من أعمال الفنان الصديق العراقي كامل حسين
الاعمال الاخيرة للفنان كامل حسين تؤسس لذائقة فنية عراقية جديدة
محيي المسعودي
دفع المعرض الأخير للفنان العراقي كامل حسين، والذي اُقيم في قاعة أكد في العاصمة العراقية بغداد ، دفع بعض الفنانين والمراقبين إلى الهمس في لحظات الافتتاح وبعدها ، وبالحديث حول
تراجع كامل حسين فنيا، حتى قال أحدهم أن لوحاته فارغة من المعاني اللونية والشكلية، وقال أخر أنها متشابهة وذات الوان باردة وباهتة ، بل ميتة، وهي تكرار أو استنساخ أقل جودة من الاصل الذي سبقها واضاف اخر يقول ان اغلب الفنانين والمراقبين دهشوا من تراجع الفنان في معرضه الاخير . وعلق آخر حول امتداح الصحافة المحلية للاعمال المعروضة بالقول ان الصحافة الثقافية، والفنية تحديدا عاجزة عن التعامل مع الفنون التشكيلية نقديا وغالبا ما تلجأ إلى الحديث العام في قراءاتها للاعمال اوالتقاط تصريحات لا يمكنها إلا أن تكون مجاملة . وفي وسط هذا اللغط حول أعمال المعرض الأخير لكامل حسين وجدت نفسي أفتش في لوحاته بألوانها وأشكالها عن شيء جديد مغاير ومختلف دفع هذا البعض للتصريح بما ذكرناه . اذ كان ثمة شيء قد برق في ذهني وملأ نفسي ومنعني من الانسياق وراء ذلك الهمس المتعالي ..
ذاكرة النسيان – أم - " نسيان الذاكرة " !؟
الأول هو العنوان الذي اطلقه الفنان على معرضه وفيه ثمة التفاف على المعنى . وعليه ما دام للنسيان ذاكرة فلا شيء منسي إذن . أما نسيان الذاكرة . فهو عنوان لفعل مقصود له ما يبرره . وهذا ما اردت النظر فيه لأن الفنان أنّما تعمد أهمال أو نسيان الذاكرة والتخلص منها لأنها محملة أو مثقلة بكل ما هو مؤلم أو محزن او فجائعي ، وبالتالي فأن نسيان الذاكرة يريح الفنان ويخلصه من قيود وجد نفسه فيها دون ارادته، ويفتح له هذا النسيان آفاقا جديدة للرؤية الحياتية والفنية معا . ويبدو أن نسيان الذاكرة هو المقصود كما تشير الأعمال المعروضة وتؤكده ، إذ عمد الفنان الى تحريرذاته وذاكرته أولا، ثم اعماله الفنية ثانيا من خلال التراجع عن السائد من الرؤى والثقافات التي يحملها حياتيا ومن ثم التراجع فنيا من ذروة قوة اللون والشكل في اعماله الاولى الى الوقوف في المنتصف . فبات لونه وسطي لا هو حار جدا" وحشي " ولا هو بارد "ميت" وانحصرت الالوان بين البرتقالي والأخضر والوردي مع دخول الأزرق والرمادي والكاكي ، وان تخلي الفنان عن الألوان الحارة المستعرة، دفع بالمستنفرين أي الانفعاليين الذين يعبرون عن الذائقة العربية المعروفة باعتمادها على الانفعال، سواء كان هؤلاء من الفنانين اوالنقاد . دفعهم إلى القول بأن كامل حسين تراجع عن مستواه الفني . كما أن الوسطية في الالوان والاشكال جعلت بعضهم يقول أنه يكرر نفسه " كوبي" باهت، او ليس هناك ثمة شيء في لوحته، ولو أننا تأملنا هذه الآراء لوجدنا انها جاءت بسبب استخدام الوسطية في مواد وادوات ورؤى الفنان والتي جعلت كل شيء يبدو مألوفا وغير مؤثر أو مستفِز. ثم انها تُظهر كل شيء وكأنه عادٍ ، ولكن الخفوت اوالتلاشي في اللون والشكل انما هو تجريد متكامل في ذات المنتِج والمنتَج معا أي منسجم مع رؤية الفنان التي ترفض التطرف الفني على خلفية رفضها التطرف السياسي والاجتماعي والذوقي الذي عاش قسوته الفنان ولايزال، وهنا حاول كامل حسين تجريد ذاته ترفّعا وطلبا للسمو، وكتعبير عن ذلك تنازل في اعماله عن اللون الحار من الجهة العليا وعن اللون البارد من الجهة السفلى وهو بهذا " واعٍ او غير واعٍ " يجسد المرحلة الزمنية التي يعيشها اجتماعيا وسياسيا وثقافيا في بلده منذ عام 2003 مقارنة بتلك الفترة القاسية جدا وخاصة على الحريات لإبداعية ناهيك عن حريات المجتمع الآخرى . من هنا ذهبت الحدة من اللون وتنازلت الألوان الوحشية لصالح الألوان الدافئة مع بقاء محدود للألوان الحارة "الوحشية" وهي اشارة أو تعبير عن الأحداث القاسية التي مرت بها البلاد في تلك السنوات، التي شفعت "الانتقالية" فيها لدى الفنان لكي لا يطغي وجودها وتاثيرها على الأعمال . ولكي لا تقع في التشاؤم الذي يعم الرأي العام والإعلام وحتى القادة السياسيين .
الاحتكاك بالواقع الاجتماعي والسياسي ....
او ربما يكون سبب هذه الوسطية في اللون والشكل هو نتيجة احتكاك الفنان كامل حسين بالعمل الإداري السياسي من خلال الحياة الديمقراطية في العراق او حتى من خلال وزارة الثقافة التي يعمل فيها، والمعروف ان السياسة غالبا ما تكون عديمة الوضوح والنقاء والصراحة، وهي في الغالب كثيرة المرونة وتقف دائما في الوسط من اجل إدارة المختلفين وهكذا تقف اعمال الفنان في منطقة الوسط لونا وشكلا. واخيرا يمكننا القول ان كامل حسين في معرضه الاخير يتجه بفنه متاثرا بالحال السياسية والاجتماعية وادارتهما ويؤسس لذوق فني مختلف تفرضه الديمقراطية والحريات الناشئة في العراق . ومن جهة اخرى نجد اعمال الفنان في هذا المعرض تستجيب للواقع العراقي الراهن تحديدا دون النظر للمستقبل والآمال المعقودة عليه، واذا كان هذا الواقع الراهن هلاميا وغير واضح الملامح فان اعمال الفنان تستعير هذه الهلامية وتوظفها فنيا للتعبير عن هذا الواقع دون ان تقع في هلامية الرؤية باتجاه هدفها او ادواتها او وعي منتجها ..
معطيات مادية وفنية تاثر على الفنان العمر..
هناك اسباب ومعطيات اخرى اثرت على الفنان، مادية وفية قد تكون وراء وسطية اعمال الفنان كامل حسين والتي جعلته مختلفا عن ماضية الفني ومختلفا عن الذائقة الراهنة المبنية على ثوابت فنية صاغها الجمود الاجتماعي والثقافي والسياسي . اذ يلعب العمر دورا بارزا في انخفاض الشعور الانفعالي الحار كلما تقدم هذا العمر بالانسان اذ تخفت او تنطفئ او تترشد معظم النزوات والغرائز الجسدية والعقلية والروحية وتنحسر الشطحات ..
التفاعل بين المادة والذات
للتفاعل الحقيقي بين المواد والعمل الفني من جهة والذات المنتجة لذلك العمل من جهة اخرى دور هام في الصياغة النهائية للعمل ومدلولاته ، لانه مزج بين المادي والمعنوي، أي مزج بين المواد التي يعمل بها الفنان، سواء كانت الوان او معاجين او سطوح اوي شيء آخر وبين الرؤى والاحلام والمشاعر والافكار المراد صياغتها فنيا. وهذا التفاعل هو بمثابة محاولة جادة من قبل الفنان لان تكون المواد والالوان معبرة بذاتها وكينونتها الاولية والتكميلية عن افكار ومشاريع ومشاعر واحلام الفنان ، بعيدا عن المواد والصياغة المفتعلة التي تبرز بعضها البعض . وهذه الحال تشكل خروجا موفقا عن المنطقي والواقعي والتكنلوجي الذي يريد الفن ان يتخلص منه حتى يحقق هدفه في التسامي . وهو خروج الى عالم يستطيع الفنان من خلاله السباحه بلا قيود في عوالم واسعة وغير منتهية تمنحه حريات واسعة وطاقات هائلة ، عوالم تجعله قادرا على انسنة الالون والاشكال والاشياء ومنحها روحا حقيقية ومشاعر شفافة تمنحها القدرة على الفعل والتاثير في بعضها البعض وفي الانسان سواء كان متلقيا او منتجا لها. وهذا هو التجريد في الرسم .
لقد عمل الفنان كامل حسين في معرضه هذا على ترويض الوانه واشكاله واعادة صياغتها مرة اخرى لكي تنسجم مع المتغيرات الواقعية ولكي يتحرك هو من مكانه الذي وصله في الاعمال السابقة، هذا اقل ما يمكن ان نقوله عن مغايرته الاخيرة .
بابل \ محيي المسعودي
دفع المعرض الأخير للفنان العراقي كامل حسين، والذي اُقيم في قاعة أكد في العاصمة العراقية بغداد ، دفع بعض الفنانين والمراقبين إلى الهمس في لحظات الافتتاح وبعدها ، وبالحديث حول
تراجع كامل حسين فنيا، حتى قال أحدهم أن لوحاته فارغة من المعاني اللونية والشكلية، وقال أخر أنها متشابهة وذات الوان باردة وباهتة ، بل ميتة، وهي تكرار أو استنساخ أقل جودة من الاصل الذي سبقها واضاف اخر يقول ان اغلب الفنانين والمراقبين دهشوا من تراجع الفنان في معرضه الاخير . وعلق آخر حول امتداح الصحافة المحلية للاعمال المعروضة بالقول ان الصحافة الثقافية، والفنية تحديدا عاجزة عن التعامل مع الفنون التشكيلية نقديا وغالبا ما تلجأ إلى الحديث العام في قراءاتها للاعمال اوالتقاط تصريحات لا يمكنها إلا أن تكون مجاملة . وفي وسط هذا اللغط حول أعمال المعرض الأخير لكامل حسين وجدت نفسي أفتش في لوحاته بألوانها وأشكالها عن شيء جديد مغاير ومختلف دفع هذا البعض للتصريح بما ذكرناه . اذ كان ثمة شيء قد برق في ذهني وملأ نفسي ومنعني من الانسياق وراء ذلك الهمس المتعالي ..
ذاكرة النسيان – أم - " نسيان الذاكرة " !؟
الأول هو العنوان الذي اطلقه الفنان على معرضه وفيه ثمة التفاف على المعنى . وعليه ما دام للنسيان ذاكرة فلا شيء منسي إذن . أما نسيان الذاكرة . فهو عنوان لفعل مقصود له ما يبرره . وهذا ما اردت النظر فيه لأن الفنان أنّما تعمد أهمال أو نسيان الذاكرة والتخلص منها لأنها محملة أو مثقلة بكل ما هو مؤلم أو محزن او فجائعي ، وبالتالي فأن نسيان الذاكرة يريح الفنان ويخلصه من قيود وجد نفسه فيها دون ارادته، ويفتح له هذا النسيان آفاقا جديدة للرؤية الحياتية والفنية معا . ويبدو أن نسيان الذاكرة هو المقصود كما تشير الأعمال المعروضة وتؤكده ، إذ عمد الفنان الى تحريرذاته وذاكرته أولا، ثم اعماله الفنية ثانيا من خلال التراجع عن السائد من الرؤى والثقافات التي يحملها حياتيا ومن ثم التراجع فنيا من ذروة قوة اللون والشكل في اعماله الاولى الى الوقوف في المنتصف . فبات لونه وسطي لا هو حار جدا" وحشي " ولا هو بارد "ميت" وانحصرت الالوان بين البرتقالي والأخضر والوردي مع دخول الأزرق والرمادي والكاكي ، وان تخلي الفنان عن الألوان الحارة المستعرة، دفع بالمستنفرين أي الانفعاليين الذين يعبرون عن الذائقة العربية المعروفة باعتمادها على الانفعال، سواء كان هؤلاء من الفنانين اوالنقاد . دفعهم إلى القول بأن كامل حسين تراجع عن مستواه الفني . كما أن الوسطية في الالوان والاشكال جعلت بعضهم يقول أنه يكرر نفسه " كوبي" باهت، او ليس هناك ثمة شيء في لوحته، ولو أننا تأملنا هذه الآراء لوجدنا انها جاءت بسبب استخدام الوسطية في مواد وادوات ورؤى الفنان والتي جعلت كل شيء يبدو مألوفا وغير مؤثر أو مستفِز. ثم انها تُظهر كل شيء وكأنه عادٍ ، ولكن الخفوت اوالتلاشي في اللون والشكل انما هو تجريد متكامل في ذات المنتِج والمنتَج معا أي منسجم مع رؤية الفنان التي ترفض التطرف الفني على خلفية رفضها التطرف السياسي والاجتماعي والذوقي الذي عاش قسوته الفنان ولايزال، وهنا حاول كامل حسين تجريد ذاته ترفّعا وطلبا للسمو، وكتعبير عن ذلك تنازل في اعماله عن اللون الحار من الجهة العليا وعن اللون البارد من الجهة السفلى وهو بهذا " واعٍ او غير واعٍ " يجسد المرحلة الزمنية التي يعيشها اجتماعيا وسياسيا وثقافيا في بلده منذ عام 2003 مقارنة بتلك الفترة القاسية جدا وخاصة على الحريات لإبداعية ناهيك عن حريات المجتمع الآخرى . من هنا ذهبت الحدة من اللون وتنازلت الألوان الوحشية لصالح الألوان الدافئة مع بقاء محدود للألوان الحارة "الوحشية" وهي اشارة أو تعبير عن الأحداث القاسية التي مرت بها البلاد في تلك السنوات، التي شفعت "الانتقالية" فيها لدى الفنان لكي لا يطغي وجودها وتاثيرها على الأعمال . ولكي لا تقع في التشاؤم الذي يعم الرأي العام والإعلام وحتى القادة السياسيين .
الاحتكاك بالواقع الاجتماعي والسياسي ....
او ربما يكون سبب هذه الوسطية في اللون والشكل هو نتيجة احتكاك الفنان كامل حسين بالعمل الإداري السياسي من خلال الحياة الديمقراطية في العراق او حتى من خلال وزارة الثقافة التي يعمل فيها، والمعروف ان السياسة غالبا ما تكون عديمة الوضوح والنقاء والصراحة، وهي في الغالب كثيرة المرونة وتقف دائما في الوسط من اجل إدارة المختلفين وهكذا تقف اعمال الفنان في منطقة الوسط لونا وشكلا. واخيرا يمكننا القول ان كامل حسين في معرضه الاخير يتجه بفنه متاثرا بالحال السياسية والاجتماعية وادارتهما ويؤسس لذوق فني مختلف تفرضه الديمقراطية والحريات الناشئة في العراق . ومن جهة اخرى نجد اعمال الفنان في هذا المعرض تستجيب للواقع العراقي الراهن تحديدا دون النظر للمستقبل والآمال المعقودة عليه، واذا كان هذا الواقع الراهن هلاميا وغير واضح الملامح فان اعمال الفنان تستعير هذه الهلامية وتوظفها فنيا للتعبير عن هذا الواقع دون ان تقع في هلامية الرؤية باتجاه هدفها او ادواتها او وعي منتجها ..
معطيات مادية وفنية تاثر على الفنان العمر..
هناك اسباب ومعطيات اخرى اثرت على الفنان، مادية وفية قد تكون وراء وسطية اعمال الفنان كامل حسين والتي جعلته مختلفا عن ماضية الفني ومختلفا عن الذائقة الراهنة المبنية على ثوابت فنية صاغها الجمود الاجتماعي والثقافي والسياسي . اذ يلعب العمر دورا بارزا في انخفاض الشعور الانفعالي الحار كلما تقدم هذا العمر بالانسان اذ تخفت او تنطفئ او تترشد معظم النزوات والغرائز الجسدية والعقلية والروحية وتنحسر الشطحات ..
التفاعل بين المادة والذات
للتفاعل الحقيقي بين المواد والعمل الفني من جهة والذات المنتجة لذلك العمل من جهة اخرى دور هام في الصياغة النهائية للعمل ومدلولاته ، لانه مزج بين المادي والمعنوي، أي مزج بين المواد التي يعمل بها الفنان، سواء كانت الوان او معاجين او سطوح اوي شيء آخر وبين الرؤى والاحلام والمشاعر والافكار المراد صياغتها فنيا. وهذا التفاعل هو بمثابة محاولة جادة من قبل الفنان لان تكون المواد والالوان معبرة بذاتها وكينونتها الاولية والتكميلية عن افكار ومشاريع ومشاعر واحلام الفنان ، بعيدا عن المواد والصياغة المفتعلة التي تبرز بعضها البعض . وهذه الحال تشكل خروجا موفقا عن المنطقي والواقعي والتكنلوجي الذي يريد الفن ان يتخلص منه حتى يحقق هدفه في التسامي . وهو خروج الى عالم يستطيع الفنان من خلاله السباحه بلا قيود في عوالم واسعة وغير منتهية تمنحه حريات واسعة وطاقات هائلة ، عوالم تجعله قادرا على انسنة الالون والاشكال والاشياء ومنحها روحا حقيقية ومشاعر شفافة تمنحها القدرة على الفعل والتاثير في بعضها البعض وفي الانسان سواء كان متلقيا او منتجا لها. وهذا هو التجريد في الرسم .
لقد عمل الفنان كامل حسين في معرضه هذا على ترويض الوانه واشكاله واعادة صياغتها مرة اخرى لكي تنسجم مع المتغيرات الواقعية ولكي يتحرك هو من مكانه الذي وصله في الاعمال السابقة، هذا اقل ما يمكن ان نقوله عن مغايرته الاخيرة .
بابل \ محيي المسعودي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire