www.rasoulallah.net

www.rasoulallah.net
موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم

Haloudi Issam

Haloudi Issam
حمودي عصام

Ghada Abdel Moneim

Ghada Abdel Moneim
غادة عبد المنعم

الفنان محمد طوسون

الفنان محمد طوسون
المتفرد.. محمد طوسون والله أكبر

Saadi Al Kaabi

Saadi Al Kaabi
العبقرية سعدي الكعبي

BOUKERCH ARTS et LETTRES

BOUKERCH ARTS et LETTRES
بوكرش فنون وآداب

ISLAMSTORY

ISLAMSTORY
أنقر على الصورة وتابع الحضارة الاسلامية

مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


مرحبا بكم بمحراب بوكرش 1954 الفني


فاتحة المحراب (بوكرش محمد) بتوقيع الفنان القدير ابراهيم أبو طوق لموقع فنون1954 بوكرش محمد


شكري وشكركم بالنيابة للفنان الرائع العبقري المتواضع الخطاط ابراهيم أبو طوق الجزائر


الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

الفنان القدير ابراهيم أبو طوق
الفنان القدير ابراهيم أبو طوق

مرحبا أهلا وسهلا بكم أصدقاء محراب بوكرش محمد فنون 1954



يسعدني أن تجدوا فضاء يخصكم ويخص أعمالكم ، البيت بيتكم وكل ما فيه بفضل الله وفضلكم...منكم واليكم، بيتكم لا يتسع ويضاء الا بكم... مرحبا
بوكرش محمد الجزائر

lundi 8 septembre 2008

التماثيل السومرية .. المرجع والتواصل




التماثيل السومرية .. المرجع والتواصل

أ.د. زهير صاحب
Monday, 08 September 2008

مقـــــدمة: تؤسس التاريخية منهجها، بإخضاع الفن لقوانينها " فقد كان الفن غير منفصل عن التاريخ، ولا يمكن فهم أحدهماَ فهماً صحيحاً دون الأخر وغالبا ما
كان يُقال إن فعل الفن هو أن يوصل إبلاغاً لازمن له . غير إنه لا يمكن تفسيره إلا عن طريق المعرفة الخالصة تماماً بالأحوال التي أدت إلى إبداعه " (بارو، 1977، ص157) . هذه النظرية تضع التماثيل السومرية كخطابات تشكيلية إبداعية ضمن فكرة تفعّيل المرجعية، وتؤكد جوهرها الفكري بأن النظام البنائي للتماثيل السومرية، هو إفراز من إفرازات البنية الثقافية السومرية، هذه البنية المغلقة على ذاتها والمكتفية بذاتها أيضاً، كيّفت أنساقا من النظم الشكلية، وبفاعلية مغناطيسة، مغنّطت الأشكال بما هو متيافيزيقي ومايثولوجي فقبلتها الذات البشرية الجمعية دون أي قهر، بوصفها (الفضيلة) الآمرة، ومثالاً للكمال، و نظاماً للشكل في مثاليتهِ العليا الموقرة .

وحين تنير التاريخية دائرة النص من الخارج، فإن فكرة (التواصل) مهتمة بالتنقيب في دائرة النص من الداخل، فغالباً ما تحقق التاريخية نظم الأشكال الفنية، بفعل (عجنها) يقبضة الزمن المحكمة . إلا أن التماثيل السومرية ليست من هذا النوع، إنها تشكّلات وجدت شكلانيتها بذاتها، وشيدت تاريخها من رسوخها . فهي نوع من قراءة التاريخ بدلالة الفن وليس العكس . وإذ تؤسس الأشكال النحتية السومرية ذاتها بدلاً من صناعة التاريخية لها، وفقاً للثورية الكامنة في جوهر فكرة (التواصل) . فإننا لا نبغي تحطيم أسيجة البنية السومرية وأنظمتها العاملة في تفاعلها الجدلي، وإنما نقيم فهماً للفن على إنه نوع من التمرحلات (التراكمية) بصدد الكيف في تحولات البنى ضمن التجربة والخبرة لإنسانية في شموليتها . ذلك إن التماثيل السومرية، لا تعني ولا تمثل ولا تستعيد (شيئاً)، لكنها قادرة على إثارة أرواحنا كما تفعل الموسيقى، فالتمثال (الموضوع) هنا غير مقروء لكنه جميل مثل البلورة . إن هذا التمثيل بالنسبة للنحت، كالشعر بالنسبة للفن والموسيقى بالنسبة للأدب . إنها بمثابة نقاط انطلاق إلى (إبصارات) أبعد مدى .

إن هذه (الشذرة) تهتم بإقامة تقابلات فكرية بين مفهومي المرجع والتواصل باعتبارهما نوعاً من الحلقة النارية التي تحدد دلالة الخطاب التشكيلي السومري في الزمن المعاصر .

1. المـــرجع :
لم يفرد حكام سومر وكهنتها في مناهجهم الفكرية تأويلاً يختص بالنشاطات الفنية، إلا إننا يمكن إن نتحرى ميول الفكر اللاهوتية وتأويلاتهِ للنظم الكونية وبنيتهِ المايثولوجية والسايكولوجية، من تحليل وفهم وتفسير نظم العلاقات ومن ثم إعادة تركيبها في بنائية (المبدعات) التشكيلية . والتي توصلنا إلى إن نظم العلاقات المهيمنة في بنائية الأشكال، على إنها دلالات في شكلانية المضامين، معتبرين الإبداعات التشكيلية السومرية، نوعاً من البنايات التي تشتغل أنظمتها بسياقات من الديالكتيك بين العوامل المحركة لبنائية الفكر وما يميز الأشكال من دلالات تعبيرية . هذا الكيف الإبداعي في آليات إحالة النص من بنائيتهِ الأدبية إلى أنظمتهِ الشكلية، هو نوع من (التركيب) المتصف بالوعي والإرادة والقصد، تنّظم به ذهنية الفنان الأفكار وفق أنساق، معتمدة على مرجعيات معرفية، ترتبط ببنائية الفكر كماً وكيفاً، فالوعي ينطلق هنا، مما هو ذاتي واجتماعي وروحي . ذلك إن العقيدة السومرية تتحدث عن أشكال قد لا تكون موجودة دونها . فبنائية التماثيل السومرية التي تثير اهتمام الفكر المعاصر، لم تمت بموت الايدلوجية التي أوجدتها . فهي تقدم خطابها الإبداعي أكثر من كونها حجوم قد رتبت بأنظمة معينة . إنها أعمق تجارب لنا مع الفن .

لا ريب في أن من الطرق الجيدة هنا، أن نستخلص من الحوادث التاريخية، الجوانب المشتركة بين أشكال التطور، فيتمثل المرء فكرة أكثر تجدداً عن الدين وعن الفن . وتحظى هذه الفكرة بفائدتها، شريطة أن نستخلص من الحوادث فعلاً، لا أن تفرض عليها من خارجها . ذلك إن الكهنوت السومري لا يريدون أن يعرفوا سوى أفكارهم أو حدوسهم عن المثل الأعلى الفني أو الديني، ويزعمون تعميمه حتى درجة المطلق . وهذا ما يدعى الجميل بذاتهِ (أو الدين)، بدون أي نعت آخر، وعندما يراد إرجاع الفن أو التمثيل الفني أو الجميل إلى مبدأ وحيد، فهذا المبدأ كان تقريباً هو الدين.

ولد الفن في المعبد، ولنقل إن الفن استولى عليه . ذلك إن مطلب التزيين كان موجوداً في العلاقات الإنسانية، فالفن والدين لم يفعلا شيئاً، سوى امتلاك صفات مشتركة في الإنسانية . فالفن يستعير من الدين ما به يغدو فناً على نحو أعظم، وليس دينياً على نحو أعظم. وكذلك الدين فإنه لا يريد أن يُعيره الفن إلا ما يضم هو بالقوة، وفي هذا يتطوع كلاهما لخداع صاحبة، وبطل هذه اللعبة هو الفنان على مَر التاريخ .

ونحن نعتقد إنه إذا لم توجد تجربة دينية من طبيعة تغاير سائر التجارب، تجربة هي بآن واحد خارجة وباطنة . فعلى الأقل يوجد وجدان جمالي ووجدان ديني، ويمكن أن يتصف كل منها بصفة الاستقلال الذاتي، ولكنهما يتبادلان التأثر والتأير في تلك البنية التحتية اللاشعورية، والتي لا يمكن بلوغها إلا بفضل عملية تفسير استنباطي لبعض النماذج المجردة .

كانت فكرة الإله في اللاهوت السومري، تمثل شيئاً خطيراً في الكوني كالسماء مثلاً، فهو من حيث وظيفتهِ شديد الأتساع وغير محسوس، ولكن قد يخصص له مكان في عالمنا، يجد فيه الطمأنينة، يُقام له معبد . وفي هذا المكان قد يتجلى الإله بصورة أو تمثال، ليس التمثال بالإله، أن هو إلا وسيلة من فضيلة الخامات تتيح له المثول للعيان، ولعله يتجلى ذهنياً حين يدعوه فعل العبادة .

والصورة الذهنية للمكان في الفكر السومري، هي صورة مظاهر محسوسة، تشير إلى مواقع لها لون عاطفي، قد تكون مسالمة أو معادية، مألوفة او غريبة . إلا إنها في كل الأحوال خارج نطاق التجربة الفردية، تشعر الجماعة باستمرار بوجود أحداث كونية معينة، تضفي على المكان دلالات روحية . مثلما يُقرن الليل بالنهار والشروق بالغروب والموت بالحياة، وقد يتعاظم الفكر التأملي للمكان، حين يضم المناطق التي لا تدركها التجارب الحسية المباشرة، كالسماوات مثلاً أو العالم السفلي . وهكذا قد لا يقل الفكر السومري نجاحاً عن الفكر الحديث في إيجاد نظام فضائي منسق، إلا إن هذا النظام لا يُقرر بالمقاييس الموضوعية، بل بإدراك عاطفي حدسي للقيم .

حققت البنية الفكرية السومرية تحولاً بالغ الأهمية، أوجد انزياحاً أساسياً في بنائية الحضارة الرافدينية . ذلك إن الوسط الحضاري أصبح يضم أنظمة من الطقوس والمعتقدات والأعراف الشعائرية، تنظمها مؤسسة معبدية مهيمنة في منهجيتها الفكرية، تقودها قوة كهنوتية، مؤسسةً خطابها الفكري الرابط بين العوالم المرئية والعوالم المغيبة، بين الصور الأزلية العليا والصور العضوية الأرضية، بين ما هو سماوي وما هو أرضي، بين ما هو محدد وتشبيهي مع ما هو لا محدد وغير تشبيهي . نوعاً من التضايف هبط به جلال ما هو غيبي لصورة الحضور البشري، وتسامى كنظام صوري، ما هو أرضي نحو أزلية المثال الأعلى وصولاً إلى الكمال المطلق . فتحول نظام اللغة والأسطورة والتشكيل، من صور مماثلة لحيثيات الأشياء، إلى دلالات معبرة عنها . ذلك إن (مُثل) هذه الخطابات في جوهرها، لا تستقي البهجة من الطبيعة (العفوية) للأشياء، لكنها تسعى إلى نوع من التأويل، وبما يضع الرمز في خصوصيتهِ اللامحدودة، متعدياً السببية الرابطة بين المرموز بهِ والمرموز إليه، فالمهم هنا هو نوع من الإزاحة في أنظمة الأشكال وبما يجعلها موحية ومشفّرة بدلالات (جديدة) . لقد كان هدف الفن ليس التقليد، بل الكشف عن الصيغ التي (تساند) الفكر الإنساني لامتلاك صلات وثيقة مع عوالمهِ الحاضرة والمغيبة .

إن الاكتشاف المثير للعقلية السومرية، هو إن الافكار في ذاتها التعبيرية، يمكن أن تتحول إلى قوى، لها تأثيرها الفاعل في حركة الظواهر الخارجية وتحولاتها . فالفكر كان يجرّب دون توقف، وقد أدرك أن المستحيل ذاته يمكن أن يتحقق بأدوات سحرية، وإن الصلة بالعوالم المنظورة غير كافية لإنجاح الطقوس السحرية، فيجب إضافة حدوس من العوالم السايكولوجية لخلق صلة متممة مع العوالم الروحية . إنها الرغبة والإدراك والطموح في التقاط القادم فبل حدوثه حرصاً على تحقيقهِ، فعملية الفهم هنا تهدف إلى ردّ نمط من الواقع إلى نمط آخر .

إنه الصراع بين تحدِ ينبعث عن الذات من جهة، والظروف الموضوعية من جهة أخرى. فمن صفات فنون سومر العظيمة، إنها (تخبّئ) في مكامنها التوتر والتناقض . فهي لا تُبدع عن معاناة مهيمنة لضغوط الواقع، بل لابد لها من عمليات تركيب ذهنية، فهي مجسدة للأفكار لأن مثالها الوحيد التعبير عنها . ورمزية كونها تشيد الأشكال بتفعيل العلامات في أنساقها الشكلية . ذلك إن التماثيل السومرية قبل أن تكون أشكالاً طبيعية كانت صوراً رمزية مستخلصة من الطبيعة، إنه نوع من إعادة صياغة الطبيعة في جوهرها وماهيتها، فهي تعود إلى نسق التشكيل وليس إلى الواقع المادي . ولا تستثير حواس الإنسان فقط بل الولوج إلى روحهِ .

وتدلل مجموعة التماثيل السومرية الخالدة، التي أكتشفها الأستاذ (فرانكفورت) في منطقة قدس الأقداس ( Cella ) في حرم أحد المعابد السومرية (شكل1) . إلى إننا بحضرة احتفال طقوسي، وهو بذاته نوع من المحرك الذي يزود ميكانيزم الحياة بتفعّيل عاطفي يسيّرها . وبفعل انكماش التعبير على دائرة الحياة الداخلية التي تتجاهل العالم الخارجي . إن بدى هذا المشهد التعبيري المبجل، يبث خطاباً روحانياً وصوفياً يتصل بأعمق مناطق الروح . فالمكان وتمثيله هنا مغيب، ليس كما هو في الوجود المتعين، فهو فاقد لخصوصيتهِ الجغرافية والزمانية . " ففي الفضاء الأسطوري تلعب الأمكنة . دوراً ثانوياً، لأن الأسطورة لا تستند إلى المكان، إلا بمقدار العلاقة التي يقيمها هذا الأخير مع التخيل أو مع اللاواقع " (المقداد، 1983، ص60) .

إن ما يشكل جزءً من اليومي، يصبح في الوعي الجمعي نوعاً من الأسطورة، التي تنتمي إلى الخيال، إلى مجال اللامحتمل . ذلك إن الشخصيات مفرغة تماماً من وجودها المادي كآيقونة معاشة، (ومرحّلة) بفعل ضغوط البنية العميقة إلى منطقة تتوسط الشعور واللاشعور، نوعاً من الصوفية عصفت بالمتعبد السومري، ليجتاز حالة البشري وصولاً إلى حضور الأبدية (شكل2) . ذلك إن الفكر السومري، قد بثَّ الرغبة في الذات، إن تدخل سر الحياة، وإن تتعقب دروب الطاقة الخلاقة في الوجود، وإن تبتكر لا ابتداءً من الواقع المنظور، بل اتفاقاً مع حقيقة أكثر عمقاً . وهنا يبرز نوع من القصدية، لتحطيم نظام الصورة الآيقونية كقيم بنائية مادية، متحولة لبنية فكرية تسقط الصور الذهنية، ولكن كآيقونات ذات مغزى كوني .

فالتشكيل هنا حدسي (شكل1)، متحرر من ضغوط القيود الحسية، وهو محمل بطاقة روحية مهيمنة، حين يضايف بين الذاتي والموضوعي . بحيث إن الخارجي لا يكون له مُبرر وجود، إلا أن يكون تعبيراً عن الداخلي، فهناك عالماً ذاتياً ليس أقل واقعية ولا أقل حقيقة من العالم الذي يعتبره الحس المشترك عالماً موضوعياً . معمقه الدلالة في أنساق العلامات لتفعّيل معناها في تعدد الإشارية والتشفير في بنائيتها المايثولوجية لهذا النوع من الدوال الرمزية (التماثيل) . حيث تتسامى المدلولات فوق الظاهرات الطبيعية المنفردة، وبنوع من التعالق بين المادي والروحي وبين الطبيعي والرمزي .

وبتفعيل البنية المايثولوجية للحدث، إن بدت هذه التماثيل وكانها قادمة من كوكب آخر (شكل2) . فهناك قصدية واعية مستندة إلى الخيال والإرادة والوجدان، سعت إلى تحطيم المنظومة الآيقونية لنظام التماثيل الشكلي، بفعل تغلغل ما هو انفعالي، بغية كشف مشكلات الذات الإنسانية . وهنا يمكن رصد نوع من النزعة العاطفية حلّت محل العقلانية، ترجح خطاب الذات المنفعلة على حساب الواقع . وفي ذلك نوع من الجدل بين الحسي والحدسي لتجاوز معايير الصور المرئية . ذلك إن التجريد يطال كل السمات الواقعية، ولا يغدو (تمثلاً حقاً) في بنائية مثل هذه الأشكال الرمزية، إلا بعد أن يلغي من الحدس العيني كل ما يؤلف بنية الموضوع الفردية بعد تبسيطه واختزاله إياه، فصلة الشبة المادية المنظورة، قد أمكن الاستعاضة عنها بصلة روحية متضمنة هي صلة الرمز . ذلك إن تظاهر العيني محقق، عن طريق محض صورة، يعتبرها الحدس الفني، مقاربة لجواهر المضمون حداً تشبيهياً . وقد بدت هذه التقابلات مفهومة في نظام التماثيل الشكلي في صيرورة رمزية، تظم عالم الحواس بصفتها إثارة للمشاعر، وعالم الروح باعتبارها كشفاً نهائياً عن بنائية المعتقد الاجتماعي .

إن دلالة تمثال المتعبد السومري ليست إلا (فكرة التعبد)، أما صورته فتتلخص في تعبيرها الخيالي، وكي يتضايف هذان الوجهان في نضام التمثال الشكلي، يلزم تحويل الموضوع إلى شكل فني، بحيث لا يكون القصد أن تمثل هذه الأشكال ذاتها، بما فيها من خصوصية فردية، ولا أن تعرض للوعي مباشرة (الميتافيزيقي) المتضمن فيها، بل تكون (إشارة) إلى الإلهي وتلميحاً إليهِ . فقد كان الجدل الروحي يجتاز الذات، بصدد إمكان التعبير الروحي في نظام العلاقات الجمالية التي تميز الخامات . فوجد في الخامات شيئاً من الحيوية (الفتشية) حين تحل بها قدسية المضمون، نوعاً من التفكير القبلي بنظام العلاقة بين جوهر الفكرة وآليات إظهارها بقوالب الوسائط المادية .

فقد تم تطعيم جوف العينين اللتين احتلتا نصف حجم الوجه، بأحجار ملونة براقة (شكل2)، وفي ذلك نوع من التشفير بأهمية الشخصيات، والتي بدت تعمل في دراما المشهد خارج حضورها الواقعي . فقد امتصت ذهنية الفنان المبدع فكرة الموضوع امتصاصاً، وأعادت إخراجها وفق نظام الشكل التعبيري، والذي هو انعكاس لذات الفنان الحرة الكاشفة المؤولة . ذلك إن هيمنة حجم العينين وحركة اليدين على أنساق العلامات الشكلية في تحري شكلانية المضمون، يكشف عن نوع من تراكب العلامات في ماهية الإبلاغ في الخطاب التشكيلي، والذي تم تكثيفه بنوعٍ من الخطاب التداولي، بين شخصية (الكاهن) كدلالة رمزية، وعوالم القوى الماورائية، والتي لا يمكن بلوغ جمالية اللاهوتي فيها، إلا بارتحال الفيزيائي وارتقائه منطقة الميتافيزيقيا .

ولا يُعقل أن يعجز شعب سومر العظيم، من تمثيل الكفوف بمثل هذا الضمور في بنائية التماثيل (شكل2)، إلا بإرجاعهِ إلى نوع من العقيدة، تعمل على (تفعّيل) أشكال الكؤوس الاحتفالية، باعتبارها علامة تتصل أو تُبلغ عن بنائية الحدث . فآليات السرد الصورية هنا، توجب حتمية الربط في نظام العلاقات، بين ما يُدرك في أية لحظة، وما حدثَ قبلها، وما سيحدث بعدها . فليس (التعبير) هنا مجرد عرض خارجي تلبّس بالعمل الفني، وإنما هو بمثابة مركز إشعاع تنتظم حول نواتهِ نظم العلاقات بقيمها المادية والفكرية . فثمة بنية عميقة، تشفر عنها البنية الظاهرة، وهي بمثابة نوع من الاحتفالية الطقوسية الموسمية، تنشد تفعيل خصب الطبيعة السنوي . إنها بمثابة فعل سحري (يعيش) بفعل عملية تقديسه والخضوع له .

لقد زاحت سومر استعلاء الفن ليشمل كل الجماهير، وفي ذلك نوع من التمرحل، من محدودية الكلاسيكية نحو أتساع أفق الرؤيا الرومانسية . فبدلاً من واحدية التفسير أسست (المدرسة السومرية) في النحت منطقها الرمزي . والإشادة بالدور الحضاري لهذا الشعب العظيم واجبة علينا . كونه قدّم كماً وكيفاً من المبدعات التشكيلية، تحتفظ بها متاحف العالم بكل فخر حتى هذه اللحظة .

2. التواصـــل :
حين (نلوي) عنق التاريخية، ونقيم فهماً للتاريخ بدلالة الفن وليس العكس . يكون شعب سومر العظيم قد قدَّم للإنسانية والذائقية المعاصرة، فهماً للفن من خلال الفن ذاتهِ. ذلك إن التماثيل السومرية وفقاً لآليات منهج التواصل، (بنية) تتكون من عناصر شكلية تنتظم داخل نسق خاص، يَفرض الفكري فيها على نظم العلاقات تنظيماً ليس تمثيلياً . أي إن النحت، تحول من وسيط تمثل فيه التماثيل المدلولات التي تشير إليها دون زيادة أو نقصان، إلى انساق خاصة تكتسب دلالاتها من علاقاتها الداخلية كل منها بالآخر . فالعملية ليست تمثيل التماثيل لأشياء موجودة - في تطورها الأعلى – لكن النقيض هو الصحيح . إنه الفن الذي ينفصل بالذات عن الطبيعة كالنار والأدوات . لقد رأى (مالارميه) : " في الشعر إيماءة تحدٍ جريء في فراغ كبير، أنه رَدّ الإنسان الممكن الوحيد على مرور الزمن العاتي في عالم عبثي " (باونيس، 1990، ص151).

وحين تؤسس (الأشكال) في التماثيل السومرية، أنظمتها الشكلية بعيداً عن حكائية المرجعية ومحدودية التاريخية، فإنها تقول مقولتها وهي تؤسس سلسلتها التاريخية، باعتبارها وسائل للإنسانية، والتي مازالت حية بأنظمتها الشكلية الإبداعية وتجديداتها، لتشيد مقترباتها مع أساليب الفن الحديث . وهي آفاق تبدأ بتأكيد الوجود الإنساني بوساطة الإنسان نفسه، وبتأكيد حقه في خلق حقيقة أخرى، خارج الطبيعة بل ويتجاوزها اعتماداً على قوانين خلق أخرى، وعلى مقاييس جمالية ومعايير حكم جديدة. فعندما أراد الإنسان أن يحاكي فكرة السير على الأقدام، أبتكر العجلة التي لا تشبه الساق في شيء .

وإذا تساءلنا أمام تماثيل من هذه المنظومات السومرية، ماذا تمثل ؟ أنها تمثل من أبدعها، إنه الفنان نفسه المقدم على هيئة عمل خلاق يعبر به عن سعادتهِ الداخلية . وإذ تؤسس هذه الفكرة، مقتربها التواصلي بين التماثيل السومرية والتعبيرية . "فذلك لأن الوجود كله في التعبيرية، امتداد لروح الفنان أو نفسيته . فالفنان مركز الكون، والكون كله نابع منه" (اوهر، 1989، ص9) هذا هو جوهر التعبيرية، ومصدر قوتها وجمالها وروعتها . وهكذا فأن نظام الصورة الفنية بين المبدع السومري والمصور التعبيري، ليست تسجيلاً للواقع الخارجي بقدر ما هي إفراغ لذات الفنان بفعل انصهار الوجود في مخيلتهِ، كما لو كان التمثال قطعة من ذاتهِ لا جزءً من الواقع الموضوعي المحيط بهِ .

وبفعل انكماش التعبير على الحياة الداخلية التي تتجاهل العالم الخارجي . فان نظام الصورة في التماثيل السومرية يعقد صلة اتصال مع أقنعه (أنسور) وموديلات (مودلياني) (قارن شكل 2-3)، حيث كانت ذات الفنان في سومر والفن الحديث، تُبدع الأشكال بمثل هذه الهلوسة الفريدة، التي تكشف أعمق الحقائق النفسية، حيث يُمثل الشكل بروح (فرويدية) وكأنه تحليل للشخصية، بالدخول إلى الأعماق وإماطة اللثام عن الكوامن المتوارية بحدسية خارقة . نوعاً من النزعة غير التسجيلية التي سعت في سلسلة الأشكال الفنية، إلى اختزال الظواهر المرئية لتأكيد استقلالية الأشكال الخالصة . إنها تفرض نظاماً على الأشكال وتقصي من بنائيتها ما هو عرضي وزائل في رؤيا الأشياء، وتسخر الأشكال والمقاييس لا كأدوات بل كحلول، لا كوسائل بل كغايات . متوصلة بذلك إلى أسلوب يتيح للفنان مزيداً من الحرية، للإيفاء بحاجتهِ الروحية وتأويل مالا يحصى من إملاءاتهِ الذاتية . ذلك إن التعبيرية في التماثيل السومرية (شكل2) تقوم على إعادة بناء العالم في حالته السرية الداخلية . بحيث لم يعد لطبيعة الأشياء من دلالة، إلا بقدر ما تتحول لتعكس وضعاً إنسانياً .

وإضافة إلى التعبيرية التي تضع نظام الشكل في التماثيل السومرية بمقتربات الحداثة، فإن فكرة تجميع الخامات في بنائية الأشكال النحتية (التماثيل) تؤسس لها مقترباً مع بنائية الفن الحديث . ووفقاً لآليات منهج (التواصل)، كانت التماثيل السومرية (شكل2) شكلانية صرفه، وكأنها نحتت من دون خامات، إن انتصار الشكل على محدودية المدلول، كان بفعل امتصاص الموضوع نحو داخل بنية الذاتي، وتحليله وإعادة تركيبة كنظام يقود نسق الفن أو نسق التشكيل . ذلك إن الأشكال السومرية تبرز في الذهن فكرة الخشب وأحياناً فكرة الحجر أو الصُلب، أكثر مما توحي بفكرة اللحم البشري . فالقيم الثابتة في تماثيل سومر، هو استخلاص دلالات غير متوقعة، ولمسة من الجمال يحققها الفنان بالتقارب الشاعري بين أشياء عادية جداً، تنتزع من غرضها التقليدي لتتحول إلى استعارات شكلية . لقد تخلص النحت من وصايا الأدب، فحصل على استقلاليتهَِ .

تميل الدراسات التحليلية لبنائية التماثيل السومرية إلى اعتبارها قائمة على نظم من العلاقات المتفاعلة في دائرة الشكل، ذلك إن قيمة المادي تكمن وفق النسق أو النظام الكامن في نسيج التمثال البنائي . لتقدم التماثيل خطابها التشكيلي بدلالة الخامات والتقنية وليس أي شيء آخر (شكل2)، هذا الوعي الجمالي بدائرة تجميع الخامات لبناء جسم التمثال بغية تفعيل تعبيريتهِ، يعقد نظاماً من الاتصال، ويشكل سلسلة شكلية متصلة الحلقات مع أفكار (دوشامب) في المواد الجاهزة المتنوعة لتكوين نسيج التماثيل، ويقيم تواصلاً مع أعمال (بيكاسو) وبالأخص (كأس الأبسنت)، وبأعمال براك وبيكاسو بتقنية الكولاج في التكعيبية التركيبية، ليقدم السطح لتصويري للتشكيل خطاباً بشكل أنساق تعبيرية جمالية، تتعدى واحدية الخامة، باحثة عن تعددها، باعتبارها مدلولات جمالية يبثها (الدال) مفرغة من الحكائية التي يقترحها المدلول .

لقد كانت وظيفة الشكل في التماثيل باعتباره نسقاً تشكيلياً، هو أن يبلغ عن فكرة تأملية، وأن يقدم مقترباً عقلياً لتلك الدلالة اللاشعورية التي تجتاز بنائية الأفكار، ليس بمعنى (التوضيح)، وإنما بالاختزال الرياضي لنظم العلاقات، لتحقيق أنظمة شكلانية، تخبئ في ذاتها قوتها المثالية . فبدلاً من إخفاء عملية (النحت)، فإنهم يمسرحونها، وهذا يزيد في إغراء المرء على النظر إلى مثل هذا الأسلوب، ضمن سياق خيالي من الزمن، فيعيد المرء رسم الصورة من جديد في عين (البصيرة)، وهذا البعد الزمني يحّل محل البعد المكاني المألوف الذي يتحول إلى سطح غير مؤكد.

هذا (الكيف) من التفاوت والاختلاف في نظم العلاقات الفيزيائية التي تميز السطح التصويري في التماثيل السومرية، وبما يجتازها من تعقيدات في بنائية الملامس والإنارة، هي بمثابة نوع من تجزئة الحقيقة المرئية وإعادة تركيبها، لتفعّيل دلالة التعبير في فعل الإحساس . بدلاً من الإذعان إلى ما تفرضه المراقبة البصرية، وفي ذلك تحرير بالكامل للفن من ماديتهِ .

إن التماثيل السومرية باعتبارها أنظمة شكلية، ليس لها نموذج في الوجود الشيئي، إنها (نماذج) معدّلة ترتقي على المحاكاتية، فالنحت هنا حدسي متحرر من محدودية القيود الحسية . ذلك إن العلائق البنائية في تركيب الأشكال، بين الحسي والحدسي والمعرفي والإبداعي توجب التحول في أنساق الأشكال، نحو سيرورة تكثيف تفاصيل الخطاب التشكيلي إلى منظومات رمزية، تتفق مع المفاهيم الضاغطة في بنائية التشكيل. والتي ربطت فيها ذهنية المبدع بين المادي والروحي، لإبداع وحدة أسلوب، تتسامى فيها المدلولات فوق الظاهرات الطبيعية المنفردة . ذلك إن صلة النسخ المادية المنظورة، قد أمكن الاستعاضة عنها بصلة روحية في صلة الرمز، وهو ذلك الكيف الذي يتصف بالقصد قبل كل شيء، فأوجدت الأشكال انزياحها في سلسلتها التاريخية، متحولة من صور مماثلة لفيزيقية الأشياء، إلى بنايات شكلية معبرة عنها، فأسست الأشكال وجودها بدلاً من صناعة التاريخية لها .

وبدراسة تحليلية تتحرى إحالة الاعتقادي إلى أنظمة شكلية في التماثيل السومرية، يبدو إن آلية الذهن (العقل واليد) كانت تعمل بقصدية نحو نوع من الكشف التجريدي في تركيب الهيئة، وذلك بتقشير أغلفة الشكل المتتالية وصولاً للبنية الشكلية الرمزية الخالصة . فقد أصبحت موضوعة التماثيل محض وسيلة لإبداع علاقة شكلية تجريدية . وإزاء تغييب محاكاة تعقيدات الطبيعة، وجد الفعل الإبداعي للفنان السومري، إن بإمكانه قلب العالم الخارجي باتجاه العالم الداخلي، وطرح الحلول المبنية على تركيبات شكلية منفصلة عن أي تمثيل حكائي. وذلك بإبداع قراءة رياضية للنص، يهيمن فيها انفتاح الدال على محودية المدلول، بدلاً من الثقل العضوي لتماثيل عصر الباروك .

وحين (تبلّور) التماثيل السومرية الميتافيزيقي المتضمن فيها، بالبحث عن الجوهري المتخفي تحت زوائد البشري، فإنها لخّصت الشكل إلى قوانين هندسية (شكل رباعي يقوم على شكل مخروط) وهي بذلك تعقد نظاماً من التواصل مع أفكار (سيزان) في العملية الإبداعية في فنون التشكيل، " والذي كان يرى بوجوب تكثيف الأشكال الطبيعية إلى أنظمة هندسية ترتبط ببنائية الكرة والمخروط والأسطوانة " (مولر رايلفر، 1988، ص40)، وحيث ضحى (سيزان) بتفاحية التفاحة من أجل صورية الصورة، فقد أدخلت سومر أيضاً مفهوم الطبيعة ضمن قواعد الضبط والدقة، وبنوع من الثيوصوفية (الموندريانية) والتي انتزعت من الشجرة كل شيء عدا الصورة التي يفترض إنها توقظها في الوعي، ليس بكونها شجرة وإنما على إنها شكل شجرة . وكأن المشهد أشبه بالتمرد على الظواهر الخارجية وتحطيمها واختراقها من جديد عوداً إلى اللب، حيث اللون وحدهُ والحرية لوحدها، فالفن لا يُمنطّق، إنما يخترق بالبصيرة، والتي تؤسس سلسلة شكلية مترابطة بدءً من سومر - سيزان - بيكاسو - موندريان - دوبوفية، في بنية واحدة هي بنية الفن وليس أي شيء آخر .

وأخراً حين تتنحى التاريخية بصلابتها ومحدوديتها جانباً، ونبتعد عن هيمنة المرجع في إنارة النص، ونعمد إلى إنارة النص من الداخل، ألا تعتقدون معي حين نقارن شكلانية التماثيل السومريه (شكل2) مع التركيب الشكلي لتمثال (برنكوزي) مدام بوغاني (شكل4) إن الأخير وبصدد التعبير الجمالي في ديالكتيك نظم العلاقات، التي تكوّن (الدال) أقل شأناً كنظام يعمد إلى تحطيم آيقونية الشكل في بنية الفن .

.......................
المصـــــادر :
1-أوهر، هورست. روائع التعبيرية الألمانية . ترجمة فخري خليل، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1989 .
2-بارو، أندريه. سومر فنونها وحضارتها . ترجمة د.عيسى سلمان وسليم طه، بغداد، 1977 .
3-باونيس، آلان . الفن الأوربي الحديث . ترجمة فخري خليل، دار المأمون، بغداد، 1990 .
4-المقداد، قاسم. هندسة المعنى في السرد الأسطوري الملحمي (جلجامش) . دمشق، 1984 .
5-مولر، جي - أي، وفرانك أيلفر . مئة عام من الرسم الحديث . ترجمة فخري خليل، دار المأمون، بغداد، 1988 .

Aucun commentaire: