الإبداع التشكيلي في صورة الثور المجنح الاشوري
أ.د. زهير صاحب
03/09/2008
باستقصاء تحليلي لبنية الأفكار الكامنة في بنية تركيب شكل الثور المجنح الاشوري، وآليات أحالتها إلى دلالات شكلية ، يبرز نوع من القصدية والسعي المعرفي لتحطيم نظام الصورة الأيقونية كقيم بنائية مادية ، متحولة لبنية فكرية تسقط الصورة الذهنية، ولكن كأيقونات ذات مغزى كوني . معمقة الدلالة في نظام الرمز، ليؤدي تأويله في تعدد الدلالات، في بنيته الميثولوجية والسيكولوجية والميتافيزيقية . ذلك أن صلة التشابه المادية المنظورة ، قد تم الاستعاضة عنها بصلة روحية غير مرئية هي صلة الرمز، حيث ترتفع المدلولات فوق الظاهرات الطبيعية المنفردة ، وبنوع من التضايف بين المادي والروحي وبين الطبيعي والرمزي .
وتكشف دراستنا التحليلية لصورة الثور المجنح، إلى ان الصورة الذهنية للفنان المبدع ، استطاعت ان تبرز اكثر الجوانب والوحدات تعبيراً في كل عنصر من عناصر التكوين، باعتبارها نوع من العلاقات الفكرية والشكلية التي انتزعها الفنان انتزاعاً من المعطيات البيئة وأحالها إلى دلالات رمزية، بعد تكثيف الخطاب التواصلي الذي تبثه كبنيات رمزية، فالشكل هنا، ليس مجرد انعكاس للتجربة الخارجية، بل نتاج روحي، انه إبداع إضافة للوجود . وهو ذلك الجوهر الذي يتصف بالوعي و الإرادة قبل كل شيء ، إنها تمثلات الوجود الإنساني وبما يرضي إشكالاته التعبيرية ، فتمكن بهذا من تصنيف الظواهر ، وأدراك ما بينها من علاقات ، فجعل لكل قوة رمز ، وعلى هذا النحو تحولت الأشياء و الظواهر إلى رموز ومفاهيم . سرعان ما وجدت لها مناخاً اجتماعياً شاملاً وعميقاً اتفقت الجماعة على عظم أهميته.
ويقف في مقدمة هذه القوى في تركيب نظام الصورة، شكل الثور ، تلك الدلالة الرمزية، التي ظهرت في الفنون التشكيلية الرافدينية منذ أعماق التاريخ ، وهي تؤشر قراءة علامية - القوة - الخصب - التكاثر -الفحولة -التناسل . وبغية تعميق دلالة العلاقة، فقد ظهر الثور بجناحي نسر، وهو كذلك يتصل بدلالته الفكرية بمفاهيم - القوة - السرعة الطيران . وقد كثر توظيفه في التشكيلات النحتية الرافدينية بمثل هذه الدلالات . وخصوصاً في النحوت السومرية. وهذا التعبير عن الذات الذي يجد انعكاسه في الأعمال التشكيلية ، هو بمثابة دليل أو مرجع تسترشد به الجماعة. ويبقى الناس متشبثين به، ويغلبهم إزاءه التوقير والاحترام. لقد جسد الفنان مخططه الذي ارتسم قبل ذلك بوعيه وإدراكه، وهو نظام من العلائقية بين الظاهرة الحسية الطبيعية بخصائصها المعروفة، وعالم الموجودات الروحية . ولذلك يقف في مقدمة هذه المنظومة العلاميه في تركيب صورة الثور المجنح، صورة (بورتريت) الآله الآشوري، بدلالة زوج القرون التي تتوج الرأس، وتقرأ العلامة هنا - قدسية - ماورائية - مطلقة . وهذه المدلولات الرمزية، هي بمثابة تكثيف للأفكار بخطاب التشكيل ، وهي بدائل سحرية للتعبير عن أيدلوجيا الفكر، فقد كانت بمثابة العوذ السحرية في تركيبة الفكر الاجتماعي.
وإذا استثمرنا بنية العلاقة سوسيولوجيا، يمكن قولبة قراءة العلامة بشكل الأتي :
(قوة الحياة الأبدية)، وهذا هو التفسير العقلاني باتجاه خلق موازنة بين الإحساس الداخلي (الذات المنفعلة) وعالم التجربة الخارجي (قراءة الموجودات) حيث تكون مهمة التشكيل إدراك مثل هذه الموازنة، فمثل هذه الأشكال كانت نوعا من الترجمة الرمزية للخبرة، لتكون طاقة رمزية غير متناهية، ومادة سحرية دائمة، ومفردة من مفردات التجدد، فهنا تنبثق روحية الوعي كإبداع وخلق ، ذلك أن شكل الثور المجنح لم يعد دعامة معمارية، و أنما تمثالا وعملا إبداعا لكل الإنسانية، وشعاراً إبداعياً لارض الرافدين التي أحبت من أعماق التاريخ كل الإنسانية .
ان فحصاً نقدياً لنظم العلاقات التشكيلية ، يتحرى الكشف والتأويل ، لنظم العلاقات التكعيبية في صورة الثور المجنح ، وهي تواجه المشاهد بأكثر من مسقط نظر في لحظة زمنية واحدة ، سيصل إلى نوع من التقابل المتضايف ، ويعقد نوعا من التشابه بين شكلانية نظام صورة الثور المجنح ونظام الصورة التكعيبية، شرط إقصاء المدلول الكوني كعلامة فاعلة في صورة الثور المجنح . وفهم عميق لتحول نظم الذائقية وخصوصية التحولات في الدافعية والقصد في ابداعات الفن الحديث.
وإذا ما أعدنا الفحص، وهذه المرة لنظام تركيب العناصر الصورية المركبة في التكوين . سنجد ان الفكر الماثيولوجي، قد أبدع تكوينا يعدو بأربع أرجل، وما وجود الرجل الخامسة، إلا تعويض عن إحدى الساقين الأماميتين، والتي وهبت لتمثل شكل الإله بشكل كامل، فيما إذا نظر إليه من مسقط نظر أمامي . انه نوعاً من التمسرح الزمني لتعالق المركبات التشكيلية، والذي يعقد نظام من الصلة مع اليات الاستيعاب البصري، وبما يحدث في أية لحظة والتي تليها ، حين نتجاوز المدلول الظاهري للتمثيل الشكلي إلى نظام من الانسجام بين الطبيعي والرمزي .
أ.د. زهير صاحب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire