لندن – عدنان حسين أحمد الحياة - 31/01/08//
صدر الدين امين دأب الفنان البدائي صدر الدين أمين منذ سنوات على اقامة معارضه التشكيلية عبر البريد الالكتروني متخلصاً من عبء الصالات الفنية، وتقاليدها التي لا تخلو من بذخ لا يليق بفنان بدائي.
في العام الماضي وزع صدر الدين أمين 46 لوحة على أصدقائه ومعارفــه الأقربين والأبعدين مشفوعة برسائل الكترونية مملوءة بالسخرية والتهكم والكوميديا السوداء التي لا تستثني أحداً بمن فيهم شخص الفنان وأسرته الكريمة. وتأكيداً لنزوعه الساخر والطريف بعث اليّ بصورة عائلية، يظهر فيها الى جانب زوجته وابنتيه الكريمتين، وقد ذيلها بعبارة «المجانين الأربعة»، بينما ذيّل صورته الشخصية الأخرى مع زوجته بعبارة «الحسناء والوحش». كما أنه لا يجد حرجاً في أن يلقّب نفسه بـ «المرجع التشكيلي الأعلى».
ما يثير الانتباه في تجربة صدر الدين أمين هو نزوعه البدائي من جهة، وتبنّيه الاتجاه التشخيصي في الرسم. ولو سلّمنا جدلاً بأن صدر الدين أعلن قطيعته مع الواقع الراهن، وذهب بكامل قواه العقلية الى الزمن البدائي «الافتراضي» مستعيناً بالتقنية البكتوغرافية أو «الكتابة الصورية» التي تؤهله للبقاء في ذلك العالم المتخيل لأطول مدة زمنية ممكنة، فإننا نستغرب أن يقيم صدر الدين في ذلك الزمن الافتراضي منذ عشرين عاماً أو يزيد. وها هو الآن في معرضه الأخير مصرّ على المكوث في الزمان والمكان الافتراضيين. يحتشد في بعض لوحاته أكثر من مئة «فيكر» أو تكوين، غير أن الوحدة التشكيلية العضوية المرنة يمكن أن تقرأ وحدها تارة، أو ضمن السياق الجمعي الذي وردت فيه.
لا تخلو أعماله من الرؤية الطفولية التي تتشبث بعناصر الدهشة، كما أن رؤية الفنان نفسه، وهـــو يعيش في عالمين اثنين في آن واحد، لا تتبرأ كثيراً من الشطح أو اللمسة الجنونية في بعض الأحيان، تلك اللمسة التي يحبها الفنان ولا يجد حرجاً في اذاعتها أو الإعلان عنها في أي محفل فني أو ثقافي.
ولأنني متابع لموقعه الالكتروني اكتشفــت أنـــه قـد بعث بصور لوحاتـــه التشكيلية الأخيرة الى عـــدد كبير جداً من الكتاب والنقاد والمثقفين والفنانين العراقيين العرب. وكانت الردود في عمومها ايجابـــية، واستطاع صدر الدين فعلاً أن يحفز بعض الأقلام النقدية للكتابة عن تجربته كما لو أنه أقام معرضاً شخصياً في صالة فنية مرموقة.
ما سر اهتمام النقاد والفنانين العراقيين والعرب بتجربة الفنان البدائي صدر الدين أمين؟ وهل مردّ ذلك تيماته أو موضوعاته الغريبة، أم تقنيته التشخيصية، على وجه التحديد؟ البعض يرى أنه صانع ماهر للدهشة والغرابة، فيما يرى البعـــض الآخر أنه فنــان بدائي عـــاش بالمصادفة في الــزمــن الراهن! وحينمــــا يثيــر السائل جملة من التساؤلات، لا يتوقع، بالنتيجــــة، أن يحصل من الفنان علــى أجوبة شافية لأسئلته المورقة.
احتشاد السطح التصويري بهذا العدد الكبير من الأشكال والمصغرات التكوينية يكشف عن غزارة تيمات الفنان، فلوحته أشبه بالغابة الكثيفة التي قد تضيق أحياناً بأشجارها فتعوق الوصول اليها أو التجوال تحت ظلالها الوارفة. ويستنفر الفنان مكامن مخيلته للوصول الى الزمن البدائي الأول ليؤسس تجربته عليه. وما يميز لوحة صدر الدين عن غيرها هو احتفاليتها. فلوحته تحتفل بمخلوقاتها الغريبة والاستثنائية والنادرة. الألوان مبهجة، مشرقة، فرحة، وخطوط تكويناته البشرية أو الحيوانية أو النباتية قوية جداً، تكشف عن ثقة الفنان بنفسه. ثمة حيوانات وطيور يمكن أن نردها الى الأسد واللبوءة والفهد والتنين والأيل والثعلب والدجاجة والطاووس والديك الرومي والهدهد ونقار الخشب والعندليب وما الى ذلك. وهناك شموس وأقمار ونجوم وأجرام سماوية مصغرة، وهناك أشجار وأنهار وغدران وبحيرات تسبح فيها حيوانات صغيرة تأخذ شكل الرموز والأحرف السومرية القديمة.
وإضـــافة الى كـــل هذه المعطيات، هناك «الشامان» وهو الكائن القبلي الوسيط بين كائنات العالم المرئي وبين أرواح العالم اللامرئي، يقوم بممارسة السحر لأغراض العلاج والسيطرة على الاحداث الطبيعية.
استثمر صدر الدين «الشامانية» بصفتهـــا تعبــيراً عن حيوية المادة، ويعتقد أتباع هذا الاتجاه «الأرواحي» بأن كل ما في الكون له روح أو نفس، بل يذهبون أبعد من ذلك حينما يقولون بأن للكون نفسه روحاً هي «المبدأ الحيوي المنظم للكون (بحسب تفسير قاموس «المورد»).
يرى صدر الدين من الناحية الفنية أن دوره أقرب الى دور الشامان عبر «اللوحة الشامانية» التي تمسك بشيء غير مرئي، في الاقل، وتضعه في صلب العمل الفني. وعلى رغم أن الطقوس الشامانية تمارس في الأجزاء الشمالية من آسيا، إلا أن صدر الدين مفتون بطقوسها التي يمارسها الأميركيون البدائيون الذين هم أقرب الى روحه ونظرته البدائية للكون.
لا بد من الاشارة الى ان صدر الدين قد أفاد كثيراً من موروث الحضارات العراقية المتعاقبة، لكن تأثير الحضارة السومرية يظل الأقوى، وذلك لقرب الأحرف السومرية من «الكتابة الصورية» المشار اليها. وهذه الخلاصة تشجعنا على القول إن صدر الدين هو شامان سومري ظهر مصادفة في أواخر القرن العشرين!
التشكيلي الكردي صدر الدين أمين ... لوحات بدائية وتواصل إلكتروني بدل العرض في غاليري
لندن – عدنان حسين أحمد الحياة - 31/01/08
دأب الفنان البدائي صدر الدين أمين منذ سنوات على اقامة معارضه التشكيلية عبر البريد الالكتروني متخلصاً من عبء الصالات الفنية، وتقاليدها التي لا تخلو من بذخ لا يليق بفنان بدائي
في العام الماضي وزع صدر الدين أمين 46 لوحة على أصدقائه ومعارفــه الأقربين والأبعدين مشفوعة برسائل الكترونية مملوءة بالسخرية والتهكم والكوميديا السوداء التي لا تستثني أحداً بمن فيهم شخص الفنان وأسرته الكريمة. وتأكيداً لنزوعه الساخر والطريف بعث اليّ بصورة عائلية، يظهر فيها الى جانب زوجته وابنتيه الكريمتين، وقد ذيلها بعبارة «المجانين الأربعة»، بينما ذيّل صورته الشخصية الأخرى مع زوجته بعبارة «الحسناء والوحش». كما أنه لا يجد حرجاً في أن يلقّب نفسه بـ «المرجع التشكيلي الأعلىما يثير الانتباه في تجربة صدر الدين أمين هو نزوعه البدائي من جهة، وتبنّيه الاتجاه التشخيصي في الرسم. ولو سلّمنا جدلاً بأن صدر الدين أعلن قطيعته مع الواقع الراهن، وذهب بكامل قواه العقلية الى الزمن البدائي «الافتراضي» مستعيناً بالتقنية البكتوغرافية أو «الكتابة الصورية» التي تؤهله للبقاء في ذلك العالم المتخيل لأطول مدة زمنية ممكنة، فإننا نستغرب أن يقيم صدر الدين في ذلك الزمن الافتراضي منذ عشرين عاماً أو يزيد. وها هو الآن في معرضه الأخير مصرّ على المكوث في الزمان والمكان الافتراضيين. يحتشد في بعض لوحاته أكثر من مئة «فيكر» أو تكوين، غير أن الوحدة التشكيلية العضوية المرنة يمكن أن تقرأ وحدها تارة، أو ضمن السياق الجمعي الذي وردت فيهلا تخلو أعماله من الرؤية الطفولية التي تتشبث بعناصر الدهشة، كما أن رؤية الفنان نفسه، وهـــو يعيش في عالمين اثنين في آن واحد، لا تتبرأ كثيراً من الشطح أو اللمسة الجنونية في بعض الأحيان، تلك اللمسة التي يحبها الفنان ولا يجد حرجاً في اذاعتها أو الإعلان عنها في أي محفل فني أو ثقافي
ولأنني متابع لموقعه الالكتروني اكتشفــت أنـــه قـد بعث بصور لوحاتـــه التشكيلية الأخيرة الى عـــدد كبير جداً من الكتاب والنقاد والمثقفين والفنانين العراقيين العرب. وكانت الردود في عمومها ايجابـــية، واستطاع صدر الدين فعلاً أن يحفز بعض الأقلام النقدية للكتابة عن تجربته كما لو أنه أقام معرضاً شخصياً في صالة فنية مرموقة
ما سر اهتمام النقاد والفنانين العراقيين والعرب بتجربة الفنان البدائي صدر الدين أمين؟ وهل مردّ ذلك تيماته أو موضوعاته الغريبة، أم تقنيته التشخيصية، على وجه التحديد؟ البعض يرى أنه صانع ماهر للدهشة والغرابة، فيما يرى البعـــض الآخر أنه فنــان بدائي عـــاش بالمصادفة في الــزمــن الراهن! وحينمــــا يثيــر السائل جملة من التساؤلات، لا يتوقع، بالنتيجــــة، أن يحصل من الفنان علــى أجوبة شافية لأسئلته المورقة
احتشاد السطح التصويري بهذا العدد الكبير من الأشكال والمصغرات التكوينية يكشف عن غزارة تيمات الفنان، فلوحته أشبه بالغابة الكثيفة التي قد تضيق أحياناً بأشجارها فتعوق الوصول اليها أو التجوال تحت ظلالها الوارفة. ويستنفر الفنان مكامن مخيلته للوصول الى الزمن البدائي الأول ليؤسس تجربته عليه. وما يميز لوحة صدر الدين عن غيرها هو احتفاليتها. فلوحته تحتفل بمخلوقاتها الغريبة والاستثنائية والنادرة. الألوان مبهجة، مشرقة، فرحة، وخطوط تكويناته البشرية أو الحيوانية أو النباتية قوية جداً، تكشف عن ثقة الفنان بنفسه. ثمة حيوانات وطيور يمكن أن نردها الى الأسد واللبوءة والفهد والتنين والأيل والثعلب والدجاجة والطاووس والديك الرومي والهدهد ونقار الخشب والعندليب وما الى ذلك. وهناك شموس وأقمار ونجوم وأجرام سماوية مصغرة، وهناك أشجار وأنهار وغدران وبحيرات تسبح فيها حيوانات صغيرة تأخذ شكل الرموز والأحرف السومرية القديمة
وإضـــافة الى كـــل هذه المعطيات، هناك «الشامان» وهو الكائن القبلي الوسيط بين كائنات العالم المرئي وبين أرواح العالم اللامرئي، يقوم بممارسة السحر لأغراض العلاج والسيطرة على الاحداث الطبيعية.
استثمر صدر الدين «الشامانية» بصفتهـــا تعبــيراً عن حيوية المادة، ويعتقد أتباع هذا الاتجاه «الأرواحي» بأن كل ما في الكون له روح أو نفس، بل يذهبون أبعد من ذلك حينما يقولون بأن للكون نفسه روحاً هي «المبدأ الحيوي المنظم للكون (بحسب تفسير قاموس «المورديرى صدر الدين من الناحية الفنية أن دوره أقرب الى دور الشامان عبر «اللوحة الشامانية» التي تمسك بشيء غير مرئي، في الاقل، وتضعه في صلب العمل الفني. وعلى رغم أن الطقوس الشامانية تمارس في الأجزاء الشمالية من آسيا، إلا أن صدر الدين مفتون بطقوسها التي يمارسها الأميركيون البدائيون الذين هم أقرب الى روحه ونظرته البدائية للكون
لا بد من الاشارة الى ان صدر الدين قد أفاد كثيراً من موروث الحضارات العراقية المتعاقبة، لكن تأثير الحضارة السومرية يظل الأقوى، وذلك لقرب الأحرف السومرية من «الكتابة الصورية» المشار اليها. وهذه الخلاصة تشجعنا على القول إن صدر الدين هو شامان سومري ظهر مصادفة في أواخر القرن العشرين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire