختلفة لانسان وحيد، يتكلم دائما اللغة الرمزية نفسها خلال أزمنة متعددة .)
ان مدلولات الفنان ترتكز على ثلاث عناصر هي الرمز والواقع والاسطورة لذا نجده يحول كل مرموز الى شكل اسطوري ليعطيه بعدا ما قد نجد له تفسيرا واقعي في ذاكرتنا على الاقل . ان التنافذ المشهدي في لوحات الفنان للمعاني ينفتح بشكل دائم على المطلق . وهكذا فلوحاته تحمل قدرا من وضوح الروئية بقدر ما تختزن من الموروث الثقافي والايحاءات المتخفية في احتمالاتها، لتكون محور مركزي في نسيج المنتج الابداعي . فهو يعطي للحيز الباطني مدلولات طفولية وكانه يكشف عن حيز رؤيوي ينمو كصور لحلم متكرر او متفرد وبطريقة استبداليه متطابقة مع مفرداته التشكيلية كاشفا عن السر الجمالي للمشهدية الرمزية بلغة تشكيلية حديثة تحاول تكثيف علاقة ايقاع النسق الرؤيوي الجمالي واستيطاق المضمر وغير المرئي للرمز عبر التحول من ثيمة الى اخرى وتمازج واضح بين اليومي بالاسطوري ، والابدي بالحلمي ..وليجعل من ذلك الرمز هاجس للعملية الابداعية وباعث على المتخيل .
ان الفنان يحاول جاهدا ان يعري الواقع من خلال الرمز الاسطوري فيعريه ويعيد طرحه وتكراره في بعض الاحيان لينزع عنه اقنعة الغموض المبني علية اساسا ويضيف اليه غموضا مستحدث محاولا ان ينتج سردية حكائية معاصرة يتداخل فيها فضاء الوجود مع فضاء الفراغ منتجا سردية متنامية في تشكيلات حلمية متنوعة تربط بشكل ما وبتلقائية بين الفضاء القصدي ومدلولاته وبطريقة استبداليه وتطابقيه احيانا ، تتحرك بين مفردات وثيم لا تتجاوز مفردات التراث والحلم .
ومن هنا تاتي اهمية الرموز في خلق هذا التمازج وهاجس للفنان وباعث على ايقاظ المتخيل لديه . فالحلم الطفولي يشكل المظهر الاول ومحور جوهري في تحريك تلك البراءه ليوقظ في المتلقي مرموزات للذاكرة الجمعية والذاتية في ذات الوقت، انه يجدد صياغة تلك الرموز بغية اضافة الفائض المدلولي للاشكال وتكراريتها من خلال ايجاد زمن ابداعي يتجاوز الزمن الواقعي ويعيد تكثيف وصياغة الما ورائية من خلال ايجاد رؤيوية تتمايز وترتكز على اركيولوجية للذاكرة .
لقد استطاع الفنان العراقي( نور الدين أمين ) المغترب في المانيا منذ عام 2000 و المولود في (كركوك – العراق عام 1966 ) وهو من عائلة فنية معروفة تميز ابناءها الخمسة وكل واحد منهم شكل حضورتشكيلي واضح ومتميز في الساحة التشكيلية العراقية والمغترب، أن يتخطى حدود محليته كما سائر أخوته. ليقدم لنا اسلوبا يعتمد على الموروث الشعبي العراقي بكل الوان طيفه الثقافي واعادة انتاجها بقالب يمازج بين ذلك الموروث والخيال الفني كي يصل باقرب الطرق الى اعادة صياغة وعي المتلقي فهو عبر اعماله يستند الى ما هو اساسي وجوهري في وجدانه الحضاري دون الابتعاد عن خصوصية الطرح الاسلوبي وتفرده في استثمار تلك الاشارية الطلسمية الشعبية والحروفية الكتابية والصورية الاشارية المغرقة في محليتها لنقلها الى العالم وتقديمها كدلالة جمالية وبرؤية معاصرة .
محسن الذهبي
كاتب وناقد تشكيلي عراقي مقيم في بريطانيا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire