الفـــن مبــدأ في الحيــاة
الكاتب: محمد كريم
05/05/2009
إن الفنون والآداب عامة قد تكون غذاء شهيا ونبعا صافيا طاهرا باعثة للقيم الفاضلة في قلب الإنسان وعقله من خير وبر وعطاء ولسان معبرا لأشرف الدعوات وأقدس المعاني وأجمل الأفكار. الفن وسيلة لما هو أعظم وأداة في يد الإنسان الذي ينشد الخير لوطنه و الناس أجمعين، لقد أصبح الفن في عصرنا أداة من أدوات التأثير الخارقة استغلته
جميع الملل لأداء وتبليغ مقاصدها واستثمرته أحسن استثمار واعتمدته الكنيسة أداة إبلاغ، مررت من خلاله أفكارها، وأوهامها على السواء وخدمت مبادئها عبر ألاف من اللوحات التي نفذها مئات من الفنانين الكنسيين ونكاد نحسب أنه لم يتخلف عن الاستفادة من هذه الوسيلة واستثمار هذه الأداة إلا أهل الإسلام.
لقد أهمل أهل الإسلام فيما يبدو جانب الفنون، فالمتصفح للمجلات والنشرات والصحف العربية الإسلامية يراها تركز فقط علي الجوانب النظرية المكررة وقد يكن ذلك مطلوبا لكن إغفال جانب الفن في خضم الصراع الحضاري القائم يجر إلى أضرار مؤكدة وخسائر محققة، لقد تغير العصر وتقدم الزمن ومع تغير العصر تغيرت كثير من وسائل وأساليب الخطاب والأداء وأصبح الوصول إلى الجماهير فنا وعلما قائما بذاته، يحتاج إلي كثير من الخبرة والي كثير من الفهم والدراسة لقد أصبح الفن في إطار التقدم الإنساني الشامل يشغل حيزا كبيرا في أساليب الاتصال والتأثير وحيزا أكبر منعناصر الخطاب والتبليغ والإيصال….السؤال الكبير الذي يواجهنا الآن كيف نتصدى لهذا الركام الهائل من الفنون، لا يكفي الصراخ والكلمات المحمومة والخطب الماهرة وإنما لابد من بديل شامخ مضيء وفن أصيل قادر علي أن يثبت في المعمعة لابد أن نقدم البديل للناس فهم لا يستطيعون أن يعيشوا في فراغ، كما أنهم لا يستطيعون أن يرفضوا وسائل الإمتاع والتسلية التي تقدم لهم.
الفن التشكيلي في رأي شكل من أشكال الوعي وصورة من صور الإحساس الإنساني الناضج وإن كان للفن أن يفعل شيئا فان ابسط ما يستطيع أن يفعله هو أن يعبر عن إحساس الفنان ويعكس صورة الحياة والواقع كما انطبعت في نفس الفنان، بل أزيد علي ذلك فأقول أن الفن يؤدي دورا مهما في البناء الحضاري للإنسان والأمة علي أن هناك شرطا لابد منه لكي يقوم الفن التشكيلي بهذا الدور المهم وهو أن يرتبط بالمبادئ والمثل والقيم الرفيعة حينئذ يمكنه أن يسهم في البناء الجاد من خلال ارتباطه بتلك القيم التي تجعل منه أداة مهمة ووسيلة جليلة في البناء.
إن الحركة التشكيلية في بلادنا تسير وراء تيار مجهول، الكثير من الفنانين عندنا يدعون الإبداع ويزعمون ذلك بقوة لكنني أقول أن إبداعهم ليس أكثر من أداء تقني سطحي يفتقد كل مقومات العملية الابتكارية الأصيلة التي تفرض التميز والأصالة وغيرها من مقومات الإيداع الحق.
إن تجاهل كثير من الفنانين واندفاعهم غير المنضبط وراء اتجاهات غربية، نقلتهم إلى شيء خطير هو الافتخار والتعصب لتلك الاتجاهات وتمجيد أعمالها، ولا ننكر أبدا أن الفنون الغربية لها روائع إنسانية بارعة ومدهشة تلقي أضواء كاشفة عن النفس الإنسانية.
ومن هنا بجدر بنا أن نؤكد تميزنا واختلافنا فيما يجب أن نعبر عنه، ولا شك أن الفنان الغربي له قيمه وتصره ومجتمعه كما أن الفنان الجزائري هو الآخر له قيمه وتصوره ومجتمعه، هذا الفرق واضح ويجب على الفنان الأصيل أن يؤكد هذا الفرق بأن يعبر عن قضاياه ومجتمعه وهمومه لان الفن في جميع أشكاله صورة من الحياة و صورة لنفسية الفنان.
كما نعلم أن الفنون الغربية فنون وثنية منشؤها البيئة الوثنية والمادية ومرماها بعد ذالك هو التعبير عن تلك الوثنية في مختلف كلياتها وجزئياتها، ولكن البيئة عندنا مختلقة بعيدة كل البعد عن البيئة الغربية البغيضة، فما الذي يدفع الفنان عندنا الانقياد وراء هذا الفن مقلدا إياه تقليدا أبله ونقلا سطحيا لواقع ومُثل بعيدة كل البعد عن حقيقة واقعنا ومثلنا، وانسياق أكثر فنانينا وراء تيارات غربية شيء خطير.
يمكن للفن أن يكون أداة هدم ويمكنه أن يكون أداة بناء أداة هدم إن كان وسيلة للانجاز والكسب وطبعا إذا خاطبت غرائز الناس وأثرت شهواتهم ستكسب لا محالة بل ستحقق مداخل ضخمة وستسجل لوحاتك أرقاما قياسية في مبيعاتها وشهرتها، وأداة بناء إذا كان الفن وسيلة لتطعيم الوجدان الإنساني بقيم رفيعة وتزويده بإحساس جمالي ممتع وغنى. ثم إن أساس البناء والهدم يأتيان من موقف الفنان فلكل فنان موقف من الحياة والمجتمع والكون كما أن كل فنان مقاييسه ومثله، وقد يكون موقف الفنان على كل حال واعيا وسليما أو خلاف ذلك، ولكن الموقف موجود بالضرورة فمن الفنانين مثلامن يشغل نفسه ويصرف همه إلى تفسيرات تقوم على روابط الصراع أو رابط الحتمية التي تسير الأشياء والأحياء إلى آخر ما يمكن أن يكون لأي فنان من موقف وتصور ومعرفة، والمهم هو دور الفن الذي ينبني على تلك القاعدة المتينة التي سميناها التصور، الموقف من الحياة والكون والإنسان والأشياء إذ خلال ذلك الموقف يعبر الفنان ويبدع
بقلم محمد كريم فنان تشكيلي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire