الفنان التشكيلي الجزائري تبرحة نور الدين
الكاتب: بوكرش محمد
طفل كباقي الأطفال تربى وترعرع جاريا، كان كحل عيون أم وأب سكنا لمدة على جنوب أعالي جبال الأوراس الشماء (المكان الذي كان مسرح الثورة التحريرية الجزائرية)، على حدود باتنة وبسكرة جنوب شرق الجزائر. تدحرج وعورة وصعوبة مسالك المكان متعثرا في معظم الأحيان، بين سقوط ووقوف على مرمى حجر من البيت وعيون أمه الماسكة بألوان خيوط ما تنسج، هذه التي طالما بعثرها ولعب بها لتبدأ القصة، قصة بدايات خط الألوان والمكان لفنان الجزائر اليوم
اشتد عوده ونطق لغة أمه، لغة مناصرة الإسلام، أمازيغية كانت لغة سكان شمال إفريقيا ولغة تبرحة نور الدين الطفل.
تسميته نور الدين كفيلة بالدرجات للتعبير عن مدى أهمية الإسلام والعمل به الشيء الذي يقودنا إلي بدايات تكوينه وتعليمه لغة دينه لغة القرآن الكريم.بدأت المرحلة الأولى بالتحاقه بالكتاب وبالأبجدية (بالألف الذي لا شيء عليه والباء نقطة من الأسفل والتاء اثنان من الفوق...).
تعلم الأبجدية وحفظ نصيبا من السور القرآنية التي كان يرددها دون أن يفهم شيء منها إلا ما قل بالترجمة من العربية إلى الأمازيغية.التحق بعدها كباقي الأطفال بالمدرسة الابتدائية أين وجد عددا منهم لم يسبق له من قبل أن رأى مثله، أشكال وألوان وأمزجة مختلفة، تأقلم مع بعضهم ورفض آخرين بالمباريات بينهم والتباهي بالتحصيل والمعرفة لهذه اللغة الجديدة عندهم والتي تفرح لها الآباء والأمهات بالتحفيز والتشجيع، كأن تعطي الأم ولدها بيوض دجاجها ليقايض بهم الحلويات وبعض من الأقلام الملونة والرصاصية
بعد المكان عن المدرسة ووعورة المسالك أجبرت الوالدين المرحومين أن يتنقلا به من الجبال إلى المدينة، كانت الوجهة والمكان الذي قصداه من يومها إلى الآن مقرا ومستقرا لنور الدين إلى يومنا هذا، هي المدينة التي عرفت بالصحابي عقبة بن نافع أين دفن وبني عن قبره مسجدا سمي باسمه رضي الله عنه وأسكنه فسيح جنانه.
أطفال جدد، مناظر جديدة، محيط واحات ورمال، بساتين آلاف من النخيل، تمور من أجود التمور بأصناف ومذاق مختلف، بيوت مصففة وأخرى مبعثرة، عالم جديد وغريب في نفس الوقت على تبرحة، وما زاده غرابة اللغة المنطوقة هناك، اللغة التي شدت انتباه نور الدين بقوه، لأنها المفتاح الوحيد للتواصل،وجد نفسه محط انتباه، محط إعجاب واستفهام، هذا الذي لا يتكلم غير اللغة العربية الفصحى، لغة الدراسة والتحصيل الرسمية، تعجب لأمره أطفال مدرسته الجديدة أين يتكلم الصبيان في الساحة والشارع ومعظم الوقت بأقسام الدراسة اللغة العامية التي لن يتعوعد عليها بعد ليمر عاديا.
عقدة أصابته وانطوى على نفسه المدة الكافية لصنع عالم لعبته المفضلة بعيدا عن عالم السخرية وشذوذه بين زملاء الدراسة.
لعبته المفضلة هي رسم كل ما جال بخاطره أو شد إعجابه ونال بذاك رضاء المعلمين وهؤلاء الذين شذ في نظرهم من الزملاء وبعد مدة انفكت عقدة لسانه من الحسن إلى لغة... الشارع اللغة الشعبية التي هي عبارة عن فسيفساء أمازيغية عربية تركية رومانية فرنسية تعلو وتنزل نسبة العربية فيها حسب المناطق والعادات والأصل والامتداد، والجزائر معروفة بهذا الثراء لوسعها ولما مرت به من تعاقب الأجناس والثقافات على مر الأزمنة والعصور.
الشيء الذي تسبب فيما بعد بامتياز في رسم مسار نور الدين وتوجهه لاستعارة لغة تعبير أخرى كتعويض... وكان هذا التعبير تعبير تشكيلي أستحضر فيها خيوط أمه الصوفية كخطوط وألوان عرف بها وتميز عمله الفني التشكيلي الذي تطورت مع نضجه وإحساسه بالأشياء ودرجة أهميتها من بين جملة احتياجاته الآنية الطرفية بما في ذلك متوسطة وبعيدة المدى، التي ركز في معظمها عن الأصول والامتداد الثقافي الحضاري، وهذا ما يميز عمله الفني التشكيلي عن باقي الفنانين
يحسن إلى اليوم لغة أمه الأمازيغية ولغة القرآن العربية التي ينطقها ويتكلمها بامتياز أحسن بكثير من معظم العرب أنفسهم، يعد من ألسنة حال الفنون التشكيلية المتميزة الممتازة، عربيا وعالميا.
مفخرة كل العرب والبربر، فخر لي أن عرفته مثل ما أعرف نفسي أخذت بيده شابا وأخذ بيدي شيخا، وضع بين ذراعيا أبناءه وأنا ضيف في بيته رعاهم الله بحفظه وصونه: ماسنيسا*، سيرتا*، نوميديا*، وتينهنان*.
أطال الله عمره وعمر زوجه الكريم إلى أن يلاقيا البارئ الذي صور وأبدع.إلى روح الفنان أخي تبرحة نور الدين والشاب الذي هو على الدرب لاحق الأستاذ مداني محمد لمين الذي سيكون عنوان موضوعنا اللاحق بإذن الله وعونه.*ماسنيسا : اسم رجل/ قائد وزعيم أمازيغي.*سيرتا: اسم بنت / الاسم القديم لمدينة قسنطينة عاصمة العلامة بن باديس.*نوميديا: اسم بنت/ شمال افريقيا كان يسمى بهذا الاسم.*تينهنان : اسم بنت / ملكة بربرية أقصى جنوب الجزائر
بوكرش محمد الجزائري 28/1/2008
2 commentaires:
يملك هذا الوطن كما من الفنانين هضم من حقوقهم ما لا يمكن تخيله.. أقل ما يمكن فعله لأجلهم هو أن نفرج عن أسمائهم المحبوسة في طي النسيان ههنا
ألف شكر لكل من ينشر هذا الجمال
شكرا أختي أحلام مرة ثانية ولك مني تحية حب وتقدير
بوكرش محمد
Enregistrer un commentaire