الفنان سمير خلف الله ظاهرة تستحق / حاوره بوكرش محمد
الفنان سمير خلف الله ومجموعة من أعماله
الفنان سمير خلف الله ظاهرة تستحق التقدير
أجرى الحوار/ محمد بوكرش
سمير خلف الله من الفنانين الشباب الذي تميز بتكوين كامل يراعي فيه كل ما هو أكاديمي علمي إلى جانب ذلك التكوين الفني الحسي والروحي بمحراب اللوحة والألوان والعزلة لمناصرتها ومناصرة المواد التي لانت لتكون الترجمان الأمين لما يشتهي ويريد إيصاله لضفاف الآخرين، كله عيون وأيادي إذا مسك بالريشة، بالمسند، الورق أو الرقعة يصبح كلهم واحد لا ينفصلوا تماما إلا بطريقة انفصال المولود عن أمه يبقى بصيحته متشبثا بها ولا يكف الصراخ إلا بلمسات منها تحسسه بالأمان... والوجود من حوله، هو وهي اللوحة بين نظرات المارة من زوار للصالونات أو الملتقيات تلفه وتلفها بعيون الحب والإعجاب... بهذا اللقاء معه على النت بعد مغادرتنا لصالون خنشلة الرابع للفنون التشكيلية أردنا أن نتقرب منه أكثر من الفنان الجزائري التشكيلي سمير خلف الله ويرافقنا إلى أغوار تجربته التشكيلية مع البورتري وأسراره الشخصية التي تتركه الدارس الدءوب في تفاصيله ليعكس ما يجيش بباطن النموذج من أحاسيس وتدفقها عبر الأعين وخريطة الوجه... وجوه سمير خلف الله مليئة بالحياة التعبيرية سرور، يأس، حيرة، تعجب وآلام، لست أدري على أي نوع من الوجوه يركز أكثر وفي أي حالة من الأحوال بين الطفولة والشيخوخة يتموقع... نجاح سمير في البورتري وراءه ما وراءه من تفاعل وانفعال وذوبان في شخصية وجوهه المختارة التي تنتهي دائما بأن تصبح قطعات منه من ماضيه من حاضره وربما من مستقبله لست أدري كيف يرى هذه الوجوه أو كيف يتمنى أن يراها... أو بالأحرى كيفيات كيف ترانا... ويرانا، ونحن تحت نفوذها... نفوذ ريشة سمير خلف الله... نفسح الآن المجال للفنان سمير أن يأخذ بيدنا ويتفضل بالإجابة عن بعض الأسئلة التي تراودنا ونحن أقل قامة ووزنا ...أمام أعماله... كان لنا معه هذا الحوار بمراسلة على النت الشبكة العنكبوتية
نص الحوار
س1: لماذا الوجوه بالذات والمناظر الطبيعية كثيرة و تزخر هي الأخرى بتدفق الحياة؟
سمير: الحقيقة هي أني من هواة المناظر الطبيعية و أحب الطبيعة و أحترمها كثيرا. و أما إختياري للوجوه بالذات هو إحساسي بأنها أكثر الأشياء القادرة عن التعبير عما يجيش بدواخلي , و التي أستطيع من خلالها الولوج إلى عوالم أخرى تتخطى الطبيعة و تحكم بقوانين خاصة وفقا لمقتضى الحال. من أعمال الفنان سمير خلف الله
س2: أي الوجوه تفضل بين الطفولة و الشيخوخة، و لماذا؟
سمير: الحقيقة لا أفضل وجوه الأطفال على وجوه الشيوخ، ولا وجوه الشيوخ على وجوه النساء، و لكن هناك وجوه تجتذبك نحوها لما يتوافق و ثقافتك البصرية و التي تستطيع في نهاية المطاف أن تأسر تلك الملامح في لحظة أبدية من خلال تقديم عمل فني صادق و معبر عن الإنسان بكل ما تحتويه الخلفية.
س3: ماهي الدوافع التي تركتك تختار الوجوه؟
سمير: الوجوه ليس كما يعتقد البعض أنها أشكال من السهل رسمها، كما أنها ليست مجرد تركيب شكل داخل المساحة الورقية أو هياكل عظمية مغطاة بالعضلات والجلد، بل إنها مركز الترجمة عن الأحاسيس و العواطف الإنسانية كما أنها لا تقرأ بالمنطق العام للناس. قد يستغرب العامة هذا و يقولون كيف ذلك؟ فالطفل طفل و الرجل رجل و المرأة امرأة هذا صحيح نسبيا فقط ، فقراءة تعابير الوجوه تفرض عليك دوما النظر إليها و إعادة النظر. ففي إعادة النظر نكتشف أجزاء من الحقيقة لأن بالنظرة الأولى نقرأ الشكل العام وفي إعادة النظر نكتشف التفصيل. أسألكم، كم مرة نظرتم إلى شاب فأحسستم أنه شيخ عجوز، وكم مرة نظرتم إلي إمرأة عجوز فأحسستم أنها شابة في العشرين من العمر، وكم مرة رأيتم ملاكا يرتدي ثوب شيطان ، و كم مرة رأيتم شيطانا يرتدي ثوب ملاك. و هكذا الفنان الحق من وجهة نظري هو الذي يستطيع أن يكون حلقة الوصل بين العالمين الظاهري و الباطني، فالفنان كما أقول دوما هو صاحب بصر نافذ وبصيرة
أنفذ. س4: ماذا كانت تمثل لك الوجوه و أنت صغير؟
سمير: كملاح أمام المحيط، وهل يملك الملاح و روح المغامرة و الفضول إلى اكتشاف العالم الآخر تنهشه إلى أن يبحر من مرفأ إلى ميناء إلى شاطئ جزيرة مهجورة و بين الرحلة و الأخرى يخوض العواصف هو وسفينته تمخر عباب البحر،كذلك أبحر في الوجوه و لطالما شعرت منذ طفولتي برغبة جارفة في رسم الوجوه و الأجسام البشرية، أوليس الإنسان أجمل شيء خلقه الله عز و جل وخلق الكون كله من أجله! أوليسأجمل شيء في الإنسان إنسانيته التي نقرأها من خلال تعابير وجهه!.
س5: أي الوجوه كانت تمثل الوالدة و الوالد و الأخ و الأخت؟
سمير: ربما راودك شعور و أنت تتأمل أعمالي في فضاءات العرض باني أرسم وجوه أناس مقربين يمتون لك بصلة أو بأخرى تجعل من المتذوق يعتقد أنه ينظر إلى ملامح وجوه تشبه صاحبها إلى حد ما، لذلك يتولد عندك ذلك الإحساس بأني رسمت وجوها للوالدة أو الوالد أو الأخ أو الأخت كما ذكرت في سؤالك، لا تشبههم شكلا لكن تشبههم مضمونا إلى حد ما. و إلا فما الداعي لطرح سؤالك وأنت لم ترى رسما واحدا للوالدة أو الوالد...أعتقد أنك قد عنيت بذلك الخطوط المشتركة في العالم الباطني و الإجابة تظل مفتوحة وفلسفية عن سؤالك هذا.
س6: هل تعتبر الرسم لسان حالك.إلى أي درجة يكون ذلك في مستوى الأمانة ؟
سمير: طبعا فلطالما كان الرسم هذه اللغة التشكيلية لسان حال الفنانين و المرآة العاكسة لعالمهم الداخلي، فالمتذوقون و العارفون بالفن لهم أن يضعوا الأعمال الفنية تحت مجاهرهم الخاصة و تحليلها وفق ثقافتهم المعرفية، ولكن إن تحدثت عن نفسي بما أن السؤال موجه إلي ، فأنا ليس كما يعتقد البعض أني رسام بورتريه ممتاز ولا أطمح إلى ذلك على وجه الإطلاق،بل هذا عندي تحصيل حاصل بالممارسة و العمل الدءوب و الجاد، لكني أحب أن أكون رساما تشخيصيا لشخصيات و هذا من خلال إنطباعات بعض الفنانين و المتذوقين على حد سواء، حيث لا يعبرون لي عن إعجابهم بالرسم في حد ذاته بل بأنه هناك شيء ما يجتذبهم نحو الوجوه التي أرسمها و هذا الشيء الذي أحاول جاهدا إيصاله إلى المتذوقين عامة و الفنانين خاصة وهو عنصر "الحضور" في اللوحة، بصياغة أخرى هو حضور شخصية النموذج المرسوم بكل أبعادها و تركيبتها الدينية و الإجتماعية و الثقافية وكل ماهو وجداني وكيان إنساني . إن أحد مبادئي في الرسم هو انه على الفنان تحري الصدق في إنجاز عمله الفني ما وسعه ذلك لأن الأنا تظل موجودة في الإنسان مهما حاول التجرد منها، و لأن الفنان يستند إلى بنك معرفي و خلفية ثقافية ولا ينجر عمله من العدم، ولا يسعني إلا أن تكون أنت و كل العارفين بالفن و الجمهور مكتشفي مدى الصدق و الأمانة فيعملي و الأمر برمته يظل نسبيا.
س7: متى تستغني عن الوجوه ؟
سمير: عندما أنظر إلى المرآة و لا أرى وجهي.
س8: بماذا يتميز العمل التشكيلي الجزائري مقارنة بالفنون الأخرى؟
سمير: إنه من خلال تجربتي الصغيرة و اشتغالي بعالم الفن التشكيلي و معرفتي لنخبة من الفنانين الجزائريين و المغاربة ومن بقية العالم ، أرى أن العمل التشكيلي الجزائري يتميز عن باقي الفنون الأخرى بمعالجة مشكلة البحث عن الهوية الجزائرية كل من وجهة نظره وحسب انتماءاته الدينية و الفكرية و المعرفية و العاطفية و الجغرافية الأخرى ( وهي النقطة المركزية و المحورية مع اختلاف و تنوع أساليب التشكيل الجزائري) و الذي أعتبره غنيا و تنوعا إيجابيا، سواء كان ذلك عن طريق تيارات أو جماعات أو مبادرات فردية، فإنه في الأخير يخلق لنا لوحة فسيفسائية، كل من هؤلاء الفنانين يشكل فيها حجرا يكمل الآخر ولا غنى لك في التخلي عنه، لذلك أرجو من جميع الفنانين الجزائريين بدل إضاعة الوقت في البحث عن أوجه الإختلاف بينهم ومن منهم على خطأ و من منهم على صواب أن يستغلوا هذا الوقت في التواصل و البحث عن قواسم مشتركة، و هكذا هي طبيعة الخلق و أجمل ما فيه الإختلاف و التنوع لنصل في الأخير معا لتشكيل المشهد الثقافي الذي يمثل الجزائر الحبيبة و الغالية على قلوبنا.
س9: ماذا عن البحث التشكيلي الفلسفي و الفكري؟
سمير: أما عن هذا السؤال, فمن الصعب الإجابة عنه في أسطر، لكني أعتقد أن الفنان الحقيقي هو الذي يكون متوازنا في تكوينه،سواء كان ذلك في الجانب التطبيقي الميداني أو الجانب التكويني النظري أو الجانب الإبداعي. - الجانب التطبيقي: وهو على الفنان التحكم في مواد الرسم و التشكيل و التحكم في قواعد الفن بأدق حذافيره. - الجانب النظري : وهذا يرجع إلى تكوين الفنان من الجانب المعرفي و العلمي و التاريخي للفنون و مطالعة آخر الإصدارات أكان ذلك من خلال كتب أو مجلات فنية أو المواقع الإلكترونية(net) و الإحتكاك بالفنانين في الصالونات و الإفادة من خبراتهم و تجاربهم الفنية مع المحافظة على تركيبته الشخصية حتى لا يذوب في ظل الآخر. - الجانب الإبداعي: بعد تكوين متكامل في الجانبين النظري و التطبيقي يأتي دور الإبداع وفقا لتركيبة شخصية الفنان و ميوله، وكما ذكرنا سالفا بأنه على الفنان التكوين في الجانبين النظري و التطبيقي تكوينا سليما حتى إذا تعرض الفنان لمعالجة موضوع عمل فني فإنه يستطيع أن ينجزه ولا يخذله عدم معرفته بالمواد و التقنيات الفنية، أو جهله بتاريخ الفن أو علم الجمال أو الفلسفة، لذا و بعد نضوج تجربته الفنية عليه التطرق إلى الجانب الإبداعي و ذلك باختراع فكرة جديدة يستطيع التنظير لها و الدفاع عنها من خلال الإضافة و الحذف و سن قوانين تحكم فكرته حتى لا يدخل إلى عالم عبثي و فوضوي بعدها تستطيع هذه الفكرة السفر عبر الزمن و تظل أعماله تستقطب العقل أولا و النظر ثانيا؛ و بصياغة أخرى ليس علي أن أقدم الجمال في عمل فني بل أريد أن أقدم عمل فني يثير في داخلك الرؤية الروحية قبل الرؤية البصرية.
س10: هل هناك تيار تشكيلي معين بأسماء و أمثال نصنف ضمنه التشكيل الجزائري ؟
سمير: يعلم الأستاذ النحات محمد بوكرش انه حاليا و مع متطلبات و متغيرات هذا العصر أصبح هناك هذا الزخم الفني المهول والمتعدد الأبعاد والرؤى. حيث أصبحت مفاهيم الإبداع بعدد المبدعين، لذلك و كما ذكرنا سابقا أن التشكيل الجزائري يحتوي على تلك الفسيفساء من الفنانين الذين نستطيع أن نجد لهم مكانا ضمن التشكيل العالمي بمختلف تياراته ومذاهبه الفنية من الفن المعاصر الذي استطاع نسبيا أن يحتوي الفن التشخيصي كمدرسة, والفن الحديث كمدرسة أخرى و صهرهما في بوتقة واحدة و إعادة إخراجهما و صياغتهما بما يتوافق و روح العصر، كما أنه هناك من الأعمال الفنية ذات مستوى راقي ولا نستطيع تصنيفها ضمن أي مدرسة فنية أو تيار فني, بكل بساطة لأنها لا تتبنى أيا من الأفكار السالفة و مبنية بطرق و قواعد جديدة تتوافق و رؤية أصحابها. بكل بساطة وحسب رؤيتي المستقبلية لما يحدث في الساحة الجزائرية الفنية هناك مخاض لميلاد مدرسة جزائرية متمردة على كافة التيارات العالمية بطابع مستقل وثائر يتماشى وشخصية الجزائري الرافض لأي تبعية.
س11: أمهات القضايا و التشكيل؟
سمير: إنه لطالما عبر الفنان التشكيلي عن مواقفه من خلال أعماله الفنية اتجاه القضايا العالمية لذا فإن أعمالي هي تعبير عن شخصي بكل ما يحتويه من تناقضات و أغلبها تدور حول مواضيع دينية و سياسية و اجتماعية محظورة (معالجة)و تاريخية وكذا شخصية.
س12: هل أحببت؟ من ؟ متى؟ وكيف؟ هل رسمت الحبيب؟
سمير: الحب هاته الكلمة التي طالما أثارت مشاعر الإنسان و عواطفه، وكانت ملهمة الفنانين والأدباء،لذا فأنا إنسان قبل أكون فنانا. من:إنها صاحبة الجلالة الآنسة هدى "ح"مع عدم ذكر اسم العائلة حتى لا أحرجها متى: كان ذلك منذ أن أمر الله القلم بخط أقدار الناس، لذلك أعتبر نفسي أحببتها من الأزل إلى الأبد فهي المبتدأ والمنتهى وقدري المعجل و قضائي المؤجل رسمتها: ليس بعد ولكني أتحين الفرصة، وفي انتظار ذلك تكون تجربتي الفنية قد زاد نضوجها و بالتالي أقدمها في عمل فني يعكسها بكل تفاصيلها ظاهرا و باطنا. وفي الأخير لا شيء يعبر عن الحقيقة بمقدار شكلها و ذاتها الحقيقي.
بوكرش محمد 29/12/2008 BOUKERCH ALGERIA
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire