خالد خضير الصالحي
08/05/2009
يتفرد الرسام جبار عبد الرضا عن غيره من الرسامين بسرعة تحولاته الشكلية والرؤيوية ، وبشكل يجعل من الصعب على النقد ان يلحق به ويتابع تحولاته المتلاحقة ، خصوصا إذا أخذنا بالأعتبار طموحه في تقديم الجديد ، و(الكسل) النقدي السائد والتقصير في متابعة التجارب الفنية من قبل النقاد. فبعد تجربته السابقة التي كرسها معرضه السابق، حيث قضى جبار عبد الرضا ردحا من الزمن ، يؤسس تجربته السابقة وهو يؤثث فراغات مشهده التصويري من خلال رسم غرف الضيوف الفارغة من الوجود البشري والمملوءة بقطع الأثاث التي تتخللها بثور أماكن فارغة بيضاء دون صبغة ، تماما مثلما كان يفعل النحات الدكتور مرتضى حداد حينما كان يرسم ، إلا أن جبار عبد الرضا ، يخلف تلك المرحلة وراءه ، ويتجه الآن اتجاها قد يبدو مناقضا تماما لاتجاهاته الأولى ، فهو يستعير مادة قد لا تنتمي الى مواد الرسم ، بل هي في حقيقتها مادة نحتية ذات أبعاد ثلاثة تقلب جوهر اللوحة الذي تم الاتفاق عليه منذ قرون خلت.
فبينما كان في معرضه السابق يوظف الانقطاع (الفراغ) المتمثل بالفراغ البشري الذي يفتقده المشهد (= غرفة ضيوف فارغة المؤثثة) إلا من أثاث (يأكله الفراغ) ، بينما يوظف في تجربته الحالية ثيمة شكلية مناقضة (بل قد تكون متممة باعتبارها الجانب الآخر من العملة) لثيمة الفراغ (=الانقطاع) إنها الاستمرارية التي تعني التواصل الخطي ، والشكلي ، وردم الأنقطاعات أو اختفاءها بفعل التوظيف غير الواعي للخبرة الحياتية والثقافية ، باعتبارها جوهر التكوين الخطي الذي يجد صداه في التعاقب بين النقاط (=الخط باعتباره حركة نقطة) منذ (بداية) الخط وحتى (نهايته) ، انه تعاقب تكويني من النقطة التي هي أزل الخط ، وحتى الخط (=عالم البعد الواحد) مرورا بالسطح (=عالم البعدين) وانتهاء بالحجم (=عالم الأبعاد الثلاثة) ، وهي حركة متعاقبة لنقاط الخط من اجل تكوين السطح ليكون الخط أزلا للسطح باتجاه نهاية تحولاتها الشكلية المتعاقبة ، لنقاط الخط من اجل تكوين السطح ليكون الخط أزلا للسطح باتجاه نهاية تحولاتها الشكلية المتعاقبة ، إنها حركة متعاقبة لا تتوقف ، بل هي تمتد الى حركة نقاط السطح بأجمعها باتجاه تكوين الحجم (ثلاثة أبعاد) ، و بذلك تلعب محاور التكوين أثرها الحاسم في تحولات الأبعاد الخطية من النقطة ، حيث انتفاء المحاور الى السطح حيث المحورين الأفقي والعمودي اللذين يحددان أماكن النقطة ومحاور حركتها بينما يدخلنا الحجم علاقات اشد تعقيدا حيث يدخل البعد الثالث ضمن محاور اللوحة (العمودي و الأفقي) بظاهرة قد تصح تسميتها (التواشج الإحداثي) وبهذا ينتهك جبار عبد الرضا (قداسة) محاور اللوحة التي تناقلتها أجيال من الرسامين باعتبارها سطحا ذا بعدين مطليا بطبقة من الألوان ، مثلما انتهك الرسام محمد مهر الدين تلك القداسة في سبعينات القرن الماضي، حيث تتداخل تحولات النقطة (النقطة - الخط - السطح - الحجم) على سطح اللوحة بشكل يجعل منها نمطا اجناسيا عصيا على التجنيس ، قد تصح فيه كلمات هربرت ريد بأننا ((قد اعتدنا ان نسمي كل الأعمال ذات الأبعاد الثلاثة في الفن التشكيلي (نحتا) . لكن الفترة الحديثة شهدت ابتكار أعمال ذات ثلاثة أبعاد في الفن التشكيلي ، لا يمكن ان نعدها (منحوتة) ، أو حتى مسبوكة ، إنها مشيدة ، كالعمارة ، او ربما مصنعة كالماكنة))
ان هتك محاور اللوحة بشكل يدخل البعد الثالث ضمن محاورها يفرض تعاملا حسيا آخر معها ، فأن التعامل مع اللوحة _ السطح (= البعدين) يجعل من هيمنة العين هيمنة مطلقة باعتبارها بوابة التلقي لهذا النمط من الرسم ، بينما يفرض دخول البعد الثالث الى اللوحة هيمنة نمط آخر من آليات التلقي يهدف الى إيقاظ ((إحساس اكبر بالقيم الملموسة للنحت)) ، باعتبار تلك الوسيلة الحسية ذات الأهمية المطلقة في تلقي النحت والمجسمات ، فالحقيقة الداخلية والمزايا الملائمة لفن النحت : كالإحساس بالحجم والكتلة ، والتفاعل مع الفجوات والنتوءات ، والتمفصل الإيقاعي للمستويات والمحيطات ووحدة المفهوم ، ((ينبغي ان تدعونا للمس ، الأثر النحتي ، فهل يعني ذلك إن جبار عبد الرضا يفرض على المتلقي آليات تلقيه للأثر الفني ، وهل يدخل ذلك من باب الموجهات القرائية التي قد يبثها بعض الرسامين - الكتاب ، مثل الراحل شاكر حسن آل سعيد والرسامة هناء مال الله في تنظيراتهما التي ترافق أعمالهما ، فهل ستكون الأداة التعبيرية ، ونقصد منها هنا المادة وتشكلاتها ، هل يمكن أن تكون موجها للقراءة؟ وكيفما يكون شكل جوابنا على هذه الأسئلة فأن هذه القضية مختلفة تمام الاختلاف ، فحين يقع النقد في مجال خارج بصري ، تهيمن الأعتبارات الخارجية ، بينما على النقيض من ذلك حين تحتل المادة صلب و جوهر الرؤية البصرية للرسام ، فستكون الموجه القرائي الأول والأخير ،
خالد خضير الصالحي
samedi 9 mai 2009
الرسام جبار عبد الرضا من الانقطاع الشكلي ... الى التواشج الإحداثي
الرسام جبار عبد الرضا من الانقطاع الشكلي ... الى التواشج الإحداثي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire